أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ساطع هاشم - صَقر مُطارَد














المزيد.....

صَقر مُطارَد


ساطع هاشم

الحوار المتمدن-العدد: 7051 - 2021 / 10 / 18 - 02:07
المحور: الادب والفن
    


كانت هناك عاصفة شديدة في الليلة الماضية، وقد استمرت طوال اليوم، وأصبح الجو رطبًا جدًا لدرجة يصعب معها الخروج، وكانت الأشجار التي لا تزال مليئة بأوراق الخريف، تكافح في الظلام الدامس، واصبح المنزل مغلق عليَّ وعلى نفسه، في انتظار مرور العاصفة.

غالبًا ما كنت أسير في شوارع فارغة في أحلامي وادخل منازل خالية لأرى ما تحتويه أو من تحتويه، اما الآن فبسبب هذا الجو الخريفي الداكن تجدني وكأني ماشياً في حلم مرعب آخر اشهد فيه فوضى حروبنا (الخلاقة) الطويلة كلها:

فتحت فيه بابًا وكانت امرأة ميتة تقف هناك وتنظر إلي، أغلقت الباب وفتحته مرة أخرى وكانت لا تزال هناك، انكسر الصمت عندما وصلت مجموعة من الرعاة مع قطيع من الأغنام، وأجراسهم تدق وأصواتهم شبه البشرية تنادي بعضهم البعض.
ثم وجدت نفسي في بلدة قديمة خالية من البشر عانت بشدة خلال الحرب وتركت أطلالها دون إزعاج كنصب تذكاري لما حدث هنا وهناك او في أي مكان آخر في جميع أنحاء البلاد.
أكوام الرجال والنساء والأطفال الذين ماتوا ولم يتم دفنهم حتى الآن بين أنقاض منازلهم المحطمة، بقايا كرسي استرخاء أنيق بدا وكأنه يحاول الهروب من درجات سلم محطم، والمباني المدمرة اصبحت ملاذاً لحشود هائلة من الأشخاص المحرومين من ممتلكاتهم وهم يعرضون آلامهم والجروح التي سببتها لهم الحرب على شاشات التلفزيون.

امرأة صغيرة متجعدة ترتدي ملابس سوداء بالكامل تمشي بصعوبة، تسندها من كلا الجانبين بناتها ذوات الشعر الرمادي، وقد عادت إلى بلدتها بعد غياب طويل، ربما كانت آخر مرة شاهدتها عندما كانت النيران مشتعلة والناس ما زالوا يهربون بكل الاتجاهات، كانت تتحدث وتبكي باستمرار وهي تتنقل في الشوارع، وتعطي اسمًا لبقايا هذا الخراب وذاك، لمكان إلى جانب منزل صار كومة من الحجارة، بينما أرواح الموتى تحوم حولها مثل الحمام الجائع.

وبدأت مواكب يوم الجمعة:
كان الناس يرتدون أردية سوداء وليس هناك اردية بالوان اخرى، رجال يشربون السوائل ويقرعون الطبول، نساء يرضعن الأطفال، طفل ينام بهدوء في حضن امه غافلاً عن الضوضاء مع لعبة صغيرة معلقة على ردائه، رجلاً يبتسم برضا وهو يفحص راحتي يديه الجريحتين المخضبتين بالدماء من شدة ما ضرب نفسه بالزنجيل، رجلاً آخر يمسح الدموع المتدفقة على وجهه بمنديل أبيض كبير سيسقط على الأرض مثل شجرة مقطوعة، فتاة صغيرة ترتدي زياً محتشماً تركض للانضمام إلى الموكب ممسكة برأس مصنوع من القش مقطوع يتأرجح من يدها، شخصية الموت بالمشهد التمثيلي تتقدم الحشود إلى الأمام وغطاء من الحرير داكن اللون يغطي وجهه وعيناه مثل الثعبان تتأرجحان.
كان بإلامكان رسم صورة للرجل النحيف وهو يبتسم لنفسه، للرجل الذي يبكي، لثلاث فتيات صغيرات يهمسن، وأربعة عجائز غارقات في بكاء مر، كان من الممكن إظهار ذلك الحشد من الناس المرعوبين عندما تحولوا بسبب الخوف أو الكراهية او الإفلاس إلى شكل وحشي بعيداً عن صفات النفس البشرية، صدورهم مدماة من كثرة ما ضربوها في طقوس الموت والاستشهاد، أفواههم مفتوحة على مصراعيها ومليئة بضوضاء حروب لاتنتهي وتبدوا الان مثل الثقوب السوداء في مجرى درب التبانة.

ثم افقت مرعوباً، فقد تناثر المطر بقوة مثل سلسلة من الحصى الصغيرة الحادة تضرب على جدران المنزل والنوافذ والأبواب وهي تحاول ان تصدها او تمتصها بمشقة، بينما الرياح تطاردني وتلهث بالركض من حولي في كل مكان.
اين سأهرب؟ لقد قتلوا الفراشات
(انطفأ الحلم والصقر مطاردٌ في غابته)
اين المَهرَبُ؟



#ساطع_هاشم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رسائل الليل واجوبة النهار
- حاسة السمع وانفجارات العراق
- ماهي الفوضى الخلاقة؟
- الغرق
- الموظفة
- حروب الثقافتين
- رجال في الخفاء
- رسالة الفنان
- استعمار متجدد
- الحركة والرؤية
- الابتكار والتجديد
- ذهبي الذي ضاع
- حركة الحياة
- الواقعية والشكلية والفن الحديث
- انحطاط الثقافة البصرية العربية
- الملابس والعري
- عام الفأر
- اغتراب
- مشياً بالمطر
- اللون الابيض


المزيد.....




- -شظايا رسومات- معرض جماعي لـ9 فنانين تشكيليين بطنجة
- تراجع الإيرادات السينمائية بأميركا.. هل فقدت دور العرض بريقه ...
- “نزلها الآن” تحديث تردد كراميش 2024 على النايل سات وعرب سات ...
- “الحلقـة كاملـه HD” مسلسل قيامة عثمان الحلقة 174 مترجمة للعر ...
- من الستينيات إلى اليوم.. كيف جسدت السينما الفلسطينية شخصياته ...
- سنجاب عالق يفوز بجائزة التصوير الكوميدي للحياة البرية لعام 2 ...
- أول رد للمخرج عمر زهران بعد اتهامه بسرقة مجوهرات شاليمار شرب ...
- رجل أعمال مصري يدعو منتجي الأفلام إلى تصوير أعمالهم في موسكو ...
- لأول مرة.. فاليري غيرغييف يتولى قيادة أوركسترا باليه -كسارة ...
- الشاعر السوري أدونيس بعد سقوط بشار الأسد: -المسألة ليست تغيي ...


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ساطع هاشم - صَقر مُطارَد