|
العيد 80 للنصر - الجزء الخامس - من الذي إنتصرنا عليه — ولماذا إحتاج المصرفيون الدوليون لهتلر؟
زياد الزبيدي
الحوار المتمدن-العدد: 8339 - 2025 / 5 / 11 - 14:55
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
نافذة على الصحافة الروسية نطل منها على أهم الأحداث في العالمين الروسي والعربي والعالم أجمع
* اعداد وتعريب د. زياد الزبيدي بتصرف*
مقابلة مع المؤرخ الروسي *يفغيني سبيتسين أجراها **إيغور شيشكين صحيفة "زافترا" الالكترونية
8 مايو 2025
"زافترا": في هذه الأيام نحتفل بالذكرى ال80 للنصر على النازية الألمانية. لكن في الأسر السوفياتي (بعد الحرب العالمية الثانية) كان هناك مئات الآلاف من أسرى الحرب الذين يحملون جنسيات دول أوروبية لم تكن، من الناحية القانونية، في حالة حرب مع الإتحاد السوفياتي. إلى ماذا يشير هذا الأمر؟
يفغيني سبيتسين: نعم، في التأريخ الرسمي السوفياتي، كان يُقال إن الشعب السوفياتي حقق انتصارًا تاريخيًا عالميًا على النازية الألمانية والعسكرية اليابانية. لكن في الواقع، في عام 1941، كان الجيش الذي حارب الإتحاد السوفياتي يمثل أوروبا الموحدة. حدث شيء مشابه قبل 129 عامًا من هجوم هتلر على الإتحاد السوفياتي — غزو نابليون لروسيا، الذي سُمي بـ"غزو الأمم الاثني عشر". فجيش نابليون ضم العديد من الشعوب الأوروبية، مثل الفيلق البولندي بقيادة بونياتوفسكي...
"زافترا": كان هناك أيضًا النمساويون والبروسيون والبافاريون...
يفغيني سبيتسين: أنت محق تمامًا. في الحرب الوطنية العظمى، بالإضافة إلى حلفاء ألمانيا النازية — فنلندا، رومانيا، المجر، سلوفاكيا، بلغاريا، وغيرهم — كان هناك في صفوف الفيرماخت أقسام وفيلق كاملة من شعوب أوروبية عديدة. يكفي أن نتذكر الفرقة الفرنسية "شارلمان" التي دافعت عن برلين حتى النهاية. بالمناسبة، عدد الفرنسيين العرقيين أو مواطني الجمهورية الفرنسية في حركة المقاومة كان أقل بكثير من عددهم في قوات الفيرماخت. فرنسا، من ناحية، كانت محتلة جزئيًا من قبل الألمان، لكن في الجنوب كان هناك دولة دمية بقيادة المارشال بيتان — نظام فيشي. الأمر نفسه ينطبق على الشعوب التي لم تكن رسميًا حليفة لألمانيا النازية لكنها في الواقع قاتلت في صفوفها.
لذلك، عندما نتحدث عن انتصارنا، فإننا نعني هزيمة النازية والفاشية لجميع الشعوب الأوروبية. هتلر في هذا الصدد لم يكن رائدًا، بل كان تلميذًا مطيعًا لأسلافه. أيديولوجية العنصرية والنازية والفاشية تمت تربيتها من قبل الفلاسفة الفرنسيين والبريطانيين منذ القرن الثامن عشر. تذكر، على سبيل المثال، ابن عم تشارلز داروين، فرانسيس غالتون، الذي كان مؤسس علم تحسين النسل.
"زافترا": علم تحسين النسل الذي رعاه البريطانيون تم قبوله بسهولة من قبل النخبة السياسية الألمانية...
