أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - وليد الأسطل - رواية أمين الأثريات.. يوري دومبروفسكي















المزيد.....

رواية أمين الأثريات.. يوري دومبروفسكي


وليد الأسطل

الحوار المتمدن-العدد: 7323 - 2022 / 7 / 28 - 10:51
المحور: الادب والفن
    


"من يسيطر على الماضي يسيطر على المستقبل، من يسيطر على الحاضر يسيطر على الماضي". هذه هي الطريقة التي لخص بها جورج أورويل، في روايته الشهيرة"1984"، معنى العمل التاريخي، والسياسي على نطاق أوسع، في نظام شمولي.
يقدم الحدس الرائع لأورويل، الذي تم الدفع به بالتأكيد إلى ذروته، لمحة مذهلة عما يسمح بقراءة متلاعبة لتاريخ الحقائق والرجال والأحداث. إن النظام السياسي القائم على الأكاذيب، وتزوير الحقائق السابقة، وإعادة قراءتها بشكل دائم في ضوء الضرورات الإستراتيجية أو التكتيكية لليوم، يهتم جدا بما يمكن أن يقوله أو يفكر فيه أو يجده المتخصصون في التاريخ، وعلماء الآثار، وتجار التحف. إن اللامبالاة غير مسموح بها. لا تزال مسألة الماضي، بعيدا عن كونها ميتة، تنبعث منها إشعاعات، تحتاج إلى تسليط الضوء عليها، وتحتاج أحيانا إلى دفنها.

لا يحتاج النظام إلى معرفة دقيقة وصحيحة، بل إلى عجينة تاريخية طرية وقابلة للتفسير، يمكنه تشكيلها متى شاء. عندما يستفيد هذا النظام - مثل الستالينية - من القراءة التاريخية للحضارة، والطاعة الهيغلية الماركسية، فإنه يراقب بمزيد من اليقظة نسيج الماضي بالحاضر. وبالنسبة لأمين الآثار، مثل الراوي الذي يحمل نفس الإسم لرواية دومبروفسكي، الذي يريد بأي ثمن، في خضم الإرهاب، التمسك بالضرورات العلمية والتاريخية والفلسفية للحقيقة، سيكون هذا أمرا خطيرا للغاية. قد يقول أحدهم هل كان من الضروري استدعاء هذا الدعم الطويل والمرهق لأورويل وروايته لتقديم رواية "أمين الأثريات" The Keeper of Antiquities ل دومبروفسكي؟ سوف يعترض البعض بحق أنه لا يكاد يوجد أي ارتباط - بصرف النظر عن السياق الشمولي - بين الحكاية السياسية المرعبة لأحدهما والسرد الملمح والساخر للآخر. من الواضح أن السوفييتي، الذي كان ينشر في زمن حكم خروتشوف، في نوفي مير، ليس لديه البعد العالمي الذي وصل إليه زميله الإنجليزي. من غير المحتمل أن نستخلص من رواية "أمين الأثريات" ل دمبروفسكي (الروسي) الدروس التي يواصل الغرب البحث عنها في رواية أورويل (الإنجليزي). لعب سياق النشر دورا: لقد كان أورويل واضحا بوحشية، أما دومبروفسكي فلم يكن كذلك، تم تقييد حريته في الكلام والنقد. ومن هنا جاء هذا النص الغريب، الذي تم تنظيمه على مستويين مختلفين تقريبا: سرد وفير وساخر إلى حد ما لعام 1937 كما يراه أمين من ألماتا (كازاخستان)، وشبكة من الرموز والإشارات والتقييمات الخفية، تحمل قراءة نقدية للإرهاب الستاليني.

