أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الله خطوري - اَلْأَبْلَهُ















المزيد.....

اَلْأَبْلَهُ


عبد الله خطوري

الحوار المتمدن-العدد: 7604 - 2023 / 5 / 7 - 18:18
المحور: الادب والفن
    


دخلتُ المكتبةَ ..لا.. ليس تماما .. بقيتُ في العتبة، تحدج عينايَ عناوين الكتب وأغلفتَها الجميلة الشهيةالمُغرية .. مجموعة من الكائنات في أبهى زينتهن في معرض لسباق الجَمَال .. كُنَّ رائعات مُثيرات .. أقصد كانت المعروضات من الكتب جذابة بأغلفتها وأشكال الحروف إذْ تتموج في خطوط مائلة تارة ومستقيمة أخرى .. فالهمزة في عناق حميمي مع اللام يرقصان الفالس على نغمات وقع حوافر الأحصنة التي تجر عربات في طرقات بطرسبرج الجليدية حذاء ضفاف الدون في ليال بيضاء كدهشة الميلاد .. بينما تنكمش الباء مرتعدة تصطك فرائصها من شدة البرد .. في الوقت الذي تمتاح فيه الهاء من كيزان الفودكا مُنتشيةً غير مبالية بالأعين المحدقة ... كنتُ أحدقُ في البهاء يرفرف بأجنحة بيضاء كالصفاء بين الرفوف يُقَبِّلُ ذا وينبس لذاك بهمس كأطياف الجنون .. كاللوعة .. كجحيم العشاق بعد طول افتراق ... كانت الكتب واجهةً للرائي واستقطابا للموشومين بالوله؛ بيد أن الوله في حالتي كان يقف عاجزا أمام كل هذا الرواء، فليست هذه المرة الاولى التي أتسمرُ فيها رانيا كالأبله الى الحسناوات دون أتجرأ يوما على الاقتراب خطوة واحدة .. هذه المرة، فكرتُ قدرتُ وبسرعة وجدتني في الداخل أعانقُها .. حسنائي البهية .. فرعاء هيفاء مغطاة بجلد سميك يدرأ عنها قَـرَّ سيبيريا الفظيع .. فالسين وهي تَطَرِّد تتمرمر في مخيلتي تخلف
وقعا كصدى الفجيعة .. كشحوب وجه (ميشكين) الغائر العينين ..

قالت سين:

_يذوب الحَنانُ في عينيْك مثل دوائر ماء يسمو حبابه حالا على حال..

قالت دال:

_أعطني الفرصة حتى أكتشف الحد بين اللوعة والانهيار ...

قالت كاف:

_أهي نهاية العالم أن أفقدكَ أم أنَّ العالم يبتدئ عند فقدانك؟

وظلت الفاء صامتة في وجوم ...

من بعيد جئن يرفلن في حلل الانتشاء. يقارعْنَ السبل المترعة بالهباء .. من بلد الثلج والقر الصقيع حللن مُتلهفات ينشدن دفء فلوات الصحارى ..

قالت تاء:

_نيقولا البالكا يعنفننا وبالسياط يغتال فينا شهوة الأمل..

قالت ياء:

_لماذا قُدِّرَ عليَّ أن أُسْحَقَ في لا قرار وحدي؟

قالت كاف:

_تا الله ما أفظع لوعة الفقد..!!..

واستغرقتِ الفاء في صمت كالذهول...

لمستُ الغلافَ برهبةٍ وترقب .. لَمْ تَقُلْ: ..لا.. لَمْ تمانع ..لم تعارض .. فتجرأتُ أكثر .. أخذتها بين يدي أقلب صفحاتها .. أقَبِّلُ وشم اليراع .. أحضن البياض المخضب بالسواد .. أتيه بين سنابك الصافنات المحمومات في أحراش بافلوفسك .. أسبح غائرا تحت مياه الجليد .. أنسابُ كفقمة تلاعبُ بنزق كُلَّ القروشِ ناجيةً بعمرها في الوقت المناسب .. أزحفُ كبطاريق تصفق بيديها مُعلنةً بدء مراسيم الوله ... ويبدأ الحرفُ يتلوني في سره، وطفقتِ الخطوطُ تتماوجُ في صعود وسفور مُحلقةً أمام عينيَّ العليلتيْن تلتقط أذناي صدى همسها لبعضها ...

قالت هاء:

_قلبي المجنون أضحى اليوم في مُقلتيْه العصفوريتين يبتسمُ..

قالت لام:

_أمْـخُرُ عُبابَه الوهاج عسى اللواعج تبرح مدارجي..

قالت باء:

_ضامرة أنا في مغاوره يغتالني صهيل خيوله الجامحة..

قالت همزة:

_رغم عمق اللحمة بيننا فإن هوة الفقد توشك تبتلع في حنايايَ حب الاستمرار..

قالت لام:

_هي الآن في شغافي تستكين لا تلين ..

قالت ألف:

_ ما بين سماء وأرض .. ما بين بُعديْن .. يتأرجح قلبي المنهار.

قالت سين:

_سأسحره .. عَلَّ الدوائر المغلقة تنفتح متاريسها يطير ما فيها من حَمام بعيدا في خطرات الخلاء ...

و استرسلتِ الفاء في صمتها غير مبالية.

( .. شاحب اللون .. خداه خسيفتان .. شعره كثيف أشقر .. له لحية صغيرة مدببة .. عيناه واسعتان زرقاوان لهما نظرة ثاقبة، فيهما ثقل وتعبير غريب ... ))...

