أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فوز حمزة - جلست أحتسي فقري














المزيد.....

جلست أحتسي فقري


فوز حمزة

الحوار المتمدن-العدد: 7989 - 2024 / 5 / 26 - 11:36
المحور: الادب والفن
    


بعد جولة تسوق فشلتُ فيها في شراء أي شيء، استوقفتني رائحة القهوة المنبعثة من أحدى المقاهي، أيقظتْ فيّ إحساسًا لذيذًا ورغبة عارمة لاحتساء فنجان الإسبريسو مع سيجارة قبل استئناف الجولة مرة ثانية، تجاوزت عتبة المقهى لأشعر بخيبة أمل وأنا أرى طاولات المقهى شُغلت جميعها و قبل أن أستدير لأخرج بادرني النادل بالسؤال:
- بماذا أساعدك سيدتي؟
سألني بصوت رخيم وابتسامة عذبة كأنه يغازل حبيبته.
قلت له بيأس:
- كنت أمني نفسي بفنجان قهوة، يبدو لا حظ لي اليوم، ربما في وقت آخر!
وضع الدفتر الصغير والقلم في جيب صدريته ليسألني ثانية:
- هل تدخنين؟
- نعم.
- انتظريني لحظة، هناك محل فارغ في صالة المدخنين، سأتأكد من ذلك.
عاد بعد دقيقتين ليخبرني بإمكاني مشاركة سيدة في الجلوس على طاولتها، إن لم يكن لدي مانع.
أشرت برأسي علامة الموافقة، تبعته غير مهتمة إلا بفنجان القهوة. وصلت إلى مكان الطاولة. السيدة كانت في غاية الحسن والأناقة، معطفها شبيه بالمعطف الذي رأيته قبل ساعة وتمنيت شراءه!
اعتذرتُ لتطفلي عليها.
وهي تمسك بإحدى يديها مجلة وفي اليد الأخرى سيجارة ردًّت:
- لا بأس، البرد في الخارج شديد، لهذا تجدين المقاهي في مثل هذا الوقت مزدحمة، على أيّ حال، سأغادر بعد عشر دقائق.
عذوبة صوتها، بدد الإحراج الذي كنت أشعر به فشكرتها، لقد كانت مثيرة فوق العادة، البشرة الناعمة، وزرقة العينين، رسمت لوحة مع لون شعرها الأشقر اللامع. كانت جميلة بوقاحة.
ذهاب النادل ليعد لي الطلب، منحني فرصة التفرس في معطفها الثمين.
تساءلت مع نفسي: كم أحتاج من المال لأشتري مثله؟
سألتني بصورة مباغتة وهي تغلق المجلة لتضعها في الحقيبة:
- هل تعملين؟
- أجل، في شركة اتصالات.
رجوت الله ألا تسألني عن الأجر الذي أتقاضاه من الشركة التي لا تدفع لمنتسبيها إلا ما يسد الرمق، بالفعل لم تسأل، بل هزت رأسها ببطء، ثم زمّتْ شفتيها قبل فتحها لعلبة سجائر فاخرة، وتقدم لي واحدة منها، لم تسمعني حين شكرتها لانشغالها بالرد على الهاتف، تساوم شخصًا على مبلغ عشرة آلاف دولار.
أقفلت الهاتف بعد أن قالت للمتصل:
- بدولار واحد أقل لن أقبل بغير هذا المبلغ، هل فهمت؟
قلت لنفسي: لو كنت مكانكِ لقبلت بنصف المبلغ، وربما ربعه!
- لكني لم أطلب سوى القهوة!
قلت للنادل باستغراب وهو يضع أمامي طبقًا فيه قطعة كاتو.
أجابني، وهو ينظر إليها بكل الرقة:
- إنه على حساب السيدة.
شكرتها وأخبرتها، كان في استطاعتي طلب الكيك.
قالت بنبرة تحاول من خلالها تبديد الإحراج الذي شعرت به:
- في هذا المكان يقدمون ألذ كاتو على الإطلاق، ثم أنتِ ضيفتي و...
اتصال جديد غيّر لون سحنتها البيضاء إلى حمراء فبدت أكثر فتنة. بدأت تنقر على الطاولة بولاعة السجائر الفضية التي جاءت منسجمة مع خاتم الألماس في إصبعها.
وأنا أحتسي القهوة، شعرت كأنني أحتسي فقري. بدأت أنكمش على جسدي البائس بملابسي الرخيصة التي تستره، شعرت بالندم لأنني دخلت هذا المقهى، لم أوفق في شيء هذا النهار.
أغلقت هاتفها ثم رمته بعنف على الطاولة وهي تردد: لصوص، أوغاد.
طلبتْ من النادل أن يأتيها بفنجانين آخرين من القهوة على أن تكون القهوة هذه المرة ساخنة جدًا،
اتصال جديد وردها، بدت أكثر هدوءًا مكتفية بترديد حسنًا لأكثر من مرة، ثم قالت مستغربة: عشرة آلاف دولار ليس مبلغًا كبيرًا! هناك مواقع أبدت استعدادها للعمل معي بالمبلغ الذي أحدده دون نقاش، طيب، اتصل بيّ حينما يصبح كل شيء جاهزًا، ضع في حساباتك، لقد ألغيتُ عقدًا مهمًا من أجلكم، وإلا لن ترضيكم ردة فعلي.
جاء النادل بالقهوة الساخنة جدًا حسب طلبها.
ارتشفتْ قليلًا منها لتقول لي:
- أصحاب العمل لصوص، بل أكثر من ذلك، إنهم قوادون، لا يتوانون في فعل أي شيء من أجل جني المزيد من المال!
قلت لها وكأنها عزفت على وتر حساس:
- قصتي محزنة معهم!
كنت على وشك إخبارها عن معاناتي في العمل، لولا اتصال آخر منعني من تحقيق رغبتي. سألتْ مَنْ يحدثها بكل هدوء:
- هل أنتم جاهزون؟ لا تدعني أنتظر كالمرات السابقة.
ارتشفتْ قليلًا من قهوتها ثانية ثم سألته:
- هل حضر الممثل؟
لا أدري ما الذي جعلها تضحك بصوت عال.
ختمت حديثها بالقول:
- ربما أفكر في جعلك شريكي المرة القادمة.
وهي تلملم حاجياتها، تمكن مني فضول كبير لمعرفة أين تعمل، فلم تسبق لي مشاهدتها في أي عمل درامي.
- هل تعملين في السينما؟
وهي تحاول ربط حزام معطفها الرائع وحمل حقيبتها الثمينة ذات الجلد الطبيعي أجابتني:
- أنا نجمة إباحية.
خرجتْ مسرعة لتستقل سيارتها الفارهة التي كانت تحتل رصيف المقهى وتركتني وسط دوامة من الغضب بعد اضطراري لتسديد ثمن الفاتورة كلها.
حينما خرجت من المقهى، ضحكت من نفسي، وقد خطرت في ذهني تلك اللحظة التي تمنيت فيها موافقتي على نصف المبلغ.



