أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ساطع هاشم - عربات الخريف














المزيد.....

عربات الخريف


ساطع هاشم

الحوار المتمدن-العدد: 6362 - 2019 / 9 / 27 - 09:53
المحور: الادب والفن
    


هناك دائما اجسادا من النور تشع في ادمغتنا وهي حبيسة عقولنا كلنا، نحن الذين لا نمتلكها، نحن ذوو العقول الصغيرة، الذين لا يتمنون الا نيل الاشياء الصغيرة المصممة على مقاسات ضحالتنا، ألم تسمع بقول الشاعر:
وتعظم في عين الصغير صغارها *** وتصغر في عين العظيم العظائم

فتاة زينت وجهها بالأصباغ، تشد المارة اليها، رأيتها أمس في كل مكان، اخرها عندما كنت في مقهى بمركز المدينة، وعندما جلستُ غير بعيداً عنها امتزجت في ذهني رائحة اصباغ المرسم بهذا الذي تتزين به وما اكتست به أجواء المقهى حولنا من ألوان داكنة نوعما.
هل اخفقَت بالحب مثلي؟ هل اخفقَت عن بلادة وغباء ام بسبب رجاحة العقل؟

بدت في أرديتها الزرقاء الهادئة وكأنها استيقظت من سبات وافاقت من رقدة طويلة وكأنها تحمل قوة غائبة حاضرة، او هكذا خيل لي على اية حال، فقد راودتني الاحلام واستبدت بي الافكار والاوهام وانا اراقب جيدها وتعابير وجهها وانعكاس الضوء الأزرق الفاتح في ملبسها على رقبتها وجزء من خدها الأيمن، فكلنا نعيش عالم النزوات والرغبات المكبوتة، نساءا ورجالا ولا نعرف متى سنفصح عن هذه المكبوتات، ويقال ان المرأة لا تلاطف رجلاً الا اذا كانت وحيدة وقريبة منه، اما أنا فأقول وانا أتطلع الى المشهد ازرق اللون امامي إن هذا كله هراء فالنساء مثل الرجال مشغولات بجمع التواقيع وأرشفة الأفكار الشهوانية وانتظار رسائل الغزل

وبعد اقل من ساعة ذَهبت هذه الفتاة، وشعرت بانتهاء أحلام اليقظة التي غمرتني، وسيذهب عني الوهم والسرور الناتج عن هذا الوهم، لقد كنت دائماً في حياتي اردد: أريد - اما الان فاني غالباً ما اردد: أريد ان لا أريد، وبانت علامات الألم والندم، وكأني لم أكن ابحث عن شيء، وأمعنت بالأفكار المجردة، وشعرت بالاغتراب، واعتقدت بان العالم كله تطوف به نفس ما يعتري ذهني الان من أفكار، وكأنها كانت حبيسة تابوت قديم وقد تفجرت الان، والآن فقط تبددت بالفضاء، فامتصها إسفنج دماغي، ثم تسرب اليأس الى نفسي، وازداد خطورة، وتذكرت سنوات قديمة مضت وكيف كنت احاول ان اعيش الحياة بأنواعها، الثقيلة منها والخفيفة

ثم توقفت عن الهذيان، وجلستُ على كرسي عتيق، وشعرت بالبرد فانكمش جسدي كله، فتخيلتُ نفسي هيكلاً عظمياً ممدداً بالأفق، ولا أدرى كم دام ذلك، ولَكَم كانت دهشتي عندما زال هذا الوهم، وعدت مرة أخرى الى كرسيِّ العتيق، وكان وَقعُ ذلك عليَّ وقعا مفزعاً، وكأني نهضت من هوّةٍ لتتلقفني أخرى.

