أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - وليد الأسطل - لؤلؤة راشيل 6















المزيد.....


لؤلؤة راشيل 6


وليد الأسطل

الحوار المتمدن-العدد: 7575 - 2023 / 4 / 8 - 04:51
المحور: الادب والفن
    


17

لست أحلم! إنه مكتوب هنا أمام عيني: تنتمي اللؤلؤة الموجودة في قبضة السيدة فيراري إلى لآلئ الميلو، وهي نفس نوعية اللؤلؤة الخاصة براشيل، والتي كنت أحملها منذ ثمانية عشر عاما! يا إلهي ولكن ماذا يعني ذلك؟ من الواضح أن المعمل يقول إنه مصقول، ويستنتج أنه قد يكون جزءا من قطعة مجوهرات - قلادة، أو سوار، أو أقراط - قديمة جدا.
لم تنتحر راشيل، لطالما اعتقدت ذلك. لقد أحبتني، وكان لدينا كل شيء لنكون سعداء. هل ينتمي المجرم إلى دائرة معارفنا؟
- اتصلت بلوكا، لكنه لم يرد على اتصالي.
لقد سئمت، أشعر أني أدور داخل حلقة مفرغة.
عند مغادرتي لمكتبي، قلت لمكتب الإستقبال: إذا سأل لوكا عني، فأنا في 84. سيفهم ذلك.
أقلعت سيارتي الشوفروليه كامارو عند محاولة تشغيلها الثالثة، هي بدورها تعبت من هذا التحقيق. استغرق الأمر مني وقتا طويلا للعثور على مكان أركن فيه سيارتي، لذلك تركتها - كالمعتاد - بشكل مؤقت في ساحة الكاتدرائية. لقد أدرك أفراد شرطة المرور أخيرا أنها تنتمي إلى عائلتهم.
انطلق نباح كلبي المبتهج ومواء قططي بمجرد وصولي أمام الباب. هذا هو مصدر سعادتي ومحل ثقتي الوحيد في هذا العالم. يسمعونني ويتعرفون علي من بعيد!
- مرحبا يا جميلتي، أقول هذا لقطتي الرمادية، الروح الأنثوية الوحيدة في المنزل. أما دجاجتاي فتبقيان في الخارج وقت غيابي، ولكن بمجرد وصولي وفتحي لباب الحديقة، تأتيان راكضتين صوبي، تهزان تنورتيهما وتثرثران بهدوء لتخبراني أنهما سعيدتان برؤيتي. أتساءل دائما عن عدد الأشخاص الذين يتم الترحيب بهم بهذه الطريقة عندما يعودون إلى المنزل؟!
كنت أشعر بجوع شديد: مقلاة، زبدة، ثلاث بيضات، ملح، فلفل، قليل من جوزة الطيب، خبز، جبن، كأس من النبيذ، وهذا كل شيء.
كلبي عند قدمي، وقططي على الأريكة، ودجاجتاي تطوفان حولي.
"هل يمكن أن يكون قاتل السيدة فيراري هو نفسه قاتل راشيل؟
لكن من؟ المعادلة: راشيل وأنا وجوليانا. ما هو القاسم المشترك بيننا؟
ثلاثة أطباء من نفس الكلية؟ عفوا، أنا بحاجة إلى التأكد من أن الدكتورة دال قد درست في نفس الكلية.
لماذا يوجد هناك من يبغض راشيل؟ الغيرة؟ أو فتى أحبها أو فتاة تحبني؟
لماذا يوجد هناك من يكره جوليانا دال؟ ولماذا تموت إحدى زبائنها في عيادتها وليس أي شخص آخر؟ هل يحاولون إلصاق التهمة بها؟ القضاء على مستقبلها المهني؟ الزج بها في السجن؟ الغيرة المهنية؟ غيرة سببها الحب؟ لم أكن أعرف دال من قبل.
من يكون هذا الشخص الحانق علينا؟ من هو بحق الجحيم؟ "
- حسنا، أراكم لاحقا، أقول مخاطبا حيواناتي، عفوا أصدقائي.
أنطلق إلى الدكتورة دال. هاتفي يرن. إنه لوكا.
- نعم، لوكا، أنا ذاهب لرؤية جوليانا دال. أرسل لي عنوان مخبئها من فضلك. سأتصل بك لاحقا.
كانت سيارتي تشكل متعة للسائحين اليابانيين، حتى هنا، في مسقط رأس البابا أوربان الثامن، كان الشرق منتشيا برؤية منتج أمريكي خالص، مديرا ظهره للواجهة الفخمة للكاتدرائية.
18

عندما استيقظت صباح يوم الجمعة، أكلت جوليانا آخر قطعة متبقية من الكعكة، وأعدت لنفسها فنجانا من القهوة، ثم ألقت نظرة فضولية على ريتا وباولو. كانا في الغرفة الكبيرة بالقرب من المدفأة. قالت جوليانا لنفسها إن بيتها يبدو الآن كمخيم. ابتسمت عندما رأت باولو على الأريكة، يفرز كشوف حسابات بطاقات الائتمان التي تم استخدامها في النادي. جلست جوليانا بجانبه على كرسي هزاز وأخذت حزمة من الأوراق. لقد طبع وريتا كشوف حسابات بطاقات الائتمان المستخدمة في النادي على مدى عدة سنوات حتى تم إغلاقه. كانت جوليانا معجبة بمعرفتهما الكبيرة في مجال الإعلام الآلي، وابتسمت لفكرة أن مواهب سكرتيرتها في الإختراق كان يمكنها أن تعبر عن نفسها بحرية وسطوع، لو كانت القرصنة غير مجرّمة.
- سألت جوليانا ريتا: ما اسم ملهمك أو ملهمتك في مجال الإعلام الآلي؟
- بارنابي جاك، أجابت ريتا دون تردد.
- لقد كان عبقريا! أضاف باولو.
كانت جوليانا على علم بالقصة، لأن ريتا سبق وأن أوضحت لها أنها مارست القرصنة بدافع شغفها بقرصان عبقري، حسب قولها، لكنها تركت باولو يخبرها بها.
- كما تعلمين يا دكتورة ... قال باولو.
- نادني جوليانا، فقط. أنا مدينة لك بالكثير.
- حسنا، يا سيدتي، قال باولو. بارنابي جاك، كان يطلق عليه اسم الفارس الأبيض! كان رائعا! لقد نجح في صنع برمجيات خبيثة، أو نوع من الفيروسات إذا كنت تفضلين هذه التسمية، تسمح بسحب نقود من الصرافات الآلية دون خصمها من أي حساب! ثم وجد عيوبا في مضخات الأنسولين وبعض أجهزة ضبط نبضات القلب يمكن التحكم فيها عن بُعد لتفريغ شحنة مميتة! تم العثور عليه ميتا بسبب جرعة مخدرات زائدة في وقت سابق من هذا العام. أرى أن طريقة موته مثيرة للريبة.
قالت جوليانا: لم أكن أعرف أنه مات.
- لم يحتل خبر وفاته الصفحة الأولى لجميع الصحف.
- تحدثت صحيفة "كوريري ديلا سيرا" عن ذلك، قالت ريتا. لدي المقال. إلى جانب ذلك، كان شابا وسيما! بصراحة، إن موته خسارة كبيرة! لو كنت أعرف من أعطاه جرعة المخدرات التي قتلته لخنقته بيدي!
نظرت جوليانا إلى صديقيها ثم شرعت تفرز الأوراق من جديد، بينما كانت ريتا وباولو خاشعان كما لو كانا يؤديان دقيقة صمت حزنا علي ملهمهما.
أخذت أوراقا جديدة. لم تصدق عينيها. كان لديها كشف حساب بطاقة ائتمان روبيرتو فيراري وآخر لفابيا كوستا. نفس اليوم، نفس الوقت، بفارق بضع ثوان! كانت شاحبة عندما أطلعت باولو وريتا على هذا الاكتشاف.
- سألتهما: ماذا يعني هذا؟
- أقل ما يمكن قوله، إن أمرهما يدعو للريبة. المسألة بحاجة إلى حفر أعمق. إذهبي لتستريحي، أما أنا وباولو فسنذهب لشراء بعض الأغراض.
لم تمنح ريتا الوقت لباولو كي يجيب. نهضت، حملت حقيبتها وكيسا صغيرا:
- سنخبر الحارس أننا سنغادر، ونطلب منه أن يحرسك جيدا. قد نغيب ساعة أو ساعتين.
- قالت جوليانا: كونا حذرين، واتصلا بي. سنتحدث إلى الرائد حنا حول هذا الأمر بمجرد عودتكما.
غادرت ريتا وماركو، وذهبت جوليانا لأخذ حمام ساخن. شعرت بأنها تغتسل من كل هذه القصة التي تم إقحامها فيها، دون أن تجد سببا لذلك. لفت جسمها بمنشفة، تمددت على السرير، واستسلمت للنوم .
بمجرد وصوله إلى الطريق المؤدية إلى منطقة بانزانو، زاد باولو من سرعة السيارة، ثم نظر إلى ريتا التي بدت مركزة، وسألها:
- ما هي خطتك؟
- نحن في طريقنا إلى منزل فابيا كوستا. لم أطمئن لهذه المرأة من قبل. لها هالة سوداء، إنها سيئة مثل الجرب. لقد جعلت جوليانا تعاني كثيرا عندما كانت تعمل معها في مكتبها القديم. عاهرة، أنا متاكدة أن لها يدا فيما يجري لجوليانا.
- هل تريدين دخول منزلها؟ ماذا لو كانت هناك؟
- إنك لا تعرفني جيدا يا صغيري!
ألقيت نظرة على المؤتمر الطبي المنعقد حاليا، وجدتها تشارك فيه. إنها تعيش بمفردها، وتتنقل على كرسي متحرك بعد حادثة سقوط. وهي معروفة بتدخلاتها لصالح منظمة غير حكومية تقوم بأعمال إنسانية في أمريكا الوسطى. إنها تلقي خطابات في المؤتمرات المختلفة لجمع الأموال. يرافقها دائما أحد أولادها. يمنحنا كل هذا صورة مؤثرة للغاية!
عاشت فابيا كوستا في منزل في بانزانو. كانت فيلا قديمة تم تجديدها. لها حديقة محاطة بجدار كبير، فيه باب صغير، وبوابة خلفية، وبالطبع بوابة أمامية كبيرة تفتح على ممر تصطف على جانبيه الأشجار. لا يمكننا رؤية خصلة من العشب أو مجموعة من الزهور في كامل مساحة الحديقة، التي لم تكن تحوي سوى حصى ناعم.
عند وصولها إلى البوابة الرئيسية، نزلت ريتا من السيارة وقرعت الجرس. نظر إليها باولو باهتمام. كان يعلم أنها كانت تتحقق فقط من عدم وجود أحد هناك. عادت إلى السيارة، وفتحت الحقيبة التي أخذتها وسلمتها لباولو:
- دورك الآن.
قام بإدخال رموز وسلسلة من التعليمات في جهاز الكمبيوتر الخاص به، وبعد بضع ثوان، تم فتح البوابة، لكن باولو كان لا يزال يكتب على لوحة المفاتيح.
- لا بأس، قال لها. نظام الإنذار ضعيف. يمكن حتى لقرصان مبتدئ تحييده! لا يوجد انبعاث لأي موجات. لا يوجد أحد. هذا أكيد.
- هيا بنا، قالت ريتا.
ركن باولو السيارة في ظل شجرة قيقب بدأت أوراقها في الظهور، بالقرب من البوابة الخلفية، بعد أن أغلق البوابة الأمامية.
- ما أبأسها من حديقة! كما أنه ليس من السهل السير على أرضها بكرسي متحرك! وكأن فابيا كوستا لا تقيم هنا، أو لا تخرج إلى الحديقة أبدا!
لم يشكل باب المنزل أي عائق لباولو كذلك.
بمجرد دخولهما، ارتجفت ريتا من الخوف واستدارت وابتسمت لباولو. كانا يتجولان في المنزل. كان الطابق الأرضي مليئا بصناديق نصف فارغة. مدفأة ذات موقد مزدوج في البهو الكبير. المطبخ المفتوح على البهو الكبير، كانت تعمه الفوضى: أطباق متسخة متراكمة في حوض المطبخ، مناشف الشاي ملقاة على الأرضية.
على الثلاجة، ألصقت صور امرأة وصبيين، ربما في العاشرة أو الثانية عشرة من العمر، يبتسمان. في الطابق العلوي، كانت هناك ثلاث غرف نوم، وحمامان، وغرفة ألعاب، ولكن لا يوجد مكتب، وبالتالي لا توجد أوراق.
- قالت ريتا إنه أمر مضحك. فابيا كوستا تتنقل على كرسي متحرك. هل تعتقد أنها تنام في الطابق السفلي؟
لم يجب باولو. قام بفحص المكان.
- أنظري، وأخيرا اكتشفت شيئا مثيرا للإعجاب! تخفي الخزانة وراءها مصعدا يمكنه حمل كرسي متحرك بالإضافة إلى شخص آخر! خدعة لطيفة. تعالي! سنرى أين ينزل. بالضغط على الزر المميز بعلامة إس إس، نزل المصعد وفتح في مكان مظلم.
- نحن في القبو!
خرجا بحذر، وأضاءا مصباحي هاتفيهما المحمولين. اكتشفا قبوا كبيرا مقببا بحاجة إلى ترميم، كان بنفس مساحة المنزل. لم تكن هناك أبواب، بل فتحات في الجدران تصلح لأن تكون مخابىء، تنبعث من خلالها رائحة خافتة من الأثير.
- عادة ما تنبعث من القبو رائحة النبيذ!
- نعم، قالت ريتا. هنا تنبعث منه رائحة المستشفى.
اكتشفا في الجزء الأخير من القبو كرسيا طبيا لأمراض النساء يعود تاريخه إلى بداية القرن العشرين، ضيقا، ومصنوعا من الحديد، له حلقات صدئة. كما رأيا طاولة جراحة قديمة أيضا، وعلب جراحة مختلفة بما في ذلك منظار، وقوارير من الكلوروفورم والأثير، والأصفاد، والأحزمة.
كان باولو صامتا، باحثا عن أدنى ضوضاء.
همست ريتا: أنا متأكدة أن هذا هو المكان الذي عبثوا فيه بتلك المسكينة السيدة فيراري، ثم أخذوها إلى جوليانا وغادروا. لماذا؟ لست أعرف الإجابة الصحيحة و ...
- صه! قال باولو. تم فتح البوابة للتو! علينا أن نغادر بسرعة. هيا.
ركضا إلى المصعد الذي نقلهما مباشرة إلى الطابق الأول، عادا إلى أسفل الدرج وخرجا عبر باب المطبخ الذي انفتح على الجزء الخلفي من الحديقة. خلعا حذاءيهما معا، وسارا على الحصى دون أن يحدثا صوتا، وكأنهما يمشيان على البيض. استغرق باولو دقيقة ليتمكن من فتح قفل البوابة. أغلقها بحذر، وسارع وريتا إلى ركوب السيارة حافيي القدمين، ويدا بيد.
كانت يد ريتا ترتجف بلطف في يد باولو الذي عندما لاحظ ذلك، قبل جبهتها.

19

كانت السيدة ديالو وابنها ينتظران في حجرة الاستجواب وبدأ صبرهما ينفد. اتصلت إسي بمحاميها، وجلست تنتظره لمواصلة التحقيق. طرح عليهما لوكا بعض الأسئلة التي لا علاقة لها بالتحقيق "للتسلية"، فقد قال برونو: "إن ذلك يقلل من حذرهما، ومن ثم نباغتهما".
أعرب لوكا عن أسفه لعدم وجود برونو في مركز الشرطة؛ فقد أظهرت النتائج المعملية وجود نباتات غير معروفة للوكا، وكلها شديدة السمية أو مهدئة أو مخفضة للضغط. كان هناك ما يكفي لقتل أشخاص كثيرين. ظلت إسي تكرر أنها أعشاب لعلاج سعالها، لكن لوكا لم يصدقها. عاد الطبيب الشرعي وطرق النافذة، ثم دخل وأشار إلى لوكا لينهض ويتبعه.
أظهر تشريح جثة أيمي أنها تعرضت للتسمم بواسطة قلويد مشتق من النبات تم حقنها به في الوريد الوداجي الأيمن. لقد خنقوها أيضا، لكن حتى لو لم يخنقوها، كانت ستموت على أي حال، هذا أمر مؤكد.
كان الطبيب الشرعي على علم بأحد النباتات التي وصفها المختبر:
- إنه الداتورة، عشب المجانين. شديد السمية، تجدها في الحدائق. أعتقد أن هذا ما قتلها. يمكن أن تكون جميع النباتات الأخرى سامة، ولكنها بالأحرى مهدئة، وقاتلة فقط بجرعات عالية جدا.
- قال لوكا: يا إلاهي! يا لهول ما جرى لهذه الفتاة الجميلة والذكية
عاد إلى الحجرة 6 واتهم إسي وابنها بقتل أيمي مع سبق الإصرار. بدأ الابن يبكي ويتأرجح في كرسيه ذهابا وإيابا. لم تتحرك إسي، ولم تقل شيئا، ثم تم نقلهما على الفور إلى الزنزانة. كاد الابن أن يسقط، ولكن ذراعا قوية أمسكته وقادته إلى باب الزنزانة. في تلك اللحظة، صرخ أنه لا علاقة له بما جرى، وأن والدته أمرته بحمل أيمي على دراجته إلى الحديقة بمجرد حلول الليل، لأنها أصبحت عاهرة، وجلبت العار لعائلته، وبسببها سيتم إعادتهما إلى السنغال، ولن تتاح له الفرصة ليصبح محاميا دوليا، وأنه ...
لم يكن يعلم أن إسي قد سممتها! كان يعتقد أنها كانت نائمة فقط، وإلا لما خنقها بالحبل!
أراد لوكا أن يوسعه ضربا. تمالك نفسه وأعاده مقيد اليدين بمفرده إلى غرفة الاستجواب. هذه المرة كانت الغرفة 10، غرفة المجرمين، بلا نوافذ، ومليئة بضوء شديد جعلها تبدو جحيما مغلقا.
خرج والتقط هاتفه المحمول واتصل ببرونو مرة أخرى.

20

الطريق المؤدية إلى منزل الدكتورة دال الريفي، تمر عبر جزء من غابة سيستو فيورنتينو الكثيفة، التي لا تزال تبدو قاسية الملامح على الرغم من رحيل الشتاء. ومع ذلك، كان الربيع هو المنتصر، فقد أضاء حجاب أخضر ناعم قمم الأشجار. ذكّره هذا بأشجار البلوط العالية التي كانت تسميها راشيل بـ "أسيادها المهيبين" والتي لطالما جمعت قبعات أجوازها الصغيرة في الخريف، وأرت برونو إختلافاتها الصغيرة. "جميعها متشابهة ومع ذلك تبقى مختلفة".
الشوفروليه كامارو تزمجر. ركز برونو قدر استطاعته على جانبي الطريق خشية أن يظهر أمامه حيوان بشكل غير متوقع. وخلال ذلك وجد نفسه يتمنى أحيانا حدوث اصطدام لكي ينسى كل شيء. وهكذا، فاته أن يسلك الممر الجانبي الموصل إلى منزل جوليانا الريفي. استدار بسيارته، وسار حتى بلغه من جديد، وسلكه، لقد كان ممرا يتخلل غابة بلوط صغيرة، وقفت في منتصفه ظبية صغيرة. تباطأ، نظرت إليه الظبية ومضت متأنية صوب الشجيرات. تبعها بعينيه لكنها اختفت بسرعة.
عند وصوله أمام منزل جوليانا الريفي، تعرف برونو على المدخل بفضل وجود سيارة المراقبة. أوقف سيارته على جانب الطريق، وطلب من الشرطي الموجود داخل سيارة المراقبة أن يذهب ليستريح، وسيتم إرسال شرطي آخر ليحل محله. سلك الطريق الحجري الذي يؤدي إلى المنزل. بني المنزل في الربع الشمالي من قطعة الأرض الموجود داخلها، الربع الشمالي الملاصق للمروج والغابات. مما ترك مساحة كبيرة حوله.
- كم هو وحيد هذا المنزل الصغير! قال لنفسه.
بلغ الباب، طرقه، لكنه لم يحصل على جواب، خامره الشك، دار حول المنزل شاهرا مسدسه. كان الجزء الخلفي من المنزل مزججا من جانب واحد، نظر عبر الزجاج، ولم ير أحدا بالداخل. لم ير سوى غرفة كبيرة تحوي أجهزة كمبيوتر، وطابعات، وكابلات، وأوراقا مبعثرة على الأريكة. ثم رأى غرفة أخرى، لكنه لم يستطع تحديد معالمها تماما. شرع يطرق بقوة على نافذة الغرفة ومصراعيها.
استيقظت جوليانا فزعة. سعت كما في كثير من الأحيان إلى معرفة أين هي؟ وإلى كم تشير الساعة؟ كان الضجيج الذي أحدثه برونو شديدا. غادرت سريرها ملفوفة بمنشفة دفأها نومها عليها. أخرجت مضرب غولف من غلافه، كانت ريتا قد وضعته في غرفتها تحسبا لظرف كهذا.
اطمأن برونو عندما لمحها، وأعاد مسدسه إلى غمده بسرعة. ابتسم ابتسامة عريضة، ومع ذلك، واجهت صعوبة في التعرف عليه. ذهبت لتفتح له الباب الأمامي وأومأت إليه بأن يمضي صوبه.
- قال برونو: أرجو المعذرة فلقد أخفتك، لكنني لم أر أحدا و ...
- قاطعته جوليانا: لقد غادرا، لكنهما سيعودان.
هل تريد التحدث معي؟
- نعم.
- سأرتدي ملابسي وأعود.
دخلت جوليانا الحمام. تقدم برونو ببطء، وتجنب أن يطأ بقدميه الكابلات.
عادت جوليانا بعد بضع دقائق مرتدية جينز وقميص صوف رمادي، رابطة شعرها الذي لا يزال رطبا على شكل ذيل حصان. كانت ملامح وجهها تشي بالتعب، وبدت أكبر سنا مما كان يعتقده برونو. شاهدها تمشي حافية القدمين باتجاهه، فداعبت قلبه صورة من ماضيه.
- هل ترغب في كوب من القهوة أو الشاي؟ أو ربما ترغب في الطعام؟ فلقد تأخر الوقت.
- شكرا جزيلا، كوب من القهوة فقط.
- في أي أمر تريد أن تتحدث معي الليلة؟
كان يجد صعوبة في أن يشرح لها بوضوح ما وجده، وعن القاتل العائد من الماضي ليمارس جرائمه مرة أخرى بقسوة رهيبة. أخبرها عن راشيل ونهايتها المأساوية وعن اللؤلؤة التي ربطت بين الواقعتين بعد ثمانية عشر عاما. حاول أن يسيطر على عواطفه، لكن جوليانا استطاعت أن ترى أن جملا وكلمات معينة، أثرت فيه بشكل رهيب. شرح لها أنه قد طرح على نفسه أسئلة كثيرة بخصوص الواقعتين، ولكنه لم يهتد إلى أجوبة شافية.
- قالت جوليانا، لقد درست أيضا في بولونيا، لكن ربما بعدك بخمس أو ست سنوات. لم يكن لدينا نفس الأصدقاء في ذلك الوقت. أعتقد أن هذا القاتل، كما تسميه، لم يسبق له أن عرفني إلا هنا، أعني منذ أن أقمت في فلورنسا. أنت لا تعتقد أنها مصادفة، أليس كذلك؟ وأنه من الممكن أن يكون قاتل مريضتي فقط، وأنني مجرد ضرر جانبي، بطريقة ما؟
- لا، هذا غير ممكن. أنت تشغلين مركز هذه القضية. أنظري إلى ظروف موت مريضتك. في الماضي، كنت أنا المقصود. كنت في الطب الشرعي عندما قُتلت راشيل، وأنت طبيبة نسائية وجريمة القتل تتوافق مع نشاطك. لقد تم التخطيط لها جيدا. لا وجود للصدفة هنا! إلى جانب ذلك، أنا لا أؤمن بالصدفة. لا يوجد سوى عدد كبير من الضروريات الدقيقة التي لا يمكننا فك شيفرتها حتى الآن.
- علقت جوليانا مبتهجة: أتفق معك تماما. وأضافت:
- وهذا يعني أن لدينا عدوا مشتركا، إذا عرفناه؛ فقد حُسمت القضية. أليس كذلك؟
- نعم، قال برونو. من هم أعداؤك يا دكتورة دال؟
- نادني جوليانا، من فضلك. لا أعتقد أن لدي عدوا شريرا لهذا الحد! مجرد مشاحنات، ربما؟
- أنت لا تعتقدين أن لديك أعداء، أما أنا فلدي الكثير منهم. لكن بدأ ينتابني شعور بأن القاتل في هذه القضية هو عدوك وليس عدوي. أنت هي المستهدفة، لذا سأسألك: لماذا؟
- في الواقع، قد أكون كثيرة الاعتراض، لكنني أعتقد أني طيبة للغاية على الرغم من ذلك. أبقي الأشخاص الذين يمتصون طاقتي والأشخاص غير المحترمين خارج حياتي. حدث أن انفصلت عن أصدقاء خيبوا ظني، ولم أعد أمنحهم أي أهمية، لم أعد أراهم، أو أصبحت أتجاهلهم. أنا متقوقعة على نفسي، في الواقع.
استمع برونو متأملا عيني جوليانا الخضراوين اللتين التقتا بعينيه أكثر من مرة وهي تتحدث:
- تقدمت ذات يوم بشكوى ضد امرأة لكمتني في عيني لأنني لم أسمح لسيارتها بالمرور من أجل أن تمر سيارة الإسعاف. لم أتمكن من العمل لمدة ثمانية أيام ولم يتابع وكيل النيابة شكواي!
- واصلت جوليانا التنقيب في ذاكرتها باحثة عن أي خطيئة ارتكبتها حتى لا تبدو مغرورة. شكوت شريكيّ السابقين إلى نقابة الأطباء لسلوكهما تجاهي بعدما فضضت شراكتي معهما!
أخبرت الأمر برمته لبرونو الذي سجل ما قالته. أُجبر شريكا جوليانا على الإعتذار لها أمام مجلس نقابة الأطباء.
- واصلت جوليانا: وبعد ذلك، رفضت مرتين أو ثلاث مرات عروض حب من مرضاي. نعم! نعم! حدث مرة أن طلبت مني شريكتي السابقة أن أذهب معها إلى ناد جنسي لتبادل الشركاء! و ... يا إلهي!
قفزت جوليانا:
- أنظر ماذا وجدت.
سلمته كشوف حسابات بطاقات الائتمان، وشرحت له ما قامت به ريتا وباولو من الألف إلى الياء.
أضاءت المصابيح الأمامية لسيارة الممر.
- لقد عادا، قالت جوليانا.



#وليد_الأسطل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لؤلؤة راشيل 5
- لؤلؤة راشيل 4
- روايتي لؤلؤة راشيل (3)
- رواية لؤلؤة راشيل 2
- روايتي البوليسية -لؤلؤة راشيل- 1
- إلى والدي
- ظاهرة سولجنيتسين.. جورج نيفا
- فيلم Red Desert 1964
- كتاب “هافيل.. حياة” لمايكل زانتوفسكي
- عن الأحداث الدموية في التاريخ السوفيتي.. نيكولاس ويرث
- مواسم جياكومو.. ماريو ريغوني ستيرن
- عن التطبيع
- فيلم مائة يوم في باليرمو
- فيلم القندس
- شارة الشجاعة الحمراء.. ستيفن كرين
- العميل السري.. جوزيف كونراد
- الميل الأخضر.. ستيفن كينج
- رحلة إلى الهند.. إدوارد مورغان فورستر
- الرجل الذي كان الخميس.. جلبرت كيث تشيسترتون
- رواية قاموس الخزر.. ميلوراد بافيتش


المزيد.....




- مصر.. وفاة المخرج والسيناريست القدير عصام الشماع
- الإِلهُ الأخلاقيّ وقداسة الحياة.. دراسة مقارنة بين القرآن ال ...
- بنظامي 3- 5 سنوات .. جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 الد ...
- مبعوث روسي: مجلس السيادة هو الممثل الشرعي للشعب السوداني
- إيران تحظر بث أشهر مسلسل رمضاني مصري
- -قناع بلون السماء-.. سؤال الهويّات والوجود في رواية الأسير ا ...
- وفاة الفنانة السورية القديرة خديجة العبد ونجلها الفنان قيس ا ...
- مطالبات متزايدة بانقاذ مغني الراب الإيراني توماج صالحي من ال ...
- -قناع بلون السماء- للأسير الفلسطيني باسم خندقجي تفوز بالجائز ...
- اشتُهر بدوره في -أبو الطيب المتنبي-.. رحيل الفنان العراقي عا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - وليد الأسطل - لؤلؤة راشيل 6