|
من اجل تكريس قواعد الحوار المتمدن
سامي البدري
روائي وكاتب
(Sami Al-badri)
الحوار المتمدن-العدد: 1759 - 2006 / 12 / 9 - 10:34
المحور:
ثقافة الحوار والاختلاف - ملف 9-12- 2006 بمناسبة الذكرى الخامسة لانطلاق الحوار المتمدن
كان من بين اهم افرازات الثورة الصناعية ونتائجها البنائية على صعيد البنية الطبقية للمجتمع ،بلورة وانضاج الطبقة المتوسطة ،والتي يصفها علماء الاجتماع بمادة المجتمع ،لما استوعبته داخل بنيتها المفهومية ومعيارها الطبقي من شرائح اجتماعية ،بفضل ما اضفته عليها الثورة الصناعية من توازن اقتصادي /معيشي على مستوى الدخل ،وتبدل ورقي ثقافي على مستوى البنية المفهومية والممارسة .ولهذه الطبقة ،بالدرجة الاولى ،يعود الفضل في ارساء وتكريس ثقافة التسامح القائمة على مبدا تعددية الافكار وقبول الاخر (الاجتماعي والثقافي )،قبل الاخر السياسي .لقد وفر ظهور الطبقة المتوسطة في المجتمعات الاوربية (مجتمعات الثورة الصناعية )،وبما كسبته من وعي بحقوقها الانسانية والاجتماعية ، وما اكتسبته من ثقافة سياسية ، البيئة المثالية لنمو ثقافة الاختلاف التي اسست لمفهوم الممارسة الممنهجة للعبة الديمقراطية القائمة على مبدا التعددية السياسية وتداول السلطة وعدم احتكارها ؛وبالتالي تعدد الاصوات والاراء وعدم احتكار الحقيقة من قبل أي جهة ، مهما كان موقعها او تاثيرها الاجتماعي .وبالتالي فان اهم ما رفد وهيا الفرصة لهذه الطبقة في اشاعة مطالباتها بحقوقها هذه هو ما توفر لها من وسائل وادوات كالنقابات والمنظمات المهنية ووسائل الاتصال والاعلام الحر والمستقل التي عملت على ترسيخ هذه المفاهيم كحقوق انسانية مقدسة لاتقبل المساومة مع الطبقة البرجوازية التي كانت تهيمن على السلطة ووسائل الانتاج ورؤوس الاموال ،بفعل الواقع الاجتماعي والسياسي الذي كان يهيمن على تلك المجتمعات انذاك .اذن فالانتقال الى عصر الديمقراطية قام على اساس انتزاع الانسان لكامل حريته وحقه في الاختلاف واختيار مايناسبه ـ ضمن حدود احترام حقوق الاخرين طبعا ـ من افكار ومفاهيم وايديولوجيات قبل مايناسبه من ماكل وملبس ومسكن وباقي ادامة حيات . وذا امعنا النظر في حالة الدول الغربية فاننا سنجد ان ثقافة الاختلاف ،كمفهوم وممارسة ،قد دخلت البنية الثقافية والسلوكية لحياة مجتمعاتها كتطور طبيعي فرضه تطور نوع العلاقات الاقتصادية والاجتماعية بين اصحاب رؤوس الاموال ومستخدميهم من الطبقة العاملة وباقي طبقات المجتمع (الحضرية على وجه الخصوص).ولعل هذا هو جوهر ما نعانيه في حالة تطبيق تقليد الممارسة الديمقراطية في العراق ،فالديمقراطية التي نسعى الى تطبيقها في العراق لم تاتي كنتيجة لحتمية التطور الاجتماعي والثافي وجهده الواعي ،وانما هي محاولة لاستنبات زهرة جمبلة في بيئة غير بيئتها الطبيعية ؛ولذا فانها بحاجة لان نهيا ونوفر لها كافة شروط الاستنبات والنمو لتعطي ما مرجو منها من حياة ومقاومة اولا ،وتفتح وجمال وعطر ثانيا .فهل ياترى نحن هيئنا لهذه الزهرة الجميلة جميع شروط استنباتها كي نتمتع بناتجها ومن ثم نملأ زوايا حدائقنا من شجيراتها؟ اعتقد اننا نفتقر الى اهم عنصر في عملية الاستنبات هذه وهو الطبقة المتوسطة ،لما تعرضت له هذه الطبقة من عمليات النسف والتفتيت خلال العقود الماضية ،اقتصاديا من جراء السحق الاقتصادي خلال حروب النظام السابق وحصاره الاقتصادي الذي التهم جهود عقود بناء هذه الطبقة ليعيدها الى مادون خط الفقر ،وثقافيا من خلال هيمنة (ثقافة)القرية ـ ثقافة راس النظام السابق على وجه الخصوص ـ على المجتمع ومؤسسات السلطة السياسية في البلد ،لتمحق ارثها الثقافي الذي اكتسبته عبر زمن نموها الطبيعي خلال عمر بناء الدولة العراقية التي انشاها فيصل الاول عام 1921. اما الشرط الثاني في الاهمية لارساء قواعد ثقافة الاختلاف والحياة الديمقراطية ككل فهو التعددية الحزبية والذي توفر عندنا في حقبة الاحتلال بكم يسمح بالتصديرالتجاري !لان اغلبه قد ارتجل كردود افعال فرضتها اسباب ومصالح واجندات استقطابات لم تحكمها الحاجة السياسية القعلية او البنية الفكرية للمجتمع او حتى الوازع الوطني .واذا ما وصلنا الى ثالث شروط التاسيس لهذه الثقافة ـ ثقافة الاختلاف ـ وهو الاعلام الحرالمستقل فاننا سنصطدم بكم هائل من وسائل الاعلام المقرؤة والمسموعة والمرئية ،والتي ساطلق عليها (صحافة الفوضى )وهي طبعا غيرحرية الصحافة او وسائل الاعلام الحرلتشابهها في اللون والطعم والرائحة من ناحية القيمة الادائية والفكرية ،باستثناء فوارق الهوية الجهوية التي تحكم توجه او خطاب كل منها ؛وساسمح لنفسي بتشبيهها بقناع الساحر الذي يسلخه بمئات الالوان عن الوجه نفسه .واخيرا لنتسائل : اذا ما سلمنا ـ جدلا ـ بان صناديق الاقتراع ستتكفل لنا بغربلة الجهات والتوجهات الحزبية الطارئة ،وسمحت بعض وسائل اعلام الاحزاب بالتاسيس لثقافة الاختلاف ولم تحتكر الحقيقة لرؤاها (اجنداتها) ،على امل اعادة بناء الوعي الجماهيري ،فكيف ومن سيتصدى لعملية اعادة الحياة للطبقة المتوسطة ،بوعيها وثقافتها الاولية وشروطها الاجتماعية وموقعها في سلم السيرورة الحضارية ؟
#سامي_البدري (هاشتاغ)
Sami_Al-badri#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
التخبط الامريكي في العراق
-
المعارضة العراقية وخيار الممر الواحد
-
هزيم الحماقات الليلية
-
قراءة افتراضية في ذهنية صانع قرار مشروع الشرق الأوسط الجديد
-
ماذا تبقى في جعبة د بليو بوش ؟
-
هامش على سفر(جدارية النهرين
-
الدور البريطاني في صناعة المستنقع العراقي (سياسة النملة العا
...
-
لعبة صناعة الأهداف
-
!بلد يبحث عن زعيم
-
ركود ثقافي أم ثقافة ركود
-
لعبة صناعة الاهداف
-
المشروع الامريمالكي يتارجح على قرن ثور
-
المصالحة .. سياسية ام وطنية؟
-
حكومة المالكي...المصيرالمجهول
-
دور بريمر في تهميش القوى الديمقراطية والليبرالية
المزيد.....
-
فيضانات قاتلة تجتاح البوسنة والهرسك.. ونشر الجيش في المناطق
...
-
-طيران الإمارات- تحظر أجهزة -البيجر والووكي توكي- على متن طا
...
-
فرنسا تنظر في طلب إفراج مشروط عن أقدم سجين عربي في العالم (ص
...
-
الصحة اللبنانية تعلن مقتل 25 شخصا وجرح 127 جراء الغارات الإس
...
-
-كأنما ضُربت بقنبلة ذرية-، شهادة جرّاح بريطاني تطوّع للعمل ف
...
-
مراسل RT: معظم الأسلحة المضبوطة في أوغليدار مصنوعة في الولاي
...
-
فرنسا تنظر في طلب إفراج مشروط عن أقدم سجين عربي في العالم (ص
...
-
مشاهد خاصة بـRT لقصف إسرائيلي طال برج البراجنة في ضاحية بيرو
...
-
مياه الأمطار تدمر سدا في إقليم ألتاي الروسي
-
العلم الروسي يرفرف على أسطح مباني مدينة أوغليدار المحررة
المزيد.....
|