أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - وليد الأسطل - رواية المدني الأخير.. إرنست غلايزر















المزيد.....

رواية المدني الأخير.. إرنست غلايزر


وليد الأسطل

الحوار المتمدن-العدد: 7311 - 2022 / 7 / 16 - 18:52
المحور: الادب والفن
    


أصبح الروائي الألماني "إرنست غلايزر" Ernst Glaeser (1902-1963) اليوم منسيا تماما. كان أحد المعارضين الأوائل للنازية، بدأ شيوعيا، ونفي إلى سويسرا في عام 1933، وأحرقت كتبه بأوامر من الدكتور غوبلز، وكان أحد أهم الشخصيات في المعارضة الديمقراطية. في هذا السياق، كتب رواية "المدني الأخير" The Last Civilian، والتي يتتبع فيها صعود النازية في مدينة خيالية في جنوب ألمانيا، سيبينفاسر، بين عامي 1927 و 1933. تختتم هذه الرواية، بطريقة ما، الجزء الناشئ من مسيرة غلايزر المهنية، والمكون من روايتين أخريين: الدرجة 22 والسلام. في عام 1939، سيجد إرنست غلايزر نفسه ممزقا بين وطنيته، وبين عدم وجود أي موارد لتمويله في منفاه، لذا سيعود ويصبح محررا لصحف الفيرماخت، ثم للحكومة العامة لبولندا.

إن هذا الإنقلاب، الذي قد تم فهمه على أنه خيانة من قبل جميع المنفيين مثل: ألفرد دوبلن، والإخوة مان، إلخ، دمر سمعته ومهنته ككاتب. وعلى الرغم من محاولاته التبريرية بعد انتهاء الحرب، إلا أنه لم يعد أبدا ذلك الكاتب الذي يُستمع إليه كما كان خلال السنوات الفاصلة بين الحربين. هذا هو السبب الرئيسي للإهمال الذي يتعرض إليه في هذه الأيام. ومع ذلك، فإننا نجد رواية "المدني الأخير" تظهر في أي مختارات جيدة من الروايات الألمانية لتلك الفترة.

حول موضوع المنفي الذي يعود إلى وطنه، يتتبع غرايزر ببراعة كبيرة - في روايته المدني الأخير - الصعود التدريجي للأيديولوجية النازية في الطبقتين الوسطى والشعبية.
تهاجر عائلة الشخصية المركزية، جان جاسبار باورلي، إلى أمريكا في بداية القرن العشرين بسبب معارضة الأب الشديدة للاستبداد الإمبريالي لآل هوهنزولرن.
لأنهم ينتمون إلى تقليد ليبرالي قديم، ترك آل باورلي ألمانيا فيلهلم، غير الصالحة للعيش بالنسبة للديمقراطيين. في عام 1927، اعتقد الابن باورلي، وهو رجل صناعي ثري وأب أرمل لابنة صغيرة، أنه اكتشف من قراءة دستور فايمار وجود ألمانيا جديدة ديمقراطية الآن. لذلك قرر العودة.

من خلال عودة المنفي، تكون رواية المدني الأخير، غوصا في ألمانيا أواخر العشرينيات وأوائل الثلاثينيات من القرن الماضي. ذكرني بناء الرواية ب دوس باسوس وثلاثيته "الولايات المتحدة الأمريكية". يتابع المؤلف حوالي خمسة عشر شخصية، ويقفز من شخصية إلى أخرى لرسم صورة كورالية لألمانيا فايمار. كانت هذه العملية عصرية للغاية في ذلك الوقت - استخدمها جول رومان كذلك في روايته "رجال حسنو النية" Men of Good Will - لكنها لا تشمل العناصر الأكثر ابتكارا ل دوس باسوس، والتي صنعت ثروته، ألا وهي التغذية الإخبارية والذكريات في شكل تدفقات الذاكرة، وصور صحفية لشخصيات إقتصادية وسياسية وإجتماعية بارزة.

