أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد رباص - السرير المستثنى من تعريف الفلاسفة














المزيد.....

السرير المستثنى من تعريف الفلاسفة


أحمد رباص
كاتب

(Ahmed Rabass)


الحوار المتمدن-العدد: 7813 - 2023 / 12 / 2 - 07:28
المحور: الادب والفن
    


اعتاد الأستاذ لحسن اللحية، في عز الحراك التعليمي الحالي، عبر فيديوهاته على قناة اليوتوب، على رفع التحدي أمام كل المسؤولين الإداريين والصحافيين والإعلاميين المؤلفة قلوبهم طالبا منهم أن يجربوا الذهاب إلى إحدى المدارس القروية في ريفنا الحبيب ليدرسوا تلاميذها ويناموا فوق طاولات تتخذ ك"سرير". وبما أن قناعته تلك عبر عنها شفويا ولم يخلدها كتابيا، ارتأيت العودة إلى ما كتبته في هذا الشأن قبل سنوات. فما أجمل التيلباثي! وما أشبه اليوم بالبارحة!
مباشرة بعد انصرام سنتي الأولى (1988-1889) كمدرس للغة العربية في فرعية تنتمي إلى مجموعة مدارس تانسيفت وتقع في ضواحي مدينة أكدز الصغيرة، حررت طلبا للانتقال إلى إحدى الوحدات المدرسية القريبة من هذا المركز الشبه حضري آنذاك. عند نهاية العطلة الصيفية، التحقت بنيابة ورزازات مستفسرا عن مصير طلبي، فوجدت أنه حظي بالقبول، وأصبحت محسوبا على مجموعة مدارس آيت خلفون التي تغطي مؤسساتها التعليمية منطقة تمتد بنحو خمسة كيلومترات بموازاة جبل كيسان على طول الضفة الأخرى لواد درعة الذي كان يسمى بواد الزيتون وتتعايش في أحضانه ممالك بربرية ويهودية قبل دخول المسلمين إلى المغرب.
علمت، لدى توقيعي محضر الدخول بإدارة المؤسسة الجديدة، أن التنظيم التربوي اقتضى أن تسند إلي مهمة تدريس اللغة الفرنسية والرياضيات لثلاثة مستويات دفعة واحدة وهي الثالث والرابع والخامس، على اعتبار أن المستوى السادس لن يضاف إلى المدرسة الابتدائية إلا في السنة الموالية. تحمل الفرعية التي كانت من نصيبي اسم أحد الدواوير التي أنشئت أول الأمر لأجل تعليم صغارها.
في اليوم الأول الذي انطلق معه الموسم الدراسي الجديد، خلعت زوج حذائي ونزعت سروالي لأعبر النهر، ثم ولجت لدوار آيت حمو أوسعيد قادما إليه من أكدز. عندما بلغت المدرسة، وجدتها خاوية على عروشها عدا بعض الطاولات المعفرة بالغبار. وجدت باب أحد الأقسام مفتوحا فدلفت اليه وحططت فيه رحالي عازما المبيت هنا في انتظار بزوغ شمس الغد لتدبر أمر السكن.
هكذا، انتقيت من الطاولات أربعة ونفضت ما علق بهن من نقع كثيف فقد القدرة على الطيران لانعدام نظرا لسطوة السكون، ثم قمت بوضعها على هيئة سرير. لكن هذا النوع من السرير لا يدخل في تعريف السرير عند فلاسفة ومناطقة اليونان القدامى.. من المعلوم أن تعريف أي شيء عندهم يمر من مرحلتين: الأولى خاصة بالجنس والثانية خاصة بالفصل. فمثلا، الجنس الذي ينتمي له السرير هو أثاث المنزل، أما فصله فهو أنه يستعمل للنوم.. أما وسريري مكون من طاولات تستعمل في إجلاس التلاميذ، فهذا لعمري شذوذ عن جادة المنطق لم تستطع محاولات الإصلاح المتعاقبة أن تقضي عليه لحد كتابة هذه الأسطر.
في الغد، تعرفت على المعلمتين المسؤولتين عن تعليم وتعلم تلاميذ المستويين الأول والثاني، كما تعرفت على المعلم الذي سيتناوب معي لتدريس اللغة العربية ومواد أخرى بنفس اللغة لجميع تلاميذ المستويات المسندة لي كما أسلفت الذكر. اتفقت مع زميلي على المعاشرة والسكن تحت سقف واحد قصد الاستئناس والاقتصاد في مصروف الكراء.
وبما أن صديقي الجديد الذي فرضته علي الوزارة الوصية، أو على الأقل النيابة المنتدبة، يتحدر من مدينة ورزازات، فقد أعفاني من مشاركته البحث عن منزل للكراء. فعلا، تكللت محاولته الأولى بالنجاح، فأصبح لنا منزل مشيد بالطين والعيدان يقع وسط دوار خاص بالسكان الحراطنة غير بعيد عن المدرسة التي نعمل فيها.. مع توالي الأيام، اكتشفنا أن هذا البيت الطيني مظلم في الليل كما في النهار.. الحجرة الوحيدة التي كان مسموحا لنا بالإقامة فيها غير ذات نوافذ، الشيء الذي يستحيل معه أن يدخل إليها الهواء النقي وضوء الشمس البهي..
هنا تذكرت نص الموضوع الذي أمرنا أستاذ اللغة العربية ذات امتحان في السلك الإعدادي بكتابة إنشاء انطلاقا واستيحاء منه: البيت الذي تدخل اليه الشمس يغيب عنه الطبيب… لكن المصيبة لم تعد تتمثل في امتناع دخول الشمس للبيت وإنما تتجسد في امتناع حضور الطبيب..
في منتصف السنة الدراسية، زارنا مفتش اللغة الفرنسية، وفي ختام زيارته كلفني بمباشرة أنشطة البستنة في الفضاء الخارجي اللصيق بالقسم الذي أدرس فيه، معللا اقتراحه بوجود الماء بوفرة في محيط المدرسة. قبل هذه الزيارة، وبمناسبة عودتنا الى المدرسة فور انتهاء مدة عطلة ما، عاينا كيف غمرت سيول مياه المطر المنحدرة من شعاب جبل كيسان الأقسام جميعا، ولهذا السبب تعطلت الدراسة ولم تستأنف إلا في الغد بعد ساعات طوال استغرقها جرف المياه والأوحال من داخل الأقسام.
كان بالإمكان تفادي هذا الاكتساح الطوفاني الذي تعرضت له المدرسة لو أن المسؤول عن تشييدها في بادئ الأمر اتصف بأقل قدر من الذكاء لمنع وضع الأقسام جنبا الى جنب وجعل واجهاتها مقابلة للجبل.. بوحي من هذا الوضع الشاذ، تصورت المدرسة كامرأة أمازيغية متحجبة من بنات البلد تطيل النظر إلى الجبل وتتحاشى مد بصرها نحو الواحة الزاخرة بالألوان والروائح والحركات…