سيستفيد القراء المهتمون بالاستكشاف الجاد والواقعي لعامي 1937 و 1938 في الإتحاد السوفيتي، كثيرا، كذلك، من خلال قراءة أعمال نيكولاس ويرث، وأخص بالذكر كتابه"السكير ومتجر الزهور" The Drunkard and the Flower Shop. وإذا كانوا يطلبون الجدية التاريخية والأدبية، فلهم أن يقرأوا ل سولجنستين. أقول هذا لأنهم إن لم يقرأوا رواية أمين الآثار في ظل ما تقدم ذكره، فستكون نظرتهم لهذه الفترة سطحية، أو ربما ناعمة ووردية. لا أقصد بهذا أن دومبروفسكي يتلاعب بالمواد التاريخية لتبرئة النظام من جرائمه. كل ما هنالك أننا مجبرون - ونحن نعيش في روسيا عام 1964 على تقديم مراجعة متحيزة ملفوفة ببهجة سطحية ومصطنعة إلى حد ما، لكي يتم نشر عملنا. إن ال كولخوز (أحد اشكال المزارع الجماعية في الإتحاد السوفييتي) غنية ومزدهرة، والناس يسكرون بسعادة، ويبدو السوفييت يتغذون جيدا، والحياة، كما قال ستالين قبل ذلك بقليل "تصبح أكثر سعادة، وأكثر بهجة" (أذكر أن هذه الكلمات قيلت بين المقابر الجماعية للمجاعة الكبرى ومقابر الإرهاب العظيم، الأمر الذي يمنح انطباعا حقيقيا، وساخرا، للصيغة الإجرامية الجورجية). يرسم دومبروفسكي صورة مدروسة عن المجتمع السوفيتي، صورة مقبولة لحزب 1964، في شكل نقد ذاتي لأخطاء الماضي. بصرف النظر عن بعض التجاوزات البوليسية والسياسية، فإن كل شيء على ما يرام في الأساس في الإتحاد السوفييتي ههههه. لا شيء يتجاوز ما سمح به الوقت هههه. هذا التنفس القصير كان يعمل بين المؤتمر العشرين ورد فعل "بريجنيف". لقد واجه المؤلف، ضرورة القول دون أن يقول ههههه. لقد مارس المؤلف عمله من خلال شبكة من الإقتراحات والتلميحات والرموز. وبعد ذلك، يصبح الأمر متروكا للقارئ للقيام بعمل التجميع وإعادة البناء العام. وفي صمت الشخصيات، وفي الحبكة أيضا، يكمن كل النقد الذي لم يستطع دومبروسفسكي كتابته. في هذا، حتى عندما تدخل مفوضية الشعب للشؤون الداخلية إلى المشهد، بتهديداتها، محجبة أم لا، ووحشيتها واعتقالاتها، لن يشعر قارئ اليوم بالاضطهاد. الأمر متروك له ألا يغفل عما يقال في خلفية النص. لا أتصور أن معاصري دومبروفسكي، من قراء نوفي مير، قد فاتهم هذا. لأنه لا شك في أن الكاتب، الذي رُحّل إلى كازاخستان في عهد ستالين، وكان أيضا ضحية للقمع، وعُومل كمعارض في السبعينيات، كان معارضا بشدة للنظام الذي ربما اغتاله.

الراوي، عالم محايد سياسياً، بقدر ما هو متهور، يرى سلسلة من الكوارث الصغيرة تقع عليه والتي تشكل نص الرواية، كوميديا ​​الإرهاب. عمله العلمي، الذي يقطعه دائما الناس المزعجون، قد تجاوزه عصره، ومطالب ستالين السخيفة.
تعلو أهواء هذا وذاك أبحاثَ العالم، هذه الأهواء التي نفهم تدريجيا أن الذي يمليها هو السياق السياسي. من المؤكد أن عمل حصر وتقييم المحميات الأثرية الكازاخية ليس حساسا بشكل خاص. من ناحية أخرى، سرعان ما أصبح تنظيم المعارض وإنشاء الكتالوجات وعرض الصور القديمة عبئا تتخلله حفريات حمقاء وتحقيقات في علم الحيوان، سأعود إليها. يتم عرض صورة عالِم عظيم ينتمي إلى حقبة ما قبل عام 1917، يفضح بأكبر قدر من الجدية العلمية القطع القديمة المملة التي يقترحها مدير المتحف، بدلاً من ديوراما مذهلة، لأنها تؤذي البروليتاريين. يمكنني أن أستحضر كذلك مجموعات من الكتب القديمة المفهرسة بشكل سيء، والتي تأتي أمينة مكتبة صعبة المراس، صارخة، أنها لا تهتم بهذه الأشياء القديمة وأن عملها يخص عامة الناس الجاهلين وليس العلماء المثقفين. يفهم القارئ أن وجود شخصيات كهذه، يمكن أن يكون ضارا بالراوي. ففي عام 1937، يُنصح بألا يكون لك أعداء، وإلا ستصبح وحيدا ومنبوذا. ستحدث بعد ذلك ما سماها كاتب أمريكي - غاب عني اسمه - مؤامرة الحمقى. ولو لا تدخل بعض الألطاف ههههه، كتلك التي أتت من طرف مدير المتحف على سبيل المثال، لكان مصير الراوي قد تم تحديده بسرعة أكبر. يتم تمثيل الإرهاب هنا ليس كمأساة تاريخية مظلمة، ولكن من وجهة نظر ساخرة، كتحالف بين كل أولئك الذين لا يفكرون - أو الذين يفكر الآخرون بدلهم - ضد أولئك الذين ما زالوا يحاولون، بتواضع، أن يفكروا. لذا فإن التأكيدات السخيفة ولكن المنسجمة مع الخط السياسي من المتحذلق الجاهل - إحدى شخصيات الرواية - صائد الكنوز، نجد أنه قد تم تثمينها أكثر من الأفكار المستنيرة لشخص متخصص.

إن الحفاظ على الآثار، في مجتمع ثمل بالتحديث والمستقبل، هو في حد ذاته موقف جانبي بعيد عن المركز، وبالتالي، سيكون خطيرا في نهاية المطاف. لم يُسمّ دمبروفسكي، أمين الآثار، أبدا بخلاف وظيفته، وهي طريقة لحرمانه من أي تفرد فردي، ولتعميمه في نفس الوقت، فإن أمين الآثار، هو بحكم التعريف، الشخص الذي يحفظ، في وقت يتم فيه التدمير. عندما كان، على سبيل المثال، مهتما بعمل المهندس المعماري زينكوف - الذي بنى كاتدرائية ألماتا الخشبية العملاقة (والمثيرة للإعجاب) في بداية القرن العشرين - كان مديره الأكثر انسجاما مع زمانه، يفكر في إعادة إعمار كاملة للمدينة، وتدمير الكنيسة المذكورة، المهجورة. ليس الراوي في مأمن من عصره: لم يكن الماضي حاضرا مثلما هو حاضر الآن، ولم تكن فكرة الحفظ أبدا أكثر عرضة للتخريب منها الآن، وكذا الآثار. وهناك، في رأيي، يكمن مركز النقد الذي يقوده دومبروفسكي. فالقيّم، من خلال معرفته، ومن خلال قدرته على تحويلها إلى رؤية، سيكون بحثه عن الحقيقة في هذا الجو، مرهقا، إن لم يكن خطيرا. ليس المطلوب الحفاظ على الآثار، ولكن التلاعب هو المطلوب. يقول أورويل:"التحكم في الماضي هو التحكم في المستقبل". إن معرفة الإمبراطور أوريليان، الطاغية المنسي الذي تهتم به الرواية، أمر جيد للغاية للكشف عن ستالين القريب الذي لا مفر منه. دومبروفسكي، من خلال "تزيينه" ل أورليان بشارب أسود، لا يخدع أحداً؛ إنها الإشارة الأكثر مباشرة في الكتاب. ستقول لي - إذا كنت من عشاق المماحكة والمراوغة - هتلر، كان له شارب أيضا. سأجيبك: لقد تم استحضار هتلر في مكان آخر من الرواية، في صورة قريبة من "أرتورو أوي" ل بريخت، أي لرجل عصابة. من هنا فإن دمبروفسكي قد عنى ب أوريليان، ستالين.

لا تخلو صورة ألماتا ومتحفها من الفكاهة. حول حارس الآثار الراوي، الذي هو رجل عادي غير مهتم بالسياسة، يسعى إلى القيام بعمله العلمي في سلام، نموذج عن المفكر المقيم في برجه العاجي، توجد شخصيات نابضة بالحياة، مسلية ومليئة بالألوان: صائد الكنوز الهاوي، أمينة المكتبة الشرسة، المناضلة الغبية، الصحفيون غير الأكفاء، الكولخوزيون المرحون، المفوض السياسي العنيد، المخرج المجنون... إلخ. سيكون من الممتع أن نلاحظ أن مجتمع الرقابة هذا يكتب الكثير، للوشاية. لقد كان السوفييت في ذلك الوقت يعرفون أن مفوضية الشعب للشؤون الداخلية لم تكن بحاجة إلى الكثير لتجريم هذا أو ذاك. إن أفراد الشرطة السياسية للنظام الشيوعي هم حملة البشائر السيئة، سواء حين يكونون عنيفين، أثناء القبض على أمين المتحف، أو حين يلعبون دور المستشارين الخيرين في نهاية الرواية. لا يكاد يوجد أي علم نفس في هذا المعرض من الشخصيات؛ ما يهم ليس الأفراد ولكن الأنواع. يأتي المجتمع الجديد إلى الحياة، في العشرينات والثلاثينيات من القرن الماضي، مجتمع انتهازي ووصولي، كما أوضح بولجاكوف في الفصول الأولى من رواية المعلم ومارغريتا The Master and Margarita. يسخر دومبروفسكي من أعيان المجتمع السوفياتي الإقليمي. تنتقل روايته، من نوع إلى آخر، دون اتباع خيط مشترك، كما مر تشيتشيكوف، عند غوغول، من مجال إلى آخر. يبدو أن أخطاء النظام أقل من أخطاء الرجال والنساء الذين يشكلونه. المبادئ ليست سيئة في الأساس، ولكن يتم تطبيقها بشكل سيء من قبل أشخاص لا يفهمونها بشكل كافٍ، وبالتالي فإن ما تقوم به أمينة المكتبة يأتي من خطأ بشري، إعادة صياغة لسوء الفهم القديم للملازم كيجي للأديب يوري تينيانوف. يمكن ربط كل مغامرة خاطئة بسوء فهم، كما لو أن المجتمع السوفييتي كله عانى قبل كل شيء من عدم الملاءمة، وهي طريقة لانتقاد الإنسان دون مهاجمة النظام.