كما هو الحال مع دوس باسوس، من ناحية أخرى، فإن الفعل كافٍ للتعبير عن الشخصية، والرجل هو ما يفعله، وليس ما يعتقده. يختفي العمق النفسي عمداً من البانوراما، ويموت الذكاء الشخصي تحت ضربات نزعة روح القطيع والإستقطاب الأيديولوجي الذي فرضته النازية. يتولى العمق الإجتماعي مسألة وصف اتجاهات المقاطعات الألمانية في عشرينيات القرن الماضي.

عندما تبدأ الرواية بوفاة العمدة الليبرالي لسيبينفاسر براتوريوس، كان النازيون مجرد مجموعة عنيفة وهامشية. وعندما تنتهي في يناير 1933 بالقتل الرمزي لخلفه اليهودي، شيفر، على يد حشد غاضب، كان النازيون قد انتصروا. وبين الاثنين، ومن خلال التغييرات المتكررة في الشخصيات، يصور غلايزر الضمير الألماني وقد تآكل تدريجيا بسبب المُثُل النازية: الطاعة تليق بالبرجوازيين، والتطلع الثوري الزاهد لمن تراجعت درجتهم، وشيئا فشيئا تذوب حواجز الحضارة. إن جماهير سيبينفاسر، التي تم اختراقها من قبل داعية موهوب - صورة كاريكاتورية واضحة لغوبلز - تنتقل عبر الأحداث الإقتصادية المأساوية في فترة ما بعد عام 1929، من اللامبالاة إلى الدعم.

إذا كان الجزء الأول، الذي يتحدث عن تنظيم عودة باورلي وحالة القوات في سيبينفاسر، طويلا بعض الشيء، فإن الجزء الثاني يلتقط الكل بإسهاب. يمكن أن تظهر بعض المشاهد، خارج الرواية، في مجموعات قصصية رائعة، لما تظهره دقتها وحدّتها الأخلاقية في المجتمع الألماني قبل الحرب. تتجاوز مشاهد الفلاح المثقل بالديون والتاجر المدمر حدود الملحق الروائي لتتخذ وجودا مستقلاً: هذا التنوع في ديكور سيبينفاسر يثري بشكل كبير قصة ال باورلي. يفهم القارئ، من موقعه التاريخي، أن هذا المنفى سيفشل، وأن المثالي الألماني الأمريكي لن يجد في عام 1928 تطبيقا لمبادئ عام 1848. إن ألمانيا الليبرالية التي كان يعتقد أنه سيجدها، ستصبح وحشا، مجتمعا محبطا، ساخطا، تم التلاعب به، حيث لا تستطيع الإنسانية البسيطة للصناعي الذي أصبح فلاحا - اشترى عقارا مهجورا - البقاء على قيد الحياة. تتسارع آلية الإستقطاب الأيديولوجي مع الأزمة ويتلألأ فشل عودة باورلي بألوان مأساوية. يُظهر غلايزر مجتمعا ألمانيا منقسما، حيث يعمل التلاعب النازي: تؤدي الموضوعات المعادية للسامية القديمة إلى تفاقم الفروق الإجتماعية، سيتجمع الناس للإنصات إلى الوعظ المروع والثوري لكتيبة العاصفة، الفرع شبه العسكري للحركة النازية إس آي SA. لم تعد اللاسياسة ممكنة. الشمولية لا تتسامح مع الحياد.

في عام 1936، تطرق غلايزر، في واحدة من أهم فقراته، إلى الطبيعة العميقة للنازية في الصعود الانتخابي: "إن التشابه بين ردود الفعل الجماهيرية على خطب الوعاظ الذين يتكلمون عن نهاية العالم، وردود الفعل الجماهيرية على خطب هتلر مذهل".
لقد حاول المفكر اليهودي جاكوب تاوبس، كذلك، في كتاباته أن يبرهن على التشابه العميق - من وجهة نظره - بين الخطب التي تتكلم عن نهاية العالم والخطب الثورية. تلك الأفكار الأخروية التي تعد بالدينونة الأخيرة، بنهاية العصور القديمة، والسعادة والعقاب والعدالة.

