أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - وليد الأسطل - حسين سرمك حسن: حين تلتحم الرؤيا بالرؤية.















المزيد.....

حسين سرمك حسن: حين تلتحم الرؤيا بالرؤية.


وليد الأسطل

الحوار المتمدن-العدد: 7612 - 2023 / 5 / 15 - 15:42
المحور: الادب والفن
    


كنتُ أعتقدُ أنني – بعد قراءة مجموعة الصديق الشاعر وليد الأسطل مخطوطةً – سوف أكتفي بكتابة “تقريظ” قصير يضم بتركيزٍ وعجالة آرائي في نصوصها شكلا ومضمونا. لكنني لم أستطع الوفاء بذلك لنفسي رغم اني في محنة كتابية موسوعية أبعدتني عن الكتابة النقدية الأدبية منذ سبع سنوات حتى اليوم وقد تستمر لسنوات أخرى.

لقد نصب وليد فخ الاستغواء والاستدراج في صورة مقدّمةٍ جمع فيها مصائد لا فرار من الوقوع فيها. ومن معاني الجذر “غوى” في لغتنا العظيمة المقاوِمة هو التجمع على الشرّ وهو هنا شرٌّ شعري جميل. فوليد ليس شاعراً فقط بل هو ناقد بارع أيضا دفعته براعته إلى صياغة مقدمة/فخ لم أستطع القفز عليه. كانت مقدمته “كلمة بسيطة جدا” زيادة في الإغواء ولكنها “مهمة جدا” خلط بها السمّ النقدي الحاد في العسل الشعري المنعش إمعانا في تغييب انتباه “القارىء العادي” الذي وجّه كلمته إليه في الأساس. فقد أحالنا إلى آراء له ذكرها في بداية ديوانه السابق “لسنا شعراء.. إنّه الحُبّ” تقول إن قصيدة النثر فن “لامعياري” –بلا ضوابط- وهو ما يجعل – كما يقول- تعريف الناقدة الفرنسية الرائدة في هذا المجال “سوزان برنار” لقصيدة النثر تعريفا كلاسيكيا.
تعريف سوزان برنار لقصيدة النثر في كتابها “فصيدة النثر من بودلير إلى أيامنا” هو أنها: «قطعة نثر موجزة بما فيه الكفاية، موحّدة، مضغوطة، كقطعة من بلّور…خلق حرّ، ليس له من ضرورة غير رغبة المؤلف في البناء خارجاً عن كلّ تحديد، وشيء مضطرب، إيحاءاته لا نهائية” .
وكنتُ ومازلتُ أقول دائما إنّ على أي شاعر كي يصبح شاعرا مجيدا أن يجيب – طبعا عبر اشتغاله الشعري الإبداعي النصّي الضروس– على سؤالين:
الأول هو/ سؤال الرؤيا : لماذا أكتب الشعر؟ (الجدوى من الشعر/ فلسفة الشاعر/المضمون)
والثاني هو سؤال الرؤية: كيف أكتب الشعر؟ (التقنية/ الشكل/ النص)
وعادة لا نرى الابتسامة أمام الوجه ولا خلفه بل “في” الوجه.. وبهذا يلتحم الشكل بالمضمون.
وليس شرطا أن يطرح الشاعر الإجابة الأولى في صورة تنظير نقدي كما فعل أدونيس مثلا وهو امتياز حاسم ، ولكن أن يحمل الهم الوجودي الكوني وتلوب في روحه أسئلته الحارقة. أمّا الثاني فهو مرتبط بالشكل الذي قد يعتقد الشاعر أنه “لامعياري” لكن حين تطالع نصوصه بتأمل وعمق تجدها نصوص تخضع لضوابط جديدة لم تعتدها عينك وأذنك لكنها تبقى “ضوابط” مثلما خرج الهايكو العربي على ضوابط الهايكو الياباني، وبرغم مدّ مابعد الحداثة الأدبي الغربي الذي تأثر بأطروحات بيئته الغربية القائمة على “الإباحية المعرفية” إذا ساغ الوصف والتي تخلط الإنسان بالطبيعة فتجعله “جزءا” منها لا سيدا عليها وهو ما يٌسمّى بـ “السيولة” المعرفية وحديثها طويل وشائك.
في سؤال الرؤيا طرح وليد “فكره” و “فلسفته” عن وجود تلتم فيه دفعات الحياة والموت.. الأمل واليأس .. النور والظلام.. النماء والخراب.. العقل والجنون.. بدءاً من نَصّه الذي جاء مصادفة وهو يحمل عنوان: “رؤيا”:
“يتساءَلُ الشَّاعِرُ/ مَنْ أكون؟/ أعرّافٌ أنا/ أم مجنون؟/ آخُذُ مِنْ كلِّ شيءٍ/ سِرَّه/ ثُمَّ أُذِيعُ على المَلإِ/ أمْرَهْ/ أسرِقُ مِنَ الفَرَحِ قِشرَهْ/ وَمِنَ الحُزنِ عُمْقَهْ/ ألمحُ صُوَراً واضِحةً، وغائِمةْ/ كَعَجوزٍ تنظُرُ/ مِنْ نافِذةِ منزِلِها/ ساعَةَ الغروب/ أُحاوِلُ معانَقةَ سِعَةِ المدى/ كشَجَرَةٍ فضحَها الخريف/ فَفَرَدَتْ أغصانَها العارِيةَ”.. (قصيدة “رؤيا”)
هذه الوصفة “الطبّية” الشعرية الوجودية تمتد – وبضوابط – كخيط أزرق سماوي يلظم حبّات مسبحة نصوص المجموعة البيض المشرقة ذات الباطن الكامد. وصفة تقوم على تعريف للشعر أردّده دائما وهو :
“إنّ فنّ الشعرِ هو فنّ تقطيع القلب “
و وليد جرّاح شعري قاسٍ وبتلذّذ .. بارع و بارع جدا في تقطيع القلوب. فمن المرّات القليلة التي أقرأ فيها نَصّاً يمكن وصفه بأنه “ما بعد الخيبة” أو “ما بعد الحزن” ؛ والحزن ضروري للشعر أكثر من الفرح بمراحل. قالها أجدادانا. هذا النص هو: “لا رجوع” الذي سيتكفل بصدم رؤوسنا حيث يبدو للوهلة الأولى أنه يتحدث عن حقائق الاغتراب ؛ الداخلي والخارجي، حتى لو كان المنفى فردوسا إلهيا (لهذا تركه آدم!!)، في حين أنه يتحدث عن الحبيبة التي هجرت ثم شاءت أن تعود، و لكن لا رجوع. اقرأها سيدي القارىء وأعدها عشرات المرات ووزّعها على مسؤوليتي.. نص كبير مكتوب بضوابط الرؤيا والرؤية الحديدية:
“لا رُجُوعَ لَكَ إلى الوَطَنْ/ فَفِي بُعْدِكَ ضاقَ الوَطَنْ/ قَلَّصَتهُ أيّامُ بُعْدِك/ فَعَشِقَ في بُعْدِكَ بُعْدَكَ/ وأبَاحَ لَهُ أن يُؤَثِّثَهُ وِفْقَ ذَوقِهْ/ فَأَثَّثَهُ بِذاكرَةٍ/ لا وُجُودَ لَكَ في مُكَوِّنَاتِهَا/ فَأَصبَحَ يَنظُرُ إِلَيكَ/ بِعَيْنَيْنِ مُحَايِدَتَيْن/ عَلَّمهُ أن يَراكَ فلا يُبَالِي/علّمه أن لا يغالي/ و أعاد له عرشه المسلوب/فَلَيسَ لِأَعدائِهِ مِنهُ اليَوم/
أكثر منَ النّظَرِ إلَيهِ/خَارجَ الحدود/وَ ليسَ لِمُحِبِّيهِ/غير السّباحةِ على شاطئِه/غير الزّيارةِ ثُمّ الرّحيل/ لقد أصبح وطناً / يَستَوطِنُ ذاتَه، لا ثغرَةَ في دفاعاتِه/ صَدِّقنِي لا مكانَ لكَ / في هذا الوَطَنْ/ قَلبِي القديم كان لَكَ الوَطنْ”
الشعر المُفرح خدعة.. “مكسّرات” شعرية.. لا تعلق في ذهنك أغلب هايكوات “باشو” الياباني المحتفية –طبعا انعكاسا لمقررات فلسفة الزن عن الكون والحياة- بالطبيعة والأمل. لكن تتأجج الاستجابة يقول:
” قمرٌ رائع/ أخيرًا جاءت، والحمد لله/ الغيوم السوداء/ كي تريح أعناقنا”
الموت هو الحي الذي لا يموت وهو أعظم مبدع للمعلقات والملاحم منذ الأزل إلى الأبد. وهو ما أدركه وليد منذ “رؤيا” ه.. وطرق عليه حتى النهاية .. وكل ذلك لأنّ فنّه مرتبط بنا وبأقسى وأحرّ همومنا المهلكة وليس فنّاً خالصاً لوجه الشعر أو اللعب الجمالي بالكلمات على أهميته:
“أَذُلٌّ بَعدَ عِزّ؟!/ بعدَ المَطَر/ تَتَأَمَّلُ بِرَكُ الماءِ السَّمَاءَ”
“الحُزن/ مَوسِمُ نُضجِ/ الدُّمُوع”
“من دُونِ سُمٍّ/ لَدَغَاتُهَا تَقُودُ إلى المَوت/ عَقَارِبُ السّاعَة!!”
قد تكون “الكلمات –كلمات وليد- وحدها التي تفهمه” ، وهذا ديدن الشاعر ودينه إلى أن يأتي الناقد اللعين ليفسد كل شيء، ولكن كلمات وليد أحيت فينا ولو بمقدار مجموعة شعرية وهذا ليس بالقليل إحساسنا بضرورة الانهمام بالكوني الجوهري الحقيقي العاصف والتعالي على اليومي الجزئي الصدئ.. لقد التحم لديه أطروحة الرؤيا بطباق الرؤية لتنتج –إذا جاز استعارة الجدل الهيغلي- “تركيباً” سيؤسّس مستقبلا بصمة روحه الشعرية الخاصة الباهرة. . فتحية له..