يفغيني سبيتسين: نعم، لم يكن وصول هتلر إلى السلطة صدفة، لقد تم إيصاله إلى هناك عمدًا. المستفيدون الرئيسيون من صعوده لم يكونوا فقط المصرفيون والصناعيون الألمان الذين كانوا مهتمين بالانتقام. دور حاكم بنك إنجلترا مونتيغو نورمان في صعود هتلر معروف جيدًا. المصرفيون والصناعيون الأمريكيون أيضًا لم يكونوا بعيدين عن هذا. على سبيل المثال، بريسكوت بوش، المصرفي والسياسي الأمريكي، والد وجد رئيسين للولايات المتحدة، كان مشاركًا نشطًا في هذه العملية.
قبل وصول هتلر إلى السلطة بفترة قصيرة، جمع الممول الألماني كورت فون شرودر في فيلته عددًا من كبار المصرفيين والصناعيين والسياسيين، بما في ذلك فرانز فون بابن (أحد أسلاف هتلر في منصب المستشار)، لوضع ما يُسمى بـ"إنذار لهيندنبورغ" — الرئيس الألماني آنذاك. في ذلك الاجتماع، شارك بشكل فعال جون فوستر دالاس، وزير الخارجية الأمريكي المستقبلي، وشقيقه الأصغر ألين دالاس، الذي ترأس وكالة المخابرات المركزية (CIA) من 1953 إلى 1961. شرودر لم يكن مجرد مصرفي كبير، بل كان عمليًا رئيسًا لما يُسمى بـ"إتحاد المصرفيين الألمان" ولعب دورًا رئيسيًا في دفع هتلر إلى الأمام.
"زافترا": إذا لم تخني الذاكرة، كان الأخوان دالاس يمثلان نظام الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي في ذلك الوقت؟
يفغيني سبيتسين: نعم. لأن الأمر لم يكن يتعلق فقط بإدخال هتلر إلى السلطة، بل أيضًا بتمويل حكومة ألمانيا. أذكر أنه في عام 1924 تم اعتماد خطة دوز، وفي 1929-1930 خطة يونغ، التي هدفت إلى إعادة بناء القدرة الصناعية لألمانيا، آنذاك جمهورية فايمار. وكان الحديث يدور عن إحياء الصناعة الثقيلة تحديدًا، التي تشكل قاعدة للصناعة العسكرية.
تم دفع هتلر عمدًا إلى منصب المستشار، ليس لكي تشكل ألمانيا النازية منافسًا للشركاء الغربيين، بل لتحويلها إلى رأس حربة، خاصة ضد الإتحاد السوفياتي. على سبيل المثال، عندما قطعت الحكومة البريطانية العلاقات الدبلوماسية مع الإتحاد السوفياتي بشكل استفزازي في عام 1927، مستخدمة رسالة زينوفييف المزيفة الشهيرة، أو "رسالة الكومنترن إلى العمال البريطانيين"، قال ستالين في مؤتمر الحزب الخامس عشر إن "رائحة حرب عالمية جديدة باتت تفوح في الهواء". أي أن الغرب كان مستعدًا بالفعل للانقضاض على الإتحاد السوفياتي. وكان يُنظر إلى بولندا بقيادة يوزف بيلسودسكي، المعادي لروسيا والإتحاد السوفياتي بشدة، على أنها رأس الحربة الرئيسية. لكن حينها تم تجنب الأزمة...
"زافترا": كان رأس الحربة ضعيفا بعض الشيء...
يفغيني سبيتسين: نعم، ضعيف. بالإضافة إلى ذلك، يجب القول إنه في الولايات المتحدة والدول الأوروبية كانوا يخشون آنذاك من اندلاع حرب عالمية جديدة. خاصة الفرنسيون، لأنهم عانوا بشدة من آثار الحرب العالمية الأولى. كانت خسائرهم هائلة: فقدوا جيلين كاملين من الشباب الأصحاء، وظهرت مشاكل ديموغرافية. لذلك، كان السياسيون الفرنسيون في تلك الفترة يحاولون تجنب مثل هذه الصراعات العالمية بأي ثمن. وليس من قبيل الصدفة أنه في أغسطس 1928 تم توقيع ميثاق بريان-كيلوغ (اتفاقية باريس) — معاهدة تنص على رفض الحرب كأداة للسياسة الخارجية، أي أنهم توصلوا إلى ضرورة حل جميع المشكلات الدولية فقط عبر طاولة المفاوضات. وزير الخارجية الفرنسي أريستيد بريان هو من طرح هذا الاقتراح، ووزير الخارجية الأمريكي فرانك كيلوغ دعمه.
