|
اشكاليات الرواية العراقية
سامي البدري
روائي وكاتب
(Sami Al-badri)
الحوار المتمدن-العدد: 1760 - 2006 / 12 / 10 - 07:22
المحور:
الادب والفن
تتلبس الرواية العراقية حالة من القوالب والمحددات النقدية والفكرية /الايديولوجية تقترب من حالة الانكفاء ـ ضد الانفتاح ـ جعلت من الرواية ،كجنس ابداعي ،تدور في فلك لايتعدى ـ شكلا ومضمونا ـ حدود جدران الحي العراقي باضيق واسذج معانيه ،الامر الذي انعكس على حدود آفاقها وقهر محاولات كسر قيود واوهام هويتها وواقعيتها التي لم تتجاوز ،في مفهوم الروائي العراقي ، حدود المحلية وسذاجاتها ،مع بعض الاستثناءات ـ التي تمنح القاعدة شرعيتها طبعا ـ التي تحولت الى اصفاد أعاقت (جسد) الرواية من ان يتمدد على كامل مساحة سرير الحياة الانسانية ،المعرفي والفكري والحلمي . قبل ما يقرب القرن من عمرالرواية ،علّم الروائي الانكليزي (هربرت جورج ويلز) حدود ساحة حروب الرواية بمقولته الشهيرة : (الرواية كيس يمكنك ان تضع فيه ما تشاء) ،فكم استفاد روائيونا وخيالاتهم من مساحة الحرية التي اتاحتها لهم عوالم الحرية في تهشيم وازاحة (حالة) القيود النفسية والاجتماعية والايديولوجية ، والانطلاق بالرواية الى فضاءات الانا ـ بمفهوم الفردية ـ التي لاتحقق وجودها ، كهوية وفعل ، الا من خلال اقتحام عالم المحظورات التي مازالت بعبعا خطرا (تابو) /متربصا /مرهوب الجانب وعصيا على المحايثة او الاقتراب والتحديق فيها ،كمرآة ،بملْ العين .ترى ،كم حمّل الكولونبي (ماركيز) كيس (مائة عام من العزلة ) من عوالم ورؤى وافكار واجتياحات وانتهاكات ،دون ان ينسلخ عن (قيد) هويته وخصوصيته الوطنية والقومية ،في الوقت الذي يتبجح اغلب روائيينا بفض (كيس ماركيز) والنظر فيه ،على أقل تقدير؟ كيف تمكن (ماركيز) من ان يدس كل تلك العوالم والرؤى والاجتياحات والاستباحات في كيس ( مائة عام من العزلة )دون ان يغادر اويقطع صلته بـ (اركاتاكا) مسقط رأس ماركيز،بحيث انه اجبر النقاد ودارسي الادب على اختراع التوصيف الخاص الذي يمكن ان يحتوي او تصنف تحت يافطته حالة ابداعه ،بين مصطلحات ومسميات النقد الادبي . ان اول ما تفتقده وتفتقر اليه الرواية العراقية هي عناصر التشويق والامتاع التي تشد القارئ من تلابيبه .. فالرواية ، وان كان من شروطها الموضوعية ، ان تكون محملة بصور واشارات مجتمع الكاتب وحالته الزمنية دون شفقة على الذات او استجداء لمشاعر وعواطف الاخرين ،فان الرواية ليست كتابا مدرسيا مقررا يجب على القارئ تجرعه على علاته وجفافه ،وانما،وكما قال صاحبنا (ويلز) ،كيس يجب ان يجد فيه القارئ ـ لتحقق الرواية اغراضها واهدافها ـ كل ما هو جديد وغريب وممتع وحاد وصادح وصلب وعميق وصلد وباهر ومثير ومتفتق وسالخ وكاسر للقوالب ومتجاوز لحدود الممكن وسابح في جميع الاجواء والافاق والافلاك ؛ولهذه الوفرة ولهذا الالمام كانت الرويات الجيدة جيدة !اعرف ان (شيئنا اليومي) في شؤوننا الحياتية لايتوفر على الامتلاء والتنوع والدسامة التي يتوفر عليها يوم غيرنا (بخزينه ومرجعياته) من الشعوب ،ليستمد منها روائيونا ما يشحذ خيالاتهم في خلق عوالم ابدعية (صادحة ) ولاسباب كثيرة ،لعل اهمها: فقر طرق استيعابنا للحياة واساليب اخذنا لها . والتعامل معها ،بطريقة من الطرق على انها عبْ يجب التخلص من همه والعودة الى البيت قبل حلول الظلام !وهذا يعود لاسباب تتعلق بطرق التربية عندنا بجذورها المختلطة والملتفة حول نفسها ، من دينية وعشائرية /بدوية تعتمد قاعدة ان الاصل في الاشياء التحريم وليس الاباحة ، وثقافية قائمة على الخوف والرهبة ،وقائمة ممنوعاتها تغطي مساحة حياتنا كلها وتزيد!