أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعيد الوجاني - السياسة بين الحب والحرب















المزيد.....

السياسة بين الحب والحرب


سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر

(Oujjani Said)


الحوار المتمدن-العدد: 7584 - 2023 / 4 / 17 - 16:11
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


عندما بدأت اشتغل على هذه الدراسة ، المدير العام للبوليس السياسي الجلاد Le bourreau المدعو عبداللطيف الحموشي ، يقطع الكونكسيون عن منزلي على الساعة السابعة الاّ ربع صباحا ، طبعا انّ هذا الاعتداء الخارج عن القانون يحصل بأوامر صديق الملك و مستشاره الجلاد الحقيقي Le vrai bourreau ، المدعو فؤاد الهمة المسؤول عن البوليس السياسية وعن الشؤون السياسية " .
لم تكن لغة السياسة في يوم من الأيام لغة وصفية خالصة ، وإلاّ لأمكن اليوم ، مع تقدم الاعلاميات ، الاستعاضة عنها برموز ، وترجمتها آليا في الكمبيوتر .
لكن لغة السياسة كانت دوما لغة متعددة المستويات والمراجع . فهي لغة يختلط فيها الوصف بالتقييم ، والتدوين بالأمر ، والرصد بالتوصية . وهي لغة تقتبس من العلم والدين ، كما تقتبس من التكنولوجيا ، والشعر ، والفن ، والاسطورة .
وبما ان السياسة هي قفل ومفتاح الكل الاجتماعي ، من حيث فن تسيير وتدبير لمختلف مظاهر الحياة الاجتماعية ، فخطابها منفتح على الخطابات الاجتماعية القطاعية الأخرى كلها . بمعنى انه يستقي ويستعير قاموسه ودلالته من هذه الحقول مجتمعة .
ان أحد المداخل الممكنة ، لملامسة هذه الآثار القطاعية والاجتماعية المختلفة على اللغة السياسية ، هو التعرف على دور الاستعارة في اللغة السياسية . ونحن هنا لن نتطرق الى موقع الاستعارة في الخطاب السياسي من زاوية ان الاستعارة بصمة بلاغية . فالذي يهمنا هنا ، ليس بلاغية الخطاب السياسي كما تتمثل في توظيف الاستعارة ، بل ان ما يهمنا هو الاستعارة كآلية تعبيرية ضرورية أولا ، ثم استخراج ماهية السياسة من خلال رصد بعض المظاهر الاستعارية في لغتها لاحقا .
رصد الاستعارة في اللغة السياسية ، يضعنا منذ البداية ، امام المستويات المعجمية ، والتركيبية ، والدلالية ، وليس امام المستوى الصوتي ، لان الاستعارة لعبة الفاظ ، وعلاقة بين معان ، ومقارنة بين مراجع المدلولات . فالحديث عن الاستعارة في اللغة السياسية ، يلامس في الدرجة الأولى المعجم ، ثم التركيب ، والأسلوب ثانيا ، ثم الدلالة والمعنى في مستوى ثالث . فكثيرا ما يتحدث عن السياسة بلغة العمل الفني ، حيث يشار الى الاعمال السياسية ، وكأنها من فعل فنان ماهر ، غالبا بالمعنى الواسع .
سيضع " كريستوفر " Christopher Ross " اللمسات الأخيرة " على مشروع إعادة رسم السياسة الامريكية في المنطقة .. كما يتحدث عن السياسة أيضا بلغة الرياضة . أي بالاستعارة من الحقل الرياضي : " الجولة الثانية " من المفاوضات او المباحثات .. " الكرة " الآن في " ملعب " الطرف الاخر .. يجب ان تتحلى كل الأطراف في " اللعبة " السياسية " بروح رياضية " .. شكل هذا القرار " ضربة قاضية " .. " الدورة البرلمانية " .. " الفريق " البرلماني كذا ...
ويتحدث عن السياسة أيضا بلغة التعمير والبناء ، حيث تشبه الاعمال السياسية بعملية بناء او اصلاح للبناء : " تشييد " الاجماع الوطني او القومي .. " إعادة بناء " العلاقات العربية .. " ترميم " العلاقات العربية .. " رأب الصدع " ... الخ .
