|
يُخرّبون بيوتهم بأيديهم
علي فضيل العربي
الحوار المتمدن-العدد: 7637 - 2023 / 6 / 9 - 16:20
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ما يجري في السودان الطيّب ، الشقيق ، لا يصدّقه العقل السويّ و الفؤاد الراشد . سلوك يشيب له الولدان ؛ قتل و دمار لا يعقلان ، و يوميّات المواطن السوداني أرّقها أزيز الرصاص و دوي القنابل و هدير الطيران . أما آن للتقاتل بين الإخوة أن يضع أوزاره ، و يهتدي الإخوة و الأشقاء السودانيّون إلى سبيل غير سبيل الحرب الطاحنة ؟ أم هو منطق رعونة الحمقى و المجانين ؟ ما كان ينقص السودان الشقيق ليس إشعال فتيل الحرب بين أبناء الوطن الواحد و الملّة الواحدة و التاريخ الواحد و المصير المشترك . و على مرّ الأزمنة المنصرمة من حياة البشريّة ، لم تنتج الحروب الأهليّة و القبليّة و العشائريّة سوى الدمار و الخراب . و لم تنسل سوى القتلى و الجرحى و الأيامى و الأيتام و المصدومين . إنّ عواقب الحرب السودانيّة / السودانيّة على المجتمع السوداني وخيمة على المديين القصير و الطويل . ستنتهي لا محالة ، كما انتهت قبلها و بعدها حروب أخرى مشابهة في زوايا كوكبنا . و سينتصر طرف على طرف ، لكنّ المنتصر الأكبر هو الطرف الثالث ، المستتر وراء الأكمة ، و هو المستفيد الأكبر من رحى حرب الإخوة . إنّه الغرب الصليبي الشمالي ، الحاقد على الجنوب ، على أمّة العرب و المسلمين ، و الذي تقوده الفلسفة الصهيونيّة ، التي تحرّكها الأطماع الاقتصاديّة في السودان و إفريقيا عامة . إنّه لمن العجب العجاب – و ما أكثر العجائب في زمن العولمة – أن يدّعي الغرب الإمبريالي ، الاستعماري أنّه يسعى إلى توقيف الحرب الضروس في السودان الشقيق . إنّ الفلسفة الغربيّة و الصهيونيّة فلسفة مخادعة و كيديّة و منافقة ، عندما يتعلّق الأمر بمصائر شعوب الجنوب ، و مصير الأمة الإسلاميّة خاصة . حيث يعمد عرّابو السياسة في الغرب إلى إضرام نيران الحروب البينيّة بين الإخوة و الجيران – كما هو جار اليوم في أوروبا الشرقيّة ، بين روسيا و أوكرانيا – لينقذوا إقتصادياتهم من البوار و الكساد و التضخّم ، و يحموا مواطنيهم من شبح البطالة ، و ذلك بتسريع الإنتاج الحربي ، و زيادة تصدير الأسلحة إلى ميادين الحروب . إنّ ما يلحق السودان الشقيق ، يوميا ، من خسائر معنويّة و ماديّة لا يمكن حصره في مجلّدات . و لعلّ أخطر تلك الخسائر ، على الإطلاق ، تمزيق النسيج الاجتماعي ، و ضرب الوحدة الوطنيّة السودانيّة ، و إضعاف السودان إقليميّا و قاريّا ، و تعريضه إلى خطر التقسيم الذي تصبو إليه القوى الغربيّة و الصهيونيّة . إنّ إعادة بناء ما هدّمته هذه الحرب المجنونة ، يتطلّب من الشعب السوداني الشقيق تضحيات أخرى جسيمة . و هل قدر هذا " العالم الثالث " أن يعيد ، في كل مرّة ، بناء ما دمرته إرادة أيادي الحمقى ، و إصلاح ما افسدته النفوس المريضة بداء مزمن اسمه ، الزعامة ؟ و من غرائب العالم الثالث ، أن يتقاتل الأشقاء ، أبناء الوطن الواحد ، بمختلف الأسلحة الفتاّكة من أجل صنم غربيّ ، اسمه الديمقراطيّة . و قد غاب عن أذهانهم أنّ الديمقراطيّة الغربيّة ، فلسفة مدمّرة للبشر و الحجر . لقد ارتكبت فرنسا الاستعماريّة في القرنين التاسع عشر و العشرين مجازر رهيبة في الجزائر ، تحت ذريعة نشر الحضارة ، في الوقت الذي دبّج مشرّعوها من فقهاء القانون الدستوري مباديء الديمقراطيّة ، القائمة على الحريّة و الأخوة و المساواة . و لم تكن تلك المبادئء سوى شعارات برّاقة لاستعباد الشعوب المستضعفة ، و سرقة ثرواتها و استغلالها في بناء اقتصادياتها . و كذلك غزت جيوش أمريكا و دول الحلف الأطلسي أفغانستان و العراق ، بمباركة بعض دول الجوار ، و قتلت و سجنت و هجّرت من الشعبين مئات الآلاف من الأبرياء بحجة نشر الديمقراطيّة . و مازلت المواطن العربي في اليمن و ليبيا و سوريا ، يدفع ثمن سمكة أفريل ؛ " الربيع العربي " . لقد كان هذا الأخير ، أكبر كذبة في حياة بعض الشعوب العربيّة . فقد استطاع الغرب ، مخترع نظريّة " الفوضى الخلاّقة " ، أن ينجز خديعته ، و يُغرق شعوبا بأكملها في مسارات وخيمة العواقب . أيّها الشقّاء السودانيّون ، لا تنتظروا الحلول من وراء الحدود ، لتأتيكم بالسلام و الطمأنينة لرأب الصدع بينكم . فقسما " بربّ النَّاسِ ، مَلِكِ النَّاسِ ، إِلَهِ النَّاسِ مِنْ شَرّ الوسْواسِ الخنّاسِ الذي يوسْوسُ في صُدورِ النَّاسِ من الجِنّة و النَّاسِ " . إنّ الصهيونيّة العالميّة تعيش أسعد لحظات حياتها و هي ترى أسلحتكم في صدور بعضكم البعض و نحوركم . إنّ على الإخوة المتحاربين في السودان الشقيق ، العودة إلى مربّع العقل الراشد . فليس من المعقول أن تقود أحلام رجلين بلدا بأكمله إلى الدمار و الخراب ، و شعبا طيّبا ، مسالما ، إلى إفناء الذات ، أو تعيده قرونا إلى الوراء . لقد ولّى زمن داحس و الغبراء ، فاعتبروا يا أولي الألباب في السودان ، و لا تخربوا بيوتكم بأيديكم ، فقد تذهب ريحكم ، و يطمع فيكم القاصي و الداني . يومها ينادي المنادي ، و لات ساعة مندم .. .
#علي_فضيل_العربي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سيميائية العلاقة بين الرجل و المرأة في رواية غابات الإسمنت *
...
-
قراءة سيميائية و تفكيكيّة لرواية غابات الإسمنت . لذكرى لعيبي
...
-
صورة المرأة المنتميّة في المجموعة القصصية ( إيلا ) * للقاصة
...
-
تحرير الحريّة
-
تأمّلات في التقشف و الزهد
-
وجهة الفلسفة الغربيّة . إلى أين ؟
-
الظاهرة الحزبيّة في البلاد العربيّة ما لها و ما عليها .
-
امرأة من زمن العمالقة
-
لماذا نكتب ؟ و ماذا نكتب ؟
-
أم الخير
-
يوميّات معلّم في مدرسة ريفيّة ( 8 )
-
ربيع إيكوزيوميّ *
-
يوميّات معلّم في مدرسة ريفيّة ( 7 )
-
يوميّات معلّم في مدرسة ريفيّة ( 6 )
-
يوميّات معلّم في مدرسة ريفيّة ( 5 )
-
يوميّات معلّم في مدرسة ريفيّة ( 4 )
-
يوميّات معلّم في مدرسة ريفيّة ( 3 )
-
يوميّات معلّم في مدرسة ريفيّة ( 2 )
-
يوميّات معلم في مدرسة ريفيّة ( 1 )
-
فلسفة الوقت في حياتنا
المزيد.....
-
بخلاف -أموال الصمت-.. ترامب يحاكم في 3 قضايا قبل انتخابات ال
...
-
محلل سياسي مصري لـRT: بايدن يحاول استغفال العرب
-
الولايات المتحدة تلوح بعقوبات على شركات صينية بحجة دعم مجمع
...
-
وزير الدفاع الفرنسي: التواصل مع روسيا حول -كروكوس- يعتبر مثا
...
-
فوائد الكرفس وطريقة تحضيره الصحيحة
-
متى يشير الخجل إلى مشكلات نفسية؟
-
أبرز مواصفات الحاسب المنافس الجديد من vivo
-
-روستيخ- تطور روبوتا جديدا لمكافحة الحرائق
-
الغرب المحصور في الزاوية خطير
-
تمديد حرب إسرائيل على غزة سبعة شهور أخرى
المزيد.....
-
هواجس ثقافية 188
/ آرام كربيت
-
قبو الثلاثين
/ السماح عبد الله
-
والتر رودني: السلطة للشعب لا للديكتاتور
/ وليد الخشاب
-
ورقات من دفاتر ناظم العربي - الكتاب الأول
/ بشير الحامدي
-
ورقات من دفترناظم العربي - الكتاب الأول
/ بشير الحامدي
-
الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة
...
/ ماري سيغارا
-
الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي
/ رسلان جادالله عامر
-
7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة
/ زهير الصباغ
-
العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني
/ حميد الكفائي
-
جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022
/ حزب الكادحين
المزيد.....
|