|
من قتل جلوريا بيتي ......؟
سامي البدري
روائي وكاتب
(Sami Al-badri)
الحوار المتمدن-العدد: 1756 - 2006 / 12 / 6 - 11:40
المحور:
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
قراءة في رواية (انهم يقتلون الجياد .. اليس كذلك )لهوارس ماكوي تعرض رواية (انهم يقتلون الجياد .. اليس كذلك )للكاتب الامريكي هوارس ماكوي ،ومن زاوية رصد سايكلوجية بحته ،لاعقد مشكلة واجهها الانسان خلال القرنين الاخيرين ،الاوهي مشكلة البطالة بما تخلفه من آثار( مرضية )في نفس وسلوك وطرق تفكير هذا الانسان ، عندما تطبق عليه بانيابها لتحيله الى مايشبه ـ وعذرا لفداحة التشبيه ـ الكلب الاجرب الذي ينهشه الالم والجوع والاهمال والموت ـ سايكلوجيا ـ البطئ على قارعة الطرقات.يستخدم (ماكوي )تقنية السيناريو او عين الكامرا ،في كتابة روايته هذه ،والتي يكرسها لرصد الاثار النفسية والفكرية للبطالة على اثنين من الشبان ـ يتصدران مشهدا يزيد عدد ابطاله على (140)زوجا من الراقصين والراقصات ـ ممن تقطعت بهم السبل على قارعة البطالة (او قوانين الحضارة الصماء )،الامر الذي يلجاهم الى المشاركة في حفل للرقص التجاري (يستخدمهم كدمى ميكانيكة راقصة )بهدف الربح المحض ،عن طريق توفير متعة المشاهدة لمن يمتلكون القدرة على دفع ثمن تذكرة الدخول الى قاعة الرقص ، ومقابل توفير لقمة الطعام ومكان للايواء لمجموعة الراقصين والراقصات ،والذين يتوجب عليهم مواصلة (نزيف )الرقص حتى لحظة السقوط اعياءا، تاجيلا للحظة الطرد ـ والعودة الى متاهة مجهول الضياع على ارصفة البطالة ـ والحرمان من وجبات الطعام التي تحفظ لهم حيواتهم وتحيل بينهم وبين الموت جوعا .يعتمد (هوارس ماكوي )طريقة المقابلة (التي تعكس المفارقة )بين طريقتي الرؤية لجريمة القتل ،التي تمثل ثيمة الرواية ،صوت القاضي الذي ينطق بحكم الاعدام وفعل القتل ـ الخدمة ـ الذي يؤديه البطل / الراوي ،وهذا ما يؤكده من خلال تزامن امر القاضي للسجين بالوقوف مع (الفلاش باك )الذي يفتتح به (ماكوي ) روايته ،وهو الوصف (التجريدي)لعملية القتل ـ النهاية التي آل اليها اللقاء العابر لبطلي الرواية على احد ارصفة هوليود وههما يبحثان عن فرصة عمل ـ التي يؤديها بطل الرواية كخدمة شخصية لزميلته في جولة الرقص (جلوريا بيتي )، بناء" على طلبها ، من اجل التخلص من حياتها التي حولتها البطالة الى جحيم لايطاق .تصور ثيمة الرواية حدثا واحدا يمكن تلخيصه بنوبات الدوران الابكم في حلقة الرقص ، مع بعض جزئيات (الشئ اليومي ) التي تعكس الحالة النفسية المتوترة لمجموعة الراقصين والراقصات الذين تسحقهم (آلة )الحضارة بصرامة قوانينها ، بعد ان سحبت من ايديهم كل ما سخرته الطبيعة لديمومة حياتهم ،كملكية مشاعة ،وسبل رفاههم وتمتعهم ،من خلال ابداعات العقل الانساني ،لتحيلهم الى مجرد آلات ميكانيكية ،بقوانين الملكية العامة التي تصون ملكية الدولة في كل مايقع على ارضها ، (بما فيها الطبيعة بثرواتها والانسان بقدراته )،وقوانين الملكية الخاصة التي يمكن اختصارها : لكل شئ ثمنه او لاحياة لمن لا يملك المال . وكل هذا يحدث على (حفافي الباسفيك )،كما تذكر الرواية ،في اكثر بلدان العالم ثراءا ومدنية واحتراما لحقوق الانسان ؛ والى درجة من الضغط والعنف الذي يجبر مجموعة من الشبان على (الانسحاق )في جولات ،بلا نهاية من (الذبح الراقص )وما يرافقها من امتهان لكرامة وانسانية الانسان ، من اجل الحصول على لقمة الخبز التي تبقيهم على قيد الحياة . ببراعة روائي حاذق ، يقاطع (ماكوي )جريمة الذبح (لانسانية الانسان وكرامته )هذه مع صوت القانون الاصم ـ قرار المحكمة على لسان قاضي محكمة (لوس انجلوس )ـ الذي يقضي باعدام بطل الرواية /القاتل (روبرت سيفرتون ) الذي لم يكن له من دافع شخصي لقتل رفيقته (جلوريا ) سوى ان يؤدي لها (خدمة خاصة ) وبناء" على طلبها والحاحها : (اقتلني ... انها الطريقة الوحيدة لاتخلص من بؤسي ) ،الرواية ص 157. واذا ما جاز لنا ان نشبه (مذبحة )الرقص تلك ،من اجل رغيف العيش ،والتي تخلف الالم بدل البهجة ، بما عناه الشاعر برقصة الم الطير بعد ذبحه ، فاننا سنتفهم عذر بطل الرواية ـ كتعبير عن الرفض او الاحجاج مع حالة جلوريا طبعا ـ الذي طرحه كمبرر لفعل القتل الذي اقدم عليه والذي شبهه بما فعله جده مع فرسه بعد ان كسرت احدى قوائمها ، الامر الذي اضطره الى قتلها كي يخلصها من الالم ، حبا ورافتا بها لامن اجل ممارسة فعل القتل ،ومن هنا جاء عنوان الرواية .ولكن ،هل يصح ان نقبل (شرعنة )ماكوي لفعل انهاء الحياة الانسانية اوالقتل الرحيم تخلصا من جحيم ضريبة الحضارة ؟ في منتصف خمسينيات القرن الماضي ، قال الكاتب الانكليزي (كولن ولسن ): (اني استغرب ان يستسلم الناس لمآسيهم ـ التي جاءت كضريبة لحضارة القرن العشرين ـ بدل ان يهاجموا مقر الحكومة البريطانية ).ولكن ،وللاسف الشديد ،قلة لاتستحق الذكر منا من يختارون اللجوء الى الحل الذي اقترحه (ولسن)،والكثرة الكاثرة منا تستسلم لوحشية واهمال السلطة السياسية كقضاء محتوم .واذا ما اضفنا سوداوية (جلوريا)ـ يشخصها الراوي كمرض نفسي تعانيه ـ الى معاناتها من آثار البطالة ، فربما تفهمنا الصورة التي يصف بها حالة (جلوريا)وهي في لحظة استقبالها لطلقة الرحمة L :كانت في حالة استرخاء وراحة تامتين ،وعندما ضغطت الزناد تحول راسها بعيدا عني بعض الشئ ،ولم يعد باستطاعتي ان ارى جانبي وجهها . ومع هذا فقد كنت ارى من وجهها وشفتيها مايكفي لادراك انها كانت تبتسم . وفي الصفحة التالية يضيف جازما : لقد اخطا المدعي العام عندما قال لهيئة المحلفين انها ماتت وهي تتالم بدون اصدقاء وحيدة الا من قاتلها القاسي تلك الليلة على حفافي الباسفيك . اجل !لقد اخطا كما لا يمكن لرجل في العالم كله ان يخطئ .جلوريا لم تمت حزينة . كانت مسترخية ومرتاحة .وكانت تبتسم .كانت تلك المرة الاولى التي رايتها تبتسم فيها، فكيف يمكن ان تكون حزينة ؟وجلوريا لم تكن بدون اصدقاء .كنت افضل صديق لها .كنت صديقها الوحيد،فكيف يزعم انها ماتت بدون اصدقاء ؟والان ،واذا ما عدنا الى السؤال الذي جعلنا منه عنوانا لهذه القراءة ،ووضعنا نصب اعيننا (بلاهة ) بعض نصوص مواد القانون الجنائي ،كاحد قوانين حضارتنا الصماء ،فاظن انه سيكون بامكاننا وضع خط ـ بغض النظر عن لونه ـ تحت (اسم وعنوان )القاتل الحقيقي ، ليس لجلوريا بيتي وحدها وحسب ، وانما لكل من ماثل وسيماثل جلوريا وروبرت في ظروفهما القهرية التي فرضتها عتمة بعض زوايا حضارتنا القائمة ... ولكن ايضا بعيدا عن استدراك روبرت الاخير : كنت احاول ان اقدم خدمة لانسان فاذا بي اقتل نفسي .