"زافترا": كانت هذه بالفعل المرة الأولى في التاريخ التي يتم فيها حظر الحرب كأداة بحد ذاتها.
يفغيني سبيتسين: نعم، كوسيلة لاستمرار السياسة. الإتحاد السوفياتي لم يوقع على هذه الوثيقة في البداية، لأنه اعتبرها خدعة أخرى من الغرب، لكننا قررنا لاحقًا الاستجابة للفرنسيين والأمريكيين، لأننا أدركنا بالفعل أنه على الأرجح سيتعين علينا قريبًا إنشاء نظام للأمن الجماعي، خاصة في أوروبا. أي أن هذه الفكرة ظهرت قبل وصول هتلر إلى السلطة، وبعد ذلك أعلنها وزير الخارجية السوفياتي ماكسيم ليتفينوف.
في الواقع، كنا نبحث منذ فترة طويلة عن مقاربات مختلفة في هذا الاتجاه، ليس فقط عبر القنوات الدبلوماسية، بل أيضًا عبر الكومنترن وقنوات استخباراتنا. ولعبت فرنسا دورًا مهمًا هنا. كان لدينا عملاء مؤثرون جدًا هناك، بما في ذلك أعضاء في الحكومة الفرنسية، الذين دعمونا في هذا الشأن، لأنهم فهموا جيدًا أنه في حالة اندلاع حرب جديدة، فإن فرنسا — بسبب حالتها المعنوية والنفسية — لن تتمكن حتى من تجنيد جزء كبير من سكانها. نحن غالبًا ما نتجاهل عدم الجاهزية المعنوية للأوروبيين أنفسهم لتحمل عبء المسؤولية ودفع ثمن الحفاظ على سيادة وهمية بأرواحهم.
"زافترا": لذلك كان هتلر مطلوبًا.
يفغيني سبيتسين: بالطبع! النصف الثاني من عشرينيات القرن الماضي وبداية الثلاثينيات كانت، في الواقع، مقدمة للحرب. لعب الكساد الكبير الذي بدأ في عام 1929 دورًا محوريًا هنا، لأن الاقتصادات الأوروبية والأمريكية الهشة أصلاً ضربتها أزمة اقتصادية هزت أسس الرأسمالية. بطالة واسعة، موت جماعي بسبب الجوع... كل هذا تفاقم بسبب الظروف المناخية السيئة. أنصح محبي الحديث عن "الهولودومور" في أوكرانيا أن ينظروا إلى ما كان يحدث في الولايات المتحدة وأوروبا في نفس الفترة.
على خلفية هذه الكوارث والمعاناة، وانخفاض مستوى معيشة جزء كبير من سكان الغرب، نمت الخطابات الشوفينية. لهذا السبب، منذ بداية الثلاثينيات، أصبح حزب هتلر، الذي كان هامشيًا ولم يكن يحصل تقريبًا على أي أصوات في الانتخابات المحلية، يحصل فجأة على عدد كبير من المقاعد في البرلمان الفيدرالي. ساهم في ذلك أيضًا الصراع بين الشيوعيين والاشتراكيين. أفكار ما تسمى بـ"الجبهة الشعبية" ستُعلن فقط في عام 1935، عندما يكون هتلر قد وصل بالفعل إلى السلطة. وقبل ذلك، كان الكومنترن يتبع سياسة زينوفييف، الذي اعتبر الديمقراطيين الاشتراكيين والاشتراكيين بمثابة ذيول للبرجوازية، ومنع تمامًا أي تعاون بين الأحزاب المنضوية تحت الكومنترن معهم.
