أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الله خطوري - آبْرِيدْنَّغْ















المزيد.....

آبْرِيدْنَّغْ


عبد الله خطوري

الحوار المتمدن-العدد: 7718 - 2023 / 8 / 29 - 03:03
المحور: الادب والفن
    


في صُبَيْحَة باكرة لبلدة ( الفحص آيت بنعلي الأمازيغية)، كُنا ننهض مُتثاقلين يملأ صدورَنا وطبلات آذاننا آثارُ صدى وقع سهرة ليلة البارحة، حيث كان وجيب الدف " آللُّـونْ " (2) يصدح لا يزال بزنزنته ورنينه الذي تُنتجُه خُـرَيْـزَاتٌ صغيرة من عَقيق دقيق بألوان متباينة مُصْطَـفَـة مع بعضها البعض في خيطيْن رفيعيْن شُـدَّا وثاقهُما أفقيا الى جانبيْ ( البندير ) جهة الوسط من الداخل أيْـنَ رُسمتْ بالحناء يَدٌ آفتراضية تنتظر بتوجس وحيطة في كل لحظة من اللحظات أن تعانق يَـدٌ واقعيةٌ سُكونَهَا فتُخْرِجُ جلدَ الماعز الميْت من مواته وكفَنِه الأزليَيْن الى آمتدادات صوتية في الوجود لا نهاية لآفاقها، تسمح للماضي معانقة الحاضر والمستقبل في رحاب بلدة رحيبة لا تحدُّها حدودٌ ولا تقيدها قيودٌ، وتُخَوِّلُ للذي كانَ وخلا أَنْ يكون ويوجدَ من جديد في تعالقات زمنية عجائبية فنطاستيكية تخرق فيزياء الأرض والكون معا .. إنها فيزياء المحبة والقلوب .. فيزياء اللوعة والرُّواء والسخاء والعطاء بلا متاريس بلا أصفاد بلا جراح بلا جَلَبَة بلا نُدوب .. فيُتْرَكُ للموت في أجوائنا العنان كي يخرج من طوق الرموس وبقايا رُفات اللحود، ويقول كلمته نغما ورنينا وأنينا، يعلو تارة ينحدر، في إيقاع "أمازيغ نايت وراين" منسجم الملامح والقسمات، متناغم رصين في بدايات الرقصات رصانةً تتواترُ تتسارعُ مع توالي لازمة "آحيدوس" تجْـأرُ به حناجر إحدى المجموعات لترد عليها مجموعة أخرى مقابلة ب "آحَيْـدوسْ" مماثل في فواتح وأقفال منتظمة تظل تتيهُ فيها الحركاتُ والسكناتُ في ميلان في آنحسار في مَـدٍّ في جَزْر في لقاء في وصال في فراق في صعود في آنحدار في التواء في شهيق في زفير في لوم في عتاب ...

"_ يالله هَـزْ شَكْ مايَنْ تْعَايَنَتْ .. !!؟؟ .. ".. (3)

_"إيلْتَكْ عَــزُّوزْ .. !! .." (4)

