أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسام جاسم - سهد التهجير / 36















المزيد.....

سهد التهجير / 36


حسام جاسم

الحوار المتمدن-العدد: 7917 - 2024 / 3 / 15 - 14:53
المحور: الادب والفن
    


انتقلت العربة إلى الزقاق القريب عند بيت الأخت الكبرى للأم (نزازه)، حيث أقترح أبناؤها إخفاء العربة وابعادها عن البيت والبقاء عندهم حتى يهدأ الوضع المتأزم.

الصمت ساح في الجلسة لكن تتم مقاطعته بصوت الرصاص واخبار تتلقفها الألسن لتنتشر عند كل فمٌ ناطق.
لقد احرقوا كل البيوت ذات الصلة والقرابة للعائلة، قتل من قتل وجرح من جرح!!!!
إنهم يرافقون الجثث لمثواها بعد قتلها في مشهد سينمائي يعرض أمام أنظار الحكومة والمفتي!!!!
الكل يتسابق ببسالة وبطولة لقتل العائلة وكأنها نقمة في الوجود البشري ولطخة عار لم تفعله هي بل تدفع ثمنه فقط!!!!
انتشرت الفيديوهات لرؤساء القبائل التي اجتمعت للقتل والبراءة من كل ما يمت للعائلة بصلة قرابه.
لا أحد يهرب من دفع الثمن الا بمقتله!!!
ينشدون الأناشيد ويبتهلون للقتل والدمار والبحث عن عائلة لا صله لها بأحد لكن مجرد انتماءها البيولوجي الوراثي بالواقعة جعلها تدفع الفاتورة بالدم.

هرعت (شويرده) من فوق غرفتها لتصرح للحاضرين بأن منزلهم حُرق او بالأصح منزل المالك معتقدين انه باسم العائلة المطلوبة!!!!

- من حرق؟

- قبيلة النهماشة تبحث عنكم.

- بأي ذنب؟

- لا يعرفون التفاهم معكم.

السطح الواسع يفسح المجال للنجوم والهواء المنعش للشتاء لكنه يصطّد بالدخان الكثيف المنبعث من البيوت المحترقة يتراقص مع الريح وينتقل للأعلى، الجميع يستطيع مشاهدته أنه بيت العائلة، تتصاعد من غرفة الابن الاكبر النيران، إنه يعرف موضع النار التي اشتبكت مع كتبه المتزايدة التي ادخرها لأجل التنوير والمعرفة تتلاشى لتصبح رماد!!!!

القلق ينتاب العائلة أنه قلق المصير وطريقة العيش القادمة، كيف يتم التأقلم مع هكذا وضع؟ تعرف انك ستقتل فيه بلا سبب او مضمون، ستمشي حاملاً الموت في كل لحظة!!!!!!

اجتمعت القبائل ووجدت أن كل ما يمت للعائلة بقرابة دم فهو مستحق القتل وستشرع جميع القبائل الموقعة ادناه على الشروع بقتله وتسليم جثته والبراءة منه!!!!!!
ترتفع الرايات الحمراء والسوداء خلف رؤساء القبائل يحملها الهوجاء الجهلة والمتشوقين للدم!!!!!!

أنها وثيقة إهدار الدم وستنفذ مهما طال الزمن.

لا يسمعك أحد، كل ما في وسعك الآن هو الاختباء من الظلم، التكور داخل جسدك لتحميه، لتحمي عقلك من شراسة الواقع وكرهك لبني جنسك ودكتاتورية الحكومة.

فجأة أصبحت انت المدان وستفقد حياتك بأي لحظة.
فردية الموت ليست مخيفة ولكن ان تُقتل مع من تحب واقرب البشر إليك، شعور مدمر لا تتحمله النفس فكيف اذا كانت بريئة طاهرة لا ذنب لها سوى قرار بيولوجي لا ارادي فوق قدرتها البشرية!!!!!!

الإقرار بشيء لم تفعله او تعرفه...... جنون يدفعك للهرب ولا يمكن للبلد التي تتهمك بذنب وجناية ان تدافع فيها عن حقك.

وكيف يكتب من لم يرى الحادثة اقرارًا بأنه رأها وسيحاكم من لم يراها بل يجعل الجميع يقتلونه؟!!!!

اصبح الهاتف المحمول رمزًا للتواجد والوجود والواجب!!!
يخفق صوته فيرتعش الجميع، يحمله الاب ويجيب:

- الووو!!!

- معك الشيخ غناف.