"زافترا": لكن الشيء نفسه كان يحدث من الجانب الآخر.
يفغيني سبيتسين: صحيح تمامًا. الحقيقة هي أن تاريخ الحركة "اليسارية" في ألمانيا أغنى بكثير من تاريخنا. هناك، حتى قبل ماركس وإنغلز، تم إنشاء أولى الهياكل السياسية. بشكل عام، كان هناك العديد من الشخصيات الكبيرة واللامعة — منظّرين وسياسيين — الذين كان لهم تأثير وشعبية كبيرة في القرن التاسع عشر. لذلك، كان البلاشفة يعولون كثيرًا على انتصار الثورة البروليتارية العالمية في ألمانيا. زينوفييف نفسه قال إنه في حالة انتصار الثورة البروليتارية هناك، سينشئ تحالف لا يُقهر بين روسيا وألمانيا، لن تستطيع برجوازية العالم بأكمله مواجهته.
يجب أن نأخذ في الاعتبار أيضًا ظرفًا مهمًا آخر. الحرب العالمية الأولى كشفت جميع التناقضات الصارخة للإمبريالية التي واجهها العالم الحديث. لم يكن من الممكن حلها في إطار النظام البرجوازي القديم، حتى في مرحلته الجديدة. وبعد توقيع جميع معاهدات السلام للحرب العالمية الأولى، بدأت الأفكار حول اتجاه البشرية المستقبلي تظهر بشكل نشط لتجنب تكرار مثل هذه المذابح.
عُرض خياران: الأول — خيارنا، التحرك نحو الاشتراكية، والثاني — الخيار الفاشي. على مدار عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي، دار جدال غير مباشر بينهما حول أي طريق هو الأصح، ومن اختار الطريق الأفضل الذي سيوصّل البشرية إلى مستقبل مشرق. والعديد من الأوروبيين آمنوا بصدق بأن الفاشية هي الطريق الرئيسي نحو عالم مثالي. الحقيقة هي أن الفاشيين في ذلك الوقت لم يكونوا قد ارتكبوا بعد تلك الفظائع المرعبة التي ظهرت خلال الحرب العالمية الثانية: لم تكن هناك بعد ملايين الضحايا، معسكرات الاعتقال، وغيرها من الأفعال المرعبة للنازيين. كل هذا كان لا يزال قيد البناء، ليصبح جزءًا لا يتجزأ من أيديولوجية النازية.
لم تؤخذ معاداة السامية في الاعتبار، لأنها كانت موجودة في أوروبا لقرون. علاوة على ذلك، كان الفاتيكان على رأس الحركة المعادية للسامية. الكنيسة الرومانية الكاثوليكية كانت، في الواقع، المحرض الرئيسي على المذابح اليهودية في جميع أنحاء أوروبا: في إسبانيا، فرنسا، ألمانيا، التشيك، سويسرا... في كل مدينة كبيرة، كانت هناك أحياء يهودية، حيث عاش المرابون والتجار وغيرهم.
"زافترا": إذن، لم تكن المذابح اليهودية في أوروبا صادمة لأحد في ذلك الوقت؟
يفغيني سبيتسين: لم تكن صادمة لأحد. لا في بولندا، ولا في ليتوانيا، ولا في الدول الأخرى حيث شكل اليهود أحيانًا أكثر من نصف سكان المدن.
وهكذا، حظيت أفكار الفاشية بشعبية كبيرة في جميع أنحاء أوروبا، وليس فقط في ألمانيا. في إيطاليا، في أوائل عشرينيات القرن الماضي، وصل الحزب الفاشي بقيادة موسوليني إلى السلطة. انتشرت أفكار الفاشية في فرنسا، بريطانيا العظمى، إسبانيا، ودول أخرى. في البداية، كان الفاتيكان وراء هذه الأفكار. لكن، كما يحدث غالبًا في التاريخ، ينفلت الكلب المسعور من السلسلة ويبدأ بعض سيده. حدث الشيء نفسه مع هتلر. تشاجر مع الفاتيكان ومع جميع أسياده، خاصة البريطانيين، الذين سعوا جاهدين لإيصاله إلى السلطة.
