أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الطبيعة, التلوث , وحماية البيئة ونشاط حركات الخضر - عبد الله خطوري - كأنها لَمْ تَغْنَ بالأمْسِ جِنانُنا















المزيد.....

كأنها لَمْ تَغْنَ بالأمْسِ جِنانُنا


عبد الله خطوري

الحوار المتمدن-العدد: 7617 - 2023 / 5 / 20 - 14:45
المحور: الطبيعة, التلوث , وحماية البيئة ونشاط حركات الخضر
    


في سفوح قمة بويبلان شمال الأطلس المتوسط عدة أودية تتغذى من ثلوج مرتفعات تظل على القمم حتى مجيئ الصيف، مما يجعل آلشعاب مُروجا، وآلفجاجَ مسالكَ ذات عيون وجداولَ، وآلسهولَ سَلاسِيبَ ذات أفنان ورياحين .. وكم كان يحلو للشبيبة سبعينيات القرن الخالي أن تخوض غمار هذي آلرحاب مشيا على الأقدام راقية آلعقبات منحدرة تحرص ما أمكنها أن لا تتعثر آلخطوات في تلابيب شعاب آلجرف آلحادة متعرجة بين آلفجاج آلملتوية كأفاعي آلأحراش؛ الأراضي في الأعالي ليست منبسطة ليست مستوية ليست سهلة آلمراودة مما كان يغدق على مشاكساتنا الجبلية مزيدا من المجازفة الماتعة المترعة بدهشة الاكتشاف ومعاندة المباغتات ...
في سن الشبيبة كنتُ أقطع عادة المسافة الفاصلة بين بلدتي "الفحص" الهادئة تحت قمة تازرين وتامُورتْ نلُوطا (١) أو كما كان يحلو للِسان الأهالي أن يقولوا "بابْ يُوطا"، أي باب الانحدار أو بداية عثرات المُشاة، إذْ كانت مخيلة الأهل وهم يسمعون لفظة "لُوطا" ينتظرون رؤية سهل رحيب لا نُجودَ تعرقل الخطو في منبسطاته لا تلال ترتفع تنحدر كما في الأعالي، الشيء الذي لم يك متحققا البتة في جغرافية المنطقة ...
كانت بداية أيلول في آخر كل صيف فترة مغادرتي شعابي الأثيرة وعودتي إلى الديار، إلى مدن الإسمنت والياجور والدروب المكدسة بالزحام ورتابة مقاعد الدراسة التي لا تنتهي .. انطلقنا راجلين _ لا زلتُ أذكرُ آخر مرة كان ذلك منذ أزيد من نيف وعشرين من السنين كأنها البارحة فقط _ تحركنا بعد منتصف ليلة من ليالي أواخر الشهر الثامن آب تُحفزنا وتخفف عنا وطأة نهاية دعة العطلة وجود عرس عند أهلينا في رحبة (بابْ لُوطَا) سَنَّجْ رحبة مْشُودْ أعلا منخفضات قبائل (آيْتْ مْشودْ) حيث كانت العرصات والحقول منتشرة في كل الربوع ترتوي من المياه المتوفرة في وادٍ رقاق مدرار يتغذى صبيبُه المتدفق زي إيسَافَنْ نَغْ دكواشاون نيعَلَّانْ (٢) .. صعدنا ليلا هضبات تِيغَرْضِينْ الشاهقة نتلولب في المنعرجات نرتقي لا نبالي بالمطبات والعتمات والشهقات والزفرات .. تَطَأُ أقدامنا ديسَ إيدَلْسَاوَنْ دُومَ طِيكَزْطَمْتْ ونباتات حلفاء آرِي وحجارة صفاح يتكسر حَرُّ بعضِها تحت وقع خطونا ويكسر آخرُ أناملَ أرجلنا يلويها يعقفها يؤلمها فنصبر لا نرضى يَسمع أحدٌ صوت تألمنا أو تبرمنا كي لا نقع فريسة شماتة مَنْ ينتهز فرص الضحك والسخرية كيفما كانت ظروفها .. الكل يزدرد ألم مشاقه بصمت وخنوع وكبرياء زائف صابر يتطلع بلهفة مواربة متى يطلع النهار الذي لم تلح أول تباشيره إلا عند بلوغنا أجنَّا ييشْ (٣) حيث طفقت الأقدام تتلو الاقدامَ بضحك صاخب وحناجر تجأر نبرات إيزْلَانْ (٤) جماعةً وفرادَى .. وتوغلنا في أجمات الريح (إيسَكْلَا وَاطُو) أغْزَرْ نتمَدَّا الشَّعْرَا عين مَدَغْ مَلُّو لَبْشَمْ (٥) .. عرجنا بسرعة على بلدة كَوانْ ولمَصْرَفْ نتبحيرتْ شربنا شربنا حتى آرتوينا آستوينا وعادت للروح روحُها وللباه جأشه وقوة بأسه، ودون آستشارة أحد، آنطلقنا خفية من أهالينا كي لا نضيع الوقت أكثر وآختصارا للمسافة وآحتيالا على الشمس التي تقفو آثار خطونا لا تترك فرصة لظلالنا أن تشكل ظلالها تغنم بعض تباريحها في تباريح آلخمائل .. تقدمنا بعزيمة لا تلين أكثر وأكثر والنهار زوالٌ بأشعة بيضاء صفراء إلى أن بلغنا مفترق طرق برية موحشة، علينا في خضم آلتباس تشابكاتها أن نختار بين مَنْ يصعد تْسَاوَنْتْ عَليةَ تاريدَالتْ (٦) برعونتها وصعوبتها الحادة ويربح نصف المسافة التي يمكن أن يقع في فخها مَنْ يختار نهج الطريق السوي المنبسط المستوي الأسهل ... انتهجنا جميعنا الخيار الأول الأصعب معاندة ومكابرة أنْ يتقولَ القائلون عنا بما لا نرضاه من صفات العجز والتخاذل والتعب وضعف الهمة وقلة الرجولة وهوان آلباه .. فصعدنا قمة عمودية حادة مستقيمة نَحْبو نزحف نتشبت بالصخور بتلابيب النباتات القزمية برغام الأتربة الدكناء والكستنائية نتنفس بصعوبة هوجاء حتى بلغناها قمةً شااااهقة تشرف على رحبة سهول لوطا .. هَــاااا .. قُلناها جماعة كهتافنا في المسيد إذْ يطلق صراحَنا أحد المارة أو عابر سبيل تجود يُمناه للفقيه بدرُيهمات فيجود علينا هو بأزمنة نافلة نرتع فيها نلعب .. بلغنا (باب لوطا) فوجدنا مطايا البلدة سبقتنا منذ أيام، تذكَرَتْ البغالُ سُحَنَنَا فراحتْ تتابعنا آذانُها من بعيد تقفو خطواتنا حتى وصلنا باحة العرس زهدنا في لغبها تركناها جنبا وآنصرفنا نسعى باحثين عن أمواه الأودية كي نُذهب عنا وعثاء السفر والرحلة الشاقة ...
كان ذلك زمااااان شحااال هاذي، والآن .. إي طُورَى أخشى أن تكون رحاب (باب لوطا) فعلا تُوطَى آنهارَتْ خَرَّتْ سقطتْ كما كان يلسنُ اللسان المازيغي الورايني الفصيح بعدَ أنْ أُرْهِقْنا وأثقلَتْ كاهلَنا تعاقبات الزمن، فآستسلمنا لانحدار آلأعمار حُوصِرْنا لا نستطيع حركةً إنْ نحن تحركناها إلا في عُلب صفيح جامدة متحركة فوق عجلات مطاط منفوخة بهواء .. أمْسَتْ أوديةٌ متفرقةٌ وجداولُ في الجنبات طالما سبحنا في بعضها ومتعنا النظر في أخرى وتُهنا عجبا في ضفافها الغناء، أمستْ مطوقةً بحديد وإسمنت مُسلح وقطر نحاس وقطران زعاف .. كأنها لَمْ تَغْنَ بالأمسِ جِنانُنا تيبستْ نضَارتُها خَبا رواؤها تفحم شأوُ شبابها آليافع عَلَتْ أجواءَها أسوارٌ كصدور مَرَدَة صماء لا جوف لها لا قلبَ يحنُّ لا جسد تنبض في عروقه الدماء .. طَرَدَ آلُ آلمشاريع والتنمية البشرية والأمواب التي بلا رؤوس جيرانَنا آلأقدمين زي تْبحارْ نيغودان (٧)مستدعيا آلات العماليق تنهش أوصال تراب الآباء والأجداد تُعَمق الحفر والخرق والفتق والقصل والقطع والسلخ والوشم والضرب توغل التشويه في كل شيء ذي حياة حتى تغيرت السُّحَنُ وغدت ذاكرة خيال الأعالي تحنُّ بحسرة وحدها تسترجع أيام السهول الخوالي .. نعم .. اختزلتْ أبدانُنا ذات جأش الجهدَ والقوة والنصب والزمن ووو .. لكن عيوننا الرعناء الملأى بالفحولة وتحدي المغامرة شاخ الآن أديمُها ذاب إيدامُها وتمنى الشيخ الشائب فينا (٨) أن يعود _واحسرتاااه_ إلى سهله الذي ... إلى عليائه التي ... إلى صباه لَـو أنَ ...

