لَيْتَهُمْ مَا فَعَلُوا

عبد الله خطوري

الحوار المتمدن-العدد: 7715 - 2023 / 8 / 26 - 14:20
المحور: الطبيعة, التلوث , وحماية البيئة ونشاط حركات الخضر
    

منذ أواسط القرن التاسع حتى عصرنا هذا، صار عاديا أن تقرأ أعمالا لكُتاب رواية تخيلوا أماكن مستقبلية فاضلة طافحة بالأحلام وتحقيق الأمنيات، وأخرى فاسدة مرعبة ملوثة قبيحة خطيرة يخشى السَّوِي أن يوجد فيها. وليس هنا مجال ذكر عناوين ذاك النوع أو هذا الصنف؛ وإنما أروم لفت آنتباه وتذكير مَنْ صادف نفسه يقرأ هذه الخربشات إلى كون الموضوع بوجهيه الخيِر والشرير بِيَدنا نحن مَنْ يملك دواليب التحكم في صياغته وصناعته وضبط توازناته؛ لذا، علينا أن نعي ونواجه سؤالا مصيريا : أي عالم نرجوه نبتغيه ونسعى الى توريثه أجيالنا القادمة .. عالم طبيعي فطري إنساني سوي تسوده المحبة والتعايش السلمي مع انسجام ايجابي ومجالاتنا الحيوية أم ذاك الجانب المظلم البشع من المعادلة التي طالما حذرنا منها ونبهنا أنفسنا وأهلينا من مغبة سهو الوقوع في براثن ويلاااات واقع ديستوبيا قاتمة لا تبقي ولا تذر .. واقع _ للأسف _ فاحم مؤلم فعلا ينتظرنا إنْ نحن شردنا غفلنا عن خطورة الموضوع، واقع حالك يتجرد فيه الإنسان من إنسانيته تتحول فيه المجتمعات البشرية الى مجاميع حيوانية بدائية يقاتل بعضها بعضا من أجل ترهات سفاسف الأمور .. وهو ما نعاين _ ويا للأسف _ سماجتَه تترى في بلداتنا في أعالي الأطلس المتوسط .. مِن يوم لآخر يعمد أهلونا الى تشويه أمكنة البدايات، بدوافع شتى لعل من أهمها سطوة حب الامتلاك، فتراهمُو يتهافتون يقسمون ما لا يُقسم يُحَفظون الأتربة يُسيجون الأطيان يطوقون الوهدات يحاصرون الهضبات يرسمون خرائط منبسطات السهول يقتطعون يضمون وراثة الحاضر لوراثة الماضي يستزيدون ممتلكاتٍ أخرَ دون يشبع جوعهم النهم .. عيون تقفو عيونا .. يستنزفون فرشات مياه الآبار بخراطيم وأنابيب محركات الغازوال يقصلون الأشجار يبيعون حطبها دراهم معدودات في سوق نخاسة البوار يجتثون الجذور عن الجذور يفتكون برموز التراث المادي واللامادي يضربون عرض الفراغ الأصالة يشوهون الأتربة يمسخون المجال .. ياااا ليتهم ما فعلوا ...
ثم ماذا لو سرنا والبلدة قُدما الى الأمام أو ما يشبه الأمام، لنقل مائة عام مثلا بعد عامنا هذا، سنكون دون شك في 2123 أليس كذلك .. أظن .. بَلا .. ربما .. يَاكْ دَامَّااا .. مَاينْ غْرَى نَافْ زَعْمَا آنِيلِي نَمَّااااتْ قاعْ نغْ طارْوَى نالقرن العشرينْ يَاكْ (١) .. ستُفْتَحُ أعينا لنا رغم موتنا ماذا يمكن أن نعاين أو نرى وكيف تكون بلداتنا في الأعالي يا ترى كيف سنراها .. أولاد الكثير منا سيخلفوها وراء ظهرانيهم بإرادتهم نتيجة صداع مناوشات ما عاينوه شاهدوه عاشوه فيها من قريب أو بعيد مع ذويهم سيلقون عن كاهلهم ثقل الماضي المتراكم ستكون لحظة تَامُورْتْ بلدة ( الفحص ) والجوار ذكرى حكاها الأقدمون كخرافة جداتنا الطافحة بأساطير خيال ميتافيزيقا المحال، وبما أن الإنسان مجبول بالفطرة على محاولة تجاوز ضنك عيش آبائه لا يريد آجترار سيرهم الشريفة ولا المشي على خطى الوراثة النبيلة الموشومة بألف ندبة وجرح يخلفه محكي أسلاف عاشوا وإياهم محنا غدَتْ ترانيم ثكلى
مُنْقَعَة بجرب الأوجاع كجاز (٢) جؤار زنوج بْلُووز عبيد افريقيا المرَحَّلين عن جذور الأصول سيعمد حينها أحفاد أغلبنا الى فتق الحبل الصري سيفطمون أنفسهم سيقطعون حلمة بزولة وهْم الأتربة المتوارثة وحيازة توثيق الاصول سيستقلون بأنفسهم سيكون لهم حاضرهم الخاص بهم بعيدا عن قيل قال وغير قيل قال سيخلصون ذواتهم من طوق حصار عواطف رثة تكبل انطلاقة الانسان أكثر مما تمنح له مسافة مناسبة يتنسم فيها انسانيته الخاصة سيكُونون ذواتا مفردة بكينونة فردية لا نكرات غارقات في كَم جماعة من نفر يتكاثر لأنه يتكاثر وكفى سيكونون نوعا يحمل بذرة البلدة في وجود رواء يحبل به دواخلهم أينما راحوا رحلوا آرتحلوا مازيغيين سيظلون رمزا تراثا حضارة في الوقت الذي .. سنلفي آخرين في حَمإ محموم ربما يجرون يلهثون لايزالون يبنون يشيدون يُعمرون يجتثون يقصلون يسيجون تَكّنْ آفْراكْ زْدَفَّرْ وَفْرَاكْ (٣) يحفرون يخربون يعاودون نهجهم الجهنمي يضعون لبنات أخرَ لمساكن دور عمران يخالونه لا يبور ستتكدس ردهات شعاب آلجبال تتراص أصصها تتزاحم الأضداد تصطك فرائص الأقران يضيق مجال آلفجاج تتفاقم الأسيجةُ تُسَيِجُ الأسيجةَ تنحسر عادات ما كنا نعهده من فلاحة وغِراس وزرع ورحم مترع بأمومة البيادر والمزارع والمروج في حِضن ذُؤَابَات آلوهدات سيغدو أغلبية الذين دقوا أوتادهم في أحشاء الأرض عتاد آستهلاك لفافة تبغ قميئة بْييسْ دوغوشونجْ أرقاما في سجلات راسمال أجنبي براني ظاهره جشع باطنه الفناء الزؤام سيحل بنو قرنان كالوباء من كل حدب ينسلون كطوفان الجراد يسيجون أسيجة الفحصيين والجوار يحبسونهم في حدود ضيقة بين قبر ولحد ورموس ممنوع الولوج ممنوع المرور ممنوع الجلوس ممنوع آرتشاف قطاف آلظلال ستعلق يافطات عملاقة تيغيتوار بغيفي ملكية خاصة ادفع تستفد كل شيء بمقابل ادفع المزيد لأبي لهب الفلاني ورفيقه ابي جهل العلاني يبتلعون إنسانية حُبَاحِبِ فَرَاش "تيللِي دُورْ" (٤) المتهافتين نحو الأضواء الزائفة يحترقون في يحموم أفرنة جهنم رِق جديد يستخدمون الأهالي أقنان عمالة رخيصة في مشاريع ضنك زَلْطٍ (٥) لم يسمع بها من قبل أحد رافعين شعارات براقة خداعة تدغدغ حلوم الهشاشة تغطسهم في شَرَك عبودية لذيذة فيغدو آبن البلد قنا (كُونتا كِينتي) (٦) محكوما في بلدته من حيث يدري ولا يدري .. سيَبيع من يبيع دريهمات معدودات رزقَه كالعادة، تُقتلع عتاقة أدواح اليخضور أينما كان لا فرق .. وحدها صناعة الكيمياء المستحدثة ستسيطر تهيمن تحول نُبيتات أعشاب البر يا حسراااه تمسخها في علب اومبالاج بكيت وكيت يباع سيتكدس الأنام في مدن صفيح مهشمة مهمشة بيدون فيل غيتوهات لا ماعز فيها لا ثغاء لا طير لا أمواه من زلال لا عيون إليك ترحل كل يوم مُعلبين سيتحركون مُشيئين يجمدون سيتذكرون ربما حكْي آبائهم فعلنا تعبنا حفَّظنا الأرزاق حفِظنا الحقوق لكم بعنا اشترينا أنشأنا المشاريع قدر المستطاع خضناها تجارب شراكة آنفتحنا لتنعموا في متاعكم بحقوقكم ستضحك السلالة القادمة ضحكا كالبكاء هههه يا ليتكم .. يا ليتهم ما فعلوا يا ليتهم فعلوا ...

