أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - وليد الأسطل - لؤلؤة راشيل 7















المزيد.....


لؤلؤة راشيل 7


وليد الأسطل

الحوار المتمدن-العدد: 7583 - 2023 / 4 / 16 - 02:51
المحور: الادب والفن
    


21

أخبرت ريتا وباولو برونو عن زيارتهما لمنزل كوستا، وعن غرابة الحديقة، والمنزل، والاكتشافات المدهشة التي قاما بها في القبو. عرضت ريتا على برونو الفيديو الذي سجلته بهاتفها المحمول المعلق مثل الكاميرا على جيب سترتها.
اتصل برونو بلوكا:
- آه! أخيرا، يا سيدي. لم أتمكن من التواصل معك.
- أعلم، قال برونو. أنا في الغابة، ولا تسير الأمور على ما يرام. سأعاود الإتصال بك من الخط الأرضي، لأنني لا أسمع نصف كلامك. أغلق الخط وسأل جوليانا عن مكان هاتفها الأرضي.
- في غرفة النوم، أيها الرائد، بالقرب من السرير.
جلس برونو على السرير وأعاد الإتصال برقم مساعده. وهكذا علم كيف تم قتل أيمي. هنأ لوكا.
- ما زلنا نبحث عن خطيب أيمي المستقبلي. هل يمكن أن يكون قد أمر بالقتل؟ لا؟
- لا أعتقد ذلك، سيدي. ربما كان يراقب أيمي من بعيد، وعندما أدرك أنها تحب شخصا آخر، أرسل الصور إلى إسي. لا بد أن ذلك قد جعلها تستشيط غضبا، فقررت قتلها.
- سوف نتحقق من هذا، قال برونو، لكن الحالة المستعجلة، هي منزل فابيا كوستا، في شارع شيانتيجيانا، بانزانو. خذ بعض الرجال معك ورجال المختبر. هيا يا لوكا! ليس هناك وقت نضيعه. علينا أن نصل إلى هناك قبل الساعة التاسعة و ... آه نعم! وبعد ذلك، ستعود الدكتورة دال إلى فلورنسا. ضعوا شرطيا للحراسة داخل منزلها وخلفه. شكرا لوكا.
اتصل برونو بوكيلة النيابة، التي تستحق اسمها عن جدارة السيدة لابيلا(الجميلة)، والتي كان ينبغي إضافة "الكفاءة" إلى اسمها، إذا أردنا تعريفها تماما! لقد أعجب بها برونو. كانت شجاعة وديناميكية ومتفانية في تحقيق العدالة بالصورة التي كان يريدها برونو. تسلمت مركزها في نفس الوقت الذي تسلم فيه برونو وظيفته. كانت في سنه تقريبا، ومنحت رجال الشرطة تفويضا مطلقا للقيام بعملهم. استمعت إلى برونو دون مقاطعة، ووافقت على طلبه، ووعدت بمنحه مذكرة إحضار ومذكرة تفتيش، وأنها سترسلهما إليه عبر البريد الإلكتروني.
- قالت، هكذا ستسير الأمور بشكل أسرع، ثم تمنت حظا سعيدا لـ برونو وأنهت المكالمة. بعد خمسة عشر دقيقة، وصلت الرسالة على هاتف برونو المحمول. قبل أن يطرح السؤال، قال له باولو:
- أرسله إلى عنوان البريد الإلكتروني هذا، وسأطبعه لك.
بصقت الطابعة المستندات الرسمية على ورقة الثمانين مليغرام، بينما كانت ريتا تعرض على برونو البحث الذي قامت وباولو بإجرائه حول اتصالات الغرفة 20. هنأها برونو، ولكنه أخبرها بأن ما قامت يعد من صميم عمل جهاز الشرطة، وأنه كان يمكن أن تعرض نفسها للخطر بهذا الفعل.
أكد باولو أنه كان يراقبها وأنه في وجوده لن يتمكن أحد من إيذائها.
وضعت ريتا الصحيفة على الطاولة. لم تعد قضية جوليانا تتصدر الصفحة الأولى، ولكن في الصفحة الثالثة. برزت صورة مصنع كابيلو، وكان السيد كابيلو مرتبكا بشكل واضح. تم العثور على السيدة كيم ملقاة أمام مصنعه. وبدا أنها بقيت ملقاة على الأرض طوال الليل قبل أن يتم العثور عليها. كانت حالتها حرجة. يبدو أن سيارة قد صدمتها. ثم تم نقلها إلى قسم جراحة المخ والأعصاب.
- آه لا! قالت جوليانا. إنها أيضا واحدة من مرضاي. إنها رائعة! كانت في عيادتي قبل أن يؤتى بالسيدة فيراري إلي!
اتصل برونو بمركز الشرطة وطلب وضع حارس على مدار أربع وعشرين ساعة في اليوم أمام باب السيدة كيم. في طريق العودة الى فلورنسا بدأت الصورة تتضح أكثر فأكثر لبرونو الذي كانت جوليانا برفقته، تتبعهما ريتا وباولو بسيارتهما.
ربما تكون السيدة كيم، لسبب ما، قد رأت هاتين المرأتين تغادران أو تدخلان العيادة، وربما تعرفت على إحداهما ، أو أنها فهمت شيئا من المحتمل أن تنقله إلى الشرطة. إنها محاولة تصفية شاهد.
صامتة بجانب برونو، مسحت جوليانا دموعها المنهمرة. نظر إليها برونو وقال:
- سنتمكن من القبض على من فعل هذا.
سحب كيس مناديل من جيب بنطاله الأيمن وسلمه إلى جوليانا.
تابع برونو:
- معذرةً، لا بد لي من الإتصال بلوكا مرة أخرى.
- لوكا، أرجو أن تكونوا في طريقكم إلى منزل كوستا. سنلتقي هناك. لا يزال أمامنا عشرين دقيقة قبل الساعة 21:00. هل تفهم ما أحاول قوله؟
- أجل سيدي. نحن على الطريق.
زمجرت الشوفروليه كامارو، تمسكت صوفي بمقعدها. بدت سيارة ريتا وباولو المتجهة إلى بيت جوليانا عبر شارع كورسو كما لو أنها متوقفة من فرط السرعة العالية للشوفروليه التي خاضت الطريق المؤدي إلى بولونيا قبل أن تنحرف بحدة نحو الطريق الدائري في اتجاه نهر أرنو وبانزانو.

