أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ساطع هاشم - ساحل البحر














المزيد.....

ساحل البحر


ساطع هاشم

الحوار المتمدن-العدد: 6646 - 2020 / 8 / 14 - 21:47
المحور: الادب والفن
    


مضت عليَّ الان أياما كاملة يملأها الفراغ وانا اتمشى على ساحل البحر دون ان اراقب نفسي وافعالها واقوالها، انظر الى الأشياء ولا تراني، اتمشى وعيناي معلقتان بالأفق، ومرت ساعات طويلة وانا على هذا الحال ومازلت هكذا في الفراغ ومع الاصوات المفاجئة لحركة مياه البحر، حتى وقع نظري على فتاة تجلس على رمال الساحل وقد تعرّت وتجمع ثوبها تحتها.

وتبادر الى ذهني شيئاً ما عن المغزى من استلقاء الانسان عارياً على الرمال تحت شمس محرقة بلا حراك لعدة ساعات يراقب بلا ترقب أشياء مبهمة والامتناع عن أي عمل او التحرك لمسافات طويلة، حيث لا يوجد هنا غير ضجيج البحر وماء المستنقعات البارد واصفرار الرمل وزرقة السماء الخالية من الطيور، ثم اجساداً بشرية تغط في نوم لتستيقظ فجأة وتقفز بالماء لتبرد وتعود الى الساحل تستحم بشمس حارقة وهكذا حتى المساء، وتستمر أمواج البحر البطيئة تغطي الصخر والحصى والرمل الناعم، والحرارة تحرق ببطئ افخاذ النساء وتجبرها ان تخلع ملابسها وتسبح عارية في الماء قريباً من مصب مياه النهر البارد لكي يغسلها من لهيب الحر، وهذا ذكرني بنخب صديقي الروسي في احد الأعياد حيث قال بان الشمس تستطيع ان تعري المرأة حتى لباسها الداخلي فلنشرب بصحة من هم اقوى من الشمس.
وفجأة توقف دماغي عن العمل والارهاق يثقل رأسي، وانتبهت، الى ان الساحل يعج الان بالنساء الاوروبيات من كل الجنسيات فمنهن خضر بالعيون وزرقُ، ويرتدين ملابس شفافة خفيفة ومفتوحة حتى لتشعر وانت تنظر اليهن وكأنهن يطلبن جميعا في وقت واحد نسمات ريح باردة، والنساء الطاعنات في السن مستلقيات بسكون بصحبة الاحفاد الصغار، والرجال جالسين شبه عراة في الحانات القريبة.
وعندما تتأمل هذا الخلق في هجرته المؤقتة الى السواحل المشمسة من حولك، ستفكر في هجرتك الدائمة ومغزى رحلاتنا المتنوعة حول العالم وخارج بيئتنا التي نشأنا بها واقامتنا في أماكن بعيدة، حيث نكتسب ببطئ أشياء جديدة متعددة وايضاً نفقد أخرى فطرية واصيلة كانت في كياننا قبل السفر، وهذا يولد الرغبة كما يقال في تجديد القيم في الحياة، رغم ان هذه القيم المكتسبة تبقى في معارضة مباشرة مع ماضينا عامة.

وشعرت بالملل اثناء سيري بين الماء واليابسة واعتراني شعور بالعزلة فوجدت نفسي وكأني ضائعاً في فوضى ولا أرى شيئا، فجلست على رمل الساحل الناعم وقدمي متمددة تلامس ماء البحر، وبينما كانت الشمس تغيب شيئا فشيئا والمصطافين يتحركون الى موعد العشاء الا بضع نساء شبه عاريات، تخيلت شيئا ما مر ببالي، مثل طيف او خيال لشيء ما، لكني لم اعرف ما هو على وجه الدقة، ولا ادري لماذا في تلك اللحظات تأسفت لأني لم اتعلم السباحة لمسافات طويلة ولا لوقت طويل، وعندما اختفى نصف قرص الشمس تحت الأفق وبقي نصفه الاخر عالقاً فوق الأفق كان الساحل قد فرغ تقريباً، وصار موحشاً، وعادت الكآبة الى نفسي وانا أتطلع من بعيد الى رصيف الشارع الذي يفصل بين الماء والرمل وبين مباني السكن، وانظر الى كل المارة تمر هناك مع الأمهات والجدات المسنات والاحفاد ثم تختفي بين كراسي المطاعم في حركات لا ارادية ازعجني منظرها، فاقتنعت قناعة راسخة بان الامومة هي واحدة من جرائم الإنسانية الكبرى لكننا غير منتبهين الى وحشيتها.

هذا كل ما خطر على بالي على مدى ساعات طويلة، فانصرفت الى حيثما اتيت وضاعت ايامي سدى بالفراغ، بينما كانت الفتاة التي رأيتها اول الامر تنفض ثيابها من الرمل وتعيد حاجياتها الى الحقيبة.



#ساطع_هاشم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فن النافذة وفن المرآة
- بيروت
- كارل ماركس
- صوت الالوان
- تائهاً في حجرة
- مقبرة في الشتاء
- هل يعيش القتلة سعداء؟
- دولة الفساد الخضراء
- شعلة تشرين
- معارك بالخريف
- اورفيوس العراقي
- نور مروان – الفراشة الشهيدة
- سأرحل وانا اسف
- تشرين الجبار
- عندما رسمني الفنان فائق حسن وطلبته
- بيض الغربان
- الشهداء القلائل
- عربات الخريف
- ستون سنة وبضع ليالي
- ضياء بلا ظلال


المزيد.....




- سنجاب عالق يفوز بجائزة التصوير الكوميدي للحياة البرية لعام 2 ...
- أول رد للمخرج عمر زهران بعد اتهامه بسرقة مجوهرات شاليمار شرب ...
- رجل أعمال مصري يدعو منتجي الأفلام إلى تصوير أعمالهم في موسكو ...
- لأول مرة.. فاليري غيرغييف يتولى قيادة أوركسترا باليه -كسارة ...
- الشاعر السوري أدونيس بعد سقوط بشار الأسد: -المسألة ليست تغيي ...
- استقبل الان تردد روتانا سينما زمان على القمر الصناعي
- RT Arabic تنظم في ليبيا ورشة تدريبية تسلط الضوء على تجربتها ...
- -الزمن الهش- للإيطالية دوناتيلا دي بيتريانتونيو تفوز بأرفع ا ...
- مترجمون يثمنون دور جائزة الشيخ حمد للترجمة في حوار الثقافات ...
- الكاتبة والناشرة التركية بَرن موط: الشباب العربي كنز كبير، و ...


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ساطع هاشم - ساحل البحر