|
رسائل الليل واجوبة النهار
ساطع هاشم
الحوار المتمدن-العدد: 7041 - 2021 / 10 / 8 - 10:56
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
الكائنات نوعين: النشيط والهامد في فوضى منظمة بشكل هرمي، الأبرياء فيها فريسة للمجرمين الجناة والذين هم دائماً يقيمون في اعلى الهرم، وفي هذا الترتيب فان غريزة قطيع الغنم او باقي الحيوانات تشبه غريزة قطيع البشر والانس ولا فرق ابداً. بعض المتحذلقين لا يعجبهم التشبه بالغنم، لان الناس عاشوا حياتهم كلها بالاعتقاد بان الانسان هو الكائن العاقل والمخلوق من غير (طينة) الاحياء الاخرى فهو اسمى المخلوقات ولاحقا اصبح (اثمن رأسمال) على الأرض كل هذه الفترة الطويلة من الزمن، وبسبب هذا المعتقد أصبحت مهمته (الانسان) على مدى التاريخ القضاء على ما هو ادنى منه من بقية الكائنات او ترويضها والتغذية عليها والترفع عن التشبه بها امراً مبرراً واخلاقياً، وهكذا قضى على الاف الانواع من الكائنات الحية، ودمر المناخ والغابات والقائمة تطول. فهل هذا ينسجم مع قوانين الطبيعة التي ادعى الانسان معرفتها؟ ولماذا لا يكون الوحش، او الضبع، او الذئب، او الحمل الوديع وابن آوى هم الاسمى والاثمن؟
اذا ما سألت المختصين بطب الحيوان (البيطرة) فستجد جواباً ممتازاً قائماً على البحث والدراسة وملاحظة دقيقة لسلوك الحيوان، فالقطط مثلا كما يقولون هي الاخرى تنظر الى نفسها بانها ارفع منزلة من كل المخلوقات الأخرى بما فيها الانسان وتنظر اليهم باحتقار، وتطلب منهم جميعا ان يطعموها ويخدموها، ولهذا فتجدها دائما انعزالية ولا تستجيب الى اي ترويض يهدد استقلاليتها بالعكس من الكلاب التي هي خادمة ذليلة لمن يطعمها.
ولكن لان الحب واضح التعبير عند الانسان، وانه وجد ليستمر التكاثر والنوع والشهوة والطموح والرغبة، ولان وسائل الاتصال عند الانسان من لغة وآلات واختراعات وفنون وغيرها، قد اعطت له هذا الوهم بالإحساس بالتفوق، فصارت الانفعالات والعواطف متناقضة، بعضها رذائل والأخرى محاسن، او ما توصف احياناً برذائل قد تكون مفيدة، ومحاسن ضارة تعمي العقول لانها جياشة. ومن هذه العواطف التافهة جائنا الغرور (بعظمة) الانسان وجبروته، وهو لا يزيد عن كونه حيوان ابن حيوان ابن حيوان.
شبح افلاطون وتعظيم العاقل
كانت أفكار افلاطون بمثابة سلاح لرجال الدين الأوروبيين بالقرون الوسطى ضد العلوم التجريبية القائمة على الملاحظة والاحاسيس الخمسة، والتي نراها حاليا منتشرة بأوسع نطاق بين سكان العالم. وكان افلاطون تلميذ سقراط وراويته، هو من وضع اول (نظرية) طوباوية بالتاريخ، تعلم منها كل من جاء بعده، وكان متصوفا، وتركزت تعاليمه على القول بأولوية العقل او الذهن على الحواس، وهو القائل بأن ما ندركه عن طريق حواسنا ليس كل شيء او انه ثانوي قياساً بما ندركه بعقولنا فهو الأساس، وان للأشياء مظهرين هما الظاهر والباطن او الجوهر. وكان قد أسس مدرسة في أثينا اطلق عليها اسم الاكاديمية لنشر تعاليمه بين الجمهور بعد مقتل استاذه سقراط بنحو عشرة سنوات، وانتشرت هذه الاكاديميات بعد ذلك بالعالم القديم وقد احياها الاوربيون مجددا منذ حوالي ستة قرون كشكل من اشكال المدارس الرصينة في نظام التعليم العالي، وهي منتشرة الان حول العالم بمختلف الاختصاصات.