- نعم يا شيخ، هل تخليت عنا بهذه السهولة لنُقتل بلا ذنب او إثم؟

- ماذا أفعل فالدم يحصد الدم.

- لكن انا وعائلتي لا علاقة لنا بالدم.

- لكن الواجب أن تحصدوه فالنسب هو السبب، وما دام نسبكم لنفس القرابة في نفس العشيرة فأنتم في مرمى الدم.....الدم.....الدم.

- هل كلمة الدم سهلة النطق هكذا لأناس ابرياء لا ذنب لهم؟

- هذا أمر الإله.

- هذا أمركم يا شيخ غناف هل هناك دليل واحد من كتاب البقايوقات يشير الى ذلك الأمر؟

- هذا شأن دنيوي وعرف متبع لا مناص منه ولم يعترض عليه المفتي الذي شد على ايد العشائر ومدحهم.

- وما الحل؟

- الحل هو الفداء بالدم او الدفع لأهالي القتلى.

- وكم ندفع ونحن لا نملك!!!

- ٨٠ مليون زطلنار.

- وكيف يمكنني تدبير ذلك المبلغ؟

- لا شأن لنا بهذا، يا اما الدفع أو القتل.

تعد عملة (الزطلنار) هي الرسمية الوحيدة للتعاملات المالية في أرض التهميش والعدم، قيمتها تتضاءل امام العملات الاجنبية وتتراجع لتزداد الهوة بين المعدومين المهمشين والأغنياء.
الدفع ام القتل لا أحد يعرف حل لهما سوى التهجير وسهده، الهروب ليلًا ينقذ الموقف ويحمي الجميع، وهكذا قررت العائلة الهرب بحياتها بعيدًا.

الاختباء في مجتمع كسيح موبوء بالتقصي عن الأجساد لا يقدم منفعة للمستقبل ولا يمكنه الخروج من عنق الزجاجة التقوية.

كم ليلة وحادثة يمكن أن تذهب سدى، وتختفي في عالم الظل وتنسى وتندثر.

- لا تنظروا إلى الوراء.

- كيف؟ يا معواس!!!

- أن السيارة ستسرع بكم إلى مدينة أخرى لا يعرفكم فيها أحد، أنها على الأطراف المقفرة المظلمة خالية من النور والماء وتندثر فيها الأتربة والمخلفات الصناعية.

- وداعًا.

نظرات العائلة خلف أبواب السيارة تشير إلى قوة الماوراء، قوة وهمية لا نراها لكنها تدخل ذواتنا بلا استئذان وتؤثر في مجرى الأحداث المستقبلية.
معواس ينظر بحسره وهو يتلفت كاشفًا الطريق الممتد نحو الموت او الهلاك كأنه يودعهم لرحلة الفردوس في بحر الظلمات!!!!

تلج السيارة في طريقها تعبر المدينة تتناثر حولها البيوت لتختفي وتظهر أشجار المزارع المهملة التي تقطع الطريق بتداخل أغصانها وأوراقها وتتطاول على الشارع العام، بعدها الأفق يحد الطريق تنغلق العيون وتأخذ غفوة، تزداد المطبات وتنخفض الأصوات وتمر الساعات وعند الصحو ينقشع النظر نحو بشاعة أطراف الدولة انها حدودها المعيبة المغيبة، لا أحد يعلم عنها سقطت من الحسبان، صحراء من الكثبان الرملية عميقة تبتلع الف عشيرة وعشيرة والف حكومة ومع المفتي فوق البيعة.
بعد ساعات، يظهر من العدم مجتمع سكاني ضئيل اتخذ بقعة داخل هذه القرافة ليعيش فيها بسلام واتربة وعطش!!!

كيف يجتمع السلام مع الوحدة؟
هل يحتاج تحقيق السلام إلى العزلة؟
أم أنه يحتاج إلى قوة عسكرية عظمى؟
هل الاختباء افضل الطرق للعيش بسلام؟
ما الذي يجعل التقشف المادي والاستغناء دستور للعيش بسلام؟
هل امتلاك الموارد الطبيعية تخلق الصراعات وتهدد العيش بسلام؟
ما الذي ممكن ان نستغنى عنه لأجل العيش بسلام؟
لم يبقى سوى سروال واحد يستر العفة!!!! هل اكتب فيه تنازلاً لأجل العيش بسلام؟

تترجل العائلة وتمسك بعضها بعضًا، في خط مستقيم تقاوم الهبوب الرملية وتضغط بجسدها على الهواء، يصبح الظلام سيد الكلام.
تصرخ فيهم الأصوات تتردد صداها:

- من انتم.