لكن وراء صورة عدم الكفاءة هذه، تظهر، بتكتم، عبثية المطالب الأيديولوجية للموسكوفيين، وعنف الستالينية. ينخرط دومبروفسكي في تمرين دقيق: يجب عليه أن يشجب تجاوزات ستالين دون المساس بالنظام الإقتصادي والسياسي العالمي لاتحاد الجمهوريات الإشتراكية السوفياتية. يفعل ذلك من خلال مهاجمة الأساليب (القهر، والاعتقالات بلا هدف، والبارانويا)، ولكن ليس المبدأ (السوفييتية، والثورة، وما إلى ذلك). يتم وصف المزرعة الجماعية بأنها مزدهرة، لكن المؤلف يظهر المسؤول عنها وهو يتحدث عن اختفاء شقيقه. يكشف هذا المشهد، القوي، بشكل لا لبس فيه عن كذبة المؤامرات المزعومة التي اكتشفتها مفوضية الشعب للشؤون الداخلية بناءً على أوامر ستالين. يجب ألا يغيب عن البال أنه في عام 1964، كان هذا النوع من الإدانة لا يزال جديدا في الأدب. علاوة على ذلك، تكتسب الرواية المزيد من الجاذبية عندما تبدأ الشرطة في إيلاء المزيد من الإهتمام لعامل المزرعة الجماعية والراوي. الخاتمة التي تم إجهاضها قليلاً، وهي اعتراف بالتفاؤل على الرغم من عدم اليقين في اليوم التالي، تترك للقارئ - المطلع - أن يتخيل ما كان يمكن أن يحدث لهما. فالصمت إذن هو أفصح طريقة للقول دون قول، في اقتراح القمع دون إظهاره.

هل يمكننا استحضار شبكة التلميحات والأمثال الواردة في الرواية دون التفكير في حكاية الأفعى؟
يوجد في الرواية، هذا الخيط السردي، وهو الأكثر عبثية، ولد من شائعة. يؤكد كولكوز بوتابوف للصحفيين أنه أطلق النار على أصلة تتجول في الضواحي البعيدة من ألماتا. قصة الأفعى هي أسطورة حضرية سوفييتية. تفر أصلة من السيرك وتظل على قيد الحياة - في تضاد كلي مع منطق علم الحيوان - رغم قسوة الشتاء الروسي (أو الكازاخاية) التي لا يمكن التغلب عليها. تظهر القضية من وقت لآخر في الصحافة. وعلى الرغم من إشارة كل القرائن إلى أن قضية الأصلة قائمة على إشاعات لا أساس لها من الصحة، إلا أن بوتابوف أكد ذلك بصوت عالٍ، وكرره، لقد أطلق النار على الأصلة، وهو متأكد من ذلك. يسعى أمين الآثار، دون حماس كبير، إلى تسليط الضوء على هذه القصة التي يعتبرها، بحق، حمقاء. إن آلية الذهان تشتغل. وهنا بوتابوف، الذي لم تكن خلفيته السياسية حمراء تماما، سيصبح مشتبها فيه، لقد وقع في فخ، وسيجبر على الإمساك بالثعبان لإثبات براءته. تتطرق القصة بعد ذلك إلى الأسطورة (شبه التوراتية): ينزل بوتابوف والمنسق إلى الهاوية (الجحيم؟) ويحضران ثعبان عشب. لأنه، إذا لم يكن هناك أصلة، كما يوحي كل شيء، فإن هناك ثعبان العشب، ولكن في لحظة ذعر، ظنه بوتابوف شيئا آخر ههههه. لم تكن هناك سوء نية، كل ما هنالك أن بوتابوف قد وقع ضحية التشويش والارتباك فأساء التقدير.