22

عندما فتحت بوابة منزل فابيا كوستا، تفاجأ برونو وجوليانا بالإضاءة في الحديقة. تم وضع مصابيح في كل الأشجار التي كانت تحف ممرا بطول ستين مترا. بدا وكأنه شارع هوليوودي. كانت فابيا كوستا تنتظر على الشرفة على كرسيها المتحرك. عندما رأت جوليانا، لم تستطع الامتناع عن الصراخ " اللعنة، مالذي أتى بها إلى هنا؟"
اقتحمت الشرطة المنزل بينما أبلغها برونو بوضعها: "وجهت لها تهمة قتل السيدة سيسيليا فيراري". ألقت رأسها للخلف وانخرطت في موجة من الضحك، ثم عادت إلى المنزل، وقادت كرسيها إلى ركن المدفأة. اقترب منها برونو ومال نحوها وهي تبتسم. قام بتقييد يديها وربطها بالكرسي. تبعته بعينيها وعندما جلس بصقت في وجهه. مسح وجهه بظهر يده دون أن يتفوه بكلمة. اتصل بأحد رجال الشرطة وطلب منه أن يرافق جوليانا إلى المنزل. شكرته، لأنها لا تريد أن تشهد المشهد السريالي الذي كان يتجلى أمام عينيها والذي كانت تلعب فيه دورا أساسيا رغما عنها.
نزل برونو إلى القبو بواسطة المصعد، فلم تكن هناك طريقة أخرى للوصول إليه. كما وجد أنه من الغريب أن مصعد الشحن هذا لا يتوقف عند الطابق الأرضي، خاصة أن فابيا كوستا مشلولة. علقت فابيا حين رأت حيرته، أن ابنها يأتي كل مساء ليأخذها إلى الطابق العلوي وأنها تفضل ذلك. لم يصدق برونو كلمة مما قالته.
ذهب إلى الغرفة التي صورتها ريتا وباولو. لقد رأى قتلة كثيرين، لكنه لم ير قتلة كهؤلاء من قبل. تم أخذ البصمات من كل مكان.
صعد من جديد إلى الطابق الأول، فوجد أمامه لوكا، الذي خرج لتوه من إحدى الغرف.
- سيدي، عليك أن تأتي لترى ما وجده الرجال.
على السرير، تم قلب الصناديق التي تناثرت منها عشرات الصور بالأبيض والأسود له ولراشيل.
أخذ واحدة وركض على الدرج مثل رجل مجنون ليواجه بها فابيا. ضحكت؛ فصفعها حتى انقلب بها الكرسي. وحين اقترب منها، ألقت بنفسها عليه مثل وحش مجنون رغم كون معصمها مقيدا ومربوطا في الكرسي. انتهت إلى سلاحه، وعندما كانت على وشك إخراجه من غمده، ضربها لوكا بمزهرية كانت على الطاولة. سقطت على برونو، وانكسرت المزهرية، التي كان بداخلها عقد من اللؤلؤ.
التقطه برونو، وعيناه ملطختان بالدماء والدموع، وسلمه إلى لوكا.
- قم بتحليله يا لوكا. واصلوا التفتيش. أنا ذاهب إلى منزلي. ضعها في الزنزانة بمجرد أن تستعيد وعيها.

