أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - وليد الأسطل - رحلتي مع ماريو بارغاس يوسا















المزيد.....

رحلتي مع ماريو بارغاس يوسا


وليد الأسطل

الحوار المتمدن-العدد: 7332 - 2022 / 8 / 6 - 22:24
المحور: الادب والفن
    


"تمرّ الأزمنة على المواقف السياسية البليدة، لكن الرواية العظيمة تبقى مؤثرة وخالدة على مر الزمن” ماريو بارغاس يوسا.
في عام 1993 أصدر الروائي البيروفي الكبير ماريو بارغاس يوسا روايته حفلة التيس، التي هي نتاج إعجازي لتقنية روائية متقنة بشكل مثير للإعجاب، وضعت في خدمة رؤية سياسية قوية وواضحة. تغرقنا الرواية في قلب حادثة اغتيال الدكتاتور الدومينيكي تروخيو في عام 1961، وتكشف سياقها الاجتماعي والسياسي مثل الماسح الضوئي. يأخذ كل جزء من الواقع شكله وحقيقته من خلال قراءات متوازية متعددة. نجد أنفسنا – و نحن نقرأها – ننتقل بشكل غير واضح، أحيانًا حتى في منتصف الجملة، من الوصف الموضوعي لحدث ما إلى تجربة الوقت الحقيقي لهذا الحدث من قبل مختلف أبطاله، ثم إلى النظرة التي يلقيها الآخرون بعد سنوات. ما يكشف معناه أو يواجهه بعواقبه.
هذه الرواية التاريخية أصدق من القصة نفسها. تستمد قوتها من طابعها السمفوني، ومن أبعادها المتعددة، كما تولد صورة مؤثرة لهذه الديكتاتورية، لقائدها – ذكي وقاسٍ وفاسق – وأساليبه في الحكم التي يحيط بها شركاءه، وهي عبارة عن شبكة متحركة من الامتيازات والعار، التي يلعب بها بسادية.
ل يوسا رواية مشهورة جدا تحمل عنوان “حرب نهاية العالم”، تروي قصة حرب كانودوس في شمال شرق البرازيل في القرن التاسع عشر. إنها لوحة جدارية مدهشة لتطلعات الإنسان في عالم لا تزال فيه المدينة الفاضلة تحتل مكانها. يتم أخذ القارئ إلى أماكن غير معروفة – السرتاي – حيث يتم تعويض فقر الحياة إلى حد كبير من خلال الأمل في عالم أفضل، يتضح هذا من خلال الشخصيات التي تتبع شخصية “المستشار” المسيانية. تعد هذه الرواية في رأيي موضوع الساعة، حيث يتم فيها تناول الأسئلة الاجتماعية والدينية، من خلال مجتمع ثابت على جموده الرجعي في أيدي ثروات كبيرة.
إنها رواية تتمتع بالجاذبية الأولية والأساسية للمدينة المثالية ل جول فيرن، كما أنها تجعلني أفكر بشكل خاص في “الناجون من جوناثان” ل جول فيرن كذلك و ابنه ميشال. يسلم الإنسان نفسه لها بدلاً من الانكار؛ فالشخصيات لها قوة الواقع. ففي ثمانينيات القرن الماضي عندما كان الظرف في أغلب الأحيان – بسبب غلبة ثقافة المظاهر – أكثر أهمية من الرسالة، حملت هذه الرواية عالياً اليوتوبيا والأمل. بمعنى آخر، لقد قالت كلمتين كبيرتين في ذلك الوقت! هذا بلا شك ما يمنحها قوتها. هذه الرواية فرصة للاستمرار في الإيمان قليلاً بالإنسان.
إنها آسرة بقدر ما هي محرجة للقراءة. يدفعنا فيها يوسا إلى تبني قضية مجموعة من المتعصبين الدينيين، الذين يرفضون تمامًا العقلانية الديكارتية والقيم الجمهورية التي تشكل أساس مجتمعنا اليوم. تدور أحداث الحبكة، المستندة إلى قصة حقيقية، في نهاية القرن التاسع عشر، في منطقة نائية من جمهورية البرازيل الوليدة. وعلى الرغم من مرور فترة طويلة على قراءتي لهذه الرواية إلا أني لا زلت أحتفظ بتعاطف خاص مع شخصياتها التي يبدو أنها اكتشفت حقيقة القلب، بينما هي غارقة في أيديولوجية تبدو اليوم قد عفا عليها الزمن بقدر ما هي منحرفة.
إن التناقض بين المدافعين عن جمهورية البرازيل الوليدة وهؤلاء الطوباويين لا يمكن إلا أن يذكرنا بالتناقض الذي نشهده اليوم، مع نوع آخر من المتعصبين الدينيين.
من بين الروايات الرائعة التي كتبها يوسا، رواية العمة جوليا
وكاتب السيناريو، وهي رواية غارقة في الفكاهة وحب المراهقين، جوهرة تجعل ليما في الخمسينيات من القرن الماضي تهتز، رواية تتحدث عن سحر المدينة المفقودة. إنها أيضًا قصيدة للأدب، وهي قصيدة رائعة عن فعل الكتابة، والسرد، والإشادة بالتجارب السردية التي بدأها بلزاك وفلوبير.
