أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ساطع هاشم - الحركة والرؤية














المزيد.....

الحركة والرؤية


ساطع هاشم

الحوار المتمدن-العدد: 6854 - 2021 / 3 / 30 - 16:03
المحور: الادب والفن
    


الأسماك وحدها تتنقل وتسافر وتسرح وتمرح بعالم ثلاثي الابعاد، من الأعلى الى الأسفل ومن الشمال الى الجنوب ومن الشرق الى الغرب، لانها تتحرك وسط سائل، اما نحن فنتحرك وسط غاز، وسط الهواء الخفيف الذي لا يقوى على حملنا، وقدر الانسان ان يمشي ويتحرك ويتنقل منذ الازل في بعدين فقط، من الشمال الى الجنوب او من الامام الى الخلف وبالعكس، ثم نمشي في بعدنا الثاني من الشرق الى الغرب او من اليمين الى اليسار وبالعكس، ونعجز عن التحليق في البعد الثالث من الأسفل الى الأعلى وبالعكس بدون وسائط صناعية حديثة في تاريخ الانسان.

لكننا نرى ونعيش وننقرض في عالم ثلاثي الابعاد له حجم ثلاثي الابعاد وليس مسطح، وما يساعدنا على اثبات ذلك الشعور بكل هذه الابعاد الثلاثة بالإضافة الى البصر هي حاسة اللمس وهي اقوى واهم حاسة بعده في الترتيب.

كثرة ملامسة الناس للاشياء، وأجواء المدن الخانقة، والعربات سريعة العجلات التي تدور كأنها في سباق مع الريح، وأشياء كثيرة أخرى متداخلة، عندما تكون بعيدة او قريبة, توحد احساسنا بالحركة والرؤية واللمس داخل الشعور بما يشبه المساند الهشة، لانها تشعرنا باننا نقع دائماً فريسة لحالة ترتيب سيء للفراغ والمسافات ومحتوياتها والتي نعيش داخلها، فتبدو حياتنا بالمكان (الغرفة، المنزل، الشارع، الاحياء السكنية، وهلم جرا) بسبب هذا الترتيب السيء مستهلكة، بعد ان وطأته الاقدام يوماً بعد يوم وجيلاً بعد جيل ولم يبقوا لنا سوى سلة مهملات هائلة.

في حياة كهذه حيث يفد اليها كثيرون ثم يغادرونها كما جاؤا، بلا انيس او جليس، وتحت سحب السماء الرحيبة ورائحة الاتربة ونحن نمشي ونعمل كل يوم على البعد الأول والثاني، تشوهت التضاريس والنقوش الطبيعية القديمة للحقول والغابات والمزارع وأصابها الإهمال وتوارت الوانها الحقيقية بطريقة منفرة وصار كل شيء قاتم، كاحبال الستائر وسُحِب الدخان وكانها السماء وقت العاصفة.
لقد حسبت الانسان عاقلاً ومدركا لهذا العالم الثلاثي حريصاً ومحافظاً عليه، ولكن وأسفاه لم يتحقق ذلك، فان حركته ثنائية الابعاد، ورؤيته البصرية ثلاثية الابعاد، واعماق نفسه وهي اشبه بصندوق رباعي الابعاد بعد ان اضيف اليه الزمن والذكريات كبعد رابع وكأنه لم يعيش ابداً الا فيهما دون ان يدري، قد غرّبته عن نفسه وعن وعيه بالطبيعة.