23

حين عاد برونو إلى منزله كانت الساعة تقترب من منتصف الليل. ورغم أن حيواناته كانت نائمة، إلا أنها استيقظت وأقبلت عليه محتفلة بقدومه. كلمها ثم انفجر بالبكاء. قتلت حبيبته على يد مجنونة منذ ثمانية عشر عاما! لقد حل للتو هذا اللغز الذي خنقه لفترة طويلة والذي سيطر على حياته كلها. كانت حبيبته جميلة جدا، ومثيرة للإعجاب. وكان هو شابا مليئا بالأمل والثقة.
سحب زجاجة من شراب الروم وليمونة خضراء وسكر موسكوفادو. جلس يشرب ويفكر في جوليانا. كلاهما ضحية هذه المرأة المجنونة، التي لن تتمكن من إلحاق الأذى بأشخاص آخرين من الآن فصاعدا. سيعرف قريبا الدافع الحقيقي لجريمتها.
منهكا من العمل والتوتر، نام دون أن يشعر على الأريكة، بعد شربه الكأس الثالثة. رأس كلبه النائم ملتصق برأسه، وقططه ملتصقة بقدميه.
في صباح اليوم التالي، والساعة تشير إلى السابعة والنصف، أيقظه جرس الباب، فانطلق كلبه ينبح وشرعت قططه تموء.
فتح الباب، فوجد لوكا، الذي كان يلوح أمامه بكيس كرواسان.
- في مركز الشرطة، يترقب الجميع وصولنا، فهل أنت جاهز للعرض الكبير يا سيدي؟
- أعد بعض القهوة من فضلك يا لوكا. سأغتسل بسرعة.
عاد برونو بسرعة، مبلل شعر الرأس، مرتديا بنطال جينز نظيف، بحزام لازال يضعه منذ ثمانية عشر عاما، وقميصا أبيض وسترة سوداء. كما ارتدى حذاء أسود. وهذا هو لباسه المعتاد.
- اجلس يا لوكا، فلقد أصبح المجرمون في قبضتنا.
فتح برونو باب الحديقة، وبينما كان يخرج كلبه، دعت الدجاجات أنفسها لتناول الإفطار.
جلس لوكا مبتسما. صحيح أن الأمر كان صعبا، لكن على مدار سنوات عمله في الشرطة لم يمر عليه مسؤول من هذا القبيل. لقد أثر فيه مشهد اعتناء برونو بحيواناته، التي لاحظ إعجابها بكرواسان زوجته اللذيذ.

