أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - وليد الأسطل - لؤلؤة راشيل 9















المزيد.....



لؤلؤة راشيل 9


وليد الأسطل

الحوار المتمدن-العدد: 7596 - 2023 / 4 / 29 - 10:23
المحور: الادب والفن
    


30

وصل لوكا أخيرا إلى مركز الشرطة. قصد آلة بيع القهوة، تناول كوبا من القهوة، ثم ذهب لملاقاة برونو. وجده في نقاش عميق مع بيل الذي تعرف عليه، وتقدم نحوه بمرح.
- لديك مساعد جديد، يا سيدي!
ابتسم برونو، مد يده، وقال:
هناك قطعة مفقودة في قضية فابيا كوستا. أشعر بأنه يتم خداعنا بشكل من الأشكال. لو كانت فابيا قد ذهبت إلى عيادة جوليانا دال في تلك الليلة، لتعرفت عليها جوليانا فورا. لا أستطيع تصديق ذلك. لا.
شرح برونو وجهة نظره للوكا الذي استمع إليه باهتمام، ثم أخبره هذا الأخير عن نتائج رحلته إلى بيزا: عذر الابن كوستا غير قابل للجدل. لم ير والدته منذ ثلاث سنوات، كما تقدم بعدة شكاوى ضدها، مثل: الإعتداء والضرب وحتى التحرش الجنسي! تم التأكد من صحة دليل عدم وجوده في فلورنسا يوم وقوع جريمة القتل، من قبل حوالي ثلاثين شخصا. أما بالنسبة للسيدة كيم، فإن حالتها سيئة، لدرجة أنها لم تنطق إلا بكلمة واحدة: "تاكسي"، وحركة واحدة، هي إشارة بالسبابة فهمت منها أن المسؤولة عن دهسها شعرة شقراء تتدلى من مسمار!!
- هذا يعني أنها ربما رأت التاكسي والمرأة الشقراء، لذلك فهي تؤكد رواية الدكتورة دال.
مكث برونو يتأمل محاولا أن يضع نفسه في مكان الجاني، ويأخذ بعين الإعتبار احتياجاته ومخاوفه ومنطقه الذي يسمح له بالوصول إلى هدفه. لقد فعل برونو هذا مع كل القضايا التي واجهته ليتأكد من عدم نسيان أي شيء، خشية أن يغفل عن شريك، غالبا ما يكون أقذر من القاتل الحقيقي.
- هل تحققت يا لوكا من حجة الزوج؟
- نعم! كان في مرآب فولكس فاجن في انتظار سيارته. إنهم يتذكرون ذلك جيدا هناك، لأنه وبخهم عندما طلبوا منه العودة لاستلام سيارته في اليوم التالي بسبب عدم انتهائهم من تصليحها. لقد طالبهم باستلامها في الحال.
- في أي وقت غادر المرآب؟
- 19:15، هذا ما هو مسجل في الفاتورة.
- في هذا الوقت يحتاج إلى عشر دقائق ليقطع شارع جيبالينا ليصل إلى شارع نيري أو إلى عيادة الدكتورة دال.
- نعم، حتى مع الأخذ بعين الإعتبار رادارات السرعة الموجودة في نهج جيبالينا. لا توجد ومضات على سيارة روبيرتو فيراري. لقد تأكدنا من ذلك.
- لا يكفي هذا لكي يكون دليلا دامغا على عدم تورطه. لقد قال رافييل إن النساء الثلاث ركبن سيارته في نفس الوقت. كم من الوقت يستغرق للذهاب من جيبالينا إلى بانزانو عند فابيا كوستا؟ يستغرق الأمر أكثر من عشرين دقيقة. لا يمكن أن يكون الزوج قد ذهب إلى منزل فابيا، وتنكر بزي امرأة، وعاد مع رافاييل في تمام الساعة 19:30. هل لديك صور مرافق فابيا كوستا في المؤتمرات؟ هل تم التعرف عليه؟
- ليس بعد يا سيدي.
- أطلب من باولو وريتا أن يمنحكاها. لا أعرف ولا أريد أن أعرف كيف حصلا عليها. لا تذكرهما في التقارير. إنها أوراقنا الرابحة، لا ينبغي أن نمنحها لأحد.
- فهمت سيدي.
- نعم! لقد نسيت! استدعي يا لوكا المحامي الذي تدربت عنده أيمي ديالو قبل دراستها الحقوق. إنه محام في ميلانو. اسأل ريكاردو موريتي، سينفعك في هذا الباب.
جلس برونو على كرسي مكتبه؛ فشعر بيل أنها فترة استراحة. دنا من سيده، وحصل على ما كان يطلبه: مسحة على رأسه، مع تدليك خفيف لأذنيه. لكن سيده لم يكن يهمس له بالكلمات العذبة المعتادة. كانت أفكاره في مكان آخر، في سيناريو وجد أنه سيكون أكثر وضوحا إذا ما وثق في حدسه.

31

بدأت ريتا تفقد صبرها بسبب غياب باولو. أدركت جوليانا ذلك.
- ليأخذ ما شاء من الوقت. أعتقد أنه ذهب لشراء بعض المواد الغذائية ليطبخ لنا وجبة لذيذة، ألا توافقينني الرأي يا ريتا؟
- لا! ليس لهذا الغرض أعطيته المفاتيح!
لم تمض سوى لحظات حتى بلغهما صوت الدراجة النارية. أوقفها باولو خلف الخيزران وسلك درب الحصى، حاملا خوذته في يده. هرعت ريتا لتستقبله. قبل باولو جبهتها، أمسكها من يدها، وقادها إلى المنزل، وأعلن عن النتائج التي توصل إليها وكل ما حدث.
جلست ريتا تصغي إليه مندهشة. بكت بهدوء، مسحت دموعها بظهر يدها، وقالت:
- إنه شيء لا يصدق! مكثت زمنا غير قصير أراقبه، أتحقق من كشوفاته المصرفية، وجدوله الزمني، وكأنه طفل. لكنني توقفت بعد ذلك. تعبت من تولي دور والدته. لست مسؤولة عما فعلته به والدته! لقد سئمت من معاقبة نفسي بدلا من هذه المرأة التي تخلت عنه عند الولادة. فليذهب إلى الجحيم! على أي حال، كنت قد قررت التقدم بطلب الطلاق. حتى أنني تحدثت إلى السيد جيوردانو حول هذا الموضوع. وبسبب كل ما أخبرتني به الآن يا باولو، ستسير إجراءات الطلاق بشكل أسرع.
ثم صافحت يد باولو وهو يربت على كتفها بلطف.
- حسنا، قالت جوليانا، سنقوم بإعداد وجبة تنشيطية، ونحتسي قنينة نبيذ. سأقوم بكل شيء. ارتاحا.
انظري يا ريتا ما إذا كان أحد الأقراص المضغوطة يروقك. أرغب في الإستماع إلى هنري بورسيل. هل تؤيدان اختياري؟
نظر باولو وريتا إلى بعضهما البعض وانفجرا ضاحكين.
- علقت جوليانا بجدية: إنها المرة الأولى التي أرى فيها شخصين في هذه الحالة، وقد تم الإعلان عن أوبرا دايدو وأينيس!
جعل تعليقها الصديقين يضحكان أكثر. ضحكت جوليانا بدورها ثم ذهبت لإحضار قنينة نبيذ من السقيفة، بينما خرج باولو لإحضار الحطب.
بينما كان القدر يغلي، سُمِع فجأة نباح كلب بهيج. تفاجأت جوليانا برؤيتها لكلب أحمر قصير الشعر يركض بمرح في الممر، يليه سيده. تعرفت جوليانا على برونو فانقبض صدرها. في ظلال المساء، جعلتها صورته الظلية تفكر في صورة ظلية لشخصية كانت حياتها مجرد ضباب. لم ترغب أبدا في الطلاق من حب شبابها وحياتها، حتى عندما منعت بإرادة من زوجها المريض من الدخول إلى المصحة حيث كان جسمه يذوي في عزلة.
لكن اليوم، لم تعد هذه الذكرى تؤثر فيها كثيرا. لقد بدأت أخيرا في الابتعاد عن هذا الشبح الحبيب. كانت تعلم أن هذا المنع فعل حب حتى لا تعاني من مشاهدة ذوبان جسد الرجل الذي تزوجته منذ اثني عشر عاما، والذي لم تسعد به أكثر من عامين! التقت بفيديريكو دال عندما كانت على وشك الإنتهاء من دراستها للطب. هو أيضا كان يوشك على الإنتهاء من دراسته للهندسة المعمارية. التقيا عن طريق الصدفة، عندما جلس كل منهما في المكان الخطأ في حفل زفاف صديقه. كان فيديريكو صديق العريس وجوليانا صديقة العروس. حين آن وقت تناول الطعام، لم يتمكن أي منهما من إيجاد مكانه على لوحة التنسيب بسبب تأثير الكحول. جلس كل منهما في أول مكان وجده. وهكذا انتهى بهما الأمر جالسين على نفس المائدة دون الرغبة في ذلك. لقد لاحت لكليهما نفس الفكرة إذن، هذا ما جعلهما أكثر قربا طوال المساء. لم يتوقف فيديريكو عن دعوة جوليانا للرقص، ومنذ ذلك اليوم، لم يتركا بعضهما البعض، وتزوجا بعد عام من لقائهما. كانا يخططان لمشاريع خارقة للعادة. إلى أن جاء ذلك اليوم الكابوسي عندما تلقت ضربة لا إرادية من فيديريكو بينما كانا يسيران بهدوء في أروقة مركز ألبرتو سوردي في روما. لقد كان يوما سبتمبريا مشمسا جميلا! سألته عما يحدث له. لم يستطع الإجابة. أصبحت الحركات غير المنضبطة أكثر تواترا. كذبت جوليانا تشخيصها لمرضه، وأخذته إلى أخصائي في علم الأعصاب. شخصت حالته على أنها أسوأ أنواع داء هنتنغتون! إستحالت حياتهما جحيما في غضون بضعة أشهر فقط.
اعترفت له والدته، التي لطالما أخبرته أن والده مات في حادث سيارة، بأنه انتحر بسبب معاناته من نفس الحالة. صرخت جوليانا، فقد أحست أنها تعيش كابوسا. كانت تحب زوجها كثيرا.
بالاتفاق مع والدته، طلب فيديريكو العيش في مصحة أنثروبوسوفية في مقاطعة برن بسويسرا. لقد أحب هذا البلد منذ صغره وأراد التقاعد هناك.
تذكرت جوليانا ذلك اليوم الذي طلبت فيه من زوجها مرافقته. لقد كان متعبا وهادئا بعض الشيء بسبب مضادات الذهان التي كان يتناولها، لكنه كان ساخطا جدا من كل شيء. لقد تركته هناك، وتكون لديها انطباع رهيب بأنها قد تخلت عنه. في البداية حاولت زيارته كل أسبوع، لكن حالته كانت تزداد سوءا. ومع ذلك، جعلته المعاملة الخاصة في المصحة أكثر هدوءا، ثم في يوم من الأيام، أعلن أنه لا يرغب مطلقا في رؤيتها مرة أخرى، وأنه موافق على تطليقها إذا رغبت في ذلك.
لكن جوليانا، وعلى الرغم من ضغوط أصدقائها وحماتها، رفضت هذا الحل. غادرت بولونيا حيث عاشا واستقرت في فلورنسا. اليوم، ورغم كل ما حدث، لا زالت لديها رغبة جنونية في رؤيته، ولمسه، وتقبيله، لكن هذا أضحى شيئا مستحيلا.
صفّر برونو لكلبه؛ فجاء الكلب المطيع إلى سيده، ودخل كلاهما المنزل جنبا إلى جنب.
- حيته جوليانا: مساء الخير، سيدي الرائد.
- مساء الخير، رد برونو، ثم مخاطبا باولو:
- أنا آسف للحضور وإزعاجك، لكني أود أن أعرف إذا كنت قد وجدت الشخص الذي يرافق فابيا كوستا في المؤتمرات؟
- لا، قال باولو. لدي صورته فقط. أعترف أني وريتا لم نبحث بشكل كاف.
- نيكول: بالطبع، يمكننا أن نحاول العثور عليه. لدي برنامج من أجل هذا، "اقترضته" من مكتب التحقيقات الفدرالي.
- يا إلهي، قال برونو! كان يجب أن تعملي مع الشرطة.
ابتسم لهما، ثم وقعت عيناه على جوليانا، ولاحظ حزنها ودموعا توشك أن تنهمر. كانت جميلة في ضوء الغرفة، لكنها بدت منهكة.
- تبدين متعبة من جراء كل هذا، لكن تجلدي قليلا، فلقد اقتربنا من النهاية. لن نرفع الحراسة عنك، ستظلين تحت حمايتنا. لكن حدسي يخبرني بأن في قبضتنا جميع الجناة.
- ابق لتتناول العشاء معنا يا سيدي، واطلب من الشرطي الذي يحرسنا الإنضمام إلينا. هناك ما يكفي من الطعام للجميع.
أبهجت هذه الدعوة برونو، الأمر الذي جعله يبتسم، وجعل كلبه سعيدا جدا لشم الروائح الطيبة التي تملأ الغرفة.
أعد برونو الطاولة مع جوليانا، بينما كانت ريتا وباولو مركزين على حاسوبيهما إلى درجة عدم الشعور بما يدور حولهما.
- قالت جوليانا: لديك كلب جميل جدا، له حجم مثالي، ليس صغيرا جدا ولا كبيرا جدا.
رد برونو:
- تماما مثل سيده.
ابتسمت جوليانا لرده، وأشاحت بنظرها عنه، ثم فتحت الباب؛ فانطلق بيل صوب الحقل سعيدا نابحا.
- هل طلبت من حارسنا أن يحضر ليأكل معنا؟
- لا. سأستبدله. سيأتي شرطي غيره حوالي منتصف الليل.
- حسن! لدي مرتبة أخرى قابلة للنفخ يمكنك وضعها بجوار النار إذا كنت ترغب في ذلك، ولكن ليس قريبا جدا. هل تحب بورسيل؟
- كثيرا، حتى لو كنت أفضل ليجيتي.
- كيف؟ صاحت جوليانا. ليجيتي وبورسيل، مختلفان كالليل والنهارا!
- دعيني أقول إن هناك ليالي أحبها.
- ردت: أنا أحب الحرارة والضوء.
- لقد خلقنا لنكون على وفاق إذن! كانت والدتي تقول دائما: فقط الأضداد تتجاذب!
- علقت جوليانا ضاحكة: هذا صحيح في الفيزياء، لكن في الحياة لا، وخاصة بين الأزواج. لابد أنه من الممل ألا يكون هناك شيء مشترك بينهم، أليس كذلك؟
- هل يحب زوجك ما تحبين؟
عبست جوليانا بعد أن فوجئت بالسؤال، تركت برونو، وتسللت إلى الحمام. نظرت ريتا إلى برونو الذي لم يفهم ما الخطأ في سؤاله. صحيح أنه طلب تقريرا عن جوليانا ومحاميها، لكنه لم يقرأه بعد. كانت الأيام القليلة الماضية ممتلئة لدرجة أنه كاد أن ينسى - هوايته - قراءة التقارير عن الضحايا. لقد طلب بشكل منهجي هذا النوع من الأشياء في جميع الحالات، وغالبا ما مكنه من معرفة الضحية بشكل أفضل، ومن تكوين رأي صائب عن القاتل أو الجاني.
عادت جوليانا منتعشة، ومسرحة شعرها على شكل ذيل حصان، متجنبة أن تتقاطع نظراتها بنظرات برونو.
عندما أصبح الأكل جاهزا، جلس الأربعة لتناول الطعام بالإضافة إلى الكلب، ودفّأ النبيذ والتوابل كل القلوب. كان هذا أحد فوائد كون الإنسان نزيها ولطيفا! فالأشرار لم يأكلوا تلك الليلة. عدالة صغيرة خير من لا شيء!
بعد الوجبة، عاد القرصانان باولو وريتا إلى العمل.
- هاكم الجديد! قال باولو.
- أرني! قالت ريتا.
- ديميتري بيتروفيك، شخص بلا أوراق! يعيش في إيطاليا منذ خمسة عشر عاما!
- إنه من صربيا. بلد أوروبي، أليس كذلك؟ سألت ريتا؟ إنه معروف لدى جهاز الشرطة، يا سيدي الرائد، لكن ليست لديه سوابق عدلية خطيرة. عمره: خمسة وعشرون عاما: طفل!
- شكرا لك، قال برونو. أنتما فعالان بشكل مذهل!
دقت الساعة منتصف الليل. وصلت سيارة الحراسة وكان في استقبالها بيل.
شكر برونو الجميع، وصافح جوليانا.
- سنراكم في المحكمة، على ما أعتقد، قال برونو، لأنني أعتقد أن القضية مغلقة. شكرا على مساعدتكم.
استدار على عجل وصفر لبيل. وحين حضر، أدخله السيارة ورحل.
تبعت جوليانا ببصرها في عتمة الغابة ضوء مصابيح السيارة.
استدارت فالتقت عيناها بعيني ريتا. اقتربت ريتا ببطء منها وأخذتها بين ذراعيها.
أطلقت المرأتان العنان لحزنهما وهما بين ذراعي بعضهما البعض، كانت دموع إحداهما تمسح دموع الأخرى. في هذه الأثناء، كان باولو يشم بهدوء بقايا الطعام واضعا إياها في علبة. شغل غسالة الأطباق، ومرر فرشاة الفتات على الطاولة. نظرت ريتا وجوليانا إلى بعضهما البعض وقالتا في نفس الوقت.
- عفريت منزل حقيقي!
ضحك الأصدقاء الثلاثة مرة أخرى.
تمسك الحياة دائما بزمام الأمور، ما علينا سوى أن نريدها ونقبلها ونلقاها بأذرع وقلوب مفتوحة على مصاريعها. كانت جوليانا أول من اغتسل، ثم دخلت غرفتها لتنام. منهكة من التعب، امتصت نصف قرص من ليكسوميل، وتركته يذوب تحت لسانها، ونامت على الفور. استقر كل من باولو وريتا في مرتبته الخاصة البعيدة عن مرتبة الآخر. لم يتبادلا سوى كلمات قليلة، ولكنهما ظلا ينظران إلى عيني بعضهما البعض.
عندما استيقظت جوليانا في اليوم التالي، مرت بالقرب من غرفة المعيشة، وابتسمت حين رأت باولو وريتا ينامان متعانقين كالعشاق الصغار. عادت إلى سريرها ونامت مرة أخرى.

32

سُمح للسيدة كيم بمغادرة المصحة بعد ثلاثة أشهر تقريبا من الحادث. أتى أفراد عائلة كابيلو كلهم مع السيد كيم لأخذها، حاملين باقات الورد. كانت قد أخبرت برونو قبل مغادرتها أنها شاهدت سائق التاكسي وهو يخلع باروكة عندما خرجت من عيادة الدكتورة دال. لقد وجدت الأمر مضحكا وقد أخبرت القصة في اليوم التالي لجريمة القتل، لقريبتها التي كانت تدير المتجر الذي تسوقت منه.ثم ربطت بين ما شاهدته وبين جريمة القتل أثناء متابعتها نشرة الأخبار التلفزيونية المحلية. كان ديميتري بيتروفيك لسوء حظها في نفس المحل يختار المانجو وبعض المواد الأخرى. تعرفت عليه وقريبتها فورا في مركز الشرطة. لقد حدث فابيا كوستا بذلك، وبعد سرقته لسيارة من موقف للسيارات، انتظرها أمام مصنع كابيلو.
أعادت جوليانا فتح عيادتها بعد شهر من الإغلاق. تم ملء جميع خانات المواعيد. استأنفت إيقاع عملها، لكن ليس دون مخاوف، فقد جعلت ريتا تغير جدولها الزمني. لا عمل ابتداء من الساعة السادسة مساء، ولا استقبال لأي حالة طارئة بعد هذه الساعة. وتغلق العيادة فور مغادرة ريتا.
لحسن الحظ أنها قد برمجت مسبقا أن يكون شهر أغسطس شهر إجازتها وإجازة ريتا. كانت بحاجة إلى الراحة، وكانت أيضا بحاجة إلى شيء آخر، وهو أن ترى فيديريكو مرة أخرى.
قررت الذهاب إلى سويسرا لزيارته. أبلغت ريتا؛ فشجعتها على القيام بذلك:
- هذه ليست حياة! عليك أن تغلقي هذه الصفحة وتفتحي أخرى. ابدئي حياة جديدة، فكري في تكوين أسرة، فأنت شابة وجميلة ومستقلة!
انطلقت جوليانا بسيارتها الأستون مارتن يوم الثلاثاء متوجهة إلى سانين في إقليم برن، بقلب واجف.
واجهت صعوبة في العثور على المصحة، التي توجد في مكان مرتفع قليلا، منعزل، بعيد عن ضجيج المدينة. كانت حديقة المصحة محمية بحاجز عال وبوابة حديدية مزخرفة للغاية، تشهد على الفخامة القديمة لهذا المكان. قرعت جرس الباب، فتحت البوابة ببطء، فسلكت الطريق المتعرج تحت أشجار الصنوبر التي بدأت تصير صهباء، إلى أن بلغت المبنى.
ماذا سوف تجد؟ كيف سيكون فيديريكو؟ هل ساءت حالته أكثر؟ هل سيتعرف عليها؟
حين بلوغها ردهة الإستقبال، قدمت نفسها. جعلوها تنتظر في صالون، وبعد بضع دقائق، وصلت سيدة لم تكن تعرفها، طويلة، شقراء، ترتدي بدلة وردية قديمة وحذاء أسود، ونظارة إطارها من صدف السلحفاة وقرطين خضراوين من الزمرد. قالت إنها مديرة المؤسسة. كان اسمها إيميليا دارديل. لم تأخذها إلى مكتبها. أجلستها على أريكة صغيرة، حول طاولة، بالقرب من مدفأة رخامية رائعة.
- كما تعلمين، سيدة دال، كان زوجك مصابا بنوع حاد وسريع التطور من داء هنتنغتون. أعتقد أنك لست تجهلين العواقب الوخيمة لهذا التنكس العصبي. طلب أن يموت في يوم 6 يونيو 2011، وبموافقة والدته، ساعدناه في هذه العملية.
نظرت جوليانا إلى المرأة الجالسة قبالتها، مذهولة مما سمعته للتو.
- صرخت جوليانا في وجهها: أنا زوجته، فلم لم تخبروني عند اتخاذكم هذا القرار؟ ولم لم تبلغوني بموته؟ من أكون في نظركم؟ زهرة للزينة تتركونها تذبل في إحدى الزاويا؟
- أجابتها إيميليا بصوت رقيق لكنه حاسم: أفهم ما تشعرين به، لكنها كانت إرادة زوجك. كتب لك رسالة مستعينا بكاتب العدل، ولم يُسمح لأي شخص بفتحها منذ ذلك الحين، بالطبع. لقد أُمرنا بتسليمها لك يوم عودتك. طلبت إحضارها إلي الآن. لا زالت كما هي في الصندوق الذي وضعت فيه. اعتقدت أنها كانت قاسية جدا في البداية، لكنني قدّرت فيما بعد أنها دليل على حب عظيم.
- صاحت جوليانا باكية: دليل على الحب! هل تظنين أنني عشت طيلة هذه السنوات مرحة ومبتهجة وحرة في أن أحب مرة أخرى؟ إن ما فعله زوجي وفعلتموه أمر بغيض وأناني بجنون! ماذا لو لم آت اليوم، هاه؟ متى كنت سأعرف أن فيديريكو قد مات؟
طرق الباب، ثم فتح، ودخلت امرأة مسنة سلمت السيدة دارديل رسالة مغلقة مختومة بالشمع. سلمتها هذه الأخيرة بدورها إلى جوليانا. أخذتها جوليانا برقة بين يديها، ونظرت إليها باهتمام. وضعتها داخل حقيبتها، ثم ودعت المديرة، وانصرفت.
أوشكت جوليانا على الإنهيار من هول الصدمة، لكنها تماسكت، وصلت إلى سيارتها، وانطلقت بسرعة، ما جعل إطارات سيارتها تصرخ على حصى الحديقة. قطعت الممر، وفتحت البوابة ببطء. لم تبطئ جوليانا من سرعتها؛ فاحتك جانبا سيارتها بالبوابة نصف المفتوحة. انتظرت حتى ابتعدت عن هذا المكان الذي بدا لها كلعنة، ثم توقفت أخيرا في طريق غابي. أخرجت الرسالة من حقيبتها، والولاعة. نزلت من سيارتها، خطت خطوات قليلة، وأشعلت النار في الرسالة. شاهدتها تحترق. كانت دموع الغضب تتساقط على خديها. ثم عادت إلى سيارتها، ونظرت في مرآة الرؤية الخلفية المركزية لتعرف ما تبدو عليه الآن، وقالت متلعثمة وبصوت عالٍ:
- أنا الآن أرملة وحرة.
مسحت دموعها وواصلت سيرها نحو فلورنسا.
توقفت في طريق العودة، حيث كان الوقت متأخرا، في قرية صغيرة على ضفاف بحيرة لوغانو، واستأجرت غرفة في فندق يحمل نفس الإسم. أخذت حماما ساخنا، ولفّت نفسها بمنشفة، ونامت مرهقة.
في صباح اليوم التالي، بعد تناول فطور جيد، تابعت طريقها إلى فلورنسا. على الطريق، اتصلت بمحاميها وصديقها أجاوستينو جيوردانو. شرحت له ما حدث، وهي تبكي. نصحها قائلا:
- اسمعي يا عزيزتي، أظنك لا ترغبين في قتل نفسك على الطريق؟ هاه؟ وحتى إن فعلت ذلك؛ فلن يتغير شيء. لذا توقفي لبضع دقائق، إلى أن تهدئي تماما، ثم أعيدي وضع المكياج الذي أفسدته دموعك، واستأنفي القيادة ببطء. تعلمين جيدا أنني أقدم أفضل خدماتي للنساء الجميلات فقط!
وانخرط في ضحك عريض وصاخب. ابتسمت جوليانا وشكرته. توقفت في مقهى صغير لشرب شوكولا، بعد أن غسلت وجهها. استغرقت بعض الوقت لتهدأ، واستأنفت رحلتها، سالكة الطرق السريعة فقط.

33

يتمتع أجاوستينو جيوردانو بشخصية فولاذية. قامته الطويلة، ضخامة حجمه، وصوته الأجش، صفات جعلت خصومه يرتعدون. بينما كان ينتظر جوليانا، قلقا قليلا، اتصل بأحد زملائه في بولونيا وسأله عن السيدة دال الأم. كانت عائلة دال معروفة جدا في بولونيا، لأن شركة الهندسة المعمارية للراحل دال الأب كانت مشهورة. فلقد قام بتجديد نصف المدينة وكان مسؤولا عن تخطيط المدينة في السبعينيات. حتى أنه كان مدرجا في قائمة مساعدي العمدة، في وقت من الأوقات، وشغل منصب نائب العمدة المسؤول عن التخطيط الحضري، كما قام بالتدريس في كلية الهندسة في بولونيا، وألف العديد من الكتب حول الهندسة المعمارية لهذه المدينة.
لم يفهم أجاوستينو الآلية التي نجحت بها السيدة دال الأم في إخفاء وفاة ابنها لمدة ثلاث سنوات، عن أعين سلطات الضرائب الإيطالية وجوليانا.
أعطاه زميله المقيم في بولونيا اسم كاتب عدل العائلة: الأستاذ روميو مادروستو.
اتصل أجاوستينو بمكتب السيد روميو مادروستو، لكنه وجد أنه قد توفي قبل بضع سنوات، وخلفه السيد توماسو لون، الذي رد على مكالمته. كانت في صوته نبرة إستعراضية متكلفة.
- قال أجاوستينو لنفسه: يا له من شخص ممثل! إنه أبعد ما يكون عن الصدق والوضوح.
أخبر السيد لون أجاوستينو أن السيدة دال الأم لا تزال على قيد الحياة وأنها كثيرا ما تذهب إلى سويسرا لرؤية ابنها المريض.
- علق أجاوستينو منزعجا: لكنه مات منذ ثلاث سنوات!
- أنت مخطئ يا صديقي، قال لون. لو حدث هذا لكنت على علم به.
- رد أجاوستينو كاذبا: ها هي شهادة وفاته أمامي. ثم أضاف بلهجة الواثق: لا تقل لي لقد قام من الأموات!
بدا السيد لون ضائعا ومتفاجئا، وما كان منه إلا أن زود أجاوستينو برقم هاتف وعنوان السيدة دال الأم، وتعهد بمراجعة السلطات ليقف على جلية الأمر. شكره أجاوستينو بحرارة، مقلدا نبرة صوته، وقد ارتسمت على شفتيه إبتسامة خبيثة. ثم اتصل هاتفيا بأحد معارفه العاملين في مبنى محافظة بولونيا، فوعده بأن يتصل به خلال اليوم ليزوده بجميع المعلومات المطلوبة. راضيا أنهى اجاوستينو المكالمة، وبدأ في البحث عبر الشبكة العنكبوتية عن المعلومات الضريبية للسيدة دال الأم.
عندما وصلت جوليانا بعد الظهر، استقبلها بابتسامة كبيرة. طلب منها الجلوس على كرسي فخم أمام مكتبه، بينما كانت لا تزال مستاءة للغاية من رحلتها إلى سانين. قال أجاوستينو:
- لست بحاجة إلى العمل بعد الآن يا جميلتي! ستفوزين على الأقل بمليونين وخمسمائة ألف يورو! بالإضافة إلى التعويضات على الضرر التي سنطالب بها هذه العجوز.
لم تفهم جوليانا ما قاله! فأوضح لها ما كان يحدث: استمرت السيدة دال الأم بإخفاء وفاة ابنها عن السلطات الإيطالية، ومكثت تتمتع بجميع الممتلكات والمداخيل المخصصة لابنها المتوفى. قبل انتحاره، ورّث دال الأب جميع ممتلكاته لابنه باستثناء شقة صغيرة من ثلاث غرف في شارع جالفاني في بولونيا، أعطاها لزوجته، ومعاشا قدره ألف يورو يُدفع من حساب تُحوَّلُ إليه العائدات المالية لمؤلفاته وأرباح شركته! وكل ما تبقى هو ملك لابنه! معنى هذا، أنه بمجرد وفاة الإبن، ستصبح هذه الممتلكات لك يا جوليانا! عندما كان الإبن على قيد الحياة، كان بإمكان السيدة دال، وبموافقة خطية منه، التصرف في كل شيء. تأثر فيديريكو بشدة بوفاة والده، وقد أقسم على رعاية والدته حتى نهاية حياتها، دون أن يخطر على باله ولو للحظة واحدة أنه سيموت قبلها! الحياة في بعض الأحيان مفاجئة ومأساوية ومضحكة في نفس الوقت.
- لا أريد شيئا يا أجاوستينو. أترك حماتي وشأنها. إنها عجوز! سننظر في هذا الموضوع لاحقا. كل ما أريده هو أن تعرف ما فعلوه بجسد فيديريكو.
غادر أجاوستينو متوجها إلى بولونيا في اليوم التالي للقاء حماة جوليانا. لم يخبر أيا منهما بهذا الإجراء. قرع جرس باب قصر جميل، تمنى أن تسكنه صديقته.
فتحت الباب فتاة كان من الواضح أنها كان مرتاحة للغاية في المنزل.
- أنا القائمة بشؤون منزل السيدة دال، هل لديك موعد؟
- لا. هل مصرح لك بالعمل؟ هل تعملين هنا بشكل قانوني؟
احمر وجه الفتاة خجلا، وانفجر أجاوستينو ضاحكا.
- إنني أمزح، قال أجاوستينو.
ارتعد البيت من ضحكته العالية الرنانة. تبع الفتاة الصغيرة التي بدأت تصاب بالذعر عندما رأته قد وصل إلى صالون صغير، دون أن تتم دعوته.
- هذا الرجل يصر على مقابلتك سيدتي! هل يجب علي الإتصال بشخص ما؟ سألت قلقة.
- ماذا تريد يا سيدي! قالت هيلينا دال. فأفرغ أجاوستينو ما في جعبته.
استمعت هيلينا دال في وقار وهدوء إلى كل ما قاله لها أجاوستينو، ثم توجهت إلى المكتب بخطوات قصيرة غير ثابتة، فتحت أحد أدراجه، وبحثت عن ورقة، ثم سلمتها إلى أجاوستينو. في أعلاها، كانت هناك صورة لشاهدة صغيرة موضوعة في حقل واسع.
- هنا يوجد ابني. لقد فعلت ما طلبه مني دون أدنى تغيير. تم نثر رماده في الريح، في هذا المكان.
على ظهر الصورة، كان هناك تاريخ وعنوان.
- لمعرفة باقي الأشياء، راجع كاتب العدل الخاص بي. إنه يعرف كل شيء.
"هذا ما اعتقدته"، قال أجاوستينو متأملا.
- لكن هل تعلمين يا سيدتي أن لديك ابنة جميلة، لها الحق بحكم القانون أن ترث زوجها؟ أحمل معي عقد زواجها. وهي لم تعرف منذ سنوات أنها أرملة؟ هل تجدين ذلك طبيعيا؟
- كانت إرادة ابني. كان من المقرر رفع السرية عن هذا الأمر عند بلوغ جوليانا خمسا وأربعين سنة. كان مستاء من كونها في صحة جيدة. أعلم أنه مطلب غبي، خاصة أن جوليانا لا يد لها في هذا! أنا الجانية الحقيقية ! لكن بعد كل شيء، لم يكن لدي سوى ابن واحد، وأطعت جميع رغباته، حتى الأخيرة منها. كانت حياته جحيما. فعلت كل شيء من أجل أن يرقد بسلام. هذا كل ما يجب أن أقوله لك سيدي، أتمنى لك عودة طيبة. أخبر جوليانا أني لم أفعل ما فعلته لكي أؤذيها، وإنما من أجل ابني.
ودع أجاوستينو هيلينا، وانحنى بسخرية أمام الفتاة القائمة بشؤون منزلها، وذهب إلى كاتب العدل توماسو لون الذي يقع مكتبه في شارع زامبوني، واضعا سيجارا بين شفتيه.
بعد عودته إلى فلورنسا، ذهب في المساء إلى جوليانا، لكنه وجد باب عيادتها مغلقا. اتصل بها وعرض عليها الإنضمام إليها في منزلها الريفي. لقد استغرق وقتا طويلا لتحديد الطريق الجانبي الذي يؤدي إلى المنزل، وكان محتدا لعدم وجود شبكة ولامتلاكه نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) يتحدث الإنجليزية فقط.
لم يكن أجاوستينو جيوردانو يتكلم اللغة الإنجليزية. كان من محبي الكلمات الإيطالية، لا الإنجليزية. كان في شبابه، كما قال، يفضل الفتيات الإنجليزيات على خطب شكسبير!
وأخيرا، وبعد جهد جهيد اهتدى إلى الطريق الصغير في الغابة. ركن سيارته بالقرب من الخيزران. رأت جوليانا صديقها يمشي عبر الممر، يحمل مفاتيح سيارته في يد وحقيبة يده في اليد الأخرى. دخل دخول المنتصرين، وقال لجوليانا:
- لقد عثرت عليه، وسلمها الصورة التي أعطتها إياه هيلينا دال. أمسكتها جوليانا، نظرت إليها، وانفجرت بالبكاء.
ما ظنه أجاوستينو حقلا، كان الحديقة التي التقت فيها هي وفيديريكو ورقصا طوال الليل في حفل زفاف أصدقائهما.
لم ينس! قالت جوليانا في سرها، وابتسمت بحزن، معتقدة أن فيديريكو يرقد في المكان الذي عاش فيه أسعد لحظات عمره.
34

أخذت إجازة لبضعة أيام. ثمانية أيام كاملة. اتصل بي لوكا خلالها هاتفيا بانتظام لإبقائي على اطلاع بالنتائج النهائية للتحقيقات. تم تعيين المحامي الذي تدربت عنده أيمي ديالو قنصلا للسينغال، وبالتالي لم يكن بإمكان نظامنا القضائي الوصول إليه. بقيت مقتنعا بأنه من كان ينوي الزواج بأيمي، وأنه من أمر بتصفيتها. تخيلته أمامي وشتمته. تمنيت أن تطاله العدالة الإلهية في يوم من الأيام.
في قضية فابيا كوستا، لم تكن المرأة الثانية سوى رافاييل كونتي نفسه! تعرفت السيدة كيم عليه مثلما تعرفت على سائق التاكسي ذي الباروكة! واصل لوكا بحثه عن التفاصيل، وجد الكثير من الأشياء الدنيئة في جهاز الكمبيوتر الخاص به! لقد وقع هذا الغبي في حب فابيا كونتي، التي مارست معه الجنس، بغرض تحقيق غاياتها. كان الإبن الزائف هو الشاب الصربي المستعد أن يقدم أي شكل من أشكال الخدمات مقابل المال.
لم تظهر فابيا أي ندم. بدت فخورة بما قامت به. ورث روبيرتو فيراري أرضا وممتلكات لا تخصه ولا يستحقها.
أخيرا أصبحت بإمكاني الذهاب إلى قبر راشيل، الذي تمكن ديفيد من تقريبه من قبر العائلة!
كانت دجاجتي ملتصقتين بي خلال أسبوع العطلة هذا، كما لو كانت طريقتهما في الإحتفال بي! لم يسبق وأن مكثت معهما كثيرا من قبل! لعبت مع قططي، وتنزّهت وبيل بالقرب من كاتدرائية سانتا ماريا دل فيوري!
مر الصيف بسرعة كبيرة، وأتى موسم الدخول المدرسي في سبتمبر. لم تكن لدينا أي جرائم قتل جديدة. فقط قضايا بسيطة، تعامل معها لوكا وريتشي وبيانتشي دون مشكلة.
قبلت دون تردد دعوة لحضور معرض فني، أقيم في صالة عرض فلورنسا، لنحات استثنائي رقيق للغاية، صنع سفنا برونزية رائعة. قضيت أوقات لا تنسى.
حين وصلنا إلى المعرض، قدمت لنا الشمبانيا مع الخبز المحمص الصغير، وعند انتهائنا من مشاهدة المنحوتات، ركبنا الحافلة التي أقلتنا إلى حديقة مزرعة الكروم المخصصة لصناعة النبيذ. ولما بلغناها، شربنا الشمبانيا مرة أخرى، أكلنا الحلوى اللذيذة، وجلسنا أمام طاولات على صناديق مقلوبة، الصناديق التي يوضع فيها العنب. استمعنا إلى غناء فرقة موسيقية، كانت موسيقاها وأداؤها رائعين بحق! نهضت وسرت في الحديقة، كانت الأزهار بيضاء، وهناك رأيتها.
وجدتها تتأمل ملقية برأسها إلى الوراء، وتحدق باهتمام في مأوى الحمام المضاء بشكل جميل. كانت ترتدي فستانا بسيطا أسود، وحذاء بكعب عال، وعلى كتفها حقيبة كتف صغيرة، وفي يدها كأس نصف ممتلئة من الشمبانيا.
دنوت منها في ارتباك شديد! أعترف أن هذا لم يحدث لي منذ وقت طويل، فعندما كنت أواعد امرأة ما، لم أكن أشعر بأي عاطفة، فقط متعة تلبية حاجة جسدية. ولكن هنا، في الضوء الباهت لمصابيح الحديقة، تحولت إلى كتلة من العواطف. شعرت بسعادة عارمة بسبب ما أحس به، بسبب ما ظننت في يوم من الأيام أنني لن أعيشه مجددا.
مررت إصبعي برفق تحت مقبض حقيبتها وجعلته ينزلق من كتفها. قفزت بعنف لدرجة أنني تلقيت على وجهي الشمبانيا الموجودة في كأسها. عندما تعرفت علي، حاولت الإعتذار، بينما كنت أيضا أعتذر لها بدوري. ثم نظرنا إلى بعضنا البعض وانفجرنا ضاحكين! بعدها، قامت بحركة لطيفة بشكل غريب: وضعت يدها خلف رقبتي وجذبت رأسي نحوها، ألصقت شفتيها بشفتي وقبلتني! استسلمت لها، أردت أن أشعر بقبلتها قبل أن أبادلها إياها.
بالكاد تحدثنا في ذلك المساء، كل ما فعلناه هو أننا تبادلنا القبل، كما لو كنا عطاشا لبعضنا البعض، عطش قوي وقديم، لم يرو لفترة طويلة!
في الحافلة، واصلنا التقبيل مثل المراهقين. كانت قبلاتنا نقية، ممتلئة، دافئة، لطيفة، وعاطفية. ثم نزلنا من الحافلة وذهبنا إلى منزلي. ضحكت من استقبال حيواناتي، التي أحبتها على الفور. مارسنا الحب على الأريكة، ونحن ندفع بانتظام فم بيل الذي كان يراقبنا، ثم مارسنا الحب في غرفة النوم.
استيقظت مبكرا لإخراج بيل الذي كان يلح على ذلك، وذهبت إلى المخبزة لشراء ليس اثنين، ولكن ثلاثة كرواسون وكعك سكر وخبز وشوكولا. كنت سأشتري كل شيء في ذلك الصباح. عند عودتي إلى المنزل، قمت بإعداد وجبة الإفطار وأحضرتها لها إلى السرير. ثم استحممنا معا بشهوانية أعادتنا إلى الفراش في ربع الساعة التالي، وهكذا دواليك!
صارت الحياة جميلة مرة أخرى لدرجة أنها تستحق أن أحميها وأحبها.

الخاتمة

بعد انتهاء محاكمة فابيا كوستا، طلقت ريتا زوجها على الفور، وبعد بضعة شهور، تزوجت باولو! أقيم حفل الزفاف المدني في قاعة جميلة ببلدية فلورنسا. بدت ريتا جميلة وهي ترتدي فستانا زهريا فاتحا، وبدا باولو مضطربا وهو يرتدي بدلة وربطة عنق. كانت جوليانا شاهدة ريتا وكنت أنا شاهد باولو! كنا أربعتنا مرتبطين إلى الأبد بولادة جديدة!
أقيم الحفل بناء على طلبهما في منزل جوليانا الريفي. قامت جوليانا بهذه المهمة بكفاءة عالية. نصبت خيمة كبيرة في وسط الحقل، ووضعت على طول ممر الحصى شجيرات زيتون داخل أوعية. كنا حوالي ثلاثين ضيفا، بما في ذلك السيدة كيم وزوجها، الذي أصرت ريتا على حضوره! أكلنا على الطريقة المغربية، على وسائد جميلة وسجاد ناعم! تحت مظلة المنزل، غنينا ورقصنا حتى ساعة متأخرة من الليل. تركنا المنزل للعروسين، وعدنا تحت القمر الساطع، المستدير والجميل، الذي يرى من خلال دانتيل أشجار البلوط الضخمة، لنجد حيواناتنا المحبة في انتظارنا، أو لجنة الترحيب كما أسمتها جوليانا.



#وليد_الأسطل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لؤلؤة راشيل 8
- إليها
- لؤلؤة راشيل 7
- لؤلؤة راشيل 6
- لؤلؤة راشيل 5
- لؤلؤة راشيل 4
- روايتي لؤلؤة راشيل (3)
- رواية لؤلؤة راشيل 2
- روايتي البوليسية -لؤلؤة راشيل- 1
- إلى والدي
- ظاهرة سولجنيتسين.. جورج نيفا
- فيلم Red Desert 1964
- كتاب “هافيل.. حياة” لمايكل زانتوفسكي
- عن الأحداث الدموية في التاريخ السوفيتي.. نيكولاس ويرث
- مواسم جياكومو.. ماريو ريغوني ستيرن
- عن التطبيع
- فيلم مائة يوم في باليرمو
- فيلم القندس
- شارة الشجاعة الحمراء.. ستيفن كرين
- العميل السري.. جوزيف كونراد


المزيد.....




- بنظامي 3- 5 سنوات .. جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 الد ...
- مبعوث روسي: مجلس السيادة هو الممثل الشرعي للشعب السوداني
- إيران تحظر بث أشهر مسلسل رمضاني مصري
- -قناع بلون السماء-.. سؤال الهويّات والوجود في رواية الأسير ا ...
- وفاة الفنانة السورية القديرة خديجة العبد ونجلها الفنان قيس ا ...
- مطالبات متزايدة بانقاذ مغني الراب الإيراني توماج صالحي من ال ...
- -قناع بلون السماء- للأسير الفلسطيني باسم خندقجي تفوز بالجائز ...
- اشتُهر بدوره في -أبو الطيب المتنبي-.. رحيل الفنان العراقي عا ...
- عبد الرحمن بن معمر يرحل عن تاريخ غني بالصحافة والثقافة
- -كذب أبيض- المغربي يفوز بجائزة مالمو للسينما العربية


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - وليد الأسطل - لؤلؤة راشيل 9