أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد الخميسي - نافذة - قصة قصيرة














المزيد.....

نافذة - قصة قصيرة


أحمد الخميسي

الحوار المتمدن-العدد: 7643 - 2023 / 6 / 15 - 13:33
المحور: الادب والفن
    


أقلق في الفجر، ذلك أن النوم يضطرب في مثل سني. أفتح عيني. أسمع صوت طرف قدمي وهي تزيح الغطاء وترفعه، صوتا خافتا كأنه تنهد. أنهض. أتخبط في طريقي إلى الحمام وأسمع وقع خطواتي في فراغ البيت وسكونه. أنصت إلى خرير المياه من صنبور الماء بينما أغسل وجهي. أمضي إلى المطبخ. أقف أمام البوتجاز مصغيا إلى هسيس الماء في الإبريق على النار. أسير إلى صالة البيت حاملا قدح الشاي في يدي. أجلس وحدي إلى المنضدة. لا يكسر الصمت سوى رنين الملعقة بين جنبات القدح الزجاجي. أتطلع إلى الفراغ أتسمع صوت الذكريات. لم تعد لدي أحلام، وحدها الذكريات.
في الساعة الثامنة تقريبا تطفو من الشارع سحابة أصوات. زقزقة أطفال صغار لا أراهم، لكني أعلم أنهم يتجمعون الآن في حلقات أمام بوابة المدرسة قرب بيتي. تسبح الزقزقة المتكسرة عبر نافذة الصالة نحوي. تحوم حول رأسي بخفة، تقطر إلى قرارة شعوري. صغار في أوائل العمر، يزعقون، يقذفون بعضهم البعض بحقائبهم الصغيرة، يهرولون، يشد الأولاد البنات من شعورهن، فتطاردهن البنات بالحجارة صارخات، ضاحكات. فرحة بيضاء، سرور عارم في صميم اللحم والعظام بأنهم أحياء، وهم الآن يختبرون وجودهم الحي، يلمسونه بالوثب والصياح. أتخيلهم داخل الفصول، يتظاهرون بالانصات والاهتمام بما يقال، أتخيلهم في ما بعد أطباء ومهندسين ومحامين، فيغمرني تفاؤل برقة الورد يحتضن ما ذبل من الذكريات والسنوات، وأشواق مبعثرة مرتجفة الأطراف تقاوم لكي تبقى حية. يخطر لي أن الحياة لا تشتعل ولا تفرح إلا بحضور المرأة، عندما تكون محبا ومحبوبا، لكنك لا تدري متي يكون ذلك، مثلما لا تدري متى يهطل المطر، اليوم أم غدا؟ في الفجر وأنت نائم أم بالنهار، فلا يبقى لك إلا شمس وحدة حارقة، وقمر بارد من وحشة رصينة. أعتصر حياتي في قبضتي مثل نواة صغيرة، فلا ينز مغزاها، ولا تسيل بالمعنى، تبقى نواة صلبة تحتاج إلى تفسير.
في العصر أقعد أمام التلفزيون، أتلفت من وقت لآخر إلى هاتفي، لا أحد يتصل. لا أحد يدق جرس الباب. وشيئا فشيئا تعتم الصالة من الغروب الهادي. أعد لقمة لنفسي وآكل كأنني أؤدي واجبا نحو الحياة. وما إن أفرغ من الطعام حتى يتناهى إلى عويل الكلاب التي تتجمع أسفل البيت، تقف، رؤوسها مرفوعة، ذيولها عالية، نظراتها إلى الأمام، تستمد الشعور بقوتها من وحدتها، ثم تعوي معا بتوسل يائس وغضب مر حانق، بعد أن جاعت المدينة فخلت أكياس القمامة من بقايا الطعام واللحوم، فلم أعد أسمع سوى نشيد الجوع يخترق أذني هابطا قرارة شعوري مستقرا بلون قاتم. أنهض من مقعدي، قلقا، حائرا، لا أجد لنفسي مكانا. أروح وأجيء في الصالة. لا أدري ماذا أفعل في ذلك النشيد الوحشي المهتاج. أرقد في نهاية يومي، محاصرا بين اليأس والأمل، وما بين زقزقة الصباح وعواء المساء ألملم عزلتي في وحدتي. أحاول أن أنعس، أن أسمع ولو في الحلم صوتا آخر، فأكلمه طويلا، أبوح له بكل ما في نفسي إلى أن تعرف روحي السكينة فأنام بعمق لا يقض مضجعي يأس من عتمة أو أمل في الفجر.



#أحمد_الخميسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مجمع اللغة العربية .. معجم جديد
- زيــارة إلــى بــلــزاك
- تـعــب فــي الــركــبـــة . قصة قصيرة
- الــســودان .. يــا أخـــت بــلادي
- مرحبا بالكسل الجميل
- حـكـايـات مـراسـل إذاعـــة
- محمد عبد الوهأب .. ميلاد الأغنية العربية
- في ذكرى والدي
- أول العشق - قصة قصيرة
- سيد حجأب .. عيون إيفلين
- حادثة 4 فبراير .. البكأء على المأضي
- لماذا ينتحر الأدباء ؟
- قــصـة انـقـضـى عـلــيــهــا مــئــة عـــام
- ولــمــاذا نــكــتـــب إذن ؟
- مــغــالــطــات الــتــرجــمــة إلــى الــعــامــيــة
- تزييف الثقافة
- - ربـــمـــا - - قـصـة قــصـيــرة
- رجــال وســـجــايـــر
- حـفــيــف صــنــدل - قــصـة قــصـيــرة
- بــيــن نــجــيــب مـحـفـوظ و يـوسـف إدريــس


المزيد.....




- “شاهد قبل أي حد أهم الأحداث المثيرة” من مسلسل طائر الرفراف ا ...
- تطهير المصطلحات.. في قاموس الشأن الفلسطيني!
- رحيل -الترجمان الثقافي-.. أبرز إصدارات الناشر السعودي يوسف ا ...
- “فرح عيالك ونزلها خليهم يزقططوا” .. تردد قناة طيور الجنة بيب ...
- إنتفاضة طلاب جامعات-أمريكا والعالم-تهدم الرواية الإسرائيلية ...
- في مهرجان بردية السينمائي.. تقدير من الفنانين للدعم الروسي ل ...
- أوبرا زرقاء اليمامة.. -الأولى- سعوديا و-الأكبر- باللغة العرب ...
- ابنة رئيس جمهورية الشيشان توجه رسالة -بالليزر- إلى المجتمع ا ...
- موسيقى الراب في إيران: -قد تتحول إلى هدف في اللحظة التي تتجا ...
- فتاة بيلاروسية تتعرض للضرب في وارسو لتحدثها باللغة الروسية ( ...


المزيد.....

- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد الخميسي - نافذة - قصة قصيرة