☆إشارات :
١_تازرين : قمة متوسطة الارتفاع بسفوح بويبلان
_تامُورتْ : الأرض أو البلاد
_لُوطا : السهل
٢_زي إيسَافَنْ نَغْ دكواشاون نيعَلَّانْ : من ودياننا في القمم العاليات
٣_أجنَّا ييشْ : أعلى الجبل
٤_إيزْلَانْ : أغاني
٥_أغْزَرْ نتمَدَّا الشَّعْرَا عين مَدَغْ مَلُّو لَبْشَمْ : مناطق أطلقت عليها نعوت تصف مواصفاتها الجغرافية لتغدو بكثرة التداولات أسماء قارة موقوفة عليها
٦_تْسَاوَنْتْ تاريدَالتْ : العلية العرجاء
٧_زي تْبحارْ نيغودان : من حقولنا الفيحاء
٨_"وبعد حين من آلدهر ستسأل نفسك، أين ضاعت أحلامي ؟ ستقوم بهز رأسك تهمهم: ما أسرعَ مرور الوقت، وتعيد آلسؤال مرة أُخرى، ما الذي قُمتَ بفعله فى فترة حياتك ؟ وأين دفنتً أفضل سنوات عُمرك ؟ أَكُنت على قيد الحياة أم وهْمِها ؟ وسوف تغمغم أُنظر كيف أصبحت الأيام باردة كئيبة، وستَمُر سنوات أخرى من عُمرك، تعقُبها سنوات عُزلة كئيبة، وستأتى فترة الشيخوخة غير المُستقرة، تليها فترة يأس وكآبة تامة،وينهار عالمك الرائع، وأحلامك سوف تذبل وتموت، وسوف تُنْثَر آنئذ مثل فتات أوراق شجر أصفر فى فصل خريف حزين ... "
_ دوستويفسكي من رواية(الليالي البيضاء)



