أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ساطع هاشم - ام كلثوم بين اغاني العرب














المزيد.....

ام كلثوم بين اغاني العرب


ساطع هاشم

الحوار المتمدن-العدد: 7740 - 2023 / 9 / 20 - 13:04
المحور: الادب والفن
    


هربت إلى زاوية بعيدة من المرسم وجلست على كرسي عتيق امام جهاز الايباد الجديد، وكان سطحه البلاستيكي ذو اللون الأسود متناسب جدا ولون المنضدة الخشبية التي وضعته عليها والتي تشبه جلد الثعبان
نظرت في الاعداد الكبيرة من الافلام المعروضة على صفحة -يوتوب- التي قام المعجبين بالاغاني العربية بتحميلها, وتوقفت عند مجموعة من اغاني فريد الاطرش ومحمد عبدالمطلب وفائزة احمد واخرين, ثم انتقلت الى ام كلثوم واغانيها ومنها:
دارت الايام, حسيبك للزمن, رق الحبيب، اقبل الليل وغيرها
وكانت هناك صورة بالأبيض والأسود لام كلثوم جذبتني, على غلاف احدى الاسطوانات, تضيئها أضواء المسرح من كل جانب وهي ترتدي فستان سهرة أبيض وتركت على كتفها الايسر شالا طويلا, وكانت تقف متيبسة ومستقيمة نوعما، ورأسها مائل للأعلى قليلًا نحو النور، وذراعاها مثنيتان عند المرفقين، ويداها مشدودتان في قبضتين وهي تمسك بمنديل, ولم أتمكن من رؤية قدميها، لكن بإمكاني أن أقول من وقفتها أنها لا بد أن تكون قد ثبتتهما بقوة على الأرض، كما لو كانت على سطح سفينة وهي تحافظ على توازنها على الرغم من أمواج المحيط حولها
وقفَت أمام أنظار الأضواء والكاميرات وأمام جمهور من الغرباء الذين تجمعوا لمشاهدتها، ومع ذلك بدت وكأنها وحيدة تماما, كما لو أن فعل الغناء ملأها بفرحة جامحة لدرجة أنها لم تكن تدرك أي شيء آخر حولها طوال مدة الأغنية
بدأت الموسيقى مع نغمات القانون, بشجن وبخفة راقصة، ثم انضمت إليها بعض الآلات الأخرى مثل الكمان والناي والطبلة وغيرها, فكانت هذه الالات حولها مثل حشد متحمس من الناس الذين كانوا جميعًا يتحدثون، يضحكون، يروون القصص، ولكنهم مترابطون معًا بصوت إيقاع منتظم, وفجأة وبشكل غير متوقع، وصل صوت امرأة, وقد طارت بينهم مثل الطير وأدركت أن كل الأدوات الموسيقية كانت تنتظرها للترحيب بها هي وحدها
لدهشتي عندما بدأت بالغناء كنت وكاني استمع اليها لاول مرة في حياتي، فقد بدت لي وكأنها لم تهتم بالإيقاع الذي نسجوه حولها، وظلت تسحبه وتمده, وخف صوت الالات حتى ظننت أنها فقدت تمامًا صلتها بالمطربة, ولكن عندما بدا أن الوقت قد فات، عادت الصلات مرة أخرى وصعدت الموسيقى باعلى الاصوات وامتزجت بهياج الجمهور وتصفيقهم وكلمات المشجعين من كل زوايا القاعة وهم في نشوة وغيبوبة
غنت بصوت واضح وقوي مثل البوق، وأخرجت الكلمات بذلك الصوت المتحرك الطويل:
(اشكى مش حاسأل عليك إبكى مش ح ارحم عنيك) - (لقد بكيت من أجلك، والآن حان دورك لتبكي علي)
لقد بدت قريبة جدًا ومألوفة من كل مستمعيها, كان الأمر كما لو أنها كانت تنظر الي انا ايضا مباشرة, لكنها تعني من يجلس قربي, وهي تحكي لي قصة, كيف أنها أحبت رجلاً ذات يوم، وكان قاسيًا معها وجعلها غير سعيدة, لكنها التقت بعد ذلك برجل آخر كان ألطف منه بكثير، وصارت سعيدة مرة أخرى, وفي هذه الأثناء، بدأ الرجل الذي جعلها حزينة يفتقدها، وهكذا دارت العجلة ودورتها وحان دوره في البكاء
لقد بدت شجاعة كاللبؤة، وفي نفس الوقت خائفة كالطفلة, وعند الاستماع إليها، لم يكن لدي أي إحساس بأنها كانت تشعر بالمرارة أو الاستياء، أو أنها كانت غاضبة من الرجل الذي آذاها وسعيدة لرؤيته يعاني, فقد كانت رسالتها أبسط بكثير, كانت كانما تخبرني أن الأشياء تتغير، والحياة تستمر، والضحك والدموع يتبع احدهما الاخر, واذا يتم طرحك على الأرض، فيمكنك النهوض والوقوف على قدميك مرة أخرى.
استمرت الاغاني واستمعت إلى المزيد والمزيد من القصص التي تُروى, كان هناك الكثير من الحب المتبادل والكثير من الشوق لعالم يمكن أن يعيش فيه الرجل والمرأة في سعادة دائمة, ولكن حتى الأغاني الأكثر حزنًا كانت مليئة بالامل, كما لو أن مجرد الغناء في حد ذاته يعد انتصارًا وطريقة للتعامل مع اليأس, وكانت آخر أغنية استمعت اليها هي رق الحبيب, وليس لدي أي فكرة عن عدد السنوات التي تفصل بين تسجيلات الستينات وهذا التسجيل القديم، طبعا أنها نفس المرأة التي كانت تغني، لكن صوتها تغير الان بشكل عميق, لقد فقد صوتها ذلك الاحساس الراقص والفوران، وبدلاً من ذلك شعرت أنها كانت تغني وتطرب جمهورها الواسع وحنجرتها مدفوعة بجهد واضح من الإرادة والخبرة الطويلة بتقنيات الغناء, وانها تريد القول بانها لا تزال قوية
استمع اليها هذه الايام باستمرار على أي حال بسبب تقدمي بالعمر وذكرياتي الشخصية, حتى اصبحت كلمات الأغاني وقصصها قصصي انا أيضًا وهي تعيدها وتنوع في مقامات بعض ابياتها ببراعة، وليس مرد ذلك الى اني آمنت فجأة بالعيون السود والقلوب العاشقة جدًا، أو بالعناق بجوار شمس الاصيل, لكنني مخمور بصوتها وهو يسكرني ويخدرني لبعض الوقت ويطرد مخاوفي, بينما اتذكر صورتي جالسا مع بعض الاصدقاء في مقهى ام كلثوم في ساحة الميدان وسط بغداد وكيف أذهلتني عندما سمعتها تغني لأول مرة وانا مازلت غض صغير.