ومع ذلك، أدرك هتلر جيدًا أنه في ظل الظروف التي يدفعه فيها الغرب دائمًا إلى الحرب مع الإتحاد السوفياتي، دون السيطرة على القدرة الصناعية لأوروبا بأكملها أو على الأقل جزء كبير منها، فإن الدخول في صراع مع الإتحاد السوفياتي سيكون مخاطرة كبيرة.
"زافترا": لقد فهم أنه كان يُدفع إلى الذبح، وأن بريطانيا ستستفيد فقط من ذلك وتصبح أقوى.
يفغيني سبيتسين: نعم، لأنه سيتم تنفيذ خطة "تأبّر ألمانيا" (أي تحويل هذه الدولة من قوة صناعية إلى بلد للحقول والمراعي)، التي نوقشت في عام 1916 في المؤتمر الإقتصادي الباريسي الذي نظمه رئيس وزراء بريطانيا آنذاك هربرت أسكويث. كان المؤتمر يهدف إلى مناقشة تشديد الحصار الإقتصادي على ألمانيا، وكذلك منع إحياء قوتها الإقتصادية بعد الحرب العالمية الأولى. بالمناسبة، ممثل الإمبراطورية الروسية نيكولاي بوكروفسكي غادر آنذاك دون توقيع أي وثيقة تنص على تحويل ألمانيا إلى مرعى أوروبي للأغنام وإلغاء جميع قدراتها الصناعية، لأن ألمانيا كانت بالنسبة لروسيا المستهلك الرئيسي لمنتجاتها الزراعية، بينما كانت روسيا بالنسبة لألمانيا مستهلكة لمنتجاتها الصناعية.
"زافترا": تكرر الوضع في نهاية الحرب العالمية الثانية عندما تم طرح خطة مورغنثاو.
يفغيني سبيتسين: نعم، كانت خطة وزير الخزانة الأمريكية هنري مورغنثاو تقترح نفس الشيء — إضعاف ألمانيا وتحويلها إلى دولة زراعية. لكن الأمريكيين، الذين اتخذوا مسار الحرب الباردة مع الإتحاد السوفياتي، غيروا رأيهم بسرعة، وحلّت خطة مارشال محل خطة مورغنثاو، ولكن بأهداف ومهام مختلفة تمامًا.
لذلك من الواضح تمامًا أن هتلر تم إعداده عمدًا من قبل ممثلي أولئك العولميين الذين لا يزالون يثيرون الفوضى حتى اليوم. ومن هنا تأتي العديد من التواريخ المتوازية. في الواقع، كان العولميون، ممثلو رأس المال العالمي الذين لا يحتاجون إلى دول قومية، هم من أثاروا بداية الحرب العالمية الثانية. بالمناسبة، وُلدت آنذاك أيديولوجية المونديالية، فكرة إنشاء حكومة عالمية، برلمان عالمي، وهياكل فوق وطنية أخرى...
"زافترا": بالطبع، كان كل هذا يُغطى بشعار "السلام العالمي"، لكن في الواقع، كل شيء تم لمصلحة كبار الأثرياء.
يفغيني سبيتسين: طبعًا. هذه الأفكار لم تولد من فراغ. كانوا يلقنون الناس أن البشرية عانت من هذه الفظائع والمآسي بسبب تصادم مصالح الدول القومية، وأن الناس قتلوا بعضهم بعضًا من أجل احتياجاتهم الوهمية. لكن إذا اختفت هذه الدول القومية، وعشنا في مجتمع إنساني موحد، فستختفي أسباب مثل هذه الصراعات. ومن هنا الاستنتاج: نريد حكومة عالمية! لكن وراء هذه الأقوال تختبئ مصالح رأس المال الأوليغارشي الكبير، خاصة المالي، ورغبته في التلاعب بالشعوب وتحويلها إلى قطيع يُحلب لمصالحه الأنانية.