#عبد_الله_خطوري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- آفُلُّوسْ نِيكْرَنْ آكَدْ إيخَمَّنْ اُورْ يَكُّورْ آنِي
- عناقيدُ شتينباك
- ثم، من غير سلام ينصرفون
- فيها فاكهةٌ وحبٌّ ورَيْحَان
- تِيقَّااااادْ
- سَقَر
- أُلَاقِي آلمَنَايَا كالِحَاتٍ وَلَا أُلاقي آلهَوَانَا
- تِيرْجِينْ نَتْنِيمَارْ أَجْأَرُ بِها وكفى
- رَأَى مَا رَأَى تَلَا مَا تَلَا
- مَاتيلدْ دُو لَامُولْ تطبعُ قبلةً على شفاهنا ثم نموت
- سَرَااااب
- الآنَ .. أضْحَكُ صامِتا أضْحَكُ صاخِبا
- اَلْأَبْلَهُ
- وفي لحظة خاطفة كنتُ وُلِدْتُ
- رائحة زنخة لمازوط يحترق
- وَأَسْمَعْتَ عُوَاءَكَ مَنْ بِهِ صَمَمُ
- وَلِلْمُفَقَّرِينَ وَاسِعُ آلنَّظَرِ
- مُتَشَائِلًا تَرْتِقُ قهوتي فُسَيْفِسَاءَ آلْأَحْلَام
- عطسة تشرفياكوف
- اَلْأَمَازِيغِيّ


المزيد.....




- بوركينا فاسو: تعليق البث الإذاعي لبي.بي.سي بعد تناولها تقرير ...
- الجيش الأمريكي يعلن تدمير سفينة مسيرة وطائرة دون طيار للحوثي ...
- السعودية.. فتاة تدعي تعرضها للتهديد والضرب من شقيقها والأمن ...
- التضخم في تركيا: -نحن عالقون بين سداد بطاقة الائتمان والاستد ...
- -السلام بين غزة وإسرائيل لن يتحقق إلا بتقديم مصلحة الشعوب عل ...
- البرتغاليون يحتفلون بالذكرى الـ50 لثورة القرنفل
- بالفيديو.. مروحية إسرائيلية تزيل حطام صاروخ إيراني في النقب ...
- هل توجه رئيس المخابرات المصرية إلى إسرائيل؟
- تقرير يكشف عن إجراء أنقذ مصر من أزمة كبرى
- إسبانيا.. ضبط أكبر شحنة مخدرات منذ 2015 قادمة من المغرب (فيد ...


المزيد.....

- ‫-;-وقود الهيدروجين: لا تساعدك مجموعة تعزيز وقود الهيدر ... / هيثم الفقى
- la cigogne blanche de la ville des marguerites / جدو جبريل
- قبل فوات الأوان - النداء الأخير قبل دخول الكارثة البيئية الك ... / مصعب قاسم عزاوي
- نحن والطاقة النووية - 1 / محمد منير مجاهد
- ظاهرةالاحتباس الحراري و-الحق في الماء / حسن العمراوي
- التغيرات المناخية العالمية وتأثيراتها على السكان في مصر / خالد السيد حسن
- انذار بالكارثة ما العمل في مواجهة التدمير الارادي لوحدة الان ... / عبد السلام أديب
- الجغرافية العامة لمصر / محمد عادل زكى
- تقييم عقود التراخيص ومدى تأثيرها على المجتمعات المحلية / حمزة الجواهري
- الملامح المميزة لمشاكل البيئة في عالمنا المعاصر مع نظرة على ... / هاشم نعمة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الطبيعة, التلوث , وحماية البيئة ونشاط حركات الخضر - عبد الله خطوري - كأنها لَمْ تَغْنَ بالأمْسِ جِنانُنا