|
عواصمنا العربية وبعبع الثقافة
سامي البدري
روائي وكاتب
(Sami Al-badri)
الحوار المتمدن-العدد: 1770 - 2006 / 12 / 20 - 06:26
المحور:
المجتمع المدني
قبل ان اطرق أي من بوابات عواصم الثقافة العربية ،فاني ساتحاشى المرور بقبر ،سئ الذكر والعمل (غوبلز)، وزير دعاية المانيا الهتلرية ،لا لأنه سيذكرني بمعادات الانظمة الشمولية للثقافة وحسب ،بل لاني كذلك اريد ان أتخفف من كل ما يمكن ان يذكرني بكوابح الفكر والثقافة ، سواء كان نظاما شموليا او قوالب ومواريث اجتماعية او(تابوات ) قيمية (انفعالية) ... وماأكثرها في حياتنا الثقافية كعرب ومسلمين . ولكن مهلا !فها انا ،ودون ارادة او رغبة مني ،أقول : قبل ان اطرق أي من بوابات عواصم الثقافة العربية !وهذا الانعكاس الشرطي ـ بحسب نظرية بافلوف ـ يدلل على ان الجدران مازالت تسّورفضاءات الثقافة العربية ، وان آفاقها مازالت مكبوحة وتحت السيطرة ـ سياسية وموروثية ـ سواء من قبل رجال السياسة او المتنفذين في والمتسلطين على شيئنا اليومي ، ممن لاهم لهم غير اقامة الحواجز امام حياتنا الثقافية لحصرها في ( حديقة الدار الخلفية) التي غالبا ماتبقى مهملة او ضمن فضاء ضيق وباقل عدد من المرتادين . كثيرة هي الارتهانات في حياتنا وثقافتنا العربيتين .. وليس اكثر منها سوى القيم التي لايتعدى (استخدامها) طرف اللسان !لعل الاصمعي اول من شخص هذه المشكلة في حياتنا العربية والاسلامية ،قبل ثقافتها حين قال : (الشعر نكد بابه الشر ، فاذا دخل في الخير فسد ) .. ومن نافلة القول ان نذكر : انما قصر الاصمعي بقوله هذا الثقافة على الشعر لأنه كان وسيلة التعبير الاولى ، ان لم تكن الوحيدة حينها .اذن ، فالثقافة ووسائل واشكال التعبير عنها نكد ، بالمعنى السياسي والاجتماعي ، كما هو حاصل في حياتنا الثقافية الحالية ،اولا، وبابه الشر ثانيا ، لانه ـ كفعل ثقافي ـ يقوم على الاجتراح والانتهاك والاستباحة وفض بكارات التابوات والمحظورات المفهومية والقيمية ، واذا سخر ـ كوسيلة تعبير ثقافي ـ لباب الخير ـ السياسي/الرقابي /الموروثي من القيم ، فسد ، لانه سيقولب ضمن جدران البنية المفهومية لايديولوجية النظام السياسي ، بعد ان تنزع عنه ثوريته ، الذي لاهم له اكثر من الحفاظ على ركود مياه البحيرة تحت اقدامه ! عاصمة للثقافة """""""""" ماهي المعايير التي تصاغ وفق مقاساتها اسم عاصمة للثقافة ، على أي مدينة او عاصمة في العالم؟ هل هي مقاييس وفرة المطابع او عدد الصحف الصادرة فيها او عدد جامعاتها او كمية الكتب المطبوعة في مطابع وزارة اعلامها تحت عين الرقيب ؟ بالتاكيد هي لاهذا ولاذاك ، وانما هي العاصمة التي بلا جدران ، وبالتالي بلا بوابات ، وهي مفتوحة امام كل تيارات الهواء ، بل وحتى الاعاصير والعواصف الرعدية .. ، وبحيراتها تتغذى من جميع البحار والمحيطات ، حفاظا على مياهها من ان تأسن . كم عدد الحكومات العربية التي لاتتضمن تشكيلاتها الوزارية وزارة للاعلام ، والثابت عندنا هو ان مهمة وزارة الاعلام العربية تنحصر في الرقابة على العقول والمطبوعات بكافة اشكالها ، قبل توجيه الاعلام لتسويق آيديولوجية النظام ؟لاحكومة عربية بلا وزارة اعلام بما فيها الحكومة التي نصبتها ادارة الاحتلال الامريكي في العراق ؛ فهذه الحكومة استبدلت اسم وزارة الاعلام باسم شبكة الاعلام العراقية ، وابقت على مهامها الرقابية والتوجيهية والتسويقية على حالها ، وكما في باقي الدول العربية .هل من الممكن ان تكون عاصمة ـ أي عاصمة ـ للثقافة تحت سلطة وزارة اعلام او ثقافة ، بمهامها آنفة الذكر؟ ارجوا ذلك من كل قلبي ، ولكن هذا هو المستجيل بعينه !!في معرض الكتاب الذي اقيم في مدينة جدة السعودية مؤخرا، تفاخر أغلب القيمين على ادارة ذلك المعرض بانه قد سمح بعرض عشرات العناوين ، من التي كانت ممنوعة في المملكة ، للمرة الاولى في تاريخ المملكة العربية السعودية !