ولمْ أكدْ أصلُ الصفحة الموالية حتى أخذني من تلابيب رقبتي وجَرَّني الى الخارج وأوصلني الى الباب وتركني متجمدا في مكاني أمام منظر ساحرتي المُنتفضة في يأس بين يديْه الخشنتيْن .

قالت سين بالحاح:

_أحبكَ .. أحبكَ..

قالت دال:

_وهذا الانسحاق يعمق أخاديد الانهيار في وجعي يَكْبـتُ أنفاسي عبثا أنقب عن منافذ أتنسم عبرها أفياء خامدة
لأُصُصِ دوار شمس الربيع ..

قالت باء:

_إن القر يفجعني ..

قالت دال:

_يا لضياع الفرص ..!!..

بينما ظلت الفاء منتكسة الرأس واضعة وجهها بين يديها ...

نظرتُ متحسرا أتملاها وهي توضع على الرف في قبرها السحيق .. يقتل سُلافتَها الصدأُ والبوارُ .. لم أتحرك .. أشارَ لي من بعيد آمِرًا إيايَ .. ابتعد انصرف اذهب .. تحركتُ خطوات ولم أبتعد .. وعندما تذكرتُ أني لم أعرف حتى آسمها قررتُ الرجوع .. شاحبة ملفوفة في غلاف رمادي من كفن مقوى .. ذلك كل ماعرفته، بالاضافة الى تلك العبارات التي لم أفهم منها شيئا كثيرا سوى كونها من بلد البياض والبيـاض والبيـاض .. ولا شيء آخر غير البياض .. ولما هممتُ بملا هذا البياض ببؤبؤيَّ الخسيفيْن نهرني:

_اذهبْ أيها الأ بلـــه...

فطار الوصفُ فورا الى رأسي .. انها هي .. أعرفها .. ساحرتي المُتشحة
بالبياض .. ومن بعيد رأيتُها تومئ لي:

_بياضي لا يفقه بريقَه إلا الموشومون بحب الانسحاق ..

فقلتُ واللوعة تسحقني:

_مسحوق أنا مُذْ رأيت عينيكِ ...

قالت سين:

_أحبكَ..

قالت دال:

_خذني معكَ..

قالت كاف:

_طَوِّقْ هذا الفقدَ واقتلْ ضغائنَهُ...

قالت ياء:

_ألَمْ يَحِنْ الوقتُ بَعْدُ كي أنتفض من قرارة جُـبِّـي الذي بلا قرار..

قالت تاء:

_نيقولا والسوط وسيبيريا المنافي...

وفي هذه اللحظة .. كفت الفــاء عن نحيبها مَسَحَتْ دموعَها عن خديْها الحمراويْن .. أسبلتْ جُفونَها ابتسمتْ رفعتْ رأسَها وبأحْلا الهَدْهَداتِ راحتْ تشـدو:

_ أنـا بلهـــاء ولا يقرأني الا البلهــاء...

فانصرفتُ وأنا أرددُ العبارةَ:

_أنا بلهـاء ولا يعشقنيي إلا البلهــاء ...



#عبد_الله_خطوري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وفي لحظة خاطفة كنتُ وُلِدْتُ
- رائحة زنخة لمازوط يحترق
- وَأَسْمَعْتَ عُوَاءَكَ مَنْ بِهِ صَمَمُ
- وَلِلْمُفَقَّرِينَ وَاسِعُ آلنَّظَرِ
- مُتَشَائِلًا تَرْتِقُ قهوتي فُسَيْفِسَاءَ آلْأَحْلَام
- عطسة تشرفياكوف
- اَلْأَمَازِيغِيّ
- أَجْطِيطْ إينُو
- وَداعًا سَأغادرُ نَحْوِي
- سُنُونُوَةُ نِيسَانَ
- هامش حول الإحساس بالزمن
- إِيدَامِّنْ نْتَقْبيلْتْ / دماء آلْقَبِيلَة
- لعبة آلقطْعان التي تعيش
- هِيَ أشْياء تحدثُ وكفى
- زُحَلُ وطَائرُ آلْعَسَلِ
- عيد شهيد
- لَمَّا تَمُوتُ آلْأُمْنِيَّااااتُ
- كورونيات
- أَغِيلَاسْ
- لَا خيارَ لَدَيْنَا


المزيد.....




- بعد فوزه بالأوسكار عن -الكتاب الأخضر-.. فاريلي يعود للكوميدي ...
- رواية -أمي وأعرفها- لأحمد طملية.. صور بليغة من سرديات المخيم ...
- إلغاء مسرحية وجدي معوض في بيروت: اتهامات بالتطبيع تقصي عملا ...
- أفلام كرتون على مدار اليوم …. تردد قناة توم وجيري الجديد 202 ...
- الفيديو الإعلاني لجهاز -آي باد برو- اللوحي الجديد يثير سخط ا ...
- متحف -مسرح الدمى- في إسبانيا.. رحلة بطعم خاص عبر ثقافات العا ...
- فرنسا: مهرجان كان السينمائي يعتمد على الذكاء الاصطناعي في تد ...
- رئيس الحكومة المغربية يفتتح المعرض الدولي للنشر والكتاب بالر ...
- تقرير يبرز هيمنة -الورقي-و-العربية-وتراجع -الفرنسية- في المغ ...
- مصر.. الفنانة إسعاد يونس تعيد -الزعيم- عادل إمام للشاشات من ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الله خطوري - اَلْأَبْلَهُ