أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الارشيف الماركسي - محمد عادل زكى - الطَّبقة الْوسطى العربيَّة: صراعات الهوية وتصدّعات الحداثة














المزيد.....

الطَّبقة الْوسطى العربيَّة: صراعات الهوية وتصدّعات الحداثة


محمد عادل زكى

الحوار المتمدن-العدد: 8353 - 2025 / 5 / 25 - 04:49
المحور: الارشيف الماركسي
    


لم تكن الطبقة الوسطى في العالم العَربيّ، ابتداءً من تشكُّلها في سياق ما بعد الاستعمار، نتاجًا لتطور طبيعيّ في بنية الاقتِصَاد الاجْتماعيّ؛ كما لم تتشكّل نتيجة لعلاقات إنتاج متجانسة ومستقرة تُفرز، بحكم قانونها الذاتيّ، طبقةً تُمارس دور الوسيط أو الحامل التَّاريخي للحداثة؛ بل تكونت، في أفضل تحليل، بوصفها طبقة وظيفيَّة، جرى تصنيعها مؤسسيًّا من قِبَل الدَّولة الوطنية النَّاشئة، بغرض ملء الفراغ الإداريّ والمعرفيّ الَّذي خلّفه المستعمِر؛ لا بوصفها طبقة مُنتِجة، بل باعتبارها طبقة مُدبّرة، وناقلة، ومُنظِّمة، ضمن جهاز الدَّولة، لما ليس من إنتاجها، ولا من صلب تركيبها التَّاريخيّ. وعليه، لم تكن الطَّبقة الوسطى العَربيَّة قادرة، في أي لحظةٍ حاسمة، على ممارسة وظيفة نقدية تجاه البنية الاجتماعيَّة، ولا على حمل مشروع تغيير جذريّ يتجاوز حدود الاندماج أو التكيّف؛ إذ إنها، في عُمق تكوينها، ارتبطت بالسلطة لا بالمجتمع، وارتبطت بالدَّولة لا بالعمل الخالق للقيمة، وارتبطت بالأيديولوجيا لا بالفعل التَّاريخيّ. وهذا يعني أن الطابع المُشتقّ لهذه الطبقة، من حيث تكوينها وموقعها ووظيفتها، جعلها دائمًا عرضة للاهتزاز، مع كل تحوّل في البنية السياسيَّة أو الاقتصاديَّة، دون أن تمتلك جهازًا مفهوميًا أو مصلحيًا يؤهلها للتماسك أو المقاومة. ولقد تأثرت، بالتَّالي، الطبقة المثقفة العربية الَّتي تُعتبر، في ظاهرها، جزءًا من الطبقة الوسطى، بالروح الغربية؛ روح، قادمة من خارج تاريخها، حملت معها قيم العقلانية، والعلم، والتقدم، لكنها، في جوهرها، لم تخرج من إطار الإحساس بالغربة التاريخية والبحث عن الهوية؛ فبدلًا من أن تكون قوة نقدٍ ذاتي تسعى لإنتاج معرفة مُلهمة تأخذ بيد المجتمع نحو تغيير جذريّ، كانت في الغالب محكومة بميكانيزمات استيراد الفكر، واستعارة المفاهيم، ونقل التجارب، ما جعلها طبقة متذبذبة، لا تقوى على بناء مشروع ثقافيّ عربي مُتماسك، بل غالبًا ما تميل إلى تقليد النماذج الغربيَّة أو رفضها بشكل مفرط، دون القدرة على التوفيق بين الروح الوطنية والروح الغربية، فتظل في حالة صراع مستمر، يصعب معه الإسهام في تحولات حقيقية ضمن المجتمع. ولقد ظُنَّ، لفترة ليست بالقصيرة، أن اتساع الطَّبقة الوسطى، وتناميها الكميّ، سيفضي إلى تحديث البنية الاجْتماعيَّة، وإلى تدعيم قيم العقلانيَّة، والعِلم، والانفتاح؛ غير أن الواقع التَّاريخيّ العَربيّ أثبت، بمرور الوقت، أن هذه الطَّبقة، بما هي عليه من تشظٍ داخلي، وتناقضات في الانتماء والوعي، قد تحوّلت، بالتَّالي، إلى أداة لإعادة إنتاج التسلُّط، وإعادة تدوير الامتيازات، وإعادة ترسيخ البنية الأبوية؛ حتى في لحظات الانفجار الثوريّ الظاهريّ. وعلى أقصى تقدير، يمكن القول بأن الطبقة الوسطى، في العالم العربيّ، لم تفشل فقط في أن تكون طبقة حداثية بالمعنى الأوروبيّ، أو طبقة نقدية بالمعنى الماركسي؛ بل فشلت أيضًا في أن تحفظ لنفسها موقعًا وسيطًا، فتقهقرت، في أكثر من بلد، نحو الهامش الاجتماعيّ، أو انزلقت، تحت وطأة العولمة النيوليبرالية، إلى قاع الطَّبقات الدنيا، فاقدةً بذلك أي إمكانيَّة للقيام بدور تاريخيّ مستقل. ولذا، إذا أردنا أن نُعيد التفكير في الطَّبقة الوسطى، لا كصورة نمطية أو كحامل أيديولوجي جاهز، بل كموقع اجتماعي محدد في شروطه التَّاريخيَّة والاقتصَادية، فعلينا أن ننطلق من تحليل بنيتها الداخلية، وتشظي مصالحها، وتناقض وعيها، لنفهم كيف ولماذا تحوّلت، في السياق العربي، إلى طبقة دون وظيفة، وإلى كتلة بشرية دون مشروع، وإلى كيان هشّ، يتماهى تارةً مع السلطة، وتارةً مع السُّوق، دون أن يكون لأي من التماهيين أساسٌ إنتاجيٌّ أو معرفيٌّ أو تاريخيٌّ صلب.



