أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - وليد الأسطل - شارة الشجاعة الحمراء.. ستيفن كرين















المزيد.....

شارة الشجاعة الحمراء.. ستيفن كرين


وليد الأسطل

الحوار المتمدن-العدد: 7394 - 2022 / 10 / 7 - 02:40
المحور: الادب والفن
    


احتفل بصدور هذه الرواية "هنري جيمس" و"جوزيف كونراد"، كما أنها حظيت بتبجيل "إرنست همنغواي" وعدها مصدر إلهام له.

تعد رواية "شارة الشجاعة الحمراء" The Red Badge of Courage أحد المعالم البارزة في الأدب الأمريكي في القرن الماضي. مؤلفها، "ستيفن كرين"، صحفي شاب يبلغ من العمر 24 عاما، توفي بسبب مرض السل عن عمر يناهز 29 عاما، وكان لديه الوقت، في غضون عشر سنوات تقريبا من النشاط، لكتابة ست روايات وسبع مجموعات قصصية ومجموعتين شعريتين. مما لا شك فيه أن "شارة الشجاعة الحمراء" هو العمل الوحيد من بين كل أعماله الذي لا يزال يُقرأ حقا، بعد مرور أزيد من مئة عام.

ما هي "شارة الشجاعة الحمراء" التي عناها "ستيفن كرين"؟ إنها الجرح الذي يصاب به المقاتل خلال المعركة بالتحديد، والذي يدل على شجاعته.
من بين عدة أمور تناقشها هذه الرواية، هناك: إكتساب الشجاعة، تعلم القتال، والإنتصار على النفس.

إن هذه الرواية، التي تدور أحداثها إبان الحرب الأهلية الأمريكية، لا أراها رواية تاريخية. السياق لا يهم. يتجنب ستيفن كرين التفاصيل الزائدة لإعطاء نصه أقصى قدر من القوة الرمزية. يكاد لا يذكر الشاب فلمنج باسمه الأول أو الأخير إلا من قبل رفاقه، في مناقشاتهم. فلمنج هو أولا وقبل كل شيء المراهق، أو الشاب، وهذه طريقة واضحة لإعطاء شخصيته بُعدا عالميا. يتمثل التدريب للمعركة في أن يمر كل جندي عبر عدد قليل من المناورات والاقتحامات، لينتقل من مرحلة المجند المبتدىء إلى مرحلة المجند المتمرس. كل شخص يعاني من نفس الآلام ونفس القلق ونفس الرعب.

إن ما يجعل هذه الرواية فعالة للغاية، ومذهلة للغاية، هو نجاح "ستيفن كرين" في أن يصنع من موقف فردي لشخصية خيالية، درسا ذا بعد عالمي.

إذا قمت بفحص هذه الرواية بعناية، فستظهر لك بجلاء بنية، تتمثل في آلية الانقباض والانبساط، التوتر والاسترخاء. فالحرب هي أيضا انتظار، وتجهيز، واستجمام، ووقت استرخاء تتخلله لحظات توتر.

خلافا للسرد الملحمي، الذي يعتبر تأثيره على الأدب الغربي أساسيا، تبنى كرين فرضية واقعية، والتي أعتقد أنها صدمت بشكل خاص القراء في ذلك الوقت. لا وجه شبه بين الحكايات الطويلة المجيدة وبين المعارك الشرسة التي تخوضها الجيوش في هذه الرواية. تفكك رواية "شارة الشجاعة الحمراء" الأساطير التي تتحدث عن الحروب، إنها تظهر، بفظاظة، رجلا عاديا يواجه الآخر بقدر ما يواجه نفسه، في معركة لن تكون حاسمة. يواجه هنري فليمنج اضطهاد الإنتظار، ينتظر عدوا يتربص به، لكنه نادرا ما يراه، ويخشى أن يفاجئه بمفرده أو مع رفاقه.