في مناورات ومراوغات وهز بالأكتاف والأيدي والمعاصم ومناشدة حَـرَّى لأديم الأرض ثُـقَـبِّـلُ ثراها ودُررَها وذراتها الدقيقة أرجلُ اللاعبين واللاعبات الى أن يصل الجموع الى ذروة " الطرح " (5)، فيقع ما يسمى عندنا ب "أَزَلْزي"، وهي خرجة يدل عليها آسمها الورايني الذي يحيل على شيء يشبه الزلزلة فعلا، فكأنها الحضرة في صوفيتها عندما يعانق المريد في انتشاء وشفافية ووله وولع أفياء القطب العالي الذي هناك، وراء السُّـتُـر والأحجبة والأقنعة .. لا قناع في حركاتنا هنا، في حيواتنا .. هي علامات رامزة لكينونة عاشت تعيش في النتوء وعسر كسب العيش بين أودية وهضاب وأحراش وفجاج وذُرَا قمم عاليات صافنات قاسيات لا تكل، لا تشتكي لا تعيَى .. زلزلة رافضة مُنَتَفِضَة تؤشر على انتهاء فاصلة من فواصل رقصة جماعية بنغم جماعي واحد، تنصهر فيه ذوات المجموعة في امتداد صوتي واحد يعلن في صخب وعنف وعنفوان نقطة الانتهاء .. "آحَيْدوس.." كل ذلك وغيره، لا يزال صداه يقعقع في طبلة الأذن ومسام الجلد وشقوق الرأس، فنستشعرُ لذلك شقيقةً لذيذةً تطمع في مزيد من النعاس، لكن كيف في مثل صُبيحاتٍ تزغردُ فيها ديكةٌ تَقيقُ فيها فراخٌ تثغُو خراف ويُشقشقُ في أعراف سمواتها أطيار الوَجِّيقْ وتِبيرْغُوكالينْ ومْزيوْقا (6) معانقةً خريرَ أمواه عيون صافيات لا يمل وريدُها ومَوردُها وو ... كيف يظل للعيون والمآقي نعاس في مثل هاذه الطقوس الباكرة ؟؟!! كنا نجد أنفسنا منقادين بسلاسة انقياد _ رغم كل شيء _ إلى فك طلاسم الليل عن عتباتنا فنسرع بسليقة وبداهة إلى العين نرتشف منه جرعات نشربها وأخرى تقتات من برودتها أبداننا، غير آبهين بما يمكن أن يكون أو لا يكون من عَلَقٍ وشراغيف وحشرات (إيمَرْدَّادَا) وأتربة (آبَنْغُورْ) وغيرها من الحيوات الدقيقة التي تسكن أمواهنا منذ الأزل وتسكننا في دَعة وسكينة وسلام؛ نسرع في فَطورنا الزيتي بخبز الشعير المُخَضَّب بقهوة بنكهة الزعتر الحريف وأزير .. نهرع متلهفين، فعرس الأمس يعقبه اجتماع لامّــة اليوم، لامّة دأبتْ جماعة الفحص على عقدها نهاية كل شهر ( آب) لتدارس وبحث العام والخاص من شؤون البلدة والجوار .. وعلينا نحن فتية آنذاك، إكمال مهامنا على ما يُرام في تقسيم وتنظيم للواجبات والحقوق متفق عليه مسبقا من طرف الجميع ،، فعلينا الذهاب الى السوق وتوفير ما يلزم لذبح الذبائح وتنظيف وسقي وإعداد للوازم تحتاجها المناسبة، وإعادة فرش للأمكنة بشكل يليق بالحاضرين وغير الحاضرين من "مِيدِّينْ نْتْمُورْتْ" ومن غير "تمورت" (7)، فجُلُّ ضيوف عرس الليلة الفائتة لازالوا لم يغادروا إلى مدن يقطنُ فيها عملُهم وتسكن فيها فتنُهُم الدنيوية التي لا ينقضي سُعارها وسخطها ولهطها ومرضها ووسواسُها النفسي والبدني إلا باللقيا إلابالوصال والاتصال الحَميمي برحم الأرض الأم، كلقاء العشاق لمعشوقتهم الأزلية، كلقاء الطفولة بحلمها القديم، بحَلَمَة الأمومة الساكنة فينا ليل نهار، يكون عناقهم لأجواء البلدة .. ( تامورتْنغ / بلدتنا ) دواء لمن لادواء له .. مَنجى لمن لامنجاة له .. بلسم الأرواح .. جنة لمن يسكنه الجحيم في دُناه الدانية .. مجمع الثّـرَى والثريا والسما وعطر السنا وصفاء القلوب .. الاجتماع كان ويكون .. اجتماع مِّيسْ نتمورت آكد مِيسْ نتمورتْ (8) في كل زمن في كل مكان .. لقااااء أجيال تَتوارثُ تُراثَ .. "بولرباح، الخوارب، درَنْ زشتون، تودْرين تيبولايْ، إيرْ أزوكاغ، تسقفين، لْمَرْجْتْ، تيزي، تالعينت أوزطجيت، تابحيرت أمازوز، لَقْلَعْ، والمَشْرع والبير وآلْمُو والقشلة واللملاما وتيغردين وتامزكيدا تاخربيشت ... " (9) .. وذاكرة ...