24

عندما وصلت إلى مركز الشرطة هذا الصباح، كان لدي انطباع بأنني أرى الأشياء بشكل أكثر وضوحا، كما لو أن الضباب قد تبدد. قبل اليوم، كان الغموض والشك يرافقان حياتي. أخيرا سأعرف ما حدث قبل ثمانية عشر عاما، وحرمني فرح الشباب!
وضعت فابيا كوستا في أسوأ غرفة استجواب بمركز الشرطة، تماما مثل السيدة ديالو وابنها. كانت تتأرجح برفق ذهابا وإيابا في كرسيها. عندما جلست أمامها، بمفردي، نظرت إلي بحنان، ثم استحالت نظرتها بسرعة نظرة كراهية. لست أذكر أني رأيتها من قبل! رغم أنها شاركتني سنوات دراستي للطب، على مقاعد المدرج ورائي! لقد وقعت في حبي، وحقدت علي لما رأت مني اللامبالاة! لم ترسب في مرحلة ما قبل الطبيب المتدرب، ولكنها رسبت حين بلغت هذه المرحلة، لذا لم تكن قادرة على متابعتي في الطب الشرعي!
كرهت راشيل التي كانت تصغرها سنا، مذ فاجأتنا معا، عندما جاءت راشيل لرؤيتي في الطوابق السفلى المظلمة لمختبرات التشريح، التي لم تحبها على الإطلاق. رأتني أحضنها لأخفف من اضطرابها الشديد الذي سببه لها مرور فابيو، المسؤول عن التشريح، وهو يعرج حاملا نصف جثة على كتفه ليضعها في وعاء من الفورمالين.
كانت أجواء قاتمة تشبه الجحيم. فهمت كوستا أننا نحب بعضنا بجنون، فقررت تصفية منافستها!
انتابتني رغبة ملحة بقتل كوستا، لكن رغبتي في معرفة كيف قامت بجريمتها كانت أقوى. لقد راقبتها جيدا، ثم تعرفت على شريكنا في السكن، وأغوته، ومارست معه الجنس، لكي تتمكن من سرقة مفاتيحه. وقد تسنى لها ذلك، ثم أتت إلى شقتنا ذات ليلة ألقى فيها أحد الأساتذة محاضرة على الأطباء المتدربين، كانت تعلم أن شريكنا في السكن سيحضرها. لم تحضر راشيل تلك المحاضرة، فقد سبق لها أن حضرتها قبل أسبوع. لقد كانت تكره التكرار! أما أنا، فكنت أداوم ليلا في المستشفى، في الطب الشرعي حيث لم يكن هناك سوى اثنين في هذا التخصص، أنا وشخص آخر!
رن الجرس، فتحت راشيل لها الباب. قامت على الفور بتمرير حبل حول رقبتها وشرعت في خنقها به. لقد فوجئت راشيل، وكان لديها الوقت لتمسكها من عقدها الذي نزعت منه لؤلؤة! ثم مررت كوستا الحبل حول عارضة المطبخ القديمة محولة المشهد إلى حادثة انتحار. لقد خططت لكل شيء، وجعلتنا نصدق ما أوهمتنا به. حدث هذا منذ ثمانية عشر عاما، وخلال هذه المدة تطور العلم لدرجة أنه أوشك أن يجعل القتلى يتكلمون ليخبروا عمن قتلهم.
وجد شريكنا في السكن راشيل على هذه الحال عند عودته من المحاضرة. مذعورا، حاول إنعاشها، إلى أن يئس. اتصل بالشرطة. وهكذا وجدت نفسي وجها لوجه مع هذه الجثة العزيزة، مرتابا، وحيدا، ومنهارا!
بالنسبة للسيدة فيراري، فقد ضربت من خلالها عصفورين بحجر. انطلقت تحدثت بفخر عن مخططها.
عندما رفضت جوليانا القدوم معها إلى النادي الجنسي لتبادل الشركاء، كانت قد فقدت حبيبها السيد فيراري. نعم! لأن هذا الشخص، الذي سئم منها، أعطاها التحدي التالي: إما أن تحضري شريكتك إلى النادي الجنسي أو أنفصل عنك! لم تنجح، وانفصل عنها. لكن زوجته اكتشفت علاقته بها، وميوله الجنسية، فأغضبها ذلك جدا، لدرجة أنها لم تعد ترغب في الإحتفاظ بالطفل الذي كانت تحمله منه وأجرت عملية إجهاض.
عندما أبلغت سيسيليا روبيرتو فيراري بإجهاضها، طلب منها العفو، ولأنها إنسانة طيبة فقد سامحته. ومنذ ذلك الحين، رجع عن فسقه وتهتكه.
فكرت كوستا في الإنتقام، وخططت لذلك مع ابنها الأكبر، وهو مدمن مخدرات سيء السمعة، معروف عند الشرطة. سبقت إدانته بعدة جرائم، لكنه كان مخلصا لأمه التي كانت تنفق عليه.
ومن خلال تمكنها من فن المكياج، جعلته يبدو امرأة، وكانت المرأة الثانية هي!
سردت كوستا الأحداث دون أن يبدو عليها أدنى تأثر، كما لو كانت تحكي قصة.
هاجما سيسيليا في منزلها. قاما بتخديرها، وحملاها إلى القبو، وهناك حقنتها بجرعة قاتلة من الأتروبين بعد ثقب عمق رحمها بالخزعة الجراحية، وليس على الجانبين، وإلا لكانت قد نزفت كثيرا. لقد سبب لها ذلك نزيفا داخليا!
كانت تنظر إلي بعينين باهتتين.
جعلني كلامها ونظراتها أشعر بالاختناق. نهضت وخرجت من الغرفة.
- طلبت من لوكا أن يسعى للقبض على ابنها بسرعة، وأثناء ذلك، يجب أن لا نرفع الحراسة عن الدكتورة دال والسيدة كيم. وأن يأخذ فابيا كوستا المجنونة إلى الزنزانة حتى لا أراها مرة أخرى.
امتثل لوكا دون مناقشة. وعندما مر بجواري، أمسك بذراعي:
- هل أنت بخير يا سيدي؟ كل شيء انتهى! نحن نعرف الآن كل شيء. اذهب للمنزل. سوف أتصل بك غدا.
خفضت رأسي وغادرت مركز الشرطة، كنت بالكاد أتحكم في ارتعاش يدي. كان لوكا محقا: علي أن أعود إلى المنزل.