تُتهَم فلسفة افلاطون التي تمجد الروح والذهن وتصغّر من شأن الاحاسيس والنتائج العملية المستخلصة من التجربة الحياتية (العلوم الطبيعية) في كونها واحدة من أسباب تأخر العلوم والتجارب في المجتمعات الشرقية والغربية على حد سواء، الى غاية مجيء عصر الثورة الصناعية والتكنولوجية في القرنين الثامن والتاسع عشر.
ويقول العارفون بالتاريخ الديني للشرق والغرب بان محتوى الأفكار التي جاءت بها الكتب الدينية التفسيرية عامة، عند الأوروبيين والعرب في القرون الوسطى كلها ترجع الى افلاطون، خاصة فيما يتعلق بالجدل في حقيقة النفس البشرية والالهية فكلها مصدرها أفكار افلاطون الذي فصل الذهن عن الحواس، وكُتب المتصوفة المسيحيين بالغرب والمسلمين بالشرق تعتمد على هذه المبادئ الافلاطونية بشكل أساسي.
وجاء بعد افلاطون ارسطو معلم الاسكندر المقدوني، وانتشرت أفكاره وتعاليمه هو ايضا، وأصبحت مادة الجدل الفلسفي في الغرب والشرق لأكثر من الفين سنة، لكنه ليس من الصوفية والأفلاطونية، بل ان البعض يعتبره اول عالم طبيعي، وتعتبر نظريات اقليدس بالرياضيات وأرخميدس بالفيزياء والتي مازالت تدرس للتلاميذ والناشئة حول العالم من وحي مدرسة ارسطو. وموجز أفكار ارسطو التي غزت الحضارات والتي تبنتها المؤسسات الدينية الشرقية والغربية الى جانب الافلاطونية هي: فصل الادب عن العلم لان لكل واحد منهما أغراض مختلفة المادة لا تفنى ولا تستحدث الكون محدود الأرض كروية وهي مركز الكون، والنجوم والكواكب تدور حولها اصل العالم من نبات وحيوان وجماد وغيرها، أربعة عناصر وهي؛ الماء والهواء والنار والتراب
والى حتى نهاية القرن السابع عشر وبداية القرن الثامن عشر كان السجن او الإعدام بالمرصاد لكل من يحيد او يشكك في هذه التعاليم في معظم الدول الاوربية، ومن اشهر هؤلاء الضحايا العالم الإيطالي الفذ غاليليو غاليلي.
#ساطع_هاشم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حاسة السمع وانفجارات العراق
-
ماهي الفوضى الخلاقة؟
-
الغرق
-
الموظفة
-
حروب الثقافتين
-
رجال في الخفاء
-
رسالة الفنان
-
استعمار متجدد
-
الحركة والرؤية
-
الابتكار والتجديد
-
ذهبي الذي ضاع
-
حركة الحياة
-
الواقعية والشكلية والفن الحديث
-
انحطاط الثقافة البصرية العربية
-
الملابس والعري
-
عام الفأر
-
اغتراب
-
مشياً بالمطر
-
اللون الابيض
-
احتفالا بالوداع
المزيد.....
-
ترأس سجنا بنظام الأسد.. أمريكا تعتقل سمير عثمان الشيخ وهذا م
...
-
-بداية شرق أوسط مختلف-.. مستشارة سابقة بالبنتاغون تعلق لـCNN
...
-
روسيا.. اعتماد جلد بشري اصطناعي لعلاج الجروح والحروق
-
إعلام سوري: غارات إسرائيلية تستهدف جبل قاسيون في دمشق (صور)
...
-
ماذا يفعل -نظام الوجبة الواحدة- بأجسامنا؟
-
الأزمة السورية وفرص الحل
-
مأساة ديمغرافية تنتظر أوكرانيا
-
تقرير يكشف عن وثيقة عسكرية قبيل أيام من سقوط الأسد
-
البنتاغون يعلن عن اختبار ناجح لصاروخ فرط صوتي
-
3 حبات في اليوم كافية.. لماذا يجب عدم الإكثار من تناول اليوس
...
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|