_"تَحْريرْتْ إيمْحَطْرَنْ أورْدَشْيْنَعَّتْ رَبِّي إنِـي قَبْحَنْ .. !!..".. (10)

و _"يرحمك الله آسيدي"...(10)

تهتف بها حناجرُ الصغار بعد كل انتهاء للآذان يصدح بها فقيه البلدة ووو ... صلصال وصمغ وصبح وعَصْرٌ وأصائل وأربعاء وخميس وألواح من خشب براري البلدات تزوقها أيدٍ ثقات لِطَلَبَةٍ تُخَرِجُ السّلكةَ تلوَ السّلكةِ (11) في آجتهاد لا يلين لحفظ آي من الذكر الحكيم ...

_ بيضة بيضة لله
باش نزوق لوحتي
لوحتي عند الطالب
والطالب في الجنة
والجنة محلولة
حالها مولانا
مولانا مولانا
لا تقطع رجانا
بحرمة محمد
محمد واصحابوا
في الجنة يتصابوا

... اجتماع الأهل إعلان لسيرورة الحياة وانتصارها على الرحيل ونزيف المَوات الْيُطَوِّقُ مَدارجَنا في غفلة ووعي منا .. انه اجتماع الفرح والقرح، في الأعراس دكيسلان، في الميلاد دكِيمَخْتانْ (12) ... طيلة سنين خلتْ وتخلو، طقوس عشناها لا كالطقوس، محفورة خباياها وحفرها ووشمها في ذاكرة الطفل الذي لا يموت فينا الا ليحيا من جديد باحثا بعَنَت وإصرار في بقايا فُتاتات صور خاليات عن طريق ( آبْريدْ نَ الفحصْ)، آبريد نتمورتنغ، كي يصل بها ومعها الرحم القديم .. إنها طفولة آمازيغية وارينية فحصية نتوارثُ سُبُلَهَا ومتاهات التواءاتها وأفياء شُموسها المشرقة أبدا .. نتوارث عروقها وجذورها وأصولها وفروعها أبا عن جَد في شبه وَلَه وشغف ولوعة في الحضور في الغياب وحب وهيام وأرق وألق وجنــون إلى أنْ ...

