أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ساطع هاشم - العلمي والعاطفي














المزيد.....

العلمي والعاطفي


ساطع هاشم

الحوار المتمدن-العدد: 6721 - 2020 / 11 / 2 - 08:54
المحور: الادب والفن
    


غلبني النعاس وانا جالس استمع الى صديقي وهو يتحدث من اعماقه وكأنه في حلم جميل، ويصف بلغة مشوقة احداث المستقبل وكان قد افحمني بحججه، وحاولت ان اغير موضوع حديثنا، وقلت له بأن تجارب الفن تقول بأن الجزئيات في العمل الفني تجذب الأنظار وتشد القلوب وتعطي معنى للكليات، وهذا ما لا تقوم عليه حضارة المستقبل مذهلة السرعة، لانها عالماً جديداً لا يعرف الرحمة ولا التأمل، بلا معنى، وايضاً قد تنتهي بسرعة مثل حركتها.
ثم مشينا وعند مدخل المدينة وبعد اجتيازنا وادي من الحدائق العامة استغرق عبورها وقتاً طويلاً، هبت ريح قارصة البرودة علينا جعلت عيوننا تدمع من شدتها ورأيت الذكريات مطبوعةً على الملامح البارزة في وجهه، وحيداً بمفرده يحاول الاختباء منها بالظلام والبرد وبين بقايا ابتسامات غامضة.
ثم دخلنا الى مقهى لا يمكنك ان تلحظه من اول مرة، وجلسنا قرب المدفأة لاعتقادنا بأنها تعمل، لكنها كانت مطفئة، وجائنا النادل وسجل طلبياتنا وحمل الاواني والكؤوس الفارغة لمن كان يجلس قبلنا وذهب.
قلت له بأن
الحقائق الجديدة التي اكتشفها العالم الامريكي الحائز على جائزة نوبل في الطب سنة 1981 (روجر ولكوت سبيري – 1913- 1994) في ان الدماغ البشري مقسم إلى نصفين الأول يهتم بالوقائع والتفسير المنطقي للأشياء ومركزه الجهة اليسرى من الدماغ، بينما الثاني يختص بالخيالات والتصورات والذي يقع في الجهة اليمنى، واذا تفوق احد النصفين على الاخر فانه سيحدد ميل الفرد نحو الآداب والفنون أو نحو العلوم الطبيعية والهندسية.
وهناك اختبارات متنوعة تستند على هذه النظريات توزع على طلبة المدارس في بعض الدول الغربية لمعرفة اتجاهاتهم لمساعدتهم على اختيار مهنة المستقبل ، وهي على العموم تطبيقات تجريبية لنظرية أكثر من كونها حقائق دامغة شاملة , لذلك لا يعتد بها كثيرا ، لان العلم يضيف أيضاً بان هذه العلاقة ديناميكية وغير قابلة للتجزئة وإنما جرى فصلها لغرض تسهيل عملية دراستها ، فالإنسان كائن موضوعي / علمي - وايضا اسطوري خيالي / فني في حياته في نفس الوقت ، ولكن وللأسف غالبا ما تستخدم مثل هذه الابحاث كحجة عند هذا الطرف أو ذاك لتعزيز موقعهم في الصراع , وانا لا انكر بان بعض تلك التطبيقات كانت ذات نتائج نافعة في بعض الاحيان , وحتى ان العالم سبيري نفسه كان قد اثنى عل قسم منها....
وقاطعني قائلا:
إني اتعجب حقا من جماعات استلهام التراث الذين صدعوا رؤوسنا بقومتيهم الكريهة ولم يعرفوا من تراث الاقدمين غير الزخارف التي شوهوا معانيها وحطوا من قيمتها وقدموها على انها تراث الاجداد المعصوم، وهي جوهر وحقيقة الفن ولم يعرفوا تسمية كتابا نقديا علميا واحدا يؤكد مزاعمهم التافهة هذه.
لهذا وبسبب هؤلاء لم نستطيع التكيف العاجل مع هذا العالم الجديد وقادنا ذلك الى الصدمة الحضارية او القلق الحضاري وراحت قدرتنا على التكيف، وتسائلنا لماذا يسعى البعض الى التغيير الديناميكي واخرين الى السكون والاصرار على التخلف؟ هل يعرفون بان فرنسا عاشت مرحلة احراق الكتب عشرات السنين الى ان جائت الثورة سنة 1789 فأوقفتها
وهل يعرفون بأن شاشات التلفزيون مصنوعة من الفسفور الاحمر والاخضر والازرق، وبأن المحيطات تشكل 66% بالمئة من مساحة الارض وتمتص ثاني اوكسيد الكاربون وتبدو للعين البشرية زرقاء، ويعيش 70% من سكان العالم على سواحل البحار والمحيطات.
واضاف
لابد لنا من الثورة الان، هذا هو الوقت الحقيقي، لان تأخير الاصلاحات وتأبيد العادات القديمة يعني بداية الثورة، وعندما نفهم معنى هذه الرموز فسوف نفهم أيدولوجيتهم بشكل أفضل.
وتوقف عن الكلام
بعد ان وقفت المرأة النادل الشابة امامنا، تحت اشعة شمس الخريف الذابلة المنعكسة من زجاج النافذة، وتغير وجه صديقي وتقلصت معالمه وقال: ألمح اثار اقدام على قلبي
أين تبددت ستين سنة من حياتي في هذا الغثيان البشري الواسع الذي لا قرار له؟