هذه الرواية نوع من السيرة الذاتية لـ بارغاس يوسا. غمرتني طريقة كتابتها السلسة، الغنية والخفيفة على حد سواء، بالسرور والبهجة، وفي حنين يوسا إلى ليما في الخمسينيات من القرن الماضي.
هناك أيضاً رواية الكلاب و المدينة، التي هي العمل الأول ل يوسا، و العمل الثاني الذي قرأته له بعد رواية الجراء. كتبت هذه الرواية في ستينيات القرن الماضي(في علية بالحي اللاتيني في باريس)، تفاجئ بإيقاعها الأصلي للغاية للحوار، ووصفها للعالم العنيف للطلاب العسكريين في مدرسة ليونسيو برادو العسكرية، والتوجه التحليلي للعلاقات بين الشخصيات. يقدم الكل صورة، صورة للمجتمع البيروفي في منتصف القرن العشرين. من الواضح أن الشخصية الرئيسية “الشاعر” مستوحاة من الشاب بارغاس يوسا، فمن يعرف القليل عن سيرته الذاتية سيجده في العديد من أعماله الأخرى.
توجد كذلك رواية محادثة في الكاتدرائية، التي تعتبر من أهم ما كتب بارغاس يوسا، كونها وجدت اهتماما كبيرا و صدى واسعا بين المثقفين البيروفيين. وستفهم لماذا أقول هذا عندما تقرأ ما يورده فيها يوسا عن البيرو وتاريخها السياسي، فمن المستحيل تجنب تغيير منظورك تجاه المجتمع البيروفي، وخاصة في ليما بعد قراءتها. قرأت هذه الرواية قبل عشر سنين، وقد اندهشت من القدرة الهائلة لهذا الكاتب على التعبير عن المشاعر والمواقف والقضايا الإنسانية.
أما رواية ليتوما في جبال الأنديز، فهي إثارة حقيقية، مكثفة ورائعة. جبال الأنديز في الخلفية، خشنة وفخمة، المخبأ النهائي للهنود “بعيون جليدية”، والرقيب ليتوما، وهو رجل من الساحل، يجب أن يحل لغزًا. تمزج هذه القصة بين الحقيقة المروعة لبيرو، الملطخة بدماء أسالها الإرهاب الدموي، والواقع الهادئ لتحقيقات الشرطة.
مستعينا بمساعده المضطرب والرائع، يجد ليتوما نفسه في مواجهة أكثر جرائم القتل دناءة، مثل جريمة قتل اثنين من الأساتذة الفرنسيين في حافلة تقلهم إلى كوزكو. على خلفية حرب العصابات المشتعلة، ظهرت ممارسات شعبية تطاردها طقوس الإنكا القربانية. أحببت هذه الرواية بشغف، سواء بسبب حبكتها القاسية أو المضحكة أحيانًا، أو بسبب بعدها السياسي. صورة لبيرو في حالة غرق كامل حيث يبدو أن الآلهة ما زالت قوية، وتظهر مرة أخرى. أثار صمت هذه القصة إعجابي، حيث ساعدني في جعل الرياح الجليدية التي تهبط من “الجبهة الخشنة لجبال الأنديز” محسوسة.
يقول هنري ميللر(من يُجيد قراءة الرّجل، يُجيد قراءة مؤلّفاته)، لذا أرى أن من الأهمية بمكان أن أتطرق ولو في عجالة إلى تغيّر توجّه يوسا الفكري.
لقد تغيرت أفكار يوسا بسبب قراءاته لمفكرين كبار أمثال آدم سميث، وكارل بوبير، وفريدريك فون هايك، وأشعيا برلين، وأورتيغا إي غاسيت. حيث اعترف بهذا في كتابه نداء القبيلة. ولا ينبغي تجاهل أمر آخر، وهو إقامته سبع سنوات في فرنسا(1959 – 1966) تأثّر خلالها بأفكار (ألبير كامي)، و يعترف أن إقامته في فرنسا شكلت منعطفا جوهريا في حياته. كما لا يمكننا إغفال قراءته لشهادات المثقّفين المنشقّين عن الإتّحاد السّوفييتي وأثرها العميق عليه.
إنّ انتقال(يوسا) من الماركسية إلى الليبرالية، كان سبباً في حدوث قطيعة نهائية بينه وبين كتّابٍ كبار(خوليو كورتاثار، كارلوس فوينتس، وغابرييل جارثيا ماركيز)، خاصّة مع صاحب (مئة عام من العزلة) الّذي كانت تربطه به صداقة وطيدة، ف(يوسا) أصبح يعد الزعيم الكوبي الخالد(كاسترو) ديكتاتوراً، ويعتبر نظامه من أبشع الدّكتاتوريّات في أمريكا اللّاتينيّة، في حين أنّ الأسماء الأدبيّة الثلاثة التي ذكرتها، كانت داعمةًً ل(كاسترو)و نظامه.
وأخيرا، لا تفوتني الإشارة إلى ترشح يوسا لرئاسيات 1990 وفشله فيها.
إن أهم ما علمنيه يوسا هو أن هناك طريقة أخرى لقراءة الرواية، كما رسخ بداخلي عشقها، ووضعني على دروب الأدب في أمريكا اللاتينية، لذا فإن فوزه بجائزة نوبل في الأدب عام 2010 لم يكن حدثا هاما في حياته فقط، وإنما في حياتي كذلك، كونه عرفني عليه.
هذا نزر يسير عن رجل كبير وكثير اسمه ماريو بارغاس يوسا، قال ذات يوم: أكتب لأني حزين.