فنحن أبناء البوادي والعربان أنستنا وسائل الإعلام وسرعة انتشار الأخبار وصور الممثلات والقادة الفاشلين التافهين ورجال الدين الفاسقين الفاسدين، ليس فقط طبيعة الأشياء بل حتى الطريقة التي نعتقد بان على الأشياء ان تكون عليها، ووضعتنا في قلب الوهم وتلك اللذة والسرور الناتج عنه.
وفكرت باللون الأزرق الذي كانت ترتديه هذه المرأة، فهو اكثر الألوان انتشاراً في عالم اليوم، أينما ذهبت ستجده أمامك في خدمتك وخدمة شرودك الذهني، وبسب من طاقته العالية في ضوء الشمس فهو مدمر، وبسبب من برودته في الطبيعة والأشياء التي يراها البشر في الماء والسماء وجدران المستشفيات فهو مهدأ ومخدّر، وبسبب هذه القدرات فقد قسم تجار وصانعي أصباغ النسيج الأوربيين في القرن الثامن عشر ثلاثة عشر تدرجاً لونياً للأزرق من الفاتح الى الغامق، ومن أشهرها ازرق الملكة المعروف حالياً منذ نهاية القرن التاسع عشر بأزرق الملوك، وهو أجملها وهذا ماكانت ترتديه فتاة المقهى هذه، وربما لهذا السبب رأيتها في كل مكان.
وشرد ذهني مرة أخرى وعاد بي الى الشرق، حيث كانت قرارات الإعدام في مصر وسوريا والى وقت قريب تكتب باللون الأزرق، والنساء العربيات يفضلن ملابس الحداد المصبوغة بصبغة النيلة يعني الأزرق الغامق على الأسود وهذه تقاليد فرعونية ثم قبطية قديمة بسببها جاءت العبارة المشهورة التي نعرفها من الأفلام المصرية (كتك نيلة) وترجمتها أماتك ربك.

وتساءلت في سري في معنى قول المتفلسفة من البشر: القوة الخلاقة لأفكارنا وآمالنا
أهو قول سخيف؟
واحترت في تفسير ما يعنيه بعض المختصين بعلم النفس الحديث من مطلع القرن العشرين الماضي، الذين قالوا بان: خلق الافكار يساعد على تخليص الناس من الأسى وذرف الدموع.

وآنذاك فقط وانا في غمرة حيرتي فهمت ما قيل قبل ألف عام:
وتعظم في عين الصغير صغارها



#ساطع_هاشم (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ستون سنة وبضع ليالي
- ضياء بلا ظلال
- السياسة في أزياء خلفاء المسلمين
- رموز الاحتجاج العالمية الملونة
- يوم المرأة البرتقالي
- اصفر الشمس والشعاع البهلواني
- شيء من تاريخ اللون الاسود في العراق
- نافذة صغيرة على الزمن
- عقيدة اللون الاخضر
- حديث اللوحة
- حصان الثورة
- الصورة في مجتمع يكره الصورة
- تأملات في الذكرى المئوية لثورة اكتوبر البلشفية
- الزوال , السرعة , والميكانيكا الكلاسيكية
- العباءة السوداء والعمامة السوداء
- التقدمية وخيبة الامل الحديثة
- جواد سليم في معرض للمخابرات المركزية الامريكية
- من دولة الخروف الاسود الى دولة العمامة السوداء
- ربع قرن في تدمير العراق
- عوالم الانسان الحي


المزيد.....




- افتتاح الدورة الثانية لمسابقة -رخمانينوف- الموسيقية الدولية ...
- هكذا -سرقت- الحرب طبل الغناء الجماعي في السودان
- -هاو تو تراين يور دراغون- يحقق انطلاقة نارية ويتفوق على فيلم ...
- -بعض الناس أغنياء جدا-: هل حان وقت وضع سقف للثروة؟
- إبراهيم نصرالله ضمن القائمة القصيرة لجائزة -نوبل الأميركية- ...
- على طريقة رونالدو.. احتفال كوميدي في ملعب -أولد ترافورد- يثي ...
- الفكرة أم الموضوع.. أيهما يشكل جوهر النص المسرحي؟
- تحية لروح الكاتب فؤاد حميرة.. إضاءات عبثية على مفردات الحياة ...
- الكاتب المسرحي الإسرائيلي يهوشع سوبول: التعصب ورم خبيث يهدد ...
- من قال إن الفكر لا يقتل؟ قصة عبد الرحمن الكواكبي صاحب -طبائع ...


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ساطع هاشم - عربات الخريف