#أحمد_رباص (هاشتاغ)       Ahmed_Rabass#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ألم يحن بعد أوان توحيد نظام الأجور وساعات العمل لفائدة أستاذ ...
- مترجم/ انتهاء الهدنة بين إسرائيل وحماس، واستئناف الأعمال الع ...
- الكونفدرالية الديمقراطية للشغل: قرار مجلس المنافسة الخاص بشر ...
- اليوم السادس من الهدنة الإنسانية: قوات الاحتلال الإسرائيلي ت ...
- لحسن اللحية يكشف عن تداعيات ومشاكل تجميد النظام الأساسي
- اليوم الخامس من الهدنة الإنسانية: قوات الاحتلال الإسرائيلي ت ...
- من مهام قناة -النهار الأبيض- تحريض المؤمنين على رشيد أيلال
- اليوم الرابع من الهدنة الإنسانية: السنوار ظهر بشكل استثنائي ...
- ملاحظات على مخرجات اللقاء الأخير بين أخنوش والنقابات التعليم ...
- صاحب قناة -النهار الأبيض- على اليوتوب يرد على رشيد أيلال ويح ...
- الفيلسوف الفرنسي ميشال فوكو في سطور
- الحزب الاشتراكي الموحد ينتفض ضد متابعة النائبة البرلمانية نب ...
- اليوم الثالث من الهدنة الإنسانية: مقتل مزارع فلسطيني وسط قطا ...
- اليوم الثاني من الهدنة الإنسانية: لن يتم إطلاق سراح المزيد م ...
- الأسباب الخفية لعداء جنوب أفريقيا تجاه المغرب
- اليوم الأول من الهدنة الإنسانية: هنية يصف وقف إطلاق النار بأ ...
- يوميات العدوان الصهيوني على فلسطين: : 1600 جندي إسرائيلي أصب ...
- ما هي الفلسفة؟ وما الفائدة منها؟
- يوميات العدوان الصهيوني على فلسطين: مقتل أكثر من 200 فلسطيني ...
- يوميات العدوان الصهيوني على فلسطين: استشهاد 80 فلسطينيا وإصا ...


المزيد.....




- الحكم بالسجن على المخرج الإيراني محمد رسولوف
- نقيب صحفيي مصر: حرية الصحافة هي المخرج من الأزمة التي نعيشها ...
- “مش هتقدر تغمض عينيك” .. تردد قناة روتانا سينما الجديد 1445 ...
- قناة أطفال مضمونة.. تردد قناة نيمو كيدز الجديد Nemo kids 202 ...
- تضارب الروايات حول إعادة فتح معبر كرم أبو سالم أمام دخول الش ...
- فرح الأولاد وثبتها.. تردد قناة توم وجيري 2024 أفضل أفلام الك ...
- “استقبلها الان” تردد قناة الفجر الجزائرية لمتابعة مسلسل قيام ...
- مونيا بن فغول: لماذا تراجعت الممثلة الجزائرية عن دفاعها عن ت ...
- المؤسس عثمان 159 مترجمة.. قيامة عثمان الحلقة 159 الموسم الخا ...
- آل الشيخ يكشف عن اتفاقية بين -موسم الرياض- واتحاد -UFC- للفن ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد رباص - السرير المستثنى من تعريف الفلاسفة