☆ترجمات :
١_ ياكْ دامااا .. ماين غْرَى نَافْ زَعْمَا آنِيلِي نَمَّااااتْ قاعْ نغْ طاروى نالقرن العشرينْ يَاكْ : أليس كذلك .. ماذا سنجد آفتراضا سنكون قضينا جميعنا أبناء القرن العشرين
٢_الجاز : Jazz لون موسيقي استوحاه الأفارقة المهجرون قسرا الى أمريكا من صلب معاناتهم ومعيشهم اليومي أواخر القرن التاسع عشر بداية العشرين، لتتطور تنويعاته الى ما يعرف بالبلوز Blues ..
٣_تَكّنْ آفْراكْ زْدَفَّرْ وَفْرَاكْ : يسيجون الأسيجة تلو الأسيجة
٤_حُبَاحِبِ فَرَاش "تيللِي دُورْ" : نوع من الحشرات يضيء ليلا
٥_يطلق المغاربة الزّلط على الفقر ، رجل مزلوط فقير معدوم.
٦_كونتا كينتي Kunta Kinte شخصية
افريقي هُجِر قسرا من بلدته في افريقيا الى امريكا ليحول عبدا لدى نخاسة رأسمال البيض المتوحش، عرفنا هذه الشخصية في المسلسل التلفزيوني الشهير "الجذور" عام 1977 المأخوذ عن رواية حملت العنوان نفسه للكاتب أليكس هالي ...

#عبد_الله_خطوري (هاشتاغ)      

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل