أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الله خطوري - زُحَلُ وطَائرُ آلْعَسَلِ














المزيد.....

زُحَلُ وطَائرُ آلْعَسَلِ


عبد الله خطوري

الحوار المتمدن-العدد: 7589 - 2023 / 4 / 22 - 14:21
المحور: الادب والفن
    


_ .. كل شيء سيكون بخير وعلى خير ..

هكذا خَمّنَ آلطائرُ آلأمْرَ عندما ألْقِيَ به بين آلقضبان داخل قفص ضيق ..

_ما أنا إلا عصفور صغير

قال زُحـَلُ مُبتسما وهو يرنو الى الكناري الذي يعتني به منذ طفولته.لقد مات كلُّ مَنْ يَمُتُّ له بصلة، ولم يبقَ إلا هو رائقا وجميلا دائما ...
(زُحَلُ) مايزالُ في ريعان الشباب، لكن مُذْ أُودِعَ آلقُضبانَ تَعَلَّمَ آلتفكيرَ وأدْمَنَهُ آلسهادُ .. وحيدا أَتى إلى الدنيا .. ألْفَى نفسَه طائرا يسبح في السماء .. رفرف السربُ بعيدا فلحق به الكناري منتفظا بجناحيْن صغيريْن ضاربا عنان الهواء .. إنه يطير أخيرا .. أينما حَلَّ السربُ يدركه العصفورُ .. كانت أياما جميلة رائعة وسعيدة .. يا للضياء .. يا للبهـاء ..!!..
بَيْدَ أن العاصفةَ كانتْ شديدةً ذات مساء وهو جائعٌ .. هَبَّتْ فأغرقتِ الغابَات في فيضان شديد .. تشتت شَمْلُ السرب وظل الطائرُ مُتمسكا بفرع شجرة الآس يحضنها تحضنه .. وكان يبكي .. لقد كان خائفا وجائعا ..

_ ..كل شيء سيكون بخير..

هكذا أمل (زُحَلُ) .. قفصه ضيق بأسلاك شائكة عَلاَهَا الصدأُ .. (زحلُ) لا يعرف معنى للشمس مُذْ فارق شجر الآس.لقد آصطادوه ثم ألقموه طعاما.اسْتُطِيرَ فؤادُه لأول وهلة لكنه سرعان ما آعتاد الحياةَ الجديدة دون جُوع دون عطش، دون هواء طلق في الغابات دون رُواء.. وكان يَعْرُوهُ حَنينٌ مِنْ حين لآخرَ الى الصفصفات الحور والجميز والكرنب والعليق والدلب وتوت آلبراري وعصير الكرم اللزج ...

_ ويا شجر الآس ..!!.. احْللْ فِيَّ فيضك المياس ..!!..

(زُحَلُ) عصفور صغير لا يكبر أبدا .. زحل طفل للأبد .. (زحلُ) شابَ صغيرًا .. تترعرع أظافرُه داخل قفص النحاس حتى تصير براثن حادة مسنونة ترتع فيها قاذورات لا تُرَى .. يغرق الجسد الضامر في غيابات دهاليز المدينة.لقد حاول فقط أن يعيشَ كيفما اتفق، لكنهم رأوا فيه زَبَدا لا يصلح الا للقمامة، فرموه للمستنقعات يأكله الهم يرعاه التفوئيدُ ..

_ لقد أقلق الزوارَ ..

هكذا قالوا وقالوا كلاما كثيرا كله زعفران

_ أنا عندي أمل ..

هكذا غنى ليال طويلة .. يخرج زحلُ في الواحد والعشرين من آذارَ ليجدَ العالمَ الذي تركه منذ هبوب آخر عاصفة في ذلك المساء كما هو، لم يتغير فيه شيء.. وحيدا يعيش في الدنيا .. زمن الآس ولَّى وآنقضى البيلسانُ ولا مكانَ لتوت البَرِ والكرنب والدلب وصفصفات الحور والآرنج .. في سجنه الخانقِ .. تعلم (زحلُ) عادات كثيرة، أصبحت من صميم سلوكاتها اليومية .. تعلم كيف يضبط السيجارةَ بَيْن أنامله الصغيرة يدخنها في زمن قياسي .. تعلم كيف يضغط على يديْه يدعكَ المعجونَ يشم الرائحة الزنخة التي تزحله من ضغائنه إلى أمكنة ليس فيه إلا أقواس قزح .. (زُحَلُ) يسبح في أجواء الأوراق الملفوفة، يطير يختال بلا قيود حُرا كشجر آلحورِ بلا جناح مع الأقمار كما كان شْحَالَ هَاذي ...

_ ويااا شَجَرَ آلآسِ .. ما أبهى أريجَك..!!..

ظل الكناري ينتظر أوبةَ صاحبه.وطال آنتظاره .. وذات صباح لم تشرق فيه شمس الصباح، قرر الطائر التوقفَ عن الغناء.فَقَدَ شهيتَه للنسائم يَعُبُّ منها كيفَ شاءَ.امتنعَ عن الطعام وبدأ ريشُه الشفاف يتساقط وجسمه يتضاءل يتقلص حتى صار في حجم طائر العسل .. زحل ينتقل من مقهى لمقهى .. يتسكع بلا هدف .. لقد آستفاد كثيرا من مقامه بين الأسياخ وأخَذَ العِبَرَ، فلمْ يَعُدْ يضايق الزوار ولا يتعرض للسابلة .. (زحلُ) أمسى الآن مُواطنا صالحا .. يبش في وجه الناس العابرين .. يضحك .. قانعا غير ممتقع يصدح يسبح رائقا في الهواء ...
في ذاك آلصباح، استيقظ (زحلُ) مبكرا. فتح نافذة البراكة يتفقدَ صديقه الجميلَ، فصعق لرؤية طائر عَسَلٍ ضئيل آلبدن مُتقلص العضلات جامدا تتجمع حوله أرتال النمل مُحتشدةً تلتهم ما تبقى مِنْ عَسل .. زحلُ يغمض عينيْه .. يتذكر تغاريدَ آلأَرْزِ حُمَّى آلأَرِيزِ ترانيمَ آلشِّهَادِ .. من ذاكرته طفقَتْ أطيافُ قديمةٌ تَلألأُ نَيِّرةً.مَدَّ يدَه الصغيرةَ يروم يُمْسِكُها، غير أنها كانت بعيدة عالية .. تغيبُ الأقمارُ في حياة تتيهُ في مَهامِهِهَا الأعمارُ .. تجمَّدَ الولهُ آنحسرَ ضاقتْ مَحَاجِرُهُ ومن عَيْنَيْ زحل طفرت قطراتٌ مثل آلدموع مالحة تغسلُ وجهه المجذور ...
يخرج زحـلُ شقيا كما كان دائما.يحتضن العسلَ بين يديْه، يقبره في فسحة بعيدة عن مزبلة الحي ...

_ ويــا دار البــوار .. امهلي قليلا..!!..

يضع (زحلُ) وجهه بيْن يديْه، لا ليبكي وإنما ليغرق في السِيلِسْيُونِ .. كان عنده أمل .. مات المغني .. وحيد هو الآن .. وحيد هو دائما ..

_ ويا دارَ الكساد، افسدي افسدي!!

تمضي أيام (زحل) محروقةً حارقةً، مشتعلةً باللهب بالنيران، بالمغص ، بالنقص، بالفراغ .. تتفتح نوافذ المدينة على شوارع بيضاء إلا من (زُحَل) مُلْقَى على قارعة طريق رعناء .. مطرق الرأس، مُسبل الجفنيْن، غارقا في البدور وآلزهور وأطياف قزح، في بحيرات من نور زعفران يسبح فيها البجعُ والآس ...

_ هناك بعيدا عن المدينة خارج آلأقواس سيكون كل شيء بخير وعلى خير ...

كان زُحَـلُ يغني .. يمرُّ المارةُ لا يأبهون للجثة المُعَفَّرة بالدماء ...

_ أغلب الظن ضُرِبَ ليلا ...

قال مَنْ قال ..

_ إنه خطأه .. دائما يتسكع وسط قارعة الطريق ..

عَقب آخرُ ..

بينما أَمَّنَ ثالثٌ :

_ إنه مجرد فتى أرعن مِنْ فتيان الشوارع .. يستحق ما جرى له ..

طائرُ العسل توقف عن الغناء .. النمل لا يأبه به .. النمل يعف الجثثَ وإن كانت مخلوقةً من عَسل .. زُحَلُ، يا سادة مات، وطائر آلعسل لم يَعُدْ يصدحُ بآلغنـاء .

_ تمت



#عبد_الله_خطوري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عيد شهيد
- لَمَّا تَمُوتُ آلْأُمْنِيَّااااتُ
- كورونيات
- أَغِيلَاسْ
- لَا خيارَ لَدَيْنَا
- طُفُولَةٌ بِلَا عَرِين
- مَوْتُ أَبِي آلْخَيْزُرَانِ
- مَارِسِ آلْجُنُونَ قَبْلَ يُمَارسَكَ آلْجُنُونُ
- طَبْلُ أُوسْكَار
- وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى آلْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى
- اَلزَّطْمَا
- ضُبَاح
- عَنِ آلْهِرَرَةِ وأشياء أخرى
- خَرَجَ وَلَمْ يَعُدْ
- رَذاذُ نِيسَانَ
- اَلْحُوذِيُّ وَآلْحِصَانُ
- ذُهَان
- تَادَوْلَى(العودة)
- عَطَبُ آلْوُجُودِ في قصيدة بَكيتُ عَلَى أَحِبّةٍ بَكوا عَلَي ...
- سلااااام


المزيد.....




- فنان مصري: -الزعيم- تقاعد واعتزل الفن دون رجعة
- من إلغاء جولتها الفنية إلى طلاقها.. جنيفر لوبيز تكشف كيف -ان ...
- غزة.. عزف الموسيقى لمواجهة البتر والألم
- لعبة التوقعات.. هل يفوز عمل غير غربي بجائزة نوبل للآداب 2024 ...
- اندمج في تصوير مشهد حب ونسي المخرج.. لحظة محرجة لأندرو غارفي ...
- تردد قناة روتانا سينما 2024 الجديد على نايل سات وعرب سات.. ن ...
- الممثل الخاص لوزير الخارجية الايراني يبحث مع نبيه بري قضايا ...
- سيدني سويني وأماندا سيفريد تلعبان دور البطولة في فيلم مقتبس ...
- فشلت في العثور على والدتها وأختها تزوجت من طليقها.. الممثلة ...
- -دبلوماسية الأفلام-.. روسيا تطور صناعة الأفلام بالتعاون مع ب ...


المزيد.....

- إيقاعات متفردة على هامش روايات الكاتب السيد حافظ / منى عارف
- الخلاص - يا زمن الكلمة... الخوف الكلمة... الموت يا زمن ال ... / السيد حافظ
- والله زمان يامصر من المسرح السياسي تأليف السيد حافظ / السيد حافظ
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل مسرحية "سندريلا و ال ... / مفيدةبودهوس - ريما بلفريطس
- المهاجـــر إلــى الــغــد السيد حافظ خمسون عاما من التجر ... / أحمد محمد الشريف
- مختارات أنخيل غونزاليس مونييز الشعرية / أكد الجبوري
- هندسة الشخصيات في رواية "وهمت به" للسيد حافظ / آيةسلي - نُسيبة بربيش لجنة المناقشة
- توظيف التراث في مسرحيات السيد حافظ / وحيدة بلقفصي - إيمان عبد لاوي
- مذكرات السيد حافظ الجزء الرابع بين عبقرية الإبداع وتهمي ... / د. ياسر جابر الجمال
- الحبكة الفنية و الدرامية في المسرحية العربية " الخادمة وال ... / إيـــمـــان جــبــــــارى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الله خطوري - زُحَلُ وطَائرُ آلْعَسَلِ