أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - محمد مبروك أبو زيد - التبادل التاريخي بين مصر وإيجبت (4)‏















المزيد.....

التبادل التاريخي بين مصر وإيجبت (4)‏


محمد مبروك أبو زيد
كاتب وباحث

(Mohamed Mabrouk Abozaid)


الحوار المتمدن-العدد: 7604 - 2023 / 5 / 7 - 18:06
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


دعوونا نتساءل؛ ماذا يعني التبادل التاريخي بين مصر وإيجبت؟ هو أن تتنازل إيجبت الإمبراطورية العظمى في ‏وادي النيل عن تاريخها وحضارتها ولغتها وثقافتها وتأخذ بدلاً منه تاريخ قرية مصرايم ‏اليمنية، فيصبح بذلك حاكمها هو فرعون وسكانها قبيلة الفراعين وعبيدهم قبيلة إسرائيل.. ‏وهكذا كما كان يحدث في مصرايم بين الأدغال الجبلية اليمنية نقرأه اليوم أنه حدث في ‏إيجبت ! والأهم من ذلك هو تطبيع العقيدة الدينية للمسلمين على هذا السيناريو التاريخي ‏بحيث يصبح مقدساً في دينهم، ومن ينتقده يتهمونه بالكفر لا بالبحث عن الحقيقة العلمية ! ‏
‏ ‏
نستكمل معاً سلسلة مقالاتنا في قراءتنا المخطوطة القبطية المعنونة " تاريخ مصر ‏والعالم " المنسوبة زوراً للقس القبطي " يوحنا النقيوسي" ، بينما هي مسطورة باللغة الأمهرية ‏على جلد الماعز المجفف ومدفونة في خزانة كنيسة في كهف جبلي في إثيوبيا لتحكي ‏تاريخ إيجبت والعالم ! .. والمفاجأة نكتشف أن مؤلفها الحقيقي هو كاهن ومؤرخ يهودي يمني ‏صهيوني عمل ضمن مشروع صهينة تاريخ العالم كله وأديانه وثقافاته وصبغ حياة البشر ‏كلهم بصبغة يهودية حميرية خالصة ، فهم يستغلون الأحداث الكبرى في حياة الشعوب ‏مثل الاحتلال والغزو لإعادة صياغة تاريخها وثقافتها وأديانها ثم يعملون على تدجين ‏الشعوب على هذا المخطط وتغذيتهم بثقافة نوعية تخدم المخطط الصهيوني بامتياز .. ‏

وكما قال المترجم الحبشي للمخطوطة بأنه نقل عن النسخة العربية، وثارت تساؤلات ‏حول ما إذا كان النص العربي ترجمة أم هو الأصل، وأجاب المترجم الدكتور عمر على ذلك ‏عملياً حينما أكد أن الصياغة والأسلوب والبلاغة والتعبيرات المستخدمة في متن الكتاب ‏هي من جسد وروح اللغة والثقافة العربية، وضرب على ذلك أمثلة عديدة جداً في الباب ‏الثالث من ترجمته (ص229)، لكنه لم يتساءل، كيف يكون النص الأصلي عربي متين ‏‏(روحاً وجسداً) وفصيح نصاً وثقافة وبلاغة وبيان، بيينما يكون المؤلف قبطي!! ويقدم ‏دكتور عمر افتراضاه عوضاً عن التساؤل، فيقول: (من غير المستبعد أن يكون نص يوحنا ‏النيقوسي الأصلي بالعربية ويعد حينئذٍ باكورة الإنتاج الأدبي العربي على يد الأقباط في ‏مصر (ص262).!‏

لكن ما نراه أنه من المستحيل أن يكتب يوحنا النقيوسي باللغة العربية وهو مسيحي ‏وأسقف قبطي، ولو كان قد اقتنع بلغة العرب وأجادها إلى هذه الدرجة من إتقان البلاغة ‏العربية، لكان من الأولى أن يعتنق الإسلام، إنما هو ظل على مسيحيته ولغته القبطية هي ‏المقدسة بالنسبة له وحتى يومنا هذا ما زالت الكنيسة الأرثوذوكسية تدرس اللغة ‏القبطية وتعتبرها ذات قدسية خاصة بالقداس، ومن الملاحظ بجلاء أن (المؤلف) كان ناقماً ‏على العرب بشدة ويعتبرهم بربريين وهمج وغجر، وكان ناقماً على دينهم الإسلام، لدرجة ‏أنه لم يتحدث عن الإسلام ذاته (كعقيدة ومبادئ)، وإنما تحدث عنه باعتباره دين الغجر ‏المتوحشين المتعطشين للدماء، فهل من المتوقع أن يتعلم يوحنا النيقوسي لغتهم ويجيدها لهذه ‏الدرجة الإبداعية (روحاً وبلاغة وبيان)! وفي ذات الوقت يعبر عن كرهه لهم ولدينهم ؟! فقد ‏استخدم في العديد من المواضع تعبيرات مجازية وبلاغية يستحيل على شخص استخدامها ‏بهذه البراعة إلا إذا كان مولوداً ومغموراً بالثقافة والعقلية العربية ! وهل من الممكن أن ‏يترك يوحنا النقيوسي لغته المقدسة ويكتب تاريخ بلده ومعاناة شعبه بلغة هؤلاء الغجر ‏الغزاة المحتلين لبلاده ! غير أن يوحنا كان أسقفاً مرموقاً في الكنيسة القبطية، فهل كانت ‏الكنيسة تسمح له بالاطلاع على ثقافة وعلوم العرب والتأليف باللغة العربية ! وهو كان ‏راهب أي حبيس الدير والكنيسة، فهل كانت الكنيسة تسمح له بجلب كتب عربية ‏داخل أروقتها !، ألم يكن ذلك مدعاة لطرده من الكنيسة وتجريده من درجته ومرتبته؟!‏

ثم أن (المؤلف) في كثير من المواضع يتحدث عن العرب بوصفهم (الإسماعيليين) وهذا ‏الوصف لا يستخدمه إلا شخص إسرائيلي لتمييز العرب أصحاب الإسلام، فالعرب الإسماعيليين ‏هم أبناء عمومة العرب الإسرائيليين، ودائماً الإسرائيليين لديهم غل وحقد دفين تجاه أبناء ‏عمومتهم العرب الإسماعيليين ويحقدون عليهم بالطبع، هذا السبق السياسي الذي أحرزوه ‏باحتلالهم إيجبت والشام والعراق والسيطرة على كل هذه المناطق بعد ظهور رسول فيهم، ‏بينما قبيلة الإسرائيليين وهم تقريباً متساويين مع الإسماعيليين في العدد، وظهر فيهم كثير ‏جداً من الأنبياء، لكنهم لم يستطيعوا السيطرة على إقليم واحد مما سيطر عليه العرب، ‏ولذلك كانت هناك تنافسية شديدة من قبل الإسرائيليين للسيطرة على عقول العرب ‏الإسماعيليين أنفسهم وتوجيه ثقافتهم في اتجاه دون الآخر.. وعلى كل حال فإن استخدام ‏‏(المؤلف) وصف الإسماعيليين يثير بداخلنا شكوك أكثر حول هويته ترجح كونه عربي ‏إسرائيلي. ‏

ونلاحظ إضافة لذلك ديمومة استخدام (المؤلف) عبارة (المسلمين)، دون أن يشير إلى هوية ‏هؤلاء المسلمين القومية، فلم يذكر ولو مرة واحدة – على حد قدرتنا في الرصد- إشارة إلى ‏العرب أو القومية العربية لا من بعيد ولا من قريب، بل إنه استخدم العبارتين بالتبادل ‏‏(الإسماعيليين- المسلمين) برغم ذلك لم يذكر العرب، وكان من الأولى إذا خرج عن نطاق ‏الوصف بالهوية الدينية أن يقول (العرب) إنما قفز مباشرة إلى الهوية العرقية واصفاً إياهم ‏بأنهم إسماعيليين، ما يعني أنه عربي إسرائيلي لا يريد المساس بالقومية العربية التي تنضح في ‏في سن قلمه. بل إنه عندما يتحدث عن شيخ ما منهم دون ذكر اسمه فيقوم بوصفه بأنه ‏‏(بربري) أو من سلالة البربر، ففي صفحة 214 قال أن عمرو من نسل البربر، وقبلها ذكر أن ‏الخيفة عمر أرسل أربعة آلاف بقيادة شخص من سلالة البربر.. لدرجة أن وصل به الأمر إلى ‏القول ( وساروا في عقيدة الإسلام وتلقوا التعليم الركس للحيوان الذي هو محمد (ص222).. ‏ويعلق المترجم د.عمر في الهامش رقم 1 بأن سياق النص يوحي بأن هذه العبارة مدسوسة على ‏يوحنا.. كل ذلك والمؤلف يتحاشى استخدام سمة القومية العربية ! بينما عند حديثه عن ‏الأقباط كان يستخدم الوصف القومي لهم (القبط أو الأقباط) ولم يستخدم الوصف الديني إلا ‏في قليل جداً من المواضع التي كانت تستدعي ذلك بشكل موضوعي إلى حدٍ ما، في حين أنه ‏على طول المسار عند حديثه بشأن العرب لا يستخدم إلا أوصاف تدور بعيداً عن اسم القومية ‏العربية حرصاً عليها من التجريح، وذلك ببساطة لأن المؤلف عربي يهودي ولا يريد أن يلقي ‏كل هذا السب على العرب بالإجماع، بل يحصره في المسلمين الإسماعيليين فقط. ‏

ومن العبارات التي نلاحظها في سياق النص جاءت تنضح بالبخر اليهودي من النخاع، ‏متلازمة (اللبن والعسل والفاكهة والكراث) وهي جملة تتكرر مئات المرات في نصوص ‏التوراة حصراً بذات ترتيب الكلمات، وذلك في قوله: (عينوه في مدينة أركاديا التي هي ‏فيوم، وهؤلاء ثلاثتهم يحبون الوثنيين ويكرهون المسيحيين ويضطرون المسيحيين أن يحملوا ‏العلف للحيوان، ويضطرونهم لحمل اللبن والعسل والفاكهة والكراث...)" ص 213، وكذلك ‏تعبير (يحدثون الشر (ص 215) ، فهذه التعبيرات ترد حرفياً في نصوص التوراة بذات القوالب ‏والتراكيب اللغوية. ونلاحظ متلازمة (الذي هو) و(التي هي) ، حيث ورد في سياق حديثه عن ‏مدينة أركاديا، قال: التي هي فيوم ، وفي سياق حديثه عن النبي ، قال :الذي هو محمد .. وفي ‏غير ذلك كثير من المواضع.‏