#ساطع_هاشم (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خبر من عاشوراء العراق
- الزجاج والماء
- جنائز المغدورين
- التأقلم او الزوال
- اشباح الخراب
- امرأة
- پورتريه
- مسيرة جبلية
- صورة قرية بالفحم
- العقيق الاحمر
- صورة جبل
- صَقر مُطارَد
- رسائل الليل واجوبة النهار
- حاسة السمع وانفجارات العراق
- ماهي الفوضى الخلاقة؟
- الغرق
- الموظفة
- حروب الثقافتين
- رجال في الخفاء
- رسالة الفنان


المزيد.....




- عرفان أحمد: رحلتي الأكاديمية تحولت لنقد معرفي -للاستشراق اله ...
- “متوفر هنا” الاستعلام عن نتيجة الدبلومات الفنية 2025 الدور ا ...
- “سريعة” بوابة التعليم الفني نتيجة الدبلومات الفنية 2025 الدو ...
- عرفان أحمد: رحلتي الأكاديمية تحولت لنقد معرفي -للاستشراق اله ...
- جداريات موسم أصيلة.. تقليد فني متواصل منذ 1978
- من عمّان إلى القدس.. كيف تصنع -جدي كنعان- وعيا مقدسيا لدى ال ...
- رابط نتيجة الدبلومات الفنية 2025 برقم الجلوس nategafany.emis ...
- “رابط مباشر” نتيجة الدبلومات الفنية 2025 الدور الأول برقم ال ...
- امتحان الرياضيات.. تباين الآراء في الفروع العلمي والأدبي وال ...
- هيلين كيلر.. الكفيفة الصماء التي استشارها رؤساء أميركا لعقود ...


المزيد.....

- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ساطع هاشم - ام كلثوم بين اغاني العرب