أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - يحيى نوح مجذاب - أعناق النخيل














المزيد.....

أعناق النخيل


يحيى نوح مجذاب

الحوار المتمدن-العدد: 8053 - 2024 / 7 / 29 - 22:47
المحور: الادب والفن
    


اعتدت هذه الأيام على النهوض من فراشي في وقت مبكر والخروج من المخيم قبل شروق الشمس، وغالباً ما يلفت انتباهي وأنا أركب الطريق إلى البرج انبعاث قرص الشمس وهي تتسلق أعناق النخيل في البساتين البعيدة.
اليوم كان الصبح منعشاً وهادئاً إلا من حركة بسيطة لبعض المتسللين من جحورهم مثلي، فلا ضوضاء ولا صخب، ولا أتربة ثائرة تطاول أعنان السماء، تثيرها عجلات السيارات الطائشة.
حتى الحيوانات يبدو عليها الوداعة والسكون، فهذه الكتل السوداء من الجاموس تمد الخطى بتثاقل وهي في طريقها إلى العشب الأخضر لتنال رزقها في هذا الفجر الندي. ومجموعات الكلاب التي تهز ذيولها وتعجز عن النباح قبل أن تتناول "عظام" الفطور، والطيور الساكنة على الأسلاك، وتلك التي تحوم حول المياه الضحلة وتمد أجنحتها فوق صفحة الماء الممتدة نحو الأفق وتفرشها كطائرات شراعية.
الطبيعة تبعث السكينة في النفس بعد ليل طويل أجوف، لكن التأمل ومبعث اللذة ليسا كل شيء فلا بد أن أكمل يومي بمتطلبات الحياة الأخرى التي لا مفر منها أبداً لديمومة العمل الرتيبة:
فحص العينات لفتات الصخور في المختبر،
كتابة التقرير اليومي،
الاتصال الهاتفي،
العودة ظهراً إلى المخيم،
شراء بعض الحاجيات،
ترقيع أحذية قديمة عند الإسكافي،
والصمت فوق السرير.
وعندما تعمق اليوم بكل ما حمل من أحداث أطلت علينا الشمس من وراء الغيوم. مازحتنا وابتسمت لتطمئن على وجودنا لدقائق عدة لا تزيد على أصابع اليد الواحدة، ثم ما لبثت بعدها أن تغطت بدثار الغيوم السميك وما هي إلاّ لحظات حتى عادت المعزوفة اليومية للحنها الرتيب فانهمرت الأمطار وغدت السماء والأرض لجة كثيفة واحدة من الماء ونحن وسطها نعوم كالضفادع.
من بين أوراق البردي الخضراء كان المشحوف يتهادى من بعيد على صفحة الماء الساكنة، كان يتجه نحونا عندما كنا قريبين من المضخة المنصوبة على مياه الهور، وكانت ابنة الهور تعتلي مؤخرة المشحوف وهي واقفة وبيدها قصبة طويلة تغرزها في قاع الماء لتدفع بالقارب إلى الأمام، كانت ترتدي الملابس السميكة وقد لفّت وسطها بنطاق جلدي تالف وعصبت رأسها بمنديل ملون شبه بالي، كان وجهها قد لوحته الشمس الساطعة وبانت عينيها السوداوين وهما تتلاصفان كمياه الهور الداكن، اقتربت من الضفة رويداً رويداً حتى لامستها بخفة، طلب منها الحارس أن تبيعنا السمك التي كانت تحمله في مركبها بعد أن جمعته بعد ساعات من الصبر الطويل في انتظار ما عَلق في خيوط الشِباك. ترددت في البداية لكنها وبعد مساومة طويلة حملت السمك إلى السدة الترابية ووزنته بميزانها الأعرج فكانت زِنته أربعة أوقيات حسب المكاييل التي يستعملونها أي ما يعادل ستة عشرة كيلوغراماً فحملنا الصيد الثمين وانطلقنا لا نلوي على شيء*.
*(صفحة منسية من يوميات قديمة)



#يحيى_نوح_مجذاب (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هاوية اللارجعة
- بدون استئذان
- اندفاع الأحداث
- جرعة الحب الأخيرة
- لسعة المرض
- غطسة العدم
- السماء الأولى
- صراع البقاء ومعركة الفناء
- الجدران الأربع
- صانع الرموز
- الأماني الضالة
- انكفاء الثعابين
- عتمة الغيب
- في (ملتقى الزمن) تلتقي الأفكار
- الوعي المطلق
- نافورة الحياة
- موظفة الاستقبال
- عاصف1 كيركو3 (فانتازيا الأحلام)
- فانتازيا الزمن
- انحدار المنحنيات


المزيد.....




- زهران بن محمود ممداني.. من صفعة ترامب بفوز -فخر الهند- والنا ...
- من غزة إلى عيتا الشعب.. حين يتحول الألم إلى مسرح
- الممثلة التركية فهريّة أفجين تتألّق بتصميمين عربيين في أبوظب ...
- تعاون جديد بين دمشق وأنقرة عنوانه -اللغة التركية-
- -ليلة السكاكين- للكاتب والمخرج عروة المقداد: تغذية الأسطورة ...
- بابا كريستوفر والعم سام
- ميغان ماركل تعود إلى التمثيل بعدغياب 8 سنوات
- بمناسبة مرور 100 عام على ميلاده.. مهرجان الأقصر للسينما الأف ...
- دراسة علمية: زيارة المتاحف تقلل الكورتيزول وتحسن الصحة النفس ...
- على مدى 5 سنوات.. لماذا زيّن فنان طائرة نفاثة بـ35 مليون خرز ...


المزيد.....

- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية
- المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون ... / د. محمود محمد حمزة
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة. الطبعة الثانية / د. أمل درويش
- مشروع مسرحيات مونودراما للسيد حافظ. اكسبريو.الخادمة والعجوز. ... / السيد حافظ
- إخترنالك:مقال (الثقافة والاشتراكية) ليون تروتسكي. مجلة دفاعا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- بيبي أمّ الجواريب الطويلة / استريد ليندجرين- ترجمة حميد كشكولي
- قصائد الشاعرة السويدية كارين بوي / كارين بوي
- ترجعين نرجسة تخسرين أندلسا / د. خالد زغريت
- الممالك السبع / محمد عبد المرضي منصور


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - يحيى نوح مجذاب - أعناق النخيل