أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - وليد الأسطل - فيلم Red Desert 1964














المزيد.....

فيلم Red Desert 1964


وليد الأسطل

الحوار المتمدن-العدد: 7545 - 2023 / 3 / 9 - 20:07
المحور: الادب والفن
    


في مشهد الغسق الذي يكتنف مدينة رافينا الكادحة، يصور مايكل أنجلو أنطونيوني تشنجات امرأة تواجه هبوطا بطيئا في القبر.

يبدأ مايكل أنجلو أنطونيوني ويختتم فيلمه من منظور تقشعر له الأبدان، لمصنع حديث، صاخب، متناقض، كئيب، ضائع في وسط ضباب إميليا رومانيا. هذه ليست إيطاليا السعيدة، هذه ليست إيطاليا القديمة، وليست إيطاليا الريفية. إيطاليا التي يكشف عنها أنطونيوني هي الضواحي، المراكز الصناعية، المغطاة بالضباب الدخاني، وتحيط بها المستنقعات الموحلة والرائحة الكريهة. في هذا الفضاء المصطنع تماما، الذي بناه المجتمع لنفسه كإطار عمل وفي النهاية كسجن، تحاول جوليانا، أم شابة مكتئبة توجيه حياتها. يبني أنطونيوني على هذا الموضوع ليطور، في غضون ساعتين، فيلما يرمز إلى أهوال المجتمع المعاصر.

جوليانا متزوجة ولديها ابن، أصدقاء، منزل، إلا أنها غير سعيدة. قد يظن البعض أنها تيمة مكرورة. ولكن الحقيقة على خلاف ذلك؛ لأنه قد تم تطويرها هنا باعتبارها أسطورة سيزيف. كيف الخلاص من التعذيب اليومي المتمثل في زوجين كالآلة، طفل محروم من الحب، وجمود قسري؟ يسرد أنطونيوني في غضون ساعتين المسارات المختلفة المتاحة لجوليانا: أن تنجح في جعل زوجها يحبها من جديد، زوجها الذي يجسد النموذج الأمثل للمهندس الميت روحيا، هو نجاح أشبه بالفشل. أو ربما إطلاق مشروع تجاري، أو القيام بنشاط ما، يشعر المرء في قرارة نفسه أنه مجرد محاولة وهمية للعيش بشكل مختلف. لا يمكن لكل هذا أن يحدث تغييرا جوهريا، قد ينجح في تسكين الألم لبعض الوقت، ولكنه سيفشل في علاج المرض. يقدم الطفل مساعدة محدودة للغاية: على قيد الحياة ولكن ليس (حتى الآن؟ يمكننا أن نشك في ذلك بالنظر إلى البيئة) واعيا. الزوج العاشق حتى لو بدا أنه ما زال على قيد الحياة، إلا أن مشهد ممارسته للجنس مع زوجته مشابه جدا للاغتصاب. إذن لا يوجد ما يمكن اعتباره وعدا بالخلاص.

يرمز توتر جوليانا، طوال الفيلم، إلى توعك المجتمع المعاصر. حوارها مع كورادو، الشخصية الحية الأخرى الوحيدة، لم ينجح: الأزمة عميقة للغاية. السائرون أثناء النوم يأتون ويذهبون. يتحدثون، يحاولون إيجاد بديل. إن ما يقترحه كورادو، لا يصلح، وهو نفسه يعلم ذلك ولا يخفيه: يتحرك، ينتقل للعيش في بيت آخر، يحاول الهروب من نفسه. هوسه بالرحيل، بالتجديد، هو مجرد وهم. إنه يحاول بقدر ما يستطيع أن يحدث شيئا من التغيير، ولكن، عبثا. جوليانا غير قادرة على الإنفصال عن زوجها والرحيل، إذا "غادرت، فسوف تأخذ معها كل ما يؤذيها ".

كل شيء هنا يفشل، حتى الانتحار، الرحلة الأخيرة من القطعة الفولاذية المسماة العالم المعاصر. جوليانا مضطربة، جوليانا تبكي، جوليانا تثور، لكن مصيرها قد تم رسمه مسبقا: مجتمع صناعي قاتم وسلسلة وجود مبرمجة توصلها إلى حاضر لا يمكنها الخلاص منه. أنطونيوني لا يضع خطا للفرار، أو الانتحار. ليس بإمكانها فعل أي شيء. وستكون محنتها، مثل تلك التي عاشها سيزيف وتانتالوس القديمان، استئنافا أبديا، مستمرا، بلا نهاية، في ضباب مبطن لحياة منتهية بالفعل.