وكذلك متلازمة (أرض مصر)، فلو دققنا في سياق النص بعمومه نجد أن المؤلف كان ‏مضطراً لاحترام المدنية عند الحديث عن إيجبت، لأنها كانت إمبراطورية ذات تقسيم إداري ‏دقيق وأقاليم عديدة ولكل إقليم عاصمة، وكانت السمة البارزة هي المدنية، حتى أن ‏العاصمة كانت الإسكندرية، ولا يستساغ معها استخدام عبارة (أرض الإسكندرية) مثلاً، ‏لأن كلمة أرض تأتي في سياق الزراعة والمراعي، بينما الإسكندرية كانت مدينة ‏معمارية وليس من أنشطتها الزراعة ولا الرعي، ولذلك في كل المواضع كان المؤلف يستخدم ‏عبارة (مدينة الإسكندرية) وكذلك الحال مع مدينة الفيوم ومدينة منوف ومدينة مصر ‏ومدينة نقيطا ونيقيوس والفرما، وإن لم يستخدم كلمة مدينة سيكون مضطراً لاستخدام ‏كلمة (إقليم) للدلالة على التقسيم الإداري الواضح لأنه من أبرز المعالم، بينما عندما يصيبه ‏الحَوَل وينقل من كتب الدس اليهودي عن مصرايم ونهر جيحون نجده يستخدم عبارة (أرض ‏مصر، وأرض جازان..إلخ، لأن هذه المناطق كانت عبارة عن مقاطعات زراعية رعوية، وبالتالي ‏يُستساغ الوصف معها بكلمة (أرض مصر، أرض جازان.. في حين أن ذلك مستحيل إذا ما قيل ‏بشأن الإمبراطورية الأكدية التي جاء منها نبوخذ نصر لاحتلال أرض مصر!، فلا توجد مرة ‏واحدة ولو عابرة استخدم فيها مؤرخون يهود أو عرب كلمة (أرض أكاد أو أرض فارس ‏للدلالة على هذه الإمبراطوريات، بل يستخدم بلاد فارس وبلاد مديا وأكّاد..إلخ، فهل من ‏المنطق أن يستخدم كلمة أرض مصر للدلالة على ما هو أعظم من إمبراطورية فارس ‏وأكّاد؟!).‏

كما في قوله (صفحة 49) : وهناك مدينة سبقت إلى استخدام المحراث وتعلمت زرع ‏القمح وكل أنواع الحبوب وكانت أعلى كل أرض مصر، لأن أرض مصر كانت مليئة بالمياه ‏والبحار لكثرة فيضان نهر جيحون)، ونفهم ذلك بالنظر إلى أن مصرايم العربية هذه كانت ‏مقاطعة سهلية، وأقصى نشاطاتها الاقتصادية هي الزراعة، وتحديداً زراعة الكراث ‏والفاكهة والبقول والكروم والرومان والقثّاء والبلسان، وهي لم تكن مدنية بأي حال ولم ‏تشهد حضارة ولا ظهر بها علماء ولا مفكرين ولا مهندسين معماريين، إنما كانت عبارة عن ‏قرية مركزية تحيط بها مجموعة من القرى الصغيرة والنجوع يحكمها عمدة هو (عزيز ‏مصر) أو فرعون ويسكنها مجموعة من العشائر، وبالتالي لا ينطلي عليها وصف مدينة، ‏وإنما مقاطعة، أو كما ورد في مراسلات تل العمارنة ومراسلات الملوك البابليين الإشارة إليها في ‏كل المراسلات (بالإجماع) بعبارة (أرض مصر- ‏‎ Mato Misri‏) وكلمة ماتو مصري باللغة ‏الأكادية تعني بالعربية (أرض مصر) التي هي مصرايم بالسريانية. في حين أن المؤلف في ‏إيجبت كان يصطدم بالمدنية الفاخرة في الإسكندرية ومنف، فيضطر لاستخدام كلمة ‏‏(مدينة) وكذلك مع غيرها من عواصم الأقاليم الجبتية. ‏

وقد عدد الدكتور عمر مشكوراً العناصر البيانية اللغوية التي تؤكد أن المترجم ‏الحبشي نقل عن مخطوطة عربية أصلية وليست نسخة مترجمة عن لغات أخرى، فقد ‏تحسس نبض اللغة وتحسس أنفاس المؤلف العربية النكهة، وتأكد أن المؤلف كان يعتصر ‏ذهنية عربية خالصة من النخاع ليصبها على صفحات الكتاب، وليس لدينا طاقة للزيادة ‏على ما بذله الدكتور عمر، إنما نلتقط منه فقط بعض النقاط كتبيان للقارئ علّه يرجع ‏إلى ترجمة الدكتور عمر ويستفيض منها.. وقد انتقينا بعض الكلمات التي أوردها (المؤلف) ‏باللغة العربية لأسماء مدن وأشخاص، هذه الأسماء لها صيغة قبطية وصيغة يونانية وصيغة ‏عربية، وقد ذكر (المؤلف) الصيغتين العربية والقبطية في أحيان، وفي أحيان أخرى اكتفى ‏بالصيغة العربية وحدها، وأحيان اكتفى بالصيغة القبطية أو اليونانية. وهذا له دلالة في ‏نظرنا، إذ لو كان يوحنا النقيوسي قد تبنى اللغة العربية وأجادها لهذه الدرجة، لكان ‏استخدم الصيغة العربية لأسماء المدن على طول مساره، ولن يلتفت إلى الصيغة القبطية أو ‏اليونانية إذا كان قد خلع لغته القبطية وتبنى لغة العرب ! إنما في الواقع (المؤلف) لم يكن ‏يهمه لا القومية العربية ولا القومية القبطية كي يتبنى لغتها أو صيغتها في نطق الأسماء، ‏إنما هو كان يصيغ تاريخ لهذا البلد بما يجعله شاملاً ثقافات مختلفة تحافظ على الوجود ‏اليهودي في المنطقة وترسي قواعد المخطط الصهيوني مثل قصة أحداث موسى وفرعون التي ‏استفاض (المؤلف) في شرحها، وكذلك بعض الأسماء.‏

فهناك الكثير من أسماء المدن أوردها المؤلف بالصيغة العربية مثل اسم مدينة الفرما، ‏ومدينة نقيتاس أوردها المؤلف نقيطا بالصيغة العربية، وكذلك اسم العَلَم " فوقاس" أورده ‏المؤلف فوقا بالصيغة العربية، وكذلك " مورنيقيوس " أورده المؤلف جنباً إلى جنب مع الصيغة ‏العربية موريق، وكذلك اسم مدينة منوف استخدم المؤلف الصيغة العربية فقط وهي منوف، ‏وكذلك اسم مدينة كرتبا، وهي تصحيف للصيغة العربية خربتا واسمها القبطي زماخير ‏‏.حتى أنه في نطق اسم مدينة برمون لم ينطق الاسم القبطي برمون وإنما نطق الاسم العربي ‏‏"الفرما "، فكيف يتبنى لسان العرب بينما هو يسب ويلعن العرب ؟! هو في الواقع لم يسب ‏ويلعن العرب بالإجماع وإنما (الإسماعيليين) وحددهم بذكره تبادلياً بين كلمتي ‏‏(الإسماعيليين – المسلمين)، ما يعني أنه كان عربي إسرائيلي وليس مسلم.‏

‏.. وما يؤكد هوية المؤلف هو إيراده عبارة (قبط مصر) 11 مرة في متن الكتاب، مع أن ‏المترجم د. عمر يؤكد أن مسمى "مصر" دخل إيجبت بعد دخول العرب، أي كان يوحنا ‏النقيوسي القبطي ناقماً على العرب ولغتهم ومسمياتهم ويعتبر دخولهم بلاده غزو واحتلال، ‏فكيف يُصرّ على إلصاق الصفة العربية (مصر) بالقبط ؟! ما يعني دلالة واضحة أن (المؤلف) ‏يريد أن يوصل للقارئ أن (القبط) هم سكان (مصر) ، بينما هذه الصيغة العجيبة لا تدخل ‏عقل ! فلو كانت مصر هي وطن القبط، فلماذا لم يسميهم (المصريين) ! ولو كانت بلدهم هي ‏مصر، فلماذا يحملون صفة (القبط) ! فقط كانت هذه مرحلة تبادل التاريخ والحضارة بين ‏مصرايم وإيجبت فأصبح الإيجبتيون (القبط) هم سكان مصرايم، ومصرايم باللسان العربي ‏‏"مصر" . فكما كان (المؤلف) ينطق أسماء بعض المدن باللغة العربية والقبطية معاً، فقد ‏وصف الشعب نفسه بالثقافة القبطية والعربية معاً، وصفهم بأنهم (قبط مصر) كي يرسخ ‏الصفة.‏