لَم تكن هذه الحقائق مجهولة لي يوما ما، ومع اني كنت اعرفها، فلم اثور او اتمرد عليها، فزمن الثورة قد تأخر، وصار التلوث العقلي والجسدي بكل ابعاده يعبث بالكائنات بعيدا بالأفق، وبدأت والحال هكذا افكر بغير روية، كالمجنون، وتوالت الصور على مخيلتي، وتضاعفت وحدتي، فهناك شيئاً ما يسبب كدري، ولكن ماهو؟
هل حقاً راح زمن الثورة؟
هل تأخرنا فعلاً؟

لقد ساءت حالتي وانا افكر بهذا التأخير وفقدت كل شيء في مسيرتي ببعدين, وتجاهلت البعد الرابع، وانطوت ايامي على نفسها كاردية المساء، وأُمعن النظر الان، وأرى عيني وقد أصابها الضعف والتعب، فهي ليست الوحيدة من نوعها في الوجود والكون الواسع الأطراف، فعندما لا تشعر بالحسرة او الندم، وعندما يسير كل شيء وفق ما قررته مسبقاً، وسط شعاع بسيط من الامل ، وبلا عبقرية يمكن بيعها مع أفكار قديمة تحجرت بالمكان لا نهاية لها وتكتنفها جدران عارية، وهي تتراقص امام المخيلة، سيحاصرك فجأة زمنك التعيس الذي لا مفر منه يوماً ما ويوقفك عن الحركة، ويضعك بالمصير المظلم والغامض بعد ان هزمك، حتى يحل محلك العتمة والليل الطويل، وترى روحك كخفقات اجنحة طائر محاصر مرسوم على سجادة شرقية بلونها الطبيعي - لون الأرض، وبنفس الرثاثة ونفس المظهر الذي تلوث عبر القرون، واضحة كل الوضوح ومنعكسة كالمرآة على وجهك، والصوف الأخضر وبعض التجويفات تغطيها وكأنها ممزقة ومرمية، او جائت من ركنٍ مظلم من اركان ظلام الشرق الأوسط القديم.

ولكن مهلاً ماذا لو كان كلاهما على خطأ، الحركة والرؤية؟
وهنا لم احتمل صبري فتناولت عود ثقاب لإشعال الثورة، ثم انكسر العود، وتطايرت اجزاءه، ولم اكرر المحاولة فقد تذكرت باني أقلعت عن التدخين منذ ثلاثين سنة، ولم اعد قادرًا على الرؤية وعلى اشعال عود ثقاب أي عود ثقاب، ولم استعيد هدوئي واتزاني بعد ذلك ابدا، فقد راح زمن الثورة.



#ساطع_هاشم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الابتكار والتجديد
- ذهبي الذي ضاع
- حركة الحياة
- الواقعية والشكلية والفن الحديث
- انحطاط الثقافة البصرية العربية
- الملابس والعري
- عام الفأر
- اغتراب
- مشياً بالمطر
- اللون الابيض
- احتفالا بالوداع
- دعونا نصاب بالجنون
- الثورة وكلماتها
- الفخ الديني
- استعداداً لتشرينية جديدة
- المناضلة ماري محمد
- العلمي والعاطفي
- الاختيار والاضطرار
- ثوار تشرين في عيدهم الاول
- الفانوس غير السحري


المزيد.....




- حرب الروايات.. هل خسرت إسرائيل رهانها ضد الصحفي الفلسطيني؟
- النسور تنتظر ساعة الصفر: دعوة للثوار السنوسيين في معركة الجب ...
- المسرح في موريتانيا.. إرهاصات بنكهة سياسية وبحث متواصل عن ال ...
- هكذا تعامل الفنان المصري حكيم مع -شائعة- القبض عليه في الإما ...
- -لا أشكل تهديدًا-.. شاهد الحوار بين مذيعة CNN والروبوت الفنا ...
- مسلسل حب بلا حدود الحلقة 40 مترجمة بجودة عالية HDقصة عشق
- “دلعي أطفالك طوال اليوم” اضبط الآن تردد قناة تنه ورنه 2024 ع ...
- -لوحة ترسم فرحة-.. فنانون أردنيون وعرب يقفون مع غزة برسوماته ...
- ويكيبيديا تحسم موقفها وتصف حرب إسرائيل على غزة بأنها -إبادة ...
- في المؤتمر الثالث للملكية الفكرية بالمغرب.. قلق بين شركات ال ...


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ساطع هاشم - الحركة والرؤية