"زافترا": هل أفهم بشكل صحيح أنه من بين المهزومين في الحرب العالمية الثانية لم تكن فقط ألمانيا النازية وحلفاؤها وعموم النازيين أو الفاشيين الأوروبيين، بل أيضًا رأس المال الكبير — كل هؤلاء المصرفيون البريطانيون والأمريكيون والفرنسيون والألمان وغيرهم؟
يفغيني سبيتسين: تمامًا. وهؤلاء المصرفيون، بما في ذلك اليهود، لا يهتمون أبدًا بمصالح شعوبهم.
"زافترا": وهذه الأوليغارشية المالية الدولية حاولت آنذاك إنشاء نظام عالمي جديد، ليس بشكل ليبرالي عولمي كما في أيامنا، بل في صورة النازية والفاشية؟
يفغيني سبيتسين: نعم، أنا مقتنع أكثر فأكثر أن الليبرالية هي مجرد شكل من أشكال الوجود للأيديولوجية الغربية، التي كانت في جوهرها دائمًا فاشية. ربما كانت هناك فروع مختلفة، مثل الفاشية الإيطالية، النازية الألمانية، العنصرية البريطانية والفرنسية، إلخ، لكن هذه مجرد ظلال. جوهر كل هذه الاتجاهات هو النازية في أنقى صورها. هناك من ينتمي إلى "المليار الذهبي"، والباقي "أونترمينش" (بشر دون المستوى)، يمكن فعل أي شيء بهم: إبادتهم، استغلالهم، تعذيبهم، إلخ.
هذه الأيديولوجية لم تختفِ، بل تم تعزيزها بنشاط طوال العقود التي تلت الحرب. ويجب الإشارة المفكرين الأوروبيين الدمى الذين أخفوا الشعارات النازية والفاشية الصريحة، بما في ذلك كراهية روسيا التي تمثل أحد مرتكزاتهم الأساسية، تحت أغلفة جميلة وشعارات مثل بناء "البيت الأوروبي المشترك". هنا تذكرنا مقولة لينين الشهيرة أنه في ظل الإمبريالية، أوروبا الموحدة إما مستحيلة أو رجعية.
تخيل فقط: غورباتشوف، الذي كان في البداية يتغنى بلينين كأنه كتاب مقدس، وادعى أنه وريث أفكار الماركسية وحتى حاول تأليف كتاب سخيف مثل "البيريسترويكا والتفكير الجديد لبلدنا والعالم كله"، فقد رفض تمامًا الأسس الطبقية للسياسة الخارجية اللينينية! كان بإمكانه ببساطة قراءة المقالة القصيرة لفلاديمير لينين "حول شعار الولايات المتحدة الأوروبية"، التي قال فيها إنه في ظل الإمبريالية لا يمكن أن تكون هناك أوروبا موحدة، وإذا ظهرت لسبب ما، فستكون واحدة من أكثر التكتلات رجعية في العالم. ومع ذلك، دفع غورباتشوف بلادنا إلى بناء "البيت الأوروبي المشترك"!
نحن الآن نرى بأم أعيننا ما أصبح عليه الاتحاد الأوروبي بعد أن سقطت جميع الأقنعة. في السابق، كانت أوروبا الموحدة في إطار عدد قليل من الدول الأوروبية الغربية تحافظ على بعض مظاهر الوقار، لأن الإتحاد السوفياتي والمعسكر الإشتراكي القوي كانا موجودين، ولم يكن هناك مجال للتمدد. لكن بمجرد إنهيار الإتحاد السوفياتي، تحولت دول الكتلة الإشتراكية السابقة إلى أعضاء مستعمرين (بفتح الميم) في الإتحاد الأوروبي، أي شعوب من الدرجة الثانية، أو "أونترمينش"، تعرضت لإستغلال وحشي: عمل الناس حرفيًا لقاء فلوس من أجل مصالح رأس المال الكبير، خاصة ألمانيا وفرنسا — أقوى دولتين في الإتحاد الأوروبي.