أما الغريب العجيب فهو الورطة التي وقع فيها (المؤلف) الكذاب، حينما ذكر عبارة (قبط ‏مصر) في محاولة منه لتوصيف الشعب بأنهم القبط يسكنون بلد اسمها "مصر" وبرغم ذلك ‏يأتي عنوان الكتاب (تاريخ إيجبت والعالم ) !! وفي باقي فصول وأبواب الكتاب يتحدث عن ‏البلد بصفتها إيجبت رسمياً وشعبياً، ذلك لأن مسمى "مصر" لم يكن قد عُرف شعبياً أو رسمياً ‏في وقت تأليف الكتاب، وإنما هو اكتفى بحشره 11 مرة فقط في طول الكتاب ! على أمل أن ‏تتزايد هذه المرات في كتب لاحقة من ذات السلسلة، ليصبح الحلم واقعاً ولو بعد ألف عام .. ‏هكذا يفكر اليهود ! وهو ذاته ما حدث مع مسمى "القدس" و "بيت المقدس" في فلسطين. ‏

فالمشكلة الكارثية هي في طريقة تفكيرنا نحن، لأنها طريقة عقيمة وسطحية ‏أفقية، أي تمتد أطراف خيوطها الفكرية في حدود أفقيةً فقط الزمن الحاضر وقليل عمق ‏من الماضي. فنحن نفكر ونتصرف كما كان يفكر آباؤنا لا كما فكر أجدادنا الأقدم، ‏ونفكر في حدود الصورة الموضعية أمام أعيننا لا أن نتصور كيف ستفكر عقول أبناءنا ‏وأحفادنا في المستقبل، لأن نظرة الحياة الدنيا في عيوننا قاصرة على الوضع المعاصر، بل كثير ‏منّا يعتبر التفكير في المستقبل هو نوع من الشرك بالله أو العبث بالقضاء والقدر وأمور الغيب، ‏بعدما أقنَعَنا المشايخ بأن الحياة الدنيا ما هي إلا محطة عابرة، وأن الله إذا أحب عبداً ابتلاه ‏ونكّد عليه عيشته وجعله مهموماً مريضاً فقيراً قليل الحيلة، وأن الدنيا هي سجن المؤمن! ‏وهذا ما يصرف عقولنا إلى السباحة بجناح واحد فقط يمد أطرافه نحو الماضي التراثي فقط، ‏ويا ليته يغوص بجدية في عمق هذا التراث، بل إننا نستحي من نقده أو التعليق عليه، بل ‏نستقبله بنوع من النوستالجيا والاحترام المقدس للقدماء، فلا ندرك أن يكونوا قد وقعوا في ‏خطأ أضرهم وأضر بلادهم التي ورثناها عنهم، فأصبحنا نتغاضى عن أخطائهم احتراماً لهم بينما ‏نحن الآن نعاني مما لم يدركوه هم بحق هذا الوطن، فالوطن ليس ملكاً لهم وإنما ملك ‏الحاضر والمستقبل بالتساوي. ومن ثم لا يجوز أن نترك جيلاً ماضياً يتحكم في مصيرنا ومصير ‏أبناءنا في المستقبل احتراماً لجيل الماضي هذا الذي هو السلف .. هذا بخلاف أطنان من النفايات ‏الثقافية العربية التي عشاوا فيها وتراكمت وما زلنا غارقين فيها حتى الآن ... ‏

يُتبع ...‏‎

‏(قراءة في كتابنا : مصر الأخرى – التبادل الحضاري بين مصر وإيجبت‎ ‎‏)‏‎ ‌‎
‏ (رابط الكتاب على نيل وفرات):‏‎
‏ ‌‎ ‏https://tinyurl.com/25juux8h‏‎ ‌‎

‏(رابط الكتاب على أمازون) :‏‎
‏ ‏https://cutt.us/sxMIp‏ ‏‎

‏( رابط الكتاب على جوجل بلاي‏‎ ):
https://cutt.us/KFw7C

‏#مصر_الأخرى_في_اليمن):‏‎
‏ ‏https://cutt.us/YZbAA

‏#ثورة_التصحيح_الكبرى_للتاريخ_الإنساني‏



#محمد_مبروك_أبو_زيد (هاشتاغ)       Mohamed_Mabrouk_Abozaid#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التبادل التاريخي بين مصر وإيجبت (3)‏
- التبادل التاريخي بين مصر وإيجبت (2) ‏
- التبادل التاريخي بين مصر وإيجبت (1)
- ‏ الجد الأكبر - جبتو مصرايم – هيروغلي.عبراني (8) ‏
- ‏ الجد الأكبر - جبتو مصرايم - هيروغلي.عبراني (7) ‏
- ‏ الجد الأكبر - جبتو مصرايم - هيروغلي.عبراني (6) ‏
- ‏ الجد الأكبر - جبتو مصرايم - هيروغلي.عبراني (5) ‏
- الجد الأكبر - جبتو مصرايم – هيروغلي.عبراني (4) ‏
- الجد الأكبر - جبتو مصرايم - هيروغلي عبراني (3) ‏
- الجد الأكبر - جبتو مصرايم – هيروغلي.عبراني (2) ‏
- الجد الأكبر - جبتو مصرايم - هيروغلي عبراني (1) ‏
- رحلة الغزو الثقافي اليهودي لشعوب الشرق الأوسط (8)‏
- رحلة الغزو الثقافي اليهودي لشعوب الشرق الأوسط (7)‏
- رحلة الغزو الثقافي اليهودي لشعوب الشرق الأوسط ‏بتزوير الكتاب ...
- عنوان الموضوع: رحلة الغزو الثقافي اليهودي لشعوب الشرق الأوسط ...
- رحلة الغزو الثقافي اليهودي لشعوب الشرق الأوسط ‏بتزوير الكتاب ...
- رحلة الغزو الثقافي اليهودي لشعوب الشرق الأوسط بتزوير الكتاب ...
- رحلة الغزو الثقافي اليهودي لشعوب الشرق الأوسط بتزوير الكتاب ...
- رحلة الغزو الثقافي اليهودي لشعوب الشرق الأوسط بتزوير الكتاب ...
- إيچبت ... ليست هي مصر (3)


المزيد.....




- جبريل في بلا قيود:الغرب تجاهل السودان بسبب تسيسه للوضع الإنس ...
- العلاقات بين إيران وإسرائيل: من -السر المعلن- في زمن الشاه إ ...
- إيرانيون يملأون شوارع طهران ويرددون -الموت لإسرائيل- بعد ساع ...
- شاهد: الإسرائيليون خائفون من نشوب حرب كبرى في المنطقة
- هل تلقيح السحب هو سبب فيضانات دبي؟ DW تتحقق
- الخارجية الروسية: انهيار الولايات المتحدة لم يعد أمرا مستحيل ...
- لأول مرة .. يريفان وباكو تتفقان على ترسيم الحدود في شمال شرق ...
- ستولتنبرغ: أوكرانيا تمتلك الحق بضرب أهداف خارج أراضيها
- فضائح متتالية في البرلمان البريطاني تهز ثقة الناخبين في المم ...
- قتيلان في اقتحام القوات الإسرائيلية مخيم نور شمس في طولكرم ش ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - محمد مبروك أبو زيد - التبادل التاريخي بين مصر وإيجبت (4)‏