في ساحة المعركة، الشائعات هي الحاكمة. في حالة الهزيمة أو الإنتصار، لا يثق المقاتل إلا في انطباعاته غير المكتملة وفي الضوضاء التي تدور بين الصفوف. يبدو لنا المراهق، في أعماقه، وحيدا وصغيرا في هذا العالم. إن القوة الحقيقية لكرين، في نظري، هي إظهاره أنه على الرغم من الكتائب والأفواج والتسلسل الهرمي والمساعدة المتبادلة، إلا أن المقاتل يبدو ذرة منفردة، وأنه حتى في الجيش، عندما يأتي وقت الإلتزام، فإننا نعيش بمفردنا، نقاتل وحدنا ونموت وحدنا. بالتأكيد، يساعد الرجال بعضهم البعض، ويعتنون ببعضهم البعض، ويدعمون بعضهم البعض في مواجهة الكوارث، ورغم هذا تظل الحقيقة أن الجندي يجب أن يمر بنفسه في محنته وأنه لا يمكن لأحد أن يفعل هذا مكانه. تعيد الحرب الحياة إلى جوهرها غير القابل للاختزال: عزلة الإنسان في مواجهة مصيره. في بعض قصائده، يطور "كرين"، نفس الهواجس كما في هذه الرواية: الوحدة البشرية، لامبالاة الطبيعة، لا مبالاة الله بالإنسانية.

هذا العمل عمل واقعي بشكل متعمد، مثبت على مستوى الأرض، متمحور حول شخصية المراهق. لا تتجاوز القصة الإطار الضيق لتجربة إنسان، تجربة فريدة بما يكفي لكي تروى، عامة بما يكفي لكي يستمع إليها. لا يسعى "ستيفن كرين" لإثبات آثار الواقع، موضحا مثلا أن الشخصية الفلانية قادت الفوج س في اللحظة ع من المعركة ي. نجد الرجال حول فلمنج قد ارتدوا زيهم الرسمي وتخلوا عن هوياتهم: فهم ليسوا أكثر من رتب، و زي عسكري وجنود. عندما تصبح وقائع المعركة في غير صالحهم، ويتشتت الفوج، فإنهم ليسوا أكثر من جرحى أو هاربين. حتى لو قام كرين بإضفاء الطابع الفردي على سلوك بعض الشخصيات، فإنه لا يأخذ عناء منحها كثافة معينة. يبدو هنري فلمنج، كما أشرت، وحيدا للغاية، مهما كانت مغامرات الرواية. يقوم كرين بتنحية الفرد وهويته جانبا، لصالح دور إجتماعي عام، الذي هو دور المقاتل.

حتى لو كانت هوية الشخصيات تبدو هشة في بعض الأحيان، وغالبا ما تكون غير مكتملة، إلا أنها تشترك في شيء واحد: لا تظهر على ما هي عليه ولكن كما يراها شاب في السابعة عشرة من عمره(هنري فلمنج). إذا كان السرد يعتمد على صيغة ضمير الغائب، فإنه يركز حصريا على تصورات هنري فليمنج، اللحظية والاسترجاعية. الجنرال الذي ينتقد قواته أمام مرؤوسيه المباشرين، الضابط الشجاع الذي يشجع رجاله، الجندي الجريح، الرفيق المذعور، كل هؤلاء تتم ملاحظتهم عبر النظرة الضيقة للفلاح الشاب.

إن هنري فلمنج، مشغول للغاية بمراقبة نفسه في نظر رفاقه ورؤسائه، مسكون بهوس مراهق، هوسه بنظرة الآخرين، لمحاولة تحليل ردود أفعال أولئك الذين يرافقونه أو يرأسونه. إن فلمنج مهووس، بطريقة أنانية إلى حد ما، بتداعيات سلوكه على الصورة التي يمتلكها رفاقه عنه. يظن أنه جبان للحظة حتى يرى نفسه في أعين الآخرين شجاعا. إن عدم نضج الشخصية الرئيسية، الذي يمنح قيمة لمثل هذا النص، يتمثل في مواجهتها الضرورية لما يعتقده الآخرون عنها. سيكون انتصار فلمنج الحقيقي في أن ينأى بنفسه عن أنظار الآخرين، عن نظرة الرئيس والرفيق ليحكم على نفسه. مهما كانت أفعال هنري فلمنج، فقد غيرته الحرب، غيرته الحياة، ونضج مبكرا، ها هو ذا رجل. هذا ما سنكتشفه في نهاية الرواية. "شارة الشجاعة الحمراء" هي أيضا رواية مرور، مرور حَدَثَ سريعا بفعل المعركة، من المراهقة إلى النضج. إنه نص شخص شاب، يمكننا أن نشعر بذلك.