25

لم تكن سيارتي في نفس المكان كالمعتاد. لم يتذكر عقلي المرتبك والثائر في أي مكان أوقفتها! تجولت في موقف السيارات عدة مرات، لأجدها أخيرا مهجورة في شارع جيوفاني سجامباتي على بعد خطوات قليلة من مدخل مركز الشرطة.
انطلقت سالكا الطريق إلى المنزل، ثم انحرفت متجها نحو بولونيا. كان علي أن أخبر ديفيد، شقيق راشيل، الحقيقة.
كنت لا أزال بعيدا جدا لأتمكن من الذهاب إلى قبرها، راشيل التي دفنت مع غير المؤمنين والمنبوذين، بسبب انتحارها المزعوم.
لم أسلك هذا الطريق لفترة طويلة. منذ وفاتها على ما أعتقد! لم أعد أبدا إلى بولونيا منذ مغادرتي لدراسة علم الإجرام في ميلانو!
رن هاتفي:
- إنه لوكا! لقد رصدنا الابن. أمضى الليلة في فندق في بيزا. تم إبلاغ الجميع هناك. أنا ذاهب مع بيانتشي وريتشي إلى هناك. سأوافيك بالتطورات.
عند وصولي إلى بولونيا، تذكرت الطريق المؤدية إلى بيت ديفيد حين كنا طلابا، لكن الكثير من الأشياء تغيرت. اتصلت بأحد معارفي العاملين في مصلحة الطب الشرعي في بولونيا وسألته عن رقم الهاتف المحمول الخاص بلويجي مانسيني، الذي هو زميل دراسة الطب الشرعي. مكث يعمل دائما في نفس المكان منذ إنهائه لدراسته. تزوج امرأة من بولونيا، تملك متجرا للملابس في شارع سان فيتالي. كانت رائعة ومثيرة للغاية. أحبها لويجي بجنون، وتزوجها بعد عام من وفاة راشيل.
- لويجي مانسيني، قلت.
- نعم! ... هل أنت برونو؟ سألني بارتياب.
- نعم! هل يمكنك أن تعطيني رقم هاتف وعنوان ديفيد سيسانا؟
- يا إلهي، قال لويجي، لقد مر وقت طويل دون أن نراك! أنصت، يجب أن نلتقي يا دكتور.
- بكل سرور، ولكن لا بد لي من الذهاب إلى ديفيد. أعطني عنوانه ورقم هاتفه. سوف اتصل بك لاحقا. أنا مستعجل.
- حسنا، قال لويجي. سأرسله إليك في رسالة نصية. أنتظر مكالمتك. لا تغادر بولونيا قبل أن نلتقي! ما زلت في نفس المكان يا دكتور.
- بالتأكيد سنلتقي، أعدك بذلك. شكرا لك. وأنهيت المكالمة.
كنت أنتظر بفارغ الصبر أن ألقى ديفيد وأخبره عن راشيل!
لم يتأخر لويجي في إرسال عنوان ورقم هاتف ديفيد لي. كانت الساعة تقترب من السادسة مساء، هذا يعني أنه قد يكون في المنزل. لم أتصل به، اتجهت إلى منزله، وحين بلغته، أوقفت سيارتي أمامه. ألفيته منزلا رائعا ببوابة كبيرة مزخرفة. إنه أحد تلك المنازل التي حلمنا بامتلاكها، أنا وراشيل.
لقد أحبت راشيل الأبواب المزخرفة، والخشب المنحوت، والغرف الكبيرة، والرخام، والنوافذ التي تعج بالألوان والزخارف.
ضغطت على الجرس. تعرفت على ديفيد فور رؤيتي له. فتح الباب وخرج. نظر في اتجاهي ... ونزل الدرج.
- لا أكاد أصدق! برونو؟
فتح البوابة بسرعة وجذبني إليه بقوة، وعانقني كأخ. غالب دموعه ودفعني بلطف نحو الداخل.
- يا إلهي، برونو، أنا سعيد برؤيتك بعد كل هذه السنوات التعيسة.
- أنا أيضا، يا ديفيد، لكنني لم أستطع العودة. كان ذلك صعبا جدا. جئت لأخبرك أن راشيل لم تنتحر، لقد ألقينا القبض على قاتلتها. في تلك اللحظة، سالت دموعي. اقترب ديفيد مني وبكينا بين ذراعي بعضنا مثل أخوين.
