علي فضيل العربي
الحوار المتمدن-العدد: 7699 - 2023 / 8 / 10 - 09:44
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
في الذكرى 78 لدمار هيروشيما و نكازاكي بقنبلتين نوويتين صرّح الأمين العام ( للأمم المتّحدة ) قائلا : " طبول الحرب النوويّة تدّق مرّة أخرى . إن انعدام الثقة و الانقسام يتصاعدان . شبح الحرب النووية الذي كان يلوح في الأفق خلال الحرب الباردة قد ظهر من جديد . و تهدّد بعض الدول ، بشكل متهوّر باستخدام أدوات الإبادة هذه . "
لقد حمل لنا يوم السادس من أوت / أغسطس من عام 1945 م خبرا مفجعا ضرب كل ّ كلّ القيّم الإنسانيّة عرض الحائط . جنون السياسة الأمريكيّة ألقت ( بالولد الصغير ) * على مدينة آمنة ، آهلة بالسكان المسالمين ، فحوّلتها إلى محرقة جهنّمية و مقبرة للعظام ، المحترقة ، المشويّة على نار حاميّة أرسلتها طائرة أمريكيّة باسم ( الولد الصغير ) . و قضى في تلك المحرقة النوويّة - على حين غفلة - أكثر من مائة و أربعين ألفا من أبناء آدم و حواء ، كان أغلبهم يغط في نوم عميق . و منهم من كان غارقا في حلم معسول . و بعده بثلاثة أيام ، و في التاسع من الشهر نفسه ( أي بعد ثلاثة أيام ) و السنة نفسها ألقت طائرة أمريكيّة قنبلة ثانية ( الرجل البدين ) على مدينة نكازاكي فأأودت بحياة أكثر من أربعة و سبعين ألفا من الأبرياء . و لمّا تزل آثارهما الماديّة و النفسيّة شاهدة على فظاعة تلك الجريمة .
و لو قدّر لنا تخيّل حجم تلك المأساة النوويّة و هولها لحظة وقوعها ، و كيف تلقّتها ساكنة هيروشيما و نكازاكي ، لأصابنا الخرس و الجنون المزمن .
وقعت الواقعة الرهيبة ، و ها هي ذكراها هذه السنة تمرّ على العالم في جوّ من التوتّر السياسي و في غمرة الحرب الأوكرانيّة / الروسيّة ، و حروب بينيّة و انقلابات و أزمات غذائيّة و صحيّة في القارة السمراء .
و لأنّ من قام بإلقاء القنبلتين الذريتين على مدينتي هيروشيما و نكازاكي في بلاد الشمس المشرقة ، هي الولايات المتحدة الأمريكيّة ، القوّة العظمى على وجه الأرض - التي هي فوق القانون ، و لا أحد يجرؤ على محاسبتها - فقد مرّت الذكرى الأليمة في صورة عناوين على الصحف و المواقع الالكترونيّة لا غير ، و كأنّ الذكريات التي آلمت البشريّة حتى العظم ، لم يعد يذكرها سوى الموتى ، أو ذهبت ألامها و أحزانها مع الضحايا .
إن الشعوب تستطيع أن تغيّر الحكومات و السياسات إذا ارادت و عزمت . مثلما تغنى بذلك الشابي ، بلبل تونس الخضراء ، رحمه الله : إذا الشعب يوما اراد الحياة .. فلا بد أن يستجيب القدر .
و في خضم الحرب الروسيّة الأوكرانيّة المجنونة عاد الحديث عن إمكانيّة استعمال اللأسلحة النووية لحسم أطوار النصر . و هو حديث ثلّة من المجانين ، هم من سلالة ( الولد الصغير) و ( الرجل البدين ) ، و كأنّ البشريّة المعاصرة لا تقرأ التاريخ ، أو لا تفهم ما تقرأه من صفحات التاريخ . و لم تتعظ ممّا حدث في شهر أوت عام 1945 م في هيروشيما و نكازاكي . إن العمى السياسي أشد فتكا على البشر من العمى البيولوجي . و إنّ الشعوب التي سلّمت مقاليد مصيرها إلى سلالة من السياسيين الرعن ، الحمقى ، المغامرين ، المتهوّرين ، تشبه جماعة سلّمت دفّة سفينتها في محيط هائج إلى ربّان أعمى ، أصمّ ، أبكم .
و من مصلحة الشعوب ، بل و من واجبها ، و من أحكم الحكم ، أن تنتفض ضدّ انتشار الأسلحة النووية التي تهدّد كوكبنا الأرضي بالدمار و الخراب و الفناء . و تتّخذ هذه الذكرى الأليمة محطّة للتغيير . إنّ المطالبة بإزالة الترسانة النوويّة و البيولوجيّة و الكيماويّة ، أهم من المطالبة بالديمقراطيّة ، بل أولى من الحريّة . أليس السلم و المحافظة على الحق في الحياة من أولويات حقوق الإنسان .
لقد انتفضت شعوب الأرض في جميع قارات العالم ، منذ القدم ضدّ الديكتاتوريّة و الاستبداد و الظلم و العبوديّة و الاحتلال ، فلماذا هي عاجزة اليوم عن الانتفاض ضد الأسلحة النوويّة المدّمرة للبشر و الحيوان و البيئة و للحياة كلّها . إنّ مصير الشعوب بين يديها ، و ليس بين أيدي أفراد من هواة السياسة و محترفيها تحت مسمّى الشرعيّة الدستوريّة وأليات سلطويّة للدولة المعاصرة ، كـ : الانتخابات( الحرّة ) أو المزيّفة أو الانقلابات العسكريّة .
كان من المفروض ، و قد وقعت الواقعة منذ 78 سنة ، و ألقي( الولد الصغير ) و ( الرجل البدين ) على رؤوس الأبرياء في هيروشيما و نكازاكي ، أن يرسّم ( مجلس الأمن ) الذي مقّره في الدولة المعتديّة ( الولايات المتّحدة الأمريكيّة ) شهر أوت من كلّ سنة ، كشهر لمناهضة إنتاج الأسلحة النوويّة و انتشارها ، و ذلك بإقامة تظاهرات و مظاهرات و محاضرات في الساحات و الشوارع و الجامعات و المخيّمات و النوادي و الملاعب الرياضيّة ، وتصميم شعار مثل : ( لا للأسلحة النوويّة ) أو ( أوقفوا إنتاج الأسلحة النوويّة ) أو ( دمّروا الأسلحة النوويّة ) ، و يوضع – هذا الشعار - على جميع أقمصة الرياضيين ، في مختلف الرياضات الجماعيّة و الفرديّة ، و يوضع كملصقات على جدران المدن و البلدات و على وسائل النقل المختلفة . إنّنا في حاجة – اليوم ، لا إذا ، و قبل وقوع الكارثة العظمى – إلى المرور من مربّع الكلام إلى مربّع الفعل .
و السؤال المحيّر ، فعلا ، هل توارثت الدوّل النوويّة الغباء عن أسلافها ؟ لمن تُنتج هذه الترسانة النوويّة ؟ ليخبرنا عقلاء القوم عن نوع هذا العدو الأرضي أو الكوني و حجمه ، و الذي تخشى منه البشريّة ؟
إنّها فوبيا الوهم و الغرور التي انتابت هذا الإنسان الغربي المعاصر عندما فقد صلته بالسماء ، و رمى القيّم الروحيّة وراء ظهره .
لقد صرّح رئيس الوزؤاء الياباني ( ابن الدولة الضحيّة ) فوميو كيشيدا بمناسبة إحياء الذكرى الأليمة ، قائلا : " إنّ الطريق إلى نزع السلاح النووي أصبح أكثر خطورة بسبب الانقسامات الدوليّة العميقة و التهديدات النووية من قبل روسيا " و أضاف : " من الضروري إعادة تنشيط الزخم الدولي نحو عالم خال من الأسلحة النووية مرّة أخرى " .
و مهما قيل عن مظاهر الخوف و القلق و الرعب التي صار يعيشها الإنسان من جرّاء انتشار الأسلحة النوويّة بين أيدي الأقوياء من العقلاء و المجانين ، فإنّ الخطر الفعليّ المحدق ، و التوجّس من وقوعه حقيقة لا شكّ فيها .
و لا ندري ماذا يخبيء لنا المستقبل ؟ و كم نخشى أن نستيقظ يوما ما ، على فجر جهنّمي ، و قد انبلجت ظلمته بفعل لهيب قنابله الذريّة ، لا بنور شمس الصباح المشرقة و نسائم الفجر العليلة و زقزقة العصافير و هديل الحمائم البيضاء .
يا شعوب العالم ، في الغرب و الشرق ، انتفضي ضدّ حفّاري القبور ، فإنّ وجودك السلمي مهدّد ، و هو بين يدي ( ولد صغير آخر ) لا عقل له أو( رجل بدين ) لا قلب له .
#علي_فضيل_العربي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