|
وَلَازَالَ آلْمُنْتَظِرُونَ يَنْتَظِرُونَ
عبد الله خطوري
الحوار المتمدن-العدد: 7735 - 2023 / 9 / 15 - 22:12
المحور:
الادب والفن
في المدينة، هناك في آلسفوح، لا يهابون القبور ولا يتوجسون من أشباحها التي يمكن أن تجول في ربوعها، خصوصا في أويقات معينة من الليل ... في المدينة، هناك في أجمات آلزحام، الموتى هم الذين يخافون من آلأحياء .. أما الأشباح التي يمكن أن تُرَى بين الأحجار والأتربة والشواهد وآلخشاش وفجوات اللحود هي لأحياء من هذه الدنيا _ التي نعرفها كلنا _ تعيث فسادا غير مبالية بأحد ... في قمم آلأعالي ، الأمر يختلف .. في قرية آلجبل، حيثُ العَراء والخَلاء وفلوات العَرصات في لقاء دائم مع السماء مع الأحياء مع الأموات؛ يصبح للرُّموس وحشة أي وحشة .. أهل القرية لا يفزعون من الموتى، يستكينون إليهم، لا يفرون من آلموت، يتعايشون معه، هو عليهم حق .. هم يدركون ذلك، يستأنسون به كما يستأنسون بمجريات حياتهم اليومية ... في ( تاخَـرْبِيشْتْ ) _ وهو بناء ترابي قديم _ التابعة لِـ ( تامَزْكِيدَا / الجامع ) نَـعْـشٌ عتيق خشبي ثخين صلب لين الملمس متأهب للخدمة دائما ينتظر ببرودة وصبر عَتيقَيْن قرب مكان خُـصِّـصَ لغسل الموتى إذا ما آقتضتِ آلضرورة ذلك ولَمْ يُغَسَّلِ الميتُ بمنزله كما تجري العادة؛ أما الأحجار التي تستعمل لُحُودًا، فهي مُعِدَّة سلفا نُحِتَتْ بعناية مجللة بإيمان صادق، تجد بعضا منها مرصوصا مصقولا موضوعا بحرص فائق في زاوية آمنة من التساقطات المطرية وأشعة الشمس وأيْدِي آلعابثين تحت سقيفة بمحاذاة ( تاخربيشتْ ) ... إن الأهالي يحترمون يبجلون حُرُمات الذين رَحَلوا، لذلك يعاملونهم معاملة خاصة، هي بين التقدير والوجل، بين التقديس والحذر .. عواطف يشوبها غموض وغرابة وخوف وتوجس وقلق .. هكذا يرون الأمور، كذلك يفهمونها يحسونها .. خصوصا أن أغلبية الذين تحت الأتربة هم أهل الدوار من البلدة ( زي تمورت ) .. الكل يعرف الكل هنا .. الأحياء يعرفون الأموات والأموات يعرفون الأحياء .. الجميع عائلة متلاحمة في مكان واحد بأزمان مختلفة تنصهر عُـراها في بوتقة واحدة .. الأفراد والجماعات، الصغار والكبار، الذكور والإناث .. نسيج موحد متشابك متداخل متعالق، سواء أولائك الذين فويق الأرض أو الذين تحتها .. المقبرة تاريخ الدوار الغائر .. تجد في الأحجار المنتصبة كشواهد كتابات تؤرخ لوقت سحيق خلا وأخرى حديثة العهد وكثيرات بلا معالم ولا خربشات تُذَكر بأصحابها، مجرد حجارة مسطحة متربة آستوتْ والبسيطةَ حتى لَمْ يَعُدِ المارّون يُميزون فيها أية علامة تُمكنهم _ على الأقل _ من عدم وطئها أثناء زيارتهم وتجوالهم بالمجال ... ظلت أحوال مجالات الأعالي كذلك .. الأحياء في قريتهم والأموات في مقبرتهم .. كلاهما في موضعه الخاص .. لا تشوبهم شائبة لا يعروهم ما يكدر صفوهم حتى وقع ما وقع .. زلزلت الأرض زلزالها .. انهارت الأتربة هوت الأسقف خرت الأعمدة وسواري جذوع الأدواح والحيطان على رؤوس نائمين أغلقوا أعينا فتحوا أفواها ألْفُوا أنفسهم وسط أحشاء مقبرة عامرة بأحياء يحتضرون بتُؤَدَة رهيبة؛ وما هي إلا سويعات حتى آستحالت القرية بما حوت ورحبت أنقاض رميم لم يجد إليها الناجون سبيلا لانتشال ما يمكن آنتشاله ليبقى حال الأنام على حاله لا جامعَ الدوار استقر لتُؤَدَّى به جنائز المفاجآت لا نعش ( تاخربيشت ) نجا ليقوم بمهمته لا الطريق المؤدية للمقبرة سلكها سالكون لا أكفان وُجدت لتدثر الراحلين لا ماء صاف يغسل الأبدان .. يُدْفن مَنْ يُدفن بهلع، يُودَع آلحُفَرَ مَنْ ساعفه حظ الدفن على عجل بصلوات وجلة زرافات تُكَوَّمُ الأبدان تصفف في عمق جوف أخاديد جماعية أو تُتْرَكُ بحسرة ومناحة في مواضعها حتى ييسر بلوغها حين تهدأ الارتدادات ويتراجع هول المخاطر .. ولا زال المنتظرون ينتظرون ...