تقتل الأصلة، كما هو معلوم، عن طرق الخنق، وهذا مظهر استعاري لاستبداد ستالين. ألم يكن يُعتَقَد أن الديكتاتور أعظم مما كان عليه؟ ألم يستسلم الشعب للخوف بدلاً من أن يقاتل؟ من خلال الهروب من الحية، يخاطر الإنسان بالسماح لها بالازدهار، والعيش تحت تهديدها الأبدي.

سيكتشف الناس كما سبق لي أن أشرت، أنها ليست سوى ثعبان عشبي، حيوان غير ضار، وأن خوفهم منه خوف غريزي وليس خوفا نابعا من العقل. ستالين، إذن ، لا شيء على الحقيقة. الذعر هو الخضوع للطاغية. إن من يحكم بزرع الخوف في النفوس، لا يزيحه إلا العنف. إن الطبيعة العميقة للاستبداد ليست سوى عصابات تتنكر في زي الفضيلة وتزدهر بالأكاذيب والخوف. الاستبداد هو ثعبان عشب يتظاهر بأنه أصلة. وهذا ما يتيح له إمكانية خنق المجتمع. إن هذا التدهور لا يمكن أن يكون المسؤول عنه شخص واحد، فهذا غير كاف، وإنما الإلتصاق الذليل لعدد صغير من الناس بنظام كاذب، كما أشار إلى هذا أتين دي لابويسيه. ما هو باب الخروج المعطى للإنسان إذن؟ يجب منع انتصار الكذب، ومواجهة الأفعى، مواجهة حقيقة الأفعى، وقبل كل شيء كشف حقيقة الأفعى.

ما رأيكم إذن في رواية "أمين الأثريات" ل دومبروفسكي؟ سرد وفير، مهمل إلى حد ما، يمزج بين اعتبارات السيرة الذاتية - تم ترحيل المؤلف إلى ألماتا - والإشارات الأسطورية أو التاريخية. لا تكشف رواية أمين الأثريات عن الطبيعة الشريرة للاستبداد، إنها تكشف عن شخصيته السخيفة والكاذبة للغاية(ثعبان العشب الذي ظنه الناس أصلة). يبدو أن المجتمع الصغير للوجهاء الشيوعيين مأخوذ من غوغول(أصحاب القدرات المتواضعة، مدمنو الكحول، الوصوليون، وغير الأكفاء). ليست هذا الطبقة خطيرة من منطلق الرغبة في الأذى ولكن من منطلق الغباء، والطموح، والخوف.

يهاجم الإرهاب الأجساد لكسر الأرواح الأخيرة المحبة للحقيقة. في مقابل هذا المنظور، اختار دومبروفسكي قوة من الأمل (النسبي)، نفس القوة التي أسس لها، في شكل آخر، جهد جورج أورويل، نفس القوة التي يجب أن تمكننا من الصمود للبحث عن الحقيقة. إن المحافظة على الأثريات لا تعني هنا الإهتمام بها من خلال ترتيبها أو نفض الغبار عنها، ولكنها تعني جعل الماضي بعيدا عن براثن الحاضر السيء، وإبقاء الحقيقة بعيدة عن الأكاذيب، والذكاء بعيدا عن الغباء.



#وليد_الأسطل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رواية نحن.. يفغيني زامياتين
- رواية ملك بلا ترفيه.. جان جيونو
- رواية المدني الأخير.. إرنست غلايزر
- رواية يأتي القرد من أجل جمجمته.. يوري دومبروفسكي
- رواية قلوب وحيدة.. نثنائيل ويست
- مسرحية وحيد القرن.. أوجين يونسكو
- رواية ربيع الجمال.. بيب فينوجوليو
- الربان وورس.. ألكسندر كيلاند
- عن صحيفة العرب اللندنية
- رواية هارلم.. إيدي إل هاريس
- أشيتا نو جو.. عندما يغير الكرتون الواقع
- كلمات متجولة.. إدواردو غاليانو
- أشياء تتداعى.. تشينوا أتشيبي
- المكسيك الشغل الشاغل لأوكتافيو باث
- بيدرو بارامو.. خوان رولفو
- كاثلين ني هوليهان.. ييتس مثال سيء عن القومية
- زاما -دونكيشوت- انطونيو دي بينيديتو
- عالم كارلوس فوينتس
- رواية أكسفورد.. خافيير مارياس
- رواية حياة أرسينيف.. إيفان بونين


المزيد.....




- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - وليد الأسطل - رواية أمين الأثريات.. يوري دومبروفسكي