أما المرأة الشابة فقد لزمت مكانها ولم تتحرك وتغيرت نظراتها، ووضعت اكواب الشاي والقهوة امامنا, وما هي الا لحظات حتى اختفت داخل رواق المقهى.
وقال:
رغم الضعف والعجز والنسيان الذي ينتابني هذه الأيام، تذكرت الان كيف ارتفع صوتها حزين النبرات عميقاً، والرياح هادئة ضعيفة كلها صفاء ونقاء والوان الغابة البنفسجية تغطي المكان، وبدت بالظلام جميلة كملاك، كنت اجلس معها في الريح التي كنا نشعر بلسعها كل مساء، بينما نرقب افول الشمس ونشعر بالشيخوخة تقترب فتلتقي أيدينا بسكون مثل سكون الفم للقبلات، وكانت كل اماسينا تدل على اننا تركنا سن الشباب، والاسفار، ولن ننظر الى المستقبل او نلتقي مرة أخرى.
ثم صمت ولم يتحدث صاحبي بعد ذلك ابدا



#ساطع_هاشم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الاختيار والاضطرار
- ثوار تشرين في عيدهم الاول
- الفانوس غير السحري
- القلق وسادة الفنان
- فن للتسلية فن للترقية
- دين وفن
- ساحل البحر
- فن النافذة وفن المرآة
- بيروت
- كارل ماركس
- صوت الالوان
- تائهاً في حجرة
- مقبرة في الشتاء
- هل يعيش القتلة سعداء؟
- دولة الفساد الخضراء
- شعلة تشرين
- معارك بالخريف
- اورفيوس العراقي
- نور مروان – الفراشة الشهيدة
- سأرحل وانا اسف


المزيد.....




- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...
- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام
- السعودية تتصدر جوائز مهرجان هوليوود للفيلم العربي
- فنانون أيرلنديون يطالبون مواطنتهم بمقاطعة -يوروفيجن- والوقوف ...
- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...
- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ
- روسيا.. إقامة معرض لمسرح عرائس مذهل من إندونيسيا
- “بتخلي العيال تنعنش وتفرفش” .. تردد قناة وناسة كيدز وكيفية ا ...
- خرائط وأطالس.. الرحالة أوليا جلبي والتأليف العثماني في الجغر ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ساطع هاشم - العلمي والعاطفي