جلسنا في غرفة المعيشة، غرفة جميلة بها لوحات فنية رائعة.
- كما تعلم يا برونو، لم أصدق قط نتائج التحقيق في ذلك الوقت. لقد شرحت هذا لوالديّ، لكنهما لم يصدقاني. كانا متدينين جدا. ماتت والدتي حزنا وتلاها والدي بعد مدة قصيرة. لقد دمر هذا شبابنا، هاه! إذن اخبرني.
قلت له كل شيء. ظل صامتا بينما كان يستمع إلى كلامي، ثم طفق يبكي. مسح دموعه، وقال:
- شكرا لك. شكرا جزيلا لعدم تخليك عن حدسك! لا يمكنك أن تتصور كم أراحتني معرفة كل هذا! لست أقصد المعنى المباشر للراحة، ولكنني عنيت أنني..، قاطعته:
- نعم، ديفيد، أفهمك. لقد حررتك من شيء ما. أنا كذلك يتملكني الشعور ذاته.
- ستبقى لتناول العشاء معنا، هذا إلزامي. لن تتأخر بلانكا. إنها أخصائية تقويم بصر، لذا فهي تتعامل مع الأطفال بعد خروجهم من المدرسة. تعود إلى المنزل حوالي الساعة السابعة والنصف. سأقوم بإسماعك موسيقى رائعة لعازف بيانو غير عادي! هل تعرف اديسواف سيزيبلمان؟ إنه عازف بيانو بولوني.
تذكرت عندما كان في المدرسة الثانوية، حين كان يعيرني أسطوانات الفينيل الرائعة لوالده، محدثا إياي عن كل ملحن، عن كل حقبة موسيقية. كان حريصا أن تكون لي أذن موسيقية.
ملأت رقة البيانو وشفافيته الغرفة وداعبت أرواحنا بلطف.
تناولت العشاء عند ديفيد، قابلت زوجته بلانكا، ومع ذلك، غمرت ذكرى راشيل العشاء، وقد تم وضع صورة لها ضمن إطار صور العائلة. أخبرت بلانكا بالتفصيل عن التحقيق بأكمله وعن اللؤلؤة في يد ضحيتي نفس المرأة المجنونة. كلما تحدثت أكثر، كلما بدت الذكريات التي لطالما شعرت بأنها قريبة جدا، بعيدة جدا.
غادرت منزل ديفيد وبلانكا حوالي الساعة 23:00، واتصلت بلويجي مانسيني من سيارتي. التقينا في حانة بالقرب من الساحة الرئيسية. تعانقنا مثل شقيقين انفصلا بسبب الحرب، ثم اجتمعا بعد سنوات عديدة!
مكثنا نتحدث حتى ساعة متأخرة من الليل. أخبر كل واحد منا الآخر عن حياته. كان لدى لويجي ولدان، كلاهما يدرسان الطب، دون أن يوعز لهما أبوهما بذلك.
- قال لويجي:" هل تتذكر فابيو أعرج المشرحة؟"
- بالطبع! لا يمكن لأي طالب عاصره أن ينساه، لقد كان مخيفا!
- لقد مات عن عمر مائة وأربعة أعوام! فعلا، إن الفورمالين حافظ للجثث!
انفجرنا ضاحكين.
- لقد مضى وقت طويل منذ أن ضحكت هكذا! جيد! يجب أن أذهب للنوم.
وضعني لويجي في غرفة أحد أبنائه.
استيقظت حوالي الخامسة صباحا، وحرصت على عدم إيقاظ أي شخص، وعدت إلى فلورنسا. أوقفت سيارتي أمام الكاتدرائية. كالعادة، وجدت حيواناتي تنتظرني.
وأنا أهم بالذهاب إلى مركز الشرطة، نظرت إلى كلبي المقعي أمام الباب، فوجدته ينظر إلى رباطه.
- ماذا؟ هل تريد أن تأتي للعمل معي؟ حسنا يا صديقي، تعال! هيا.
راح كلبي يئن من شدة الفرح ويدور حول نفسه، ولا يعرف كيف يعبر عن فرحه.
رأت سيارتي الشفروليه كامارو ذكرين قادمين نحوها، واثقين من نفسيهما، يؤرجحان أكتافهما في فخر.