☆إشارات وترجمات:
1_آبْـرِيدْنَّـغْ : طريقنا وسبيلنا، تتكون العبارة من تركيبية إضافية (مضاف آبريد : الطريق) ومضاف إليه (نغ : نا الدالة على الجماعة)
2_آللُّـونْ : الدف مؤنثه (تاللونتْ) وبالدارجة المغربية (البندير) يصنع عادة من جلد الماعز لجودته الايقاعية ومتانته
3_يالله هَـزْ شَكْ مايَنْ تْعَايَنَتْ : تحرك يا أنت ماذا تنتظر لتشارك في الرقص
4_إيلْتَكْ عَــزُّوزْ .. !! .. : لا تفسد الرقص
5_الطرح : جولة ومرحلة من مراحل الرقصة التي تتكون من عدة جولات ببناء حركي ثلاثي (بداية / وسط / نهاية وختمة ) وكل مرحلة تختم بهتاف جماعي بصوت منسجم يصدح بعبارة
(آحيدوس) مرفوقة برفع القدم اليمنى وضربها في الهواء في آن واحد وطريقة موحدة يطلق عليها في الوراينيون
" أَزَلْزي " ...
6_الوجيق : طائر الزريق الجبلي أو أبو زريق أو الزريقي طائر مقيم يتواجد بأعداد كبيرة في معظم المناطق الغابوية يساعد على الحفاظ على المجال الغابوي
يقوم بالدور الذي تقوم به عادة السناجب
فيجمع ثمار البلوط والسرو ويدفنها في التراب بأعداد كبيرة استعدادًا لفصل الشتاء، لكنه ينسى أغلبها عند العودة اليها، وتكون أغلب منسياته قد نالت نصيبًا وافرًا من مياه الأمطار لتنبت بشكل طبيعي ...
_تبيرغوكالين : طائر متوسط الحجم ضئيل أسود اللون بمنقار أحمر يشبه طائر الزمت يألف القيعان والأودية والخلجان
_مْزيوقا : طائر الحسون
7_مِيدِّينْ نْتْمُورْتْ" ومن غير "تمورت":
أهل البلدة وغير أهل البلدة
8_اجتماع مِّيسْ نتمورت آكد مِيسْ نتمورتْ : لقاء ابن البلد مع آبن البلد
9_أسماء أماكن يعود المعجم الطوبونومي لأغلبها لجغرافيتها وتضاريسها وطبيعتها ووظائفها وعلاقة السكان بمجالهم الحيوي
10_دعاء يدعو بها طلبة الجامع لإمامهم ومعلمهم أو لمن يعبر السبيل عبر مسالك البلدة
11_تُخَرِجُ السّلكةَ تلوَ السّلكةِ : تحفظ القرآن كاملا مرارا وتكرارا
12_ايسلانْ : الأعراس
_ايمَخْتانْ : حفلات الختان



#عبد_الله_خطوري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صُبْحٌ ضُحًى وَمَسَاء
- لَعلها إغفاءة آحتضار
- لَيْتَهُمْ مَا فَعَلُوا
- شُطْآنٌ تَائِهَة
- هَزْ رَاسَكْ آالْعيَّانْ .. قال أبي
- عُيُونٌ بِأَلْوَانِ آلْفَرَحِ لَمَّا كَانَ لِلْفَرَحِ عُيُون
- وَمْضَةُ آلْبِدَايَاااات
- يَمَّاتْنَغْ
- عَلَّنِي
- آمْعُوشَّابْ آلرّغَام
- لِيتَلْ بِيغْ مَانْ يَرْوِي مَا يَرَى
- (قَرعُ آلْمَمْسُوح) _ 6 _ تتمة
- ( قَرعُ آلمَمْسُوح ) _ 5 _ تتمة
- ( قَرعُ آلمَمْسُوح ) _ 4 _ تتمة
- ( قَرعُ آلْمَمْسُوح) 3
- تتمة قصة (قَرعُ آلْمَمْسُوحِ) 2
- قرع الممسوح (قصة)
- وُجُودٌ أَكْرَى
- جَمَرَاتٌ مِنْ عَجَل
- بَارَكَاااا


المزيد.....




- حقق إيرادات عالية… مشاهدة فيلم السرب 2024 كامل بطولة أحمد ال ...
- بالكوفية.. مغن سويدي يتحدى قوانين أشهر مسابقة غناء
- الحكم بالسجن على المخرج الإيراني محمد رسولوف
- نقيب صحفيي مصر: حرية الصحافة هي المخرج من الأزمة التي نعيشها ...
- “مش هتقدر تغمض عينيك” .. تردد قناة روتانا سينما الجديد 1445 ...
- قناة أطفال مضمونة.. تردد قناة نيمو كيدز الجديد Nemo kids 202 ...
- تضارب الروايات حول إعادة فتح معبر كرم أبو سالم أمام دخول الش ...
- فرح الأولاد وثبتها.. تردد قناة توم وجيري 2024 أفضل أفلام الك ...
- “استقبلها الان” تردد قناة الفجر الجزائرية لمتابعة مسلسل قيام ...
- مونيا بن فغول: لماذا تراجعت الممثلة الجزائرية عن دفاعها عن ت ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الله خطوري - آبْرِيدْنَّغْ