وهذا الذي يزيد يتكثف ليعاود السقوط على رؤوسنا مطرا حامضيا حارقا . مشكلة اخرى يعاني منها الروائي العراقي هي الكتابة وفق مقاسات النقاد او الكتابة للنقاد ،بدل الكتابة لجمهور القراء العريض ، وذلك لتمكن النقاد من اذاعة ارائهم عبر وسائل الاعلام .. وبمعنى اخر فان الروائي العراقي يكتب روايته وفق رؤية (محددات ) وقائمة ممنوعات النقاد القائمة على العرف الاجتماعي والكبح الايديولوجي الذي قولبوه في جلابيب التنظير النقدي من ايام لغو الواقعية والواقعية الاشتراكية ،التي احالت العنصر البعثي والقائد العسكري الى (اله)لايخطأ ولاياتيه الباطل من بين يديه ولامن خلفه ، في روايات سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي ؛متناسيا ـ الروائي ـ عرف وقضية ان : ان الادب الجيد ،في صلب اهدافه ،هو الذي يكسر القوالب والمألوفات ويطوف فوق ما اعتاده النقاد ،والتحليق عاليا في عوالم الخلق والتجديد والابداع .وكما فعل صاحبنا (ماركيز)عندما اجبر نقاده على التحليق على ما تحت اقدامهم ليجدوا توصيف الواقعية السحرية ،لاستيعاب حالة ابداعه التي تفرد بها . واخيرا فان المالوف الاجتماعي ـ وهو عقبة يحسب الروائي العراقي لها حسابها ـ هو (آخر)،بحسب التوصيف السارتري ،لابد من اقتحامه للارتقاء بمزاياه فنيا وفكريا ،ليتمكن مبدعنا في النهاية من وضع حروف لغتهم الجديدة تحت ما يجب ان يبقى من نقاطه .
#سامي_البدري (هاشتاغ)
Sami_Al-badri#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
فرائض ضلالاتي
-
من قتل جلوريا بيتي ......؟
-
استراتيجية الشرق الاوسط الجديد واعادة رسم جغرافية المكان
-
من اجل تكريس قواعد الحوار المتمدن
-
التخبط الامريكي في العراق
-
المعارضة العراقية وخيار الممر الواحد
-
هزيم الحماقات الليلية
-
قراءة افتراضية في ذهنية صانع قرار مشروع الشرق الأوسط الجديد
-
ماذا تبقى في جعبة د بليو بوش ؟
-
هامش على سفر(جدارية النهرين
-
الدور البريطاني في صناعة المستنقع العراقي (سياسة النملة العا
...
-
لعبة صناعة الأهداف
-
!بلد يبحث عن زعيم
-
ركود ثقافي أم ثقافة ركود
-
لعبة صناعة الاهداف
-
المشروع الامريمالكي يتارجح على قرن ثور
-
المصالحة .. سياسية ام وطنية؟
-
حكومة المالكي...المصيرالمجهول
-
دور بريمر في تهميش القوى الديمقراطية والليبرالية
المزيد.....
-
نادي الشعر في اتحاد الأدباء يحتفي بمجموعة من الشعراء
-
الفنانة المغربية لالة السعيدي تعرض -المرئي المكشوف- في -دار
...
-
-الشوفار-.. كيف يحاول البوق التوراتي إعلان السيادة إسرائيل ع
...
-
“المؤسس يواصل الحرب”.. موعد مسلسل قيامة عثمان الموسم السادس
...
-
المسرح الجزائري.. رحلة تاريخية تجمع الفن والهوية
-
بفعاليات ثقافية متنوعة.. مهرجان -كتارا- للرواية العربية ينطل
...
-
حديقة مستوحاة من لوحة -ليلة النجوم- لفان غوخ في البوسنة
-
عودة الأفلام الرومانسية إلى السينما المصرية بـ6 أعمال دفعة و
...
-
عائلات وأصدقاء ضحايا هجوم مهرجان نوفا الموسيقي يجتمعون لإحيا
...
-
كيف شق أمريكي طريقه لتعليم اللغة الإنجليزية لسكان جزيرة في إ
...
المزيد.....
-
إيقاعات متفردة على هامش روايات الكاتب السيد حافظ
/ منى عارف
-
الخلاص - يا زمن الكلمة... الخوف الكلمة... الموت يا زمن ال
...
/ السيد حافظ
-
والله زمان يامصر من المسرح السياسي تأليف السيد حافظ
/ السيد حافظ
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل مسرحية "سندريلا و ال
...
/ مفيدةبودهوس - ريما بلفريطس
-
المهاجـــر إلــى الــغــد السيد حافظ خمسون عاما من التجر
...
/ أحمد محمد الشريف
-
مختارات أنخيل غونزاليس مونييز الشعرية
/ أكد الجبوري
-
هندسة الشخصيات في رواية "وهمت به" للسيد حافظ
/ آيةسلي - نُسيبة بربيش لجنة المناقشة
-
توظيف التراث في مسرحيات السيد حافظ
/ وحيدة بلقفصي - إيمان عبد لاوي
-
مذكرات السيد حافظ الجزء الرابع بين عبقرية الإبداع وتهمي
...
/ د. ياسر جابر الجمال
-
الحبكة الفنية و الدرامية في المسرحية العربية " الخادمة وال
...
/ إيـــمـــان جــبــــــارى
المزيد.....
|