الدكتور حسين سرمك حسن.
بغداد المحروسة.



#وليد_الأسطل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- آدم وإيف.. من مجموعتي القصصية
- تُوم.. من مجموعتي القصصية
- لؤلؤة راشيل 9
- لؤلؤة راشيل 8
- إليها
- لؤلؤة راشيل 7
- لؤلؤة راشيل 6
- لؤلؤة راشيل 5
- لؤلؤة راشيل 4
- روايتي لؤلؤة راشيل (3)
- رواية لؤلؤة راشيل 2
- روايتي البوليسية -لؤلؤة راشيل- 1
- إلى والدي
- ظاهرة سولجنيتسين.. جورج نيفا
- فيلم Red Desert 1964
- كتاب “هافيل.. حياة” لمايكل زانتوفسكي
- عن الأحداث الدموية في التاريخ السوفيتي.. نيكولاس ويرث
- مواسم جياكومو.. ماريو ريغوني ستيرن
- عن التطبيع
- فيلم مائة يوم في باليرمو


المزيد.....




- مصر.. وفاة المخرج والسيناريست القدير عصام الشماع
- الإِلهُ الأخلاقيّ وقداسة الحياة.. دراسة مقارنة بين القرآن ال ...
- بنظامي 3- 5 سنوات .. جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 الد ...
- مبعوث روسي: مجلس السيادة هو الممثل الشرعي للشعب السوداني
- إيران تحظر بث أشهر مسلسل رمضاني مصري
- -قناع بلون السماء-.. سؤال الهويّات والوجود في رواية الأسير ا ...
- وفاة الفنانة السورية القديرة خديجة العبد ونجلها الفنان قيس ا ...
- مطالبات متزايدة بانقاذ مغني الراب الإيراني توماج صالحي من ال ...
- -قناع بلون السماء- للأسير الفلسطيني باسم خندقجي تفوز بالجائز ...
- اشتُهر بدوره في -أبو الطيب المتنبي-.. رحيل الفنان العراقي عا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - وليد الأسطل - حسين سرمك حسن: حين تلتحم الرؤيا بالرؤية.