في (ملتقى الزمن) تلتقي الأفكار

يحيى نوح مجذاب

الحوار المتمدن-العدد: 7509 - 2023 / 2 / 1 - 00:52
المحور: الادب والفن
    

في زقاق قديم من أزقة كركوك العتيقة تقبع بتؤدة مكتبة قديمة، صغيرة في حجمها كبيرة في عطائها. إنها تمثل تاريخاً ورمزاً لأدباء كركوك؛ فيها يلتقي كلّ من اشتطَّ لحياته طريق الأدب، في الشعر والقصة والرواية والنقد والمسرح، وكل مضامين المعرفة. إنها ملتقاهم الصغير منذ أعوام. فيها يتجاذبون أطراف الحديث، يتحاورون، يتجادلون، يتسامرون، وأحياناً يحتدمون برويّة المثقفين، فهي محطِّ إبداعهم ونقطة لقائهم التي لم تتغير.
كتب قديمة وإصدارات حديثة مرصوفة على رفوف متوازية تعلو الواحدة الأخرى. بعضها مبعثر لم يتسنى لروادها من ترتيبها من جديد بعد تصفحها وتقليبها، فالضيوف والمرتادون لهذه المكتبة غالباً ما يكونون على عجلٍ من أمرهم.
لوحات ورسوم ملونة وصور فوتوغرافية احتلت فراغات مناسبة على الجدران وبين الكتب لأدباء وشعراء وصلوا إلى العالمية وآخرون كانت لهم بصماتهم الواضحة في مسارات الحركة الثقافية للمدينة، امتدت لتخوم العاصمة ومدن الجنوب التي تميزت بنقاء اللغة وأصالتها.
تحف فنية، تماثيل صغيرة، زهريات، وأباجورات وجدت لها مكاناً بمشقة واحتشدت في الرفوف العالية وهي تطل على عناوين الكتب والمجلدات بأعين متربصة.
هذا الزقاق الصغير يبدأ من شارع الأوقاف غرباً وينتهي شرقاً حيث امتدت حديثاً المجمعات الطبية لعيادات الأطباء والصيدليات ومختبرات التحليل. وهو أشبه بجدول ماء متعرج حيث يتسع في أماكن ويضيق في أخرى، وقد تعاقبت عليه الأجيال من قاطني كركوك بكل أطيافها. كان ملتقى العشاق قبل عقود من زمن مضى وربما اسمه القديم مازال عالقاً في ذاكرة البعض – زُقاق العشاق - (عاشق لر سُقاقي ).
بعض الدور أكل الدهر عليها وشرب، ويمتد عمرها إلى أكثر من مئة عام وهي تنتظر أن تصل إليها يد العمران فهي لم تعد صالحة للسكن.
قبالة المكتبة ورشة نجارة قديمة دأب صاحبها على صناعة الكراسي (السكمليات) ذات الطراز الفلكلوري القديم والطبلات والمناضد والدواليب، وقريب منها محل لبيع التحفيات، والأنتيكات. إضافة إلى متاجر متعددة لبيع العدد اليدوية، والزجاجيات، وتأطير اللوحات، وملابس الرياضة، والأحذية وغيرها.
مكتبة (ملتقى الزمن) كان لها الفضل في احتضان جماعة كركوك الأولى والثانية ومَن خَلَفهم من أدباء وشعراء من كلا الجنسين شباباً وكهولاً تجمعهم أحياناً مناسبات عدة وأمسيات أو أصبوحات لتوقيع كتاب جديد أو مناقشة دراسة جديدة يتم تنظيمها في قاعة اتحاد ادباء وكتاب كركوك، ويتولى إدارتها غالباً الأديب محمد خضر رئيس اتحاد فرع كركوك، وهو متخصص في المسرح ويتمتع بذاكرة جيدة وقدرة ممتازة على إدارة الندوات، ثم الأديب فاروق مصطفى الذي لا يتوانى عن الحضور ويضفي على الجلسات الثقافية رونقاً متميزاً فهو مدرس للّغة العربية وله إصدارات ليست قليلة أرّخ لكركوك ولأدبائها، له بصمته الواضحة ونشاطه الدؤوب في الحركة الثقافية في كركوك، ويعتبر من المنسوبين إلى جماعة كركوك الأولى ومن المؤسسين الأوائل لها مع أعلام الأدب الأوائل في الرواية والشعر والنقد؛ جليل القيسي، فاضل العزاوي، مؤيد الراوي، سركون بولص، جان دمو، يوسف الحيدري، صلاح فائق، أنور الغساني، ويوسف سعيد.
ومن الأعلام المهمة التي تربعت في أحضان الثقافة ومضامين الأدب في كركوك ولها بصماتها الواضحة في الشعر والقصة القصيرة والرواية والخاطرة والنقد ولقاءاتهم تكاد لا تنقطع في الملتقى حتى لو تباعدت أزمنة الحضور لظروف شخصية خاصة، لكن أواصر الانتماء إلى هذه الشريحة المثقفة الواعية تظل مستمرة. البعض قد غادر الدنيا إلى رحاب الله، والآخرون مازالوا يرفدون الأدب بنتاجاتهم وحضورهم (ما سأذكره ليس جرداً لكل الأسماء بل ما أسعفتني به الذاكرة لأن أعدادهم لا يمكن أن تضمينها في هذه المقالة القصيرة):
- الأديب حميد الجاف وهو من مواليد 1930 وهو أديب ومؤرخ وشاعر ونحاّت له العديد من الإنجازات في عقد التسعينات وقد تأثر بالشاعر محمد مهدي الجواهري وجبران خليل جبران وميخائيل نعيمة ومن أهم دواوينه الشعرية (نفثات مقلوب) و (عرق دم دموع ) توفي عام 2012.
- الأديب محمد صابر محمود وهو من مواليد 1932 وهو أديب ومترجم ينتمي إلى جيل الرواد من الأدباء والمثقفين الذين عاصروا النهضة الفكرية والأدبية في النصف الثاني من القرن الماضي من مؤلفاته المطبوعة (عشرون قصة كردية) توفي في عام 2015
- الشاعر عباس عسكر ولد في مدينة خانقين سنة 1939 وهو شاعر عشق قصيدة النثر إلاّ أنه تميز عن الكثيرين من معاصريه في التركيز على تكثيف المضمون واختزال الكلمات توفي سنة 2007 له (هجرة الطائر الأزرق) ودواوين أخرى.
- الأديب أيوب بمبوقجي له مساهمات في كتابة القصص القصار، وعدد من المقالات.
- الأديب موشي بولص حضوره يكاد يكون هو الطاغي في كل محفل أدبي يتميز بالأسلوب السلس الممتع له عدة إصدارات في القصص القصار والخواطر المركزة ذات الدلالات الإنسانية العميقة مثل (عذراً أيتها المرايا).
- الشاعر والناقد عدنان أبو اندلس له عدة دواوين في قصيدة النثر منها (مسارات كيرخو) و (معزوفة الدمشقي) والسيرة الذاتية بعنوان (أمثولة العابد)، وكتب نقدية عديدة.
- الروائي فهد عنتر الدوخي له (آدم لا يشبه جده) و (انتهاء المواسم) و (المرأة الجدار) و (نبضات قلم).
- يوخنا ميرزا الخامس وهو باحث أكاديمي حاصل على درجة الدكتوراه في اللغة العربية وله بحوث عديدة في مجال اختصاصه ويتميز بذائقة فريدة في استكشاف خفايا الرواية.
- الإعلامي هاشم جباري وقد عمل مذيعاً في تلفزيون كركوك ومقدم برامج وكان هاجسه بعد عام 2003 الحفاظ على الأرشيف من موسيقى وأغاني وبرامج يتجاوز عمرها الثلاثين عاماً.
- الأديب نزار السلامي له إسهامات أدبية عديدة وهو يرأس حالياً مجلة (مدارات ثقافية) التي تصدر في كركوك.
- الشاعرة مها الهاشمي صدر لها المجاميع الشعرية (وشوشات صاخبة، و تسابيح الريح).
- الروائية منال عزالدين صدر لها رواية (حلم شيخوخة).
- الشاعرة ذكريات عبدالله صدر لها المجموعة الشعرية (أحمر بلا شفاه)
- الأديب صباح بازركان وهو باحث مهتم بأرشفة الأعمال الأدبية من كتب ومجلات وصحف وأسماء كتّاب في كركوك صدر له كتاب (مطبوعات كركوك في مئة عام)
- القاص صباح بولص من المواظبين على التواجد المبكر في ملتقى الزمن وهو كثير الصمت لكن عندما يتحدث تنطلق قريحته لكنه غاب في الأشهر الماضية بسبب المرض، له قصص قصيرة جداً منشورة في مجلة مدارات ثقافية.
الحركة الأدبية في كركوك تسير بثبات بخطى واثقة على الرغم من أن الأَعلام الكبار في جماعة كركوك ألأولى لم يتكرروا بنفس الثقل الذي كانوا يتميزون به في عمق أفكارهم ورصانة أساليبهم الأدبية وقوتها وتأثيرها على المتلقي خاصة أن بعضهم كان يعيش حياة بوهيمية، متمردين على واقعهم مما حدا بمعظمهم للهجرة خارج الوطن والعيش في المنافي على مضض حتى وافتهم المنية في الغربة، غير أن الإقبال الشديد من قبل الأجيال الجديدة للانخراط في هذا المضمار خاصة بعد دخول التقنيات الحديثة في سهولة الحصول على المعلومة باستخدام الانترنيت وتحميل آلاف الكتب الإلكترونية حتى أصبحت في متناول اليد سيبشر بمستقبل واعد لنهضة ثقافية جديدة قد تجد طريقها إلى العالمية في وقت قصير.

#يحيى_نوح_مجذاب (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات