أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - وليد الأسطل - فيلم مائة يوم في باليرمو














المزيد.....

فيلم مائة يوم في باليرمو


وليد الأسطل

الحوار المتمدن-العدد: 7403 - 2022 / 10 / 16 - 02:34
المحور: الادب والفن
    


عندما سقط "توتو رينا" في أوائل التسعينيات، تم إغلاق واحدة من أكثر الصفحات دموية في تاريخ المافيا وإيطاليا. العراب الكورليوني، طاغية عصابي متعطش للدماء، سينهي مسيرته الإجرامية الطويلة في السجن.

في كتابه "كوزا نوسترا" Cosa Nostra، يوضح "جون ديكي" أن انهيار نظام المافيا أثناء عملية "الأيدي النظيفة" هو نتيجة مباشرة لتجاوزات ديكتاتورية "توتو رينا". فضل خصومه الرئيسيون كسر قانون الصمت والتبليغ عن أنفسهم للشرطة بدلا من انتظار وصول قتلة عشيرة رينا. وهذا يشرح الوضع الصعب الذي كان يعانيه العرابون الثانويون وزعماء العائلات وأفراد المافيا العاديون ليقرروا اللجوء إلى العدالة، والاعتراف، وكشف قناع بعض الشبكات الإجرامية الأسطورية. كان على الدولة الإيطالية التي كانت ضعيفة في العادة، أن تأخذ الأمر بجدية وتصميم.

على مدى عقد من الزمان، كانت مبادرات السلطة الإيطالية مجرد تصرفات متخاذلة ومخزية. كان قادة الديمقراطية المسيحية غير القابلة للإزالة غير مهتمين بالتحرك. أندريوتي وكراكسي - وكلاهما رئيسا للوزراء - وكثيرون غيرهما سقطوا وتمت معاقبتهم. لقد أدانت العدالة أندريوتي لأنه أمر بالقتل الذي افتتح مائة يوم في باليرمو One Hundred Days in Palermo. في التاريخ الإيطالي، يُطلق على السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي سنوات الرصاص، لأن البلاد كانت ضحية كل من عنف الجماعات الإرهابية (من أقصى اليمين وأقصى اليسار) وعنف المافيا. عالج المخرج السياسي "جوزيبي فيرارا" في عام 1984 موجة الاغتيالات الرهيبة التي أدمت صقلية خلال سنوات الرصاص، في هذا الفيلم الوحشي بشكل مخيف: لا موسيقى ولا بطولة لهذا أو ذاك. مجرد مشرط بارد معدني، يشرح مئة يوم لحاكم باليرمو، الذي يجسده "لينو فينتورا". تم تصوير فيلم مائة يوم في باليرمو قبل بزوغ فجر الواقع التاريخي بفترة طويلة. يكتفي الفيلم بتحليل فشل الجنرال "دالا كييزا"، الرجل الذي كسر رعب الألوية الحمراء.

يُظهر المشهد الافتتاحي عمليات تصفية متتالية لصحفي ومفوض شرطة والمدعي العام ورئيس منطقة صقلية. تحت السماء الزرقاء الفولاذية لجزيرة صقلية المخيفة، حيث يمكن أن ينشأ الخطر في أي وقت، وفي أي مكان. لا يعرف إرهاب المافيا حدودا. لا يظهر رينا ولا نظامه في الفيلم: يمكن لهذه المافيا أن تتخذ أي شكل، إنها بنية شفافة تتجاوز النظام الإقتصادي والمؤسسي المحلي. بالنسبة لسكان بيدمونت مثل دالا كييزا، يبدو التحدي خاسرا منذ البداية. عندما يأتي دالا كييزا دون الضمانات التي وعدت بها الحكومة، فإنه يبذل قصارى جهده: يعيد التفكير في أمن مديرية الشرطة، ويطلب ليلا ونهارا معاونيه، ويتحدى المشتبه بهم، ويثير حنق قوة المافيا.

"لينو فينتورا"، الصلب والبارد كالرخام، يجسد تماما دالا كييزا: إنه الدولة، النظام، العدالة. تمر كل المؤسسات من خلاله وعبر نقاء عمله المطلق. تم اختيار الممثل بشكل جيد، لينو فينتورا الذي أدى دائما أدوار الرجال الأشداء، والذي مثل في نظر الجمهور الإستقامة المطلقة والفحولة والشجاعة. تتلاقى في المحافظ دالا كييزا أسمى مبادئ الحضارة. إنه يتمرد، ويكافح من أجل أن يصبح المبدأ الذي تم إهماله، وإساءة معاملته، محترما ومفعلا من جديد.

مائة يوم في باليرمو، مأساة بالمعنى الأساسي للحتمية الدرامية. بينما يبذل دالا كييزا قصارى جهده، حيث يتحدى السلطات العامة والمشتبه بهم، تصبح زوجته فجأة على دراية بالواقع. في ومضة من الوضوح التي تضيء الفيلم، تشرح لزوجها أنه ليس هنا لينجح، أنه مجرد ذريعة، كبش فداء تمت التضحية به من طرف السلطة الفاسدة. لم يرسل النظام دالا كييزا لينجح، بل ليفشل. الوزراء مترددون، والحكومة تنهار، بينما في باليرمو، عدد القتلى آخذ في الإرتفاع. ما الذي يفعله دالا كييزا ضد 99 جريمة قتل في غضون بضعة أشهر؟ إستعراض القوة في منتصف كأس العالم لكرة القدم ليس كافيا: دالا كييزا خارج اللعبة. لقد تخلت عنه السلطة. يسخر منه رجال العصابات كل يوم أكثر فأكثر. وتظهر الحقيقة المأساوية: يجب أن يفشل الحاكم (دالا كييزا). كأن المافيا حتمية، دولة هيكلية لا يمكن لأي شيء أن يوقفها. إن فشل دالا كييزا يبرر كل عمليات التخلي، كل التنازلات. سوف تترك صقلية لنفسها.

في عام 1982، بعد مائة يوم في باليرمو، تم قتل المحافظ دالا كييزا وزوجته من قبل المافيا. إذا اقتصرنا على رسالة فيرارا، فلن يمنع أي شيء استمرار المأساة مرارا وتكرارا.
يمكننا أن نلمح بوضوح تلاقي جبن زعماء الديمقراطية المسيحية والوحشية الفظيعة لأساليب المافيا. ومن المفارقات أن المستقبل سيتناقض مع رسالة فيرارا: سينهار النظام السياسي الفاسد بعد سنوات قليلة، آخذا معه رجال العاصمة الفاسدين؛ سيكون القاضيان فالكون وبورسالينو، اللذان قتلتهما المافيا في عام 1992 في عز عملية "الأيدي النظيفة"، آخر ضحايا نظام رينا.

على الرغم من ذلك، لا تزال المافيا موجودة، والنظام السياسي لا يزال فاسدا، لكن رعب رجال رينا اليومي قد تبدد. دالا كييزا هو مجرد اسم آخر على قائمة ضحايا المافيا. لكن موته لم يكن بلا فائدة. وسيكون فيلم فيرارا قد شارك في زيادة الوعي بواقع مؤسسة المافيا والفساد السياسي في إيطاليا أوائل الثمانينيات.



#وليد_الأسطل (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فيلم القندس
- شارة الشجاعة الحمراء.. ستيفن كرين
- العميل السري.. جوزيف كونراد
- الميل الأخضر.. ستيفن كينج
- رحلة إلى الهند.. إدوارد مورغان فورستر
- الرجل الذي كان الخميس.. جلبرت كيث تشيسترتون
- رواية قاموس الخزر.. ميلوراد بافيتش
- رواية -غير متجسد-.. تي إف بوويز
- رواية فاعل الخير .. سوزان سونتاج
- رواية سوزان والمحيط الهادىء.. جان جيرودو
- رحلتي مع ماريو بارغاس يوسا
- رواية ذكريات الحرب الأخيرة.. كارلوس ليسكانو
- رواية أمين الأثريات.. يوري دومبروفسكي
- رواية نحن.. يفغيني زامياتين
- رواية ملك بلا ترفيه.. جان جيونو
- رواية المدني الأخير.. إرنست غلايزر
- رواية يأتي القرد من أجل جمجمته.. يوري دومبروفسكي
- رواية قلوب وحيدة.. نثنائيل ويست
- مسرحية وحيد القرن.. أوجين يونسكو
- رواية ربيع الجمال.. بيب فينوجوليو


المزيد.....




- تركي آل الشيخ يكشف عن رسالة لن ينساها من -الزعيم-
- الاحتفاء بالأديب حسب الله يحيى.. رحلة ثقافية وفكرية حافلة
- رغم انشغاله بالغناء.. ويل سميث يدرس تجسيد شخصية أوباما سينما ...
- قوارب تراثية تعود إلى أنهار البصرة لإحياء الموروث الملاحي ال ...
- “رسميا من هنا” وزارة التربية العراقية تحدد جدول امتحانات الس ...
- افتتاح الدورة الثانية لمسابقة -رخمانينوف- الموسيقية الدولية ...
- هكذا -سرقت- الحرب طبل الغناء الجماعي في السودان
- -هاو تو تراين يور دراغون- يحقق انطلاقة نارية ويتفوق على فيلم ...
- -بعض الناس أغنياء جدا-: هل حان وقت وضع سقف للثروة؟
- إبراهيم نصرالله ضمن القائمة القصيرة لجائزة -نوبل الأميركية- ...


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - وليد الأسطل - فيلم مائة يوم في باليرمو