أثناء حضوره خطابا نازيا، يحضر باورلي جلسة جماعية، ذكرتني ب جوزيف سميث، كما ذكرتني أيضا ب "المستشار الجيد" هههه الذي حدثنا عنه ماريو بارغاس يوسا. إنها نفس طريقة التفكير التي تمجد المعاناة، والتي تعد بالنشوة المرافقة للمستقبل، نفس الهذيان الجماعي.
وهذا ما يفعله هتلر الذي يتحدث عنه غلايزر، فقد وضع الجماهير في حالة ذهول من خلال تأكيدات مطلقة وإبراز الجروح الجماعية، للوصول إلى نتيجة سياسية تستجيب للطموح العام للإطاحة بالعالم. وأن ينقلب الشعب الألماني، الذي انتخب نفسه، على منافسه الرئيسي في الميدان، الشعب اليهودي، المنتخب من قبل الله.

يسترجع غلايزر كذلك، المسار الذي أدى إلى الانهيار الجماعي الألماني. لم يعد لدى باورلي ما يمكنه القيام به في مجتمع كهذا. إذا كانت نهاية ألمانيا قادمة لا محالة، فعليه المغادرة إذن، والعيش في أمريكا، وانتظار الانهيار الأخلاقي والإجتماعي الحتمي الذي ستؤدي إليه النازية.

التمزق الذي يعيشه باورلي، هو أيضا تمزق غلايزر. تنتهي الرواية حيث يبدأ المنفى. يمكن أن يجد باورلي، الذي كان أمامه العالم الجديد (أمريكا)، حياته القديمة هناك. أما غلايزر فإنه ملزم ببنائها. لكنه لن يتمكن من ذلك، للأسف الشديد. لأنه سيعود إلى أسوأ الأوقات، إلى بلد يفهمه، وتحت نظام كان قد قاتل ضده. إن هذا الضعف الآثم، الذي سيؤخذ عليه، سيضع حدا لمسيرته الروائية. ومع هذا، فإن رواية المدني الأخير تستحق البقاء على قيد الحياة كشهادة واضحة ورائعة على تراجع الحضارة.



#وليد_الأسطل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رواية يأتي القرد من أجل جمجمته.. يوري دومبروفسكي
- رواية قلوب وحيدة.. نثنائيل ويست
- مسرحية وحيد القرن.. أوجين يونسكو
- رواية ربيع الجمال.. بيب فينوجوليو
- الربان وورس.. ألكسندر كيلاند
- عن صحيفة العرب اللندنية
- رواية هارلم.. إيدي إل هاريس
- أشيتا نو جو.. عندما يغير الكرتون الواقع
- كلمات متجولة.. إدواردو غاليانو
- أشياء تتداعى.. تشينوا أتشيبي
- المكسيك الشغل الشاغل لأوكتافيو باث
- بيدرو بارامو.. خوان رولفو
- كاثلين ني هوليهان.. ييتس مثال سيء عن القومية
- زاما -دونكيشوت- انطونيو دي بينيديتو
- عالم كارلوس فوينتس
- رواية أكسفورد.. خافيير مارياس
- رواية حياة أرسينيف.. إيفان بونين
- العدالة ضحك على الذقون
- عودة المواطن.. توماس هاردي
- ديوان *لسنا شعراء.. إنّه الحُبّ*


المزيد.....




- فنانون أيرلنديون يطالبون مواطنتهم بمقاطعة -يوروفيجن- والوقوف ...
- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...
- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ
- روسيا.. إقامة معرض لمسرح عرائس مذهل من إندونيسيا
- “بتخلي العيال تنعنش وتفرفش” .. تردد قناة وناسة كيدز وكيفية ا ...
- خرائط وأطالس.. الرحالة أوليا جلبي والتأليف العثماني في الجغر ...
- الإعلان الثاني جديد.. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 الموسم ا ...
- الرئيس الايراني يصل إلي العاصمة الثقافية الباكستانية -لاهور- ...
- الإسكندرية تستعيد مجدها التليد
- على الهواء.. فنانة مصرية شهيرة توجه نداء استغاثة لرئاسة مجلس ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - وليد الأسطل - رواية المدني الأخير.. إرنست غلايزر