الآن، في ظل الأزمة الاقتصادية العالمية، خرجت جميع التناقضات إلى السطح. فالأزمة المالية 2008-2009 لم تختفِ، بل تم تمديدها وتخفيف وطأتها ببعض الأدوات. الهستيريا العسكرية المؤيدة لأوكرانيا في أوروبا اليوم هي نتيجة مباشرة لما حدث للإقتصاد العالمي قبل 15 عامًا. كل عاقل يفهم هذا جيدًا. حتى ترامب يقول إن "هذه ليست حربنا"، لأنه يبحث عن طرق أخرى للخروج من الأزمة العالمية للرأسمالية. هو يدرك أن السير على النهج القديم عبر الصراع العسكري يعني وضع البشرية على حافة الزوال، لأن الحرب القادمة لن تكون تقليدية، بل نووية، وستدمر كل أشكال الحياة على الأرض.
بينما وصلت إلى السلطة في أوروبا دمى وحثالة حقيقية هي إما لا تفهم هذا أو تتظاهر بعدم الفهم. فليس من قبيل الصدفة أنه بالتزامن مع إنهيار الإتحاد السوفياتي، تم فرض نظام بولونيا التعليمي في جميع أنحاء العالم، وكان جاك أتالي أحد أبرز منظريه ومؤلفيه. هو بدأ تنفيذ هذا البرنامج العالمي في جميع الدول والشعوب. وفي كتابه المشؤوم "النخبة المتجولة"، أكد أنه في عالم مترابط موحد، لا حاجة للدول القومية أو الحكومات القومية. كتب أتالي: "نحن نعد النخب العالمية القادرة على الحكم في أي ركن من العالم".
"زافترا": نعم، هو المنظر الرئيسي للعولمة الليبرالية/المونديالية. بالمناسبة، جميع رؤساء فرنسا الأخيرين خرجوا من تحت عباءته وظلوا مريدين له.
يفغيني سبيتسين: في وقته، كان أتالي مساعدًا لفرانسوا ميتران، الذي كان أحد أعمدة بناء أوروبا الموحدة.
"زافترا": أتالي كان أيضًا مؤسسًا وأول رئيس للبنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية.
يفغيني سبيتسين: نعم، هو أحد أكبر محركي الدمى.
إذن، ما لم ينجح فيه هتلر، الذي أراد بناء الرايخ الثالث بقوة السلاح، يحاول ورثته الفكريون تحقيقه بالذهب وما يسمى "القوة الناعمة". لكن مخططهم إنكسر الآن. أعتقد أن مصالح ما يسمى "رأس المال الوطني" تصادمت هنا. تذكر ما فعلته أنجيلا ميركل بعد كول بالتحالف مع الفرنسيين. الاقتصادان الأوروبيان الرائدان كانا يبنيان نموذج الرايخ الرابع. ليس بالنار والسيف هذه المرة، بل بالأدوات الإقتصادية. في النهاية، أدرك الأمريكيون أنه بعد فترة، ستقوم ألمانيا بدون أي حرب، فقط عبر "الفلوس" والموارد، ببناء الرايخ الرابع.
"زافترا": وأن ألمانيا، كما في عهد هتلر، ستتحدى أسيادها.
يفغيني سبيتسين: نعم، لقد فهموا أنه رسميًا ستكون هناك دول قومية في أوروبا، لكن عمليًا سيكون هذا الرايخ الرابع الألماني. وهذا لا يناسب الأمريكيين. وأصبح ترامب متحدثًا باسم جزء من النخبة الأمريكية (وليس فقط الأمريكية) الذي قال "لا". ----- يتبع ...
