سامي البدري
روائي وكاتب
(Sami Al-badri)
الحوار المتمدن-العدد: 1804 - 2007 / 1 / 23 - 08:59
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
مثلما أهمل الرئيس بوش توصيات تقرير (بيكر ـ هاملتون) ،فانه كان قد اهمل توصيات التقرير الذي وضعه (مارك ج. غاسيوروفسكي) استاذ العلم السياسي في جامعة ولاية لوزيانا ، والذي قدمه في مؤتمر لمعهد الدراسات الاستراتيجية في كلية الدفاع الامريكية في واشنطن ، والذي انصبت توصياته على ضرورة احتواء نظام دولة الفقيه في ايران عن طريق تقارب امريكي مع ايران وتقديم بعض المغريات السياسية والاقتصادية من اجل كبح جماح ذلك النظام في دعم المنظمات الارهابية والحد من تطلعاته التسليحية ، والنووية منها على وجه الخصوص ،والتي تشكل الوسيلة الانجع ـ بحسب التصور الايراني ـ في فرض الهيمنة الايرانية على دول حوض الخليج العربي عامة ،ومركز التطلع الايديولوجي والديني لقيادة دولة الفقيه : الضيعة العراقية . قدم (غاسيوروفسكي ) توصياته تلك ايام حكم الاصلاحيين بزعامة خاتمي ،وفي وقت كانت فيه المؤسسة السياسية والشارع الايراني مهيأين للانفتاح نحو (الشيطان الاكبر)وتقبل ماينسجم من طروحاته ومصالحه مع الاطار المحافظ للمرجعية الخمينية لدولة الفقيه تحت تيار الاصلاح الخاتموي . التقارب الذي كان قد اشار به (غاسيوروفسكي) كان يمكن ان يشكل ـ فيما لو كانت الادارة الامريكية قد اخذت به ـ خط الدفاع المقاوم بوجه عودة التيار الخميني المتشدد الى السلطة من جديد ، والذي دفعت به مؤسسة رجال الدين الى السلطة ـ مموها بالبدلة الاوربية هذه المرة ـ تحت زعامة المحافظ المتشدد محمود احمدي نجاد ، على اثر تلمسها لما خلفته ولايتي حكم خاتمي من انفتاح قد يهدد سطوتها وسلطانها المتفردين على مؤسسات ومرافق الدولة الايرانية ، بشقيها السياسي والديني ـ الشعبي . وبغض النظر عن ان كانت اعادة احكام المؤسسة الدينية لقبضتها على زمام الامور في ايران ، بسبب تلمسها لاثر الاصلاح الذي بات يهدد مستقبلها داخل مؤسسة الدولة ، ام انه جاء نتيجة لدقة الحساب والتوقع لما ستؤول اليه الاوضاع السياسية في العراق ،عقب سقوط نظام صدام ، فانه جدد الامل في نفوس ملالي ايران في اعادة تحقيق حلم بسط النفوذ الفارسي على العراق وتحقيق المجد الغابر في (الضيعة العراقية)الخاضعة ـ تماشيا مع الشكل الاستعماري الحديث ـ ايديولوجيا ومذهبيا لمركز التشيع العالمي في قم ، وتحويل حوزة النجف الى تابع ـ سياسيا وحركيا ـ يتلقى التعليمات من قم ، الى جانب المكاسب الاستراتيجية والاقتصادية ،التي ستدرها ثروات واسواق العراق ،والتخلص من جيوش العاطلين الذين يملأون شوارع المدن الايرانية ، عن طريق (تصديرهم ) الى المدن التي تظم المراقد المقدسة ، كحجاج مقيمين يتعيشون من اعمال الخدمة التي يأنف العراقيون من ادءها . ورغم ان قرار غزو العراق لم يأتي وليد اليوم الذي سبق عملية بدأ حرب احتلال العراق في 2003 /4/9 ، الا ان الرئيس بوش أصر على تجاهل تقرير (غاسيوروفسكي) وتقدير حجم الخطر الذي يمكن ان يشكله التغلغل الايراني في العراق ، عن طريق بعض الاحزاب والمليشيات المسلحة الموالية لنظام دولة الفقيه (ايديولوجيا وسياسيا) ، والتي نشأت وترعرت وتدربت وتلقت معارفها السياسية والايديولوجية والعسكرية على ايدي رجال (اطلاعات) الحرس الثوري الايراني . وامام حجم الفراغ السياسي الذي خلفته عملية اسقاط النظام السابق ، وجدت هذه الاحزاب والمنظمات العسكرية الطريق امامها ممهدا للسيطرة على مقاليد الحكم في العراق وبمباركة امريكية ، قبل المباركة الدينية .