#عبد_الله_خطوري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
زِلْزَاااال
-
هَلْ ..
-
كَانَتْ تُحِبُّ آلتُّرَابَ
-
يَقْضُونَ ... لكن لا ينقرضون
-
زَلَازِلُ آلْقِطَاف
-
حُلْمُ لَقْلَاق
-
راسكولنيكوف
-
آلُ يَغْنَانَ
-
كَانُوا سُعَدَاء
-
أَنْيَابُ آلْبَرّ
-
تَاجْنُوفْتْ / عاصفة
-
كُنُوزُ عَلي بابا
-
اِنْقِراضُ آلْأَجَمَاتِ
-
عَطَبُ آلنَّوَارِسِ
-
طيور غابات آيَتْ وَرايَنْ
-
طَيْفُ فَانْ كُوخْ
-
آبْرِيدْنَّغْ
-
صُبْحٌ ضُحًى وَمَسَاء
-
لَعلها إغفاءة آحتضار
-
لَيْتَهُمْ مَا فَعَلُوا
المزيد.....
-
يعكس تحولات ليبيا القديمة.. موقع قورينا -شحات- الأثري مهدد ب
...
-
عدو الحداثة وصديق أمبرتو إيكو.. رحيل الفيلسوف الإيطالي جياني
...
-
بالفيديو.. منزل الشاعر السوري نزار قباني شاهد على فن العمارة
...
-
فيلم -دماء وذهب-.. لصوص بأزياء عسكرية في الحرب العالمية الثا
...
-
مسئول كويتي: نوفر التدابير اللازمة للمحافظة على المواقع والم
...
-
نقابة الفنانين تنعى وفاة فنان تشكيلي
-
ميسي يتعرض لموقف محرج من ممثل كوميدي أرجنتيني (فيديو)
-
رحيل قائد العاشقين ثلاثي لصناعة الهوية ورواية الرواية
-
أول الزوار لمنزل الفنان الفرنسي سيرج غينسبور في باريس
-
من هي المؤلفة والكاتبة سارة فيرغسون دوقة يورك؟
المزيد.....
-
الكاتب الروائى والمسرحى السيد حافظ في عيون كتاب و نقاد و أدب
...
/ مجموعة نقاد من مصر - السيد حافظ
-
الكاتب الروائى والمسرحى السيد حافظ في عيون كتاب و نقاد و أدب
...
/ نقاد وكتاب مصريين - السيد حافظ
-
رواية للفتيان الغيوم السوداء طلال
...
/ طلال حسن عبد الرحمن
-
رسالة الغفران (منقّحة)
/ كمال التاغوتي
-
غمامة
/ عبد الباقي يوسف
-
الخارج من ظله
/ كامل فرعون
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علی-;- سلی-;-فانی-;-
-
مسرحية للفتيان اورنينا
...
/ طلال حسن عبد الرحمن
-
رواية للفتيان الغزالة
...
/ طلال حسن عبد الرحمن
-
سردية الذاكرة بين هامشية عنوان وعتباتية ثانٍ واد جده سجين قش
...
/ عبير خالد يحيي
المزيد.....
|