ورغم ان هذه الخطوة هي خطوة في الاتجاه الصحيح ، الا انها تدلل على حجم ما تعانيه الثقافة العربية من اضطهاد ورقابة وتحجيم وتعتيم على العقل العربي ، الذي يصر ساستنا على النظر اليه بعين الريبة والشك و الفعل السلبي ـ (هل في الثقافة جانب سلبي ؟ !) ـ وهو الذي قد ينتج عنه فعل التغيير السياسي ، وهوسبب قلق انظمة حكمنا الشمولية المتابدة على قلوبنا قبل عقولنا .ولكن ، ورغم كل هذه القتامة ، فان للمشروع وجه آخر بالتاكيد ... لانه، على الاقل ، سيكون حافزا ـ وهذا اضعف الايمان ـ لكل العواصم العربية للعمل على الارتقاء بمستوى واداء مؤسساتها المعرفية والثقافية على أمل الفوز بمثل هذا اللقب ... كنا نتمنى على اليونسكو ان لاتفرغ هذا المشروع من محتواه بتحويل وجهته الى عملية استعراض الارث الحضاري لعواصم الثقافة ،لان ما من شعب او سلطة على الارض لم تصنع مجدا غابرا لعاصمتها ،وخاصة فيما يخص العواصم العربية التي جميعها تتمتع بميزة الارث الحضاري الذي درس !ولكن ما قيمة ذلك الارث الذي كان ، امام ما يعيشه سكان عواصم (الثقافة العربية) من تخلف وكبت ومصادرة ورقابة وقيودعلى حتى ما يقرؤون في الوقت الحاضر؟ في تقديري ان اهم معاني ومرادفات كلمة ثقافة هي الحرية ... ترى ، هل بالامكان ان تكون عاصمة تخرمها القيود من الاساس الى الراس ، عاصمة للثقافة ؟ وكم من عواصمنا العربية تسمح لمثقفيها بتداول معاني الرفض لحرف (لا) خارج اوراق قواميس اللغة والسياسة وغرف الرقابة ؟
#سامي_البدري (هاشتاغ)
Sami_Al-badri#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كفانا نمارس السياسة حربا
-
غباء اليمين المزمن
-
احزابنا السياسية ومسؤولية بناء المجتمع
-
اشكاليات الرواية العراقية
-
فرائض ضلالاتي
-
من قتل جلوريا بيتي ......؟
-
استراتيجية الشرق الاوسط الجديد واعادة رسم جغرافية المكان
-
من اجل تكريس قواعد الحوار المتمدن
-
التخبط الامريكي في العراق
-
المعارضة العراقية وخيار الممر الواحد
-
هزيم الحماقات الليلية
-
قراءة افتراضية في ذهنية صانع قرار مشروع الشرق الأوسط الجديد
-
ماذا تبقى في جعبة د بليو بوش ؟
-
هامش على سفر(جدارية النهرين
-
الدور البريطاني في صناعة المستنقع العراقي (سياسة النملة العا
...
-
لعبة صناعة الأهداف
-
!بلد يبحث عن زعيم
-
ركود ثقافي أم ثقافة ركود
-
لعبة صناعة الاهداف
-
المشروع الامريمالكي يتارجح على قرن ثور
المزيد.....
-
مندوب إيران بالأمم المتحدة: سنمارس حقنا الطبيعي في الدفاع عن
...
-
مندوب إيران بالأمم المتحدة: -إسرائيل- خطر على السلم الدولي و
...
-
الأمم المتحدة تندد بالاعتداءات الإسرائيلية على قوات حفظ السل
...
-
متحدث الخارجية الإيرانية: على المؤسسات الدولية ومن بينها الص
...
-
مندوب إيران بالأمم المتحدة: لا نسعى للحرب لكننا مستعدون للدف
...
-
ماسك يدعو إلى تقليص سلطة الأمم المتحدة
-
خارجية فلسطين: استيلاء الاحتلال على مقر الأونروا في القدس مح
...
-
الأمم المتحدة: سلامة وأمن قوات -اليونيفيل- بلبنان -في خطر-
-
الجامعة العربية: الصحة النفسية حق أساسي من حقوق الإنسان
-
العفو الدولية تتهم إسرائيل بإصدار إنذارات -مضللة- في لبنان
المزيد.....
-
أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال
...
/ موافق محمد
-
بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ
/ علي أسعد وطفة
-
مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية
/ علي أسعد وطفة
-
العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد
/ علي أسعد وطفة
-
الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن
...
/ حمه الهمامي
-
تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار
/ زهير الخويلدي
-
منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس
...
/ رامي نصرالله
-
من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط
/ زهير الخويلدي
-
فراعنة فى الدنمارك
/ محيى الدين غريب
المزيد.....
|