#محمد_عادل_زكى (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الطبقة المستحيلة: أزمة العامل العربيّ في اقتصاد تابع
- وليم بتي (1623–1687)
- ريتشارد كانتيون (1680–1734)
- النيوكلاسيكية: نهاية الاقتصاد السياسي وبداية وهم العلم المحا ...
- فرنسوا كينيه (1694 – 1774)
- ما بعد الاحتلال: الصراع العربي/الإسرائيلي كأزمة حضارية
- التاريخ كصيرورة: في نقد الثبات والوهم في الوعي الاجتماعي
- منابر الصمت: المدارس والجامعات بين الطاعة والمعرفة
- النيوليبرالية العربية: عن عبودية السوق واستقالة الدولة
- في مدارات التبعيّة: الاقتصاد كإعادة إنتاج للفقر
- الجامعة كآلية لإعادة إنتاج الطاعة
- من نظام إلى احتضار: سيرة العدم المعولم
- سرّ إنتاج المعرفة
- النخَّاس الجديد: كيف تعيد الإمبريالية صياغة هويتنا وتراثنا؟
- من الكنيسة إلى الجامعة: استمرار أدوار الهيمنة بصيغ جديدة
- في الطبيعة الاقتصادية للأسهم
- نقد وظائف النقود
- في الربا والفائدة
- الطبيعة القانونية للودائع المصرفية
- الطبيعة القانونية للودائع النقدية


المزيد.....




- بيان تنديد واستنكار صادر عن اللجنة الشعبية في أم الفحم
- د. مجدلاني : الخطوة المطلوبة والمسؤولية على المجتمع الدولي و ...
- وقفة حاشدة أمام البرلمان اليوناني ومسيرة تضامنية مع شعبنا ال ...
- مصطفى علوي// الرفاق المعطلون في القرية يطرقون باب الشهادة ...
- اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العمالي العراقي تعقد اجتماعها ...
- يائير غولان -يساري صهيوني- و-هادم للهيكل- و-قاتل للبقرة المق ...
- م.م.ن.ص// تعزية
- م.م.ن.ص// الإبادة هي وجه النازية في الأمس واليوم.
- كيف تخطط تركيا لتفكيك ترسانة حزب العمال الكردستاني؟
- تقرير: سوريا تُبعد الفصائل الفلسطينية وتُسلّم أسلحتها استجاب ...


المزيد.....

- مراجعة كتاب (الحزب دائما على حق-تأليف إيدان بيتي) القصة غير ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مايكل هارينجتون حول الماركسية والديمقراطية (مترجم الي العربي ... / أحمد الجوهري
- وثائق من الارشيف الشيوعى الأممى - الحركة الشيوعية في بلجيكا- ... / عبدالرؤوف بطيخ
- الثقافة والاشتراكية / ليون تروتسكي
- مقدمة في -المخطوطات الرياضية- لكارل ماركس / حسين علوان حسين
- العصبوية والوسطية والأممية الرابعة / ليون تروتسكي
- تحليل كلارا زيتكن للفاشية (نص الخطاب)* / رشيد غويلب
- مَفْهُومُ الصِراعِ فِي الفسلفة المارْكِسِيَّةِ: إِضاءَةِ نَق ... / علي أسعد وطفة
- من أجل ثقافة جماهيرية بديلة 5 :ماركس في عيون لينين / عبدالرحيم قروي
- علم الاجتماع الماركسي: من المادية الجدلية إلى المادية التاري ... / علي أسعد وطفة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الارشيف الماركسي - محمد عادل زكى - الطَّبقة الْوسطى العربيَّة: صراعات الهوية وتصدّعات الحداثة