زياد الزبيدي
الحوار المتمدن-العدد: 8335 - 2025 / 5 / 7 - 14:37
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
7 مايو 2025
الجزء الأول
بمناسبة العيد ال80 للنصر على الفاشية واستسلام المانيا النازية دون قيد او شرط امام الجيش السوفياتي في 8 مايو/أيار 1945، سوف نعرض لعدة أيام بعض المواد من الادبيات الروسية التي تلقي الضوء على جوانب مختلفة من الحرب الوطنية العظمى، كما يسميها الروس عن حق، وخاصة في ظل ما يقوم به الغرب، بسياسييه وحكوماته وصحافته ووسائل اعلامه، من شيطنة للإتحاد السوفياتي وصموده في الحرب ونصره العظيم وتحريره اوروبا الشرقية ورفع العلم الأحمر على الرايخستاغ في برلين.
وتمهيدا لذلك اعددت بحثا مختصرا يعدد أسباب نصر الإتحاد السوفياتي على ألمانيا النازية عام 1945 وأسباب هزيمة ألمانيا نوجزها فيما يلي.
-----
السؤال الأول: ما هي أسباب النصر؟
1. حجم التعبئة والتخطيط المركزي
نجح الإتحاد السوفياتي بحلول عام 1945 في تعبئة أكثر من 34 مليون شخص. وقد سمح النموذج الإقتصادي المركزي بسرعة تحويل الإقتصاد الوطني إلى نمط الحرب. ووفقاً لما أورده إ. ي. بارباشين، فإن أكثر من 60% من القوى العاملة كانت تعمل في الصناعات الدفاعية بحلول منتصف عام 1942.
2. إجلاء الصناعة ونمو الإنتاج الحربي
منذ بداية الحرب، تم إجلاء أكثر من 2500 مصنع. وفي الظروف الجديدة في منطقة الأورال وسيبيريا، لم يتم الحفاظ على الإنتاج فحسب، بل تم زيادته بشكل حاد. وبحلول عام 1943، تجاوز الإتحاد السوفياتي ألمانيا في إنتاج الدبابات والمدفعية.
مقارنة بألمانيا: رغم أن الصناعة الألمانية كانت أكثر تطوراً من الناحية التقنية، إلا أنها عانت من نقص في الموارد، وشح في الوقود، وقصف إستراتيجي مكثف من قبل الحلفاء. في المقابل، تمكن الإتحاد السوفياتي من الحفاظ على إستقرار الإنتاج من خلال التعبئة الداخلية والإمدادات عبر برنامج الإعارة والتأجير (ليند-ليز) ناهيك عن الإكتفاء الذاتي فيما يتعلق بالمواد الخام والنفط.
3. المقاومة الشعبية والعامل المعنوي
كانت المقاومة الجماهيرية في الأراضي المحتلة عاملاً مهماً في إنهاك القوات الألمانية. لعبت فرق الأنصار، التي تجاوز عدد أفرادها مليون شخص، دوراً محورياً في تدمير خطوط الإتصال الخاصة بالعدو.
مساهمة الجمهوريات السوفياتية: في بيلاروسيا وأوكرانيا ومنطقة سمولينسك، نشطت أكبر التشكيلات الحزبية. وأسهمت الجمهوريات القومية مساهمة ضخمة في المقاومة، سواء عبر تقديم المقاتلين أو من خلال تزويد الجبهة بالإمدادات.
4. القيادة السياسية والتنظيم
ركّز ستالين كل سلطات الدولة في "لجنة الدفاع الحكومية" و"القيادة العليا"، مما مكّنه من إتخاذ قرارات إستراتيجية بسرعة. كما ضمنت البنية السياسية الرأسية وأجهزة الرقابة والإنضباط والسيطرة في الجبهة وفي الخطوط الخلفية.
التباين مع ألمانيا: عانى الرايخ من صراعات بين هتلر والقيادة العسكرية العليا وباقي البنى العسكرية. وكان تدخل هتلر المباشر في القيادة الميدانية يؤدي غالباً إلى نتائج كارثية.