#وليد_الأسطل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لؤلؤة راشيل 6
- لؤلؤة راشيل 5
- لؤلؤة راشيل 4
- روايتي لؤلؤة راشيل (3)
- رواية لؤلؤة راشيل 2
- روايتي البوليسية -لؤلؤة راشيل- 1
- إلى والدي
- ظاهرة سولجنيتسين.. جورج نيفا
- فيلم Red Desert 1964
- كتاب “هافيل.. حياة” لمايكل زانتوفسكي
- عن الأحداث الدموية في التاريخ السوفيتي.. نيكولاس ويرث
- مواسم جياكومو.. ماريو ريغوني ستيرن
- عن التطبيع
- فيلم مائة يوم في باليرمو
- فيلم القندس
- شارة الشجاعة الحمراء.. ستيفن كرين
- العميل السري.. جوزيف كونراد
- الميل الأخضر.. ستيفن كينج
- رحلة إلى الهند.. إدوارد مورغان فورستر
- الرجل الذي كان الخميس.. جلبرت كيث تشيسترتون


المزيد.....




- الإِلهُ الأخلاقيّ وقداسة الحياة.. دراسة مقارنة بين القرآن ال ...
- بنظامي 3- 5 سنوات .. جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 الد ...
- مبعوث روسي: مجلس السيادة هو الممثل الشرعي للشعب السوداني
- إيران تحظر بث أشهر مسلسل رمضاني مصري
- -قناع بلون السماء-.. سؤال الهويّات والوجود في رواية الأسير ا ...
- وفاة الفنانة السورية القديرة خديجة العبد ونجلها الفنان قيس ا ...
- مطالبات متزايدة بانقاذ مغني الراب الإيراني توماج صالحي من ال ...
- -قناع بلون السماء- للأسير الفلسطيني باسم خندقجي تفوز بالجائز ...
- اشتُهر بدوره في -أبو الطيب المتنبي-.. رحيل الفنان العراقي عا ...
- عبد الرحمن بن معمر يرحل عن تاريخ غني بالصحافة والثقافة


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - وليد الأسطل - لؤلؤة راشيل 7