هذا النص رائع أيضا لأنه كتب قبل الحربين العالميتين، اللتين ظهر بسببهما أدب واسع النطاق عن الرعب والاضطراب. كتب كرين عندما بدأت الحرب الحديثة في الظهور، من خلال القتال الدموي للحرب الأهلية، في زمن كان الجندي فيه لا يزال إنسانا لم يجرّده القصف المدفعي أو ميكنة المعركة من إنسانيته تماما. فلا يزال بإمكان المراهق أن يحلم بمجد المقاتل، إنه زمن الشجاعة الفردية، والجُبن.

لا أعتقد أن ستيفن كرين كان ليكتب مثل هذه الرواية وبكل هذه الجدية بعد خمسة وعشرين أو خمسين عاما من تاريخ كتابتها، عندما تم استبعاد هيبة المحارب من قبل مذبحتين عالميتين.

حتى لو كان المكان هو المعركة، فلست أعتقد أنه يجب قراءة هذه الرواية كقصة حرب. علينا أن نضع في حسباننا، أن كرين لم يسبق له أن رأى معركة قبل كتابة هذه الرواية. الإشتباك العسكري ليس سوى ذريعة سردية، ووسيلة لإعطاء المزيد من التأثير والقوة للنص. تتمثل معركة هنري فلمنج الفعلية في مواجهته لبداية حياته: أحكامه المسبقة، توقعاته، وآماله. يناقش "ستيفن كرين" في هذه الرواية: وحدة الإنسان، قدرته على النضج، عدم اليقين وعدم القدرة على التنبؤ اللذين يكافحهما.

يمكن أن تكون الأماكن التي تدور فيها المعارك في أي منطقة معتدلة في نصف الكرة الشمالي.

عندما يبتعد التركيز عن مشاعر المراهق أو مخاوفه أو آماله، فإنه دائما ما يتم تقديم وصف للطبيعة المحيطة في أربعة أو خمسة أسطر. مع كرين، الطبيعة غير مبالية بشكل رهيب بالإنسان. أعتقد أنه من المستحيل قراءة هذا النص دون أن نصطدم بهذا الملمح. مهما كانت مرحلة المعركة، لا تعكس البيئة الطبيعية والمزارع والغابات والغيوم والرياح في أي وقت الحالة الذهنية للرجال الذين يقاتلون أو يعانون أو يستريحون. عندما دخل فليمينج لفترة وجيزة في كنيسة صغيرة مدمرة، بالقرب من البساتين الخضراء، وسقط على جثة جندي، وسط مزيج رائع من الظلال والأضواء، يفاجىء وهو في حالة من الرعب، الديدان المحتفلة بجسد الجندي.

تعود ازدواجية العالم باعتبارها الفكرة المهيمنة: بغض النظر عن جهود البشر وكوارثهم، فإن الكون مستمر في شكل رائع، مستمر دون اكتراث. تتوهج الطبيعة حتى أثناء الكوارث. لا يمنع النزع المؤلم لجندي شجاع القمح من الإنحناء في الحقول، والطيور من الزقزقة فوق الأغصان، والسحب من تشكيل الأرابيسك في السماء. ورغم هذا فإن العالم في نفس الوقت فظيع ووحشي. لا يقتصر الأمر على مراهق(فليمينج) يقف وحيدا في مواجهة رجال، بل هو وحيد أيضا أمام طبيعة تتفوق عليه، وتسحقه أحيانا.