وصولها إلى المصنع مرتدية ملابس خضراء، وبرفقة طفلها، يشكل بداية الفيلم. رجوعها إلى المصنع مرتدية ملابس خضراء مرة أخرى، يشكل خاتمة الفيلم. اللون الأخضر لملابسها هو بالتأكيد اللمسة الوحيدة للأمل في هذا الفيلم. هناك نداء غير متوقع للخيال، يحدث مرة واحدة فقط، عندما تروي مكرهة ومجبرة قصة غريبة وملونة لطفلها المريض. المجتمع الميت المصطنع يلتهم العالم من حوله ويضيع فيه البشر.

تتحدث الشخصيات، وتتحاور وتتحرك، لكن حاضرها مشوش وغامض. لا وجود سوى لمطالب اصطناعية، وضرورات طبيعية. لا خيال، لقد فرت الحياة إلى الأبد. يطرح أنطونيوني مشكلة غير قابلة للحل: كيف نعيش في العالم الحديث؟ إجابته قاتمة: يمكن أن يشعر الرجال والنساء بالقلق، لكن لا الهروب ولا المغامرة يأتيان بالحل. لا شيء سوى التخدير الكامل، تقديس وعبادة الواقع القبيح، الوقوع في حب الأشياء المادية فقط، إنغلاق الإنسان على نفسه وتنفيذه لما يطلب منه، دون توقف، والأهم من هذا، دون تفكير.



#وليد_الأسطل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كتاب “هافيل.. حياة” لمايكل زانتوفسكي
- عن الأحداث الدموية في التاريخ السوفيتي.. نيكولاس ويرث
- مواسم جياكومو.. ماريو ريغوني ستيرن
- عن التطبيع
- فيلم مائة يوم في باليرمو
- فيلم القندس
- شارة الشجاعة الحمراء.. ستيفن كرين
- العميل السري.. جوزيف كونراد
- الميل الأخضر.. ستيفن كينج
- رحلة إلى الهند.. إدوارد مورغان فورستر
- الرجل الذي كان الخميس.. جلبرت كيث تشيسترتون
- رواية قاموس الخزر.. ميلوراد بافيتش
- رواية -غير متجسد-.. تي إف بوويز
- رواية فاعل الخير .. سوزان سونتاج
- رواية سوزان والمحيط الهادىء.. جان جيرودو
- رحلتي مع ماريو بارغاس يوسا
- رواية ذكريات الحرب الأخيرة.. كارلوس ليسكانو
- رواية أمين الأثريات.. يوري دومبروفسكي
- رواية نحن.. يفغيني زامياتين
- رواية ملك بلا ترفيه.. جان جيونو


المزيد.....




- مسرحي أنباري: إهمال الجانب الفني بالمحافظة يعيق الحركة الإبد ...
- الأفئدة المهاجرة التي أشعل طوفان الأقصى حنينها إلى جذورها
- بعد رحلة علاج طويلة.. عبدالله الرويشد يعود إلى الكويت الأسبو ...
- قطر.. افتتاح مركز لتعليم اللغة الروسية في الدوحة
- نجم فيلم -سبايدرمان-: الفلسطينيون في غزة هم الأهم ويجب تركيز ...
- محمد منير يثير تساؤلات بسبب غيابه عن تكريم مهرجان الموسيقى ا ...
- -جوكر: جنون مشترك-.. لعنة السلاسل السينمائية تُجهز على فيلم ...
- من هو مختوم قولي فراغي الذي يشارك بزشكيان في ذكرى رحيله بترك ...
- أحداث تشويقية لا تفوتك.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 167 مترجمة ...
-  الممثل الخاص لوزير الخارجية يلتقي مع المسؤولين الإعلاميين ف ...


المزيد.....

- إيقاعات متفردة على هامش روايات الكاتب السيد حافظ / منى عارف
- الخلاص - يا زمن الكلمة... الخوف الكلمة... الموت يا زمن ال ... / السيد حافظ
- والله زمان يامصر من المسرح السياسي تأليف السيد حافظ / السيد حافظ
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل مسرحية "سندريلا و ال ... / مفيدةبودهوس - ريما بلفريطس
- المهاجـــر إلــى الــغــد السيد حافظ خمسون عاما من التجر ... / أحمد محمد الشريف
- مختارات أنخيل غونزاليس مونييز الشعرية / أكد الجبوري
- هندسة الشخصيات في رواية "وهمت به" للسيد حافظ / آيةسلي - نُسيبة بربيش لجنة المناقشة
- توظيف التراث في مسرحيات السيد حافظ / وحيدة بلقفصي - إيمان عبد لاوي
- مذكرات السيد حافظ الجزء الرابع بين عبقرية الإبداع وتهمي ... / د. ياسر جابر الجمال
- الحبكة الفنية و الدرامية في المسرحية العربية " الخادمة وال ... / إيـــمـــان جــبــــــارى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - وليد الأسطل - فيلم Red Desert 1964