5. الأخطاء الإستراتيجية لقيادة النازيين
إرتكبت القيادة الألمانية أخطاء إستراتيجية جسيمة، منها التخلي عن الهجوم على موسكو عام 1941، وسوء التقدير في حملتي ستالينغراد والقوقاز، والتأخر في إعلان التعبئة العامة. كما تجاهل هتلر آراء جنرالاته، مما قلل من فعالية القيادة العسكرية.
مثال: تم تقسيم العملية في القوقاز إلى عدة محاور، مما أضعف قوتها الضاربة. أما في ستالينغراد، فإن محاصرة جيش المارشال باولوس كانت نتيجة لرفض التراجع في الوقت المناسب.
6. دعم الحلفاء عبر برنامج الإعارة والتأجير (ليند-ليز)
قدّمت الولايات المتحدة وبريطانيا للإتحاد السوفياتي كميات كبيرة من المعدات والمواد الغذائية والمواد الخام الإستراتيجية. وكانت المركبات (نحو 400 ألف شاحنة) ذات أهمية خاصة، إذ وفّرت قدرة تنقل عالية للجيش الأحمر.
مقارنة: رغم أن الإتحاد السوفياتي أمّن إنتاج الأسلحة الرئيسية بنفسه، فإن برنامج ليند-ليز وفّر دعماً حاسماً في مجال النقل والاتصالات والإمداد الغذائي للجنود.
7. تطور العلم العسكري السوفياتي والتكتيك
بحلول منتصف الحرب، راكمت القيادة السوفياتية خبرة قتالية فريدة تجلت في العمليات الكبرى مثل معارك ستالينغراد وكورسك، وعملية "باغراتيون" وغيرها. وتركز الإهتمام بشكل خاص على المناورة، والتمويه، والتنسيق بين صنوف القوات المختلفة.
عملية باغراتيون: جرت في يونيو–أغسطس 1944، وشملت أراضي بيلاروسيا وليتوانيا وأجزاء من بولندا. شارك فيها أكثر من 2.3 مليون مقاتل، وأسفرت عن تدمير 57 فرقة ألمانية، وتحرير مينسك، وفتح الطريق نحو حدود بروسيا الشرقية.
الخلاصة
جاء إنتصار الإتحاد السوفياتي نتيجة لتضافر عوامل متعددة: القدرة الهائلة على التعبئة، الإقتصاد المستقر الموجه للحرب، الروح الوطنية الجماهيرية، أخطاء الخصم الإستراتيجية، والدعم الحيوي من الحلفاء. وقد تحقق هذا النصر مقابل تضحيات بشرية ومادية هائلة، لكنها كانت حاسمة في تقرير مصير الحرب العالمية ءالثانية في أوروبا.
----
والسؤال الثاني: ما هي أسباب هزيمة ألمانيا في الحرب؟
قاد أدولف هتلر ألمانيا النازية خلال الحرب العالمية الثانية لإرتكاب عدة أخطاء استراتيجية فادحة أدت في النهاية إلى هزيمتها. ورغم أنه لا يوجد خطأ واحد يضمن النصر أو الهزيمة في الحرب، إلا أن المؤرخين يتفقون على أن بعض قرارات هتلر أضعفت موقف ألمانيا بشكل كبير. فيما يلي بعض أكثر الأخطاء شيوعًا:
1. غزو الإتحاد السوفياتي (عملية بارباروسا، 1941)
- توسيع الجبهات أكثر من اللازم: كانت ألمانيا تخوض حربًا ضد بريطانيا عندما شنت غزوًا ضخمًا للإتحاد السوفياتي، مخترقة بذلك اتفاقية مولوتوف-ريبنتروب. هذا أدى إلى فتح جبهتين في وقت واحد، مما إستنزف الموارد الألمانية.
- التقليل من صمود السوفيات: اعتقد هتلر أن الإتحاد السوفياتي سينهار بسرعة، لكن المقاومة السوفياتية والشتاء القاسي وتكتيكات "الأرض المحروقة" دمّرت القوات الألمانية.