تميل قصائد كرين إلى تأكيد هذا التحليل: الله غير مبال، والطبيعة غير مكترثة، والإنسان وحده. لا تنبع واقعية كرين من الأوصاف الإفتراضية للزي الرسمي أو الوجوه، بل تنبع من الحقيقة المظلمة لحياة الإنسان من دون تدخل الله، الذي يشكل العون الوحيد له، في مواجهة الطبيعة اللامبالية، في مواجهة مجتمع معاد، يقيم فينا بقدر ما نقيم فيه. هناك دافع واحد مفقود، ألا وهو الشر، إنه غائب عن عالم ستيفن كرين، حيث يقاتل الجنود دون خبث. لفهم علاقة كرين بالوجود الإلهي، بالكفر والشر بشكل أفضل، يجب أن نذهب نحو قصائده.

لقد كان كرين خبيرا في التنقيب في الفكر الأمريكي، من هنا فإني أراه قد أشار في هذه الرواية إلى الخطوط العريضة للتخوف الأمريكي من العالم.



#وليد_الأسطل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العميل السري.. جوزيف كونراد
- الميل الأخضر.. ستيفن كينج
- رحلة إلى الهند.. إدوارد مورغان فورستر
- الرجل الذي كان الخميس.. جلبرت كيث تشيسترتون
- رواية قاموس الخزر.. ميلوراد بافيتش
- رواية -غير متجسد-.. تي إف بوويز
- رواية فاعل الخير .. سوزان سونتاج
- رواية سوزان والمحيط الهادىء.. جان جيرودو
- رحلتي مع ماريو بارغاس يوسا
- رواية ذكريات الحرب الأخيرة.. كارلوس ليسكانو
- رواية أمين الأثريات.. يوري دومبروفسكي
- رواية نحن.. يفغيني زامياتين
- رواية ملك بلا ترفيه.. جان جيونو
- رواية المدني الأخير.. إرنست غلايزر
- رواية يأتي القرد من أجل جمجمته.. يوري دومبروفسكي
- رواية قلوب وحيدة.. نثنائيل ويست
- مسرحية وحيد القرن.. أوجين يونسكو
- رواية ربيع الجمال.. بيب فينوجوليو
- الربان وورس.. ألكسندر كيلاند
- عن صحيفة العرب اللندنية


المزيد.....




- خبيرة صناعة الأرشيف الرقمي كارولين كارويل: أرشيف اليوتيوب و( ...
- -من أمن العقوبة أساء الأدب-.. حمد بن جاسم يتحدث عن مخاطر تجا ...
- إعلان أول مترجم.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 166 مترجمة على قص ...
- رحال عماني في موسكو
- الجزائر: مهرجان وهران الدولي للفيلم العربي يستقبل ضيوفه من ج ...
- أحلام تتفاعل مع تأثر ماجد المهندس بالغناء لعبدالله الرويشد
- شاهد/رسالة الفنان اللبناني معين شريف من فوق أنقاض منزله بعدم ...
- عندما يلتقي الإبداع بالذكاء الاصطناعي: لوحات فنية تبهر الأنظ ...
- فنان تشكيلي صيني يبدع في رسم سلسلة من اللوحات الفنية عن روسي ...
- فيلم - كونت مونت كريستو- في صدارة إيرادات شباك التذاكر الروس ...


المزيد.....

- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل مسرحية "سندريلا و ال ... / مفيدةبودهوس - ريما بلفريطس
- المهاجـــر إلــى الــغــد السيد حافظ خمسون عاما من التجر ... / أحمد محمد الشريف
- مختارات أنخيل غونزاليس مونييز الشعرية / أكد الجبوري
- هندسة الشخصيات في رواية "وهمت به" للسيد حافظ / آيةسلي - نُسيبة بربيش لجنة المناقشة
- توظيف التراث في مسرحيات السيد حافظ / وحيدة بلقفصي - إيمان عبد لاوي
- مذكرات السيد حافظ الجزء الرابع بين عبقرية الإبداع وتهمي ... / د. ياسر جابر الجمال
- الحبكة الفنية و الدرامية في المسرحية العربية " الخادمة وال ... / إيـــمـــان جــبــــــارى
- ظروف استثنائية / عبد الباقي يوسف
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- سيمياء بناء الشخصية في رواية ليالي دبي "شاي بالياسمين" لل ... / رانيا سحنون - بسمة زريق


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - وليد الأسطل - شارة الشجاعة الحمراء.. ستيفن كرين