#وليد_الأسطل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رواية ذكريات الحرب الأخيرة.. كارلوس ليسكانو
- رواية أمين الأثريات.. يوري دومبروفسكي
- رواية نحن.. يفغيني زامياتين
- رواية ملك بلا ترفيه.. جان جيونو
- رواية المدني الأخير.. إرنست غلايزر
- رواية يأتي القرد من أجل جمجمته.. يوري دومبروفسكي
- رواية قلوب وحيدة.. نثنائيل ويست
- مسرحية وحيد القرن.. أوجين يونسكو
- رواية ربيع الجمال.. بيب فينوجوليو
- الربان وورس.. ألكسندر كيلاند
- عن صحيفة العرب اللندنية
- رواية هارلم.. إيدي إل هاريس
- أشيتا نو جو.. عندما يغير الكرتون الواقع
- كلمات متجولة.. إدواردو غاليانو
- أشياء تتداعى.. تشينوا أتشيبي
- المكسيك الشغل الشاغل لأوكتافيو باث
- بيدرو بارامو.. خوان رولفو
- كاثلين ني هوليهان.. ييتس مثال سيء عن القومية
- زاما -دونكيشوت- انطونيو دي بينيديتو
- عالم كارلوس فوينتس


المزيد.....




- حرب الروايات.. هل خسرت إسرائيل رهانها ضد الصحفي الفلسطيني؟
- النسور تنتظر ساعة الصفر: دعوة للثوار السنوسيين في معركة الجب ...
- المسرح في موريتانيا.. إرهاصات بنكهة سياسية وبحث متواصل عن ال ...
- هكذا تعامل الفنان المصري حكيم مع -شائعة- القبض عليه في الإما ...
- -لا أشكل تهديدًا-.. شاهد الحوار بين مذيعة CNN والروبوت الفنا ...
- مسلسل حب بلا حدود الحلقة 40 مترجمة بجودة عالية HDقصة عشق
- “دلعي أطفالك طوال اليوم” اضبط الآن تردد قناة تنه ورنه 2024 ع ...
- -لوحة ترسم فرحة-.. فنانون أردنيون وعرب يقفون مع غزة برسوماته ...
- ويكيبيديا تحسم موقفها وتصف حرب إسرائيل على غزة بأنها -إبادة ...
- في المؤتمر الثالث للملكية الفكرية بالمغرب.. قلق بين شركات ال ...


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - وليد الأسطل - رحلتي مع ماريو بارغاس يوسا