- تأخير التقدم نحو موسكو: تردد هتلر في أغسطس 1941 عندما حوّل القوات من موسكو لتأمين أوكرانيا، مما قد يكون قد كلف ألمانيا فرصة الإستيلاء على العاصمة السوفياتية قبل الشتاء.
2. إعلان الحرب على الولايات المتحدة (ديسمبر 1941)
- بعد هجوم اليابان على بيرل هاربور، أعلن هتلر الحرب على الولايات المتحدة دون داعٍ، مما جلب القوة الصناعية الأمريكية الهائلة إلى الساحة الأوروبية.
- قدمت الولايات المتحدة إمدادات حيوية لبريطانيا والاتحاد السوفياتي عبر برنامج الإعارة والتأجير، وعززت القوة الجوية للحلفاء، وقادت لاحقًا غزو النورماندي (D-Day).
3. الفشل في سحق بريطانيا قبل التوجه شرقًا ضد الإتحاد السوفياتي (1940–1941)
- بعد إخلاء دونكيرك، فشلت ألمانيا في توجيه ضربة قاضية لبريطانيا. تحول اللوفتفافه (القوات الجوية الألمانية) من قصف قواعد سلاح الجو الملكي (RAF) إلى قصف المدن (الغارات الجوية على لندن)، مما سمح لبريطانيا بالتعافي.
- دون التفوق الجوي، أصبحت عملية أسد البحر (الغزو المخطط لبريطانيا) مستحيلة.
4. سوء توزيع الموارد والإدارة الإقتصادية الفاشلة
- ظل الاقتصاد الحربي الألماني غير فعال حتى تولى ألبرت شبير إدارته عام 1942. إذ ركز الإنتاج المبكر على إنتصارات قصيرة الأجل بدلاً من حرب طويلة الأمد.
- الإعتماد المفرط على الموارد المنهوبة من الأراضي المحتلة أدى إلى نقص حاد.
5. الهولوكوست وسياسات الإحتلال الوحشية
- أهدر النظام النازي الموارد في الإبادة الجماعية (تحويل القطارات والقوات الأمنية لعمليات الترحيل والقتل) بدلاً من التركيز على الإحتياجات العسكرية.
- المعاملة الوحشية للمدنيين السوفيات وأسرى الحرب زادت من المقاومة السرية، مما شغل القوات الألمانية في عمليات مكافحة التمرد.
6. إهمال مسرح البحر المتوسط وشمال إفريقيا
- رأى هتلر شمال إفريقيا كمعركة ثانوية، مما جعل روميل يعاني من نقص الإمدادات. خسارة مصر وقناة السويس منحت الحلفاء موطئ قدم في جنوب أوروبا.
- الفشل في السيطرة على جبل طارق أو دعم إيطاليا بالكامل أضعف السيطرة الألمانية في المتوسط.
7. معركة ستالينجراد (1942–1943)
- أمر هتلر بعدم الانسحاب بأي ثمن، مما أدى إلى تدمير الجيش السادس الألماني بالكامل وإستسلام المارشال باولوس، وهي نقطة تحول كبرى في الحرب الوطنية العظمى والحرب العالمية الثانية.
هل كان بإمكان ألمانيا أن تفوز؟
يعتقد بعض المحللين أن ألمانيا كان بإمكانها تحقيق نصر جزئي لو أن هتلر:
- تجنب الحرب مع الولايات المتحدة.
- ركز على هزيمة بريطانيا أولاً قبل غزو الإتحاد السوفياتي.
- إتبع سياسة إحتلال أكثر مرونة في الشرق.
لكن بالنظر إلى التفوق الصناعي للحلفاء وصمود السوفيات، كان النصر الكامل مستبعدًا.
الخلاصة
في النهاية، أدى تعصب هتلر الأيديولوجي، وتوسعه الإستراتيجي المفرط، ورفضه التراجع عن أي موقف إلى دفع ألمانيا النازية نحو الهزيمة الحتمية.
---
يتبع ...
#زياد_الزبيدي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