والاستعارة النسيجية واردة أيضا في اللغة السياسية ، حيث يتم الحديث عن " تمزيق " وحدة الشعب ، او وحدة الطبقة العاملة ، او " تمزيق " الصف العربي ، او " رتْق فتْق " العلاقات العربية المتدهورة .
والاستعارة الصناعية واردة بدورها في الخطاب السياسي ، حيث يتحدث عن السياسة كصناعة : " صهر " الموقف ، " صناعة او صنع " القرار الدبلوماسي .
والاستعارة الجنسية او الغرامية متداولة بدورها في الخطاب السياسي : الارتماء في " حضن او أحضان " الغرب .. " اغتصاب " الحقوق .. " مغازلة " السلطة .. " انتهاك او انتهاكات " حقوق الانسان ... لكن ان اكثر أصناف الاستعارة تداولا في اللغة السياسية ، هي استعارة الرياضة والحرب .. نجاح " ساحق " للإضراب .. وضع " خطوط حمراء " امام المتطرفين .. هذا مجرد " لغم " سياسي .. " الهجوم " الحكومي على القدرة الشرائية للمواطن .. " استيلاء " الحزب الفلاني على المقاعد .. " خوض " النضالات الضرورية .. " ضرب " الحريات النقابية ... " فصائل " الشغيلة ... " المعركة " السياسية ... " السلم " الاجتماعي .. " التراجع " التكتيكي .. " ، الانسحاب " من البرلمان ..
هذا إضافة الى التداول الواسع لمصطلحات عَالَم الحروب في الخطاب السياسي : الاستراتيجية ، التكتيك ، الخطة ..
اذن سؤالنا هو : ما سر طغيان الاستعارة الحربية في اللغة السياسية ؟
لقد بين لنا الاستعراض السريع لنماذج الاستعارة المتداولة في الخطاب السياسي ، استشراء الاستعارة الحربية ، وندرة الاستعارة الغرامية . فهل السياسة في عمقها اقرب الى الحرب منها الى الحب والغرام ؟
قبل الإجابة عن السؤال ، نود الإشارة الى ظاهرة فريدة وغريبة خاصة بعصرنا هذا ، لا فرق فيها بين بلد متطور ، او بلد متأخر ، وهي طغيان المصطلحات والمفاهيم ، بل التصورات العسكرية في مجالات الثقافة والتعبير كافة .
فقد اخذ الجميع اليوم يتحدث بهذه اللغة العسكريتارية من دون حرج ، مما يدل على ان النفوس والعقول ذاتها قد تعسكرت : " الامن " الغذائي والفكري . بل " ( الامن " الثقافي والفكري ؟ ) ، و " الحملات " الإعلامية ، و " المعارك " الاقتصادية ، و " الغزو " الفكري ، و" تطويق " المشاكل الاجتماعية ، و " فك الارتباط " ، و " فك الاشتباك " بين القضايا ، و " تصفية " الجو السياسي ، و " الجبهة " الثقافية ، و " تمشيط " الجبهة الداخلية ، و " ردع " المعارضة ، و " الدفاع " الاجتماعي ، و " التدخل " الحاسم .... الخ .
بل لقد طاولت اللغة العسكرية ميدان الرياضة ، واحتلته احتلالا كاملا تقريبا : الدفاع ، الهجوم ، الجناح الأيمن ، الاحتياط . كما تسلّلتْ المصلحات الحربية الى " ميدان " السياحة نفسه ، حيث اخذ المشتغلون بها يتحدثون في وصف المجمعات السكنية عن " الخطوط الأولى " ، أي " الجبهة " ، ويقصدون بها المجموعة السكنية المشرفة مباشرة على البحر ، ثم الخطوط الثانية والثالثة وهكذا ..
اذن لا تنفرد اللغة السياسية استيرادها المستمر للمصطلحات الحربية ، وانْ كان حضورها قويا ، وشبه كلي في هذه اللغة . فاللغة السياسية اذن ، تعكس طغيان المصطلحات والمفاهيم العسكرية في الثقافة المعاصرة كلها . لكن ربما كان ما يؤهل لغة السياسة نفسها ، اكثر من غيرها ، لتقبل نموذج الحرب والاستعارة الحربية ، هو ماهية السياسة نفسها . فالأخيرة بالمعنى العام ، هي العلاقة بين مختلف مفاصل الكل الاجتماعي ، فهي القفل والمفتاح بالنسبة لهذا الكل . وبمعنى خاص