#سامي_البدري (هاشتاغ)
Sami_Al-badri#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
استراتيجية الشرق الاوسط الجديد واعادة رسم جغرافية المكان
-
من اجل تكريس قواعد الحوار المتمدن
-
التخبط الامريكي في العراق
-
المعارضة العراقية وخيار الممر الواحد
-
هزيم الحماقات الليلية
-
قراءة افتراضية في ذهنية صانع قرار مشروع الشرق الأوسط الجديد
-
ماذا تبقى في جعبة د بليو بوش ؟
-
هامش على سفر(جدارية النهرين
-
الدور البريطاني في صناعة المستنقع العراقي (سياسة النملة العا
...
-
لعبة صناعة الأهداف
-
!بلد يبحث عن زعيم
-
ركود ثقافي أم ثقافة ركود
-
لعبة صناعة الاهداف
-
المشروع الامريمالكي يتارجح على قرن ثور
-
المصالحة .. سياسية ام وطنية؟
-
حكومة المالكي...المصيرالمجهول
-
دور بريمر في تهميش القوى الديمقراطية والليبرالية
المزيد.....
-
-حقبته على وشك الانتهاء-.. أكاديمي إماراتي يعدد ما -يجب على
...
-
مصر.. نجيب ساويرس يُعلق على موقفه من هجمات -7 أكتوبر-
-
زلزال بقوة 5.8 درجة يضرب قبالة سواحل نيوزيلندا
-
مقتل سبعين شخصا ونزوح الآلاف إثر هجوم عصابات في هاييتي
-
الخارجية الروسية تعلق على فكرة عضوية أوكرانيا في الناتو
-
هل ستلتقين بوتين؟.. كامالا هاريس تجيب (فيديو)
-
خطة إسرائيلية لـ-حماس- ومخطط لـ-لغزة-!
-
روسيا تضع قوائم بأسماء المرتزقة الأجانب في أوكرانيا
-
الجيش الإسرائيلي يعلن عن اغتيال أحد قادة حزب الله باستهدافه
...
-
?? مباشر- عام على حرب غزة: نتنياهو يصر على القتال وسط تصاعد
...
المزيد.....
-
فلسفة البراكسيس عند أنطونيو غرامشي في مواجهة الاختزالية والا
...
/ زهير الخويلدي
-
الكونية والعدالة وسياسة الهوية
/ زهير الخويلدي
-
فصل من كتاب حرية التعبير...
/ عبدالرزاق دحنون
-
الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية
...
/ محمود الصباغ
-
تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد
/ غازي الصوراني
-
قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل
/ كاظم حبيب
-
قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن
/ محمد الأزرقي
-
آليات توجيه الرأي العام
/ زهير الخويلدي
-
قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج
...
/ محمد الأزرقي
-
فريديريك لوردون مع ثوماس بيكيتي وكتابه -رأس المال والآيديولو
...
/ طلال الربيعي
المزيد.....
|