وامام حالة التخبط الامريكي في العراق ومارافقها من انفلات أمني وتسييب للحدود ،وجدت ايران الطريق امامها ممهدا للتغلغل في العراق واختراق أغلب مؤسساته الادارية والسياسية والامنية والاقتصادية ، لتقود البلاد في النهاية لاتون الحرب الطائفية ، ولاغراق القوات الامريكية في مستنقعها الى الركب ، عن طريق امداد الفصائل المتقاتلة بالمال والسلاح والتأجيج الاعلامي من جهة ، وسحب العراق وعزله عن محيطه العربي من جهة اخرى . وقد اصر الرئيس بوش على تجاهل حجم الاختراق الايراني والتقليل من شأن خطره الى ما بعد تشكيل حكومة المالكي ، رغم تعاظم وتيرة التحذيرات العراقية والعربية والدولية ، والى لحظة اعلانه لبرنامج استراتيجيته الجديدة ، لتأتي كمعالجة ، واهنة ومتراخية ودون تخطيط يرتقي الى مستوى حجم الاختراق ، والذى ارى انه يجب ان يبدأ باغلاق جميع مؤسسات التمثيل ورعاية المصالح الايرانية من اجل حرمان فصائل عملها العسكري والمخابراتي والسياسي من قواعد تنسيقها وتحركها الامينة ، وارباك نشاط فصائل عملها الميداني ، عن طريق قطع قنوات الاتصال بينها وبين قياداتها في ايران وتشتيت جهودها ، ومن ثم ملاحقة وتطويق نشاط المراكز البديلة التي ستتخذ منها كمقار بديلة على عجل سيسهل عملية كشفها . لست هنا في معرض التخوين اوالتشكيك في وطنية احد من القادة السياسيين ، ولكني ساعود بذاكرة المواطن الى الوعد الذي كان قد قدمه ـ والذي لم ولن يفي به نجاد طبعا ـ الرئيس الايراني للسيد نوري المالكي ، اثناء زيارته لطهران ، بعد تشكيله للوزارة والذي اعلن فيه : (سنعيد الامن كاملا للعراق ) !ومثل هذا الوعد انما يدلل على امتلاك من يقدمه لاغلب مفاتيح ازمة العراق ، وبالتالي فانه يمثل اعترافا صريحا بالتغلغل الايراني في العراق ، الى جانب حجم اختراق هذا التغلغل ودقته للمؤسسات الرئيسية في الدولة العراقية ، والذي اتاح لنجاد الاحنفاظ بمفاتيح الازمة العراقية في درج مكتبه الخاص ،وهي الحالة الوحيدة التي ستؤهاه لاعادة الامن كاملا الى العراق . ولا اعتقد انه يغيب عن بال محيط العراق العربي ، والخليجي منه على وجه الخصوص ، ان (الضيعة العراقية) التابعة لعمامة الفقيه الايراني في قم لن تكون اكثر من قاعدة انطلاق ممولة ذاتيا ، لرج ـ على اقل تقدير ـ الدول العربية ، عن طريق اثارة النعرات الطائفية واغراق اسواقها المحلية بالمخدرات والازمات السياسية . ولذا فان تطبيق دعوة (كوندليزا رايس) ـ جاءت متاخرة جدا ـ باعادة العراق الى محيطه العربي ودعم التوجهات الوطنية لاحزابه السياسية ، وتقديم المساعدات السخية لتدوير عجلة اقتصاده المنهار وانتشال شبابه من ضياع البطالة ، انما يمثل الخطوة الاولى فقط لاعادة ترصين جبهة العراق الداخلية بوجه الهجمة الايرانية ؛ والتي بالتأكيد ستكون القاعدة التي ستنهض عليها الاستراتيجية المدروسة ، بعيدة المدى ، الكفيلة بالتصدي للاختراق الايراني المدجج بترسانة اسلحة تقليدية لاتمتلك دول الخليج العربي مجتمعة ربع ما يماثلها .. ومحمود احمدي نجاد يسابق الزمن من اجل تتويجها بالسلاح النووي الذي ، ربما ، سيكون وحده الكفيل بتنبيه السيد بوش الى حجم الاختراق والتهديد الايراني لمصالح امريكا الستراتيجية والاقتصادية في الخليج ، قبل مصلحة شعوب المنطقة الى الامن والاستقرار .
#سامي_البدري (هاشتاغ)
Sami_Al-badri#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