#زياد_الزبيدي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
طوفان الأقصى 582 – اليمن في مواجهة الطغيان - ملف خاص
-
العيد 80 للنصر – الجزء الرابع – الأساس الذي لا يجوز التفريط
...
-
طوفان الأقصى581 - إسرائيل تنوي القضاء الكامل على غزة كأرض فل
...
-
العيد 80 للنصر - الجزء الثالث - ملف خاص
-
طوفان الأقصى 580 - الزحام في سوريا
-
العيد 80 للنصر - الجزء الثاني -عملية بارباروسا عام 1941: تحل
...
-
طوفان الأقصى 579 - «الانتقام الذاتي»: من من العرب ساعد إسرائ
...
-
العيد ال80 للنصر – أسباب إنتصار الإتحاد السوفياتي على ألماني
...
-
طوفان الأقصى 578 - نتنياهو يعلن عن هجوم -مكثف- في غزة وتهجير
...
-
مناهضة الصهيونية – بعد إنهيار الإتحاد السوفياتي – الجزء الخا
...
-
طوفان الأقصى 577 – هل ستؤثر -حجج- إسرائيل المدعومة بالصواريخ
...
-
مناهضة الصهيونية – بعد إنهيار الإتحاد السوفياتي – الجزء الرا
...
-
طوفان الأقصى 576 – نتائج غير سارة – البريطانيون يعودون للحرب
...
-
مناهضة الصهيونية – بعد إنهيار الإتحاد السوفياتي - الجزء الثا
...
-
طوفان الأقصى 575 – الهند وباكستان في انتظار الحرب الرابعة
-
مناهضة الصهيونية – اللجنة السوفياتية لمناهضة الصهيونية وانتق
...
-
طوفان الأقصى 574 – معاداة الصهيونية هي معاداة للسامية؟!
-
مناهضة الصهيونية – اللجنة السوفياتية لمناهضة الصهيونية وانتق
...
-
طوفان الأقصى 573 – انفجار ميناء الشهيد رجائي – قراءة تحليلية
...
-
مناهضة الصهيونية – اللجنة السوفياتية لمناهضة الصهيونية وانتق
...
المزيد.....
-
قطر تهدي ترامب طائرة فاخرة وإدارته تعتزم قبولها بديلا للطائر
...
-
مسؤول بالصليب الأحمر: مقتل ما لا يقل عن 23 شخصا في أحدث موجة
...
-
إسرائيل تقصف مدرسة بنات بغزة بعد ساعات من وصف ترامب الحرب بـ
...
-
قصة السنغالي مالك جوب.. أفارقة جندوا في الحرب الروسية الأوكر
...
-
هل وجود المرتزقة الروس في أفريقيا يفاقم التوتّرات وعدم الاست
...
-
محاولة اغتيال أحد رموز المعارضة السياسية في مالي
-
هل يحاول بوتين شق الصف بين أمريكا وأوروبا؟
-
بلومبيرغ: الهند غاضبة من إعلان ترامب وقف إطلاق النار مع باكس
...
-
هل تحل صداقة ترامب وأردوغان الأزمات بينهما؟
-
جولة ترامب الخليجية.. ما هو جدول أعمال الرئيس الأمريكي؟.. (ت
...
المزيد.....
-
الحرب الأهليةحرب على الدولة
/ محمد علي مقلد
-
خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية
/ احمد صالح سلوم
-
دونالد ترامب - النص الكامل
/ جيلاني الهمامي
-
حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4
/ عبد الرحمان النوضة
-
فهم حضارة العالم المعاصر
/ د. لبيب سلطان
-
حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3
/ عبد الرحمان النوضة
-
سلطة غير شرعية مواجهة تحديات عصرنا-
/ نعوم تشومسكي
-
العولمة المتوحشة
/ فلاح أمين الرهيمي
-
أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا
...
/ جيلاني الهمامي
-
قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام
/ شريف عبد الرزاق
المزيد.....
|