- من الضالين.

- من ضللتموه.

- لا أحد.

- فكيف إذن تكونوا من الضالين؟ أهو الإله؟

- لا.

- ارجعوا من حيث جئتم.

- ولكن لماذا، نحن نريد أن نعيش هنا؟

- كيف وانتم تمتلكون تلك الرائحة؟

- أي رائحة؟!!

- انني أتذكرها ان لم تتغير بعد خمسين سنة انها رائحة الكتب.

- وما الضير في ذلك؟

- تنبعث من أجسادكم رائحة عطره غالية الثمن من اين انتم؟

- من الجعدونية.

- وهل توجد منطقة بذلك الاسم؟ انتم كذبه فأنا اعرف هذه الدولة وارتحل فيها منذ عشرات السنين.

- أظهر نفسك حتى نتكلم فكيف نناقش العدم.

- انا موجود، وهل للعدم صوت؟

تمتد اليد في خفه ودلع نحو خصر الاب فيرتعش منها، تنطلق الضحكات ويكشف الصوت عن وجودة.

- من انت؟

- انا مغدوس عين أعيان هذه المنطقة.

- نحن عائلة جديدة نريد أن نعيش بسلام.

- كيف يأتي السلام ولا زلتم محملين بثراء المدن وكماليات الدنيا، تفوح منكم الروائح ويغطيكم العبير وتلبسون الناعم وتقرأون الكتب؟

- وما المطلوب منا فعله؟

- الاستغناء عن كل شيء سوى قطعة واحده من الملبس تغطي القضيب والمهبل!!

- لماذا؟

- هذا الشرط الوحيد لدخول منطقتي منطقة الكثبانية.

- أين سنضعها؟

- سنحفر حفرة عميقة وندفنهن فيها وعليكم ان تستحموا بفضلات الجمال لكي تشعروا بالانتماء.

- مستحيل!!!

- انتم أحرار يمكنكم العودة من حيث جئتم.

- ولكن .....

- اخلعوا واستغنوا.

- حاضر.

اقتنعت العائلة بكلام مغدوس وهل لهم ان يقولوا لا، ردمت الحفرة جميع مدخراتهم ولكن الابن الاكبر وضع أحد الكتب ما بين فتحة الشرج والخصية وضغط عليه بالأفخاذ.

- اتبعوني.

أصبح الرمل يدخل الجسد بلا هوادة يدغدغه ويلعب معه، عند الدخول لابد من التزحلق للأسفل انها فوهه بركان داخل الصحراء عالمٌ جديد وغريب داخل الظلام لم تبرز أنيابه بعد لكنه سجح مؤخراتهم على بابه.



#حسام_جاسم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سهد التهجير/ 35
- سهد التهجير/ 34
- سهد التهجير/ 33
- سهد التهجير/ 32
- سهد التهجير / 31
- سهد التهجير / 30
- سهد التهجير/ 29
- سهد التهجير/ 28
- سهد التهجير/ 27
- سهد التهجير /26
- سهد التهجير / 25
- سهد التهجير / 24
- سهد التهجير/ 23
- سهد التهجير/ 22
- سهد التهجير/ 21
- سهد التهجير / 20
- سهد التهجير / 19
- سهد التهجير/ 18
- سهد التهجير/ 17
- سهد التهجير/ 16


المزيد.....




- الغاوون ,قصيدة عامية بعنوان (العقدالمفروط) بقلم أخميس بوادى. ...
- -ربيعيات أصيلة-في دورة سادسة بمشاركة فنانين من المغرب والبحر ...
- -بث حي-.. لوحات فنية تجسد أهوال الحرب في قطاع غزة
- فيلم سعودي يحصد جائزة -هرمس- الدولية البلاتينية
- “مين بيقول الطبخ للجميع” أحدث تردد قناة بطوط الجديد للأطفال ...
- اللبنانية نادين لبكي والفرنسي عمر سي ضمن لجنة تحكيم مهرجان ك ...
- أفلام كرتون طول اليوم مش هتقدر تغمض عنيك..  تردد قناة توم وج ...
- بدور القاسمي توقع اتفاقية لدعم المرأة في قطاع النشر وريادة ا ...
- الممثل الفرنسي دوبارديو رهن التحقيق في مقر الشرطة القضائية ب ...
- تابع مسلسل صلاح الدين الايوبي الحلقة 22 .. الحلقة الثانية وا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسام جاسم - سهد التهجير / 36