#فوز_حمزة (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بيرة بالليمون
- جلسة سرية
- اليوم الثامن
- بلغاري .. عربي
- الفاصل كان لحظة
- قالت رأيتكَ
- أزواج الزوجة
- الحب في زمن الكورونا
- أدوات استفهام
- آدم الأخير
- فوز الكلابي موشاة بأحلام قصصها
- يوميات سائق كيا
- نشط منذ ساعة
- نافذة على الخريف
- مداهمة قلب
- موت الوهم
- لمن الصورة؟
- ليلة الحفل
- حوارية بين فوز حمزة والشاعر عبد السادة البصري
- للظلام أجنحة


المزيد.....




- تحية لروح الكاتب فؤاد حميرة.. إضاءات عبثية على مفردات الحياة ...
- الكاتب المسرحي الإسرائيلي يهوشع سوبول: التعصب ورم خبيث يهدد ...
- من قال إن الفكر لا يقتل؟ قصة عبد الرحمن الكواكبي صاحب -طبائع ...
- أروى صالح.. صوت انتحر حين صمت الجميع
- السعودية تخطط لشراء 48 فدانا في مصر لإقامة مدينة ترفيهية
- هل يشهد العالم -انحسار القوة الأميركية-؟ تحليل فالرشتاين يكش ...
- التمثيل النقابي والبحث عن دور مفقود
- الفنان التونسي محمد علي بالحارث.. صوت درامي امتد نصف قرن
- تسمية مصارعة جديدة باسم نجمة أفلام إباحية عن طريق الخطأ يثير ...
- سفارة روسيا في باكو تؤكد إجلاء المخرج بوندارتشوك وطاقمه السي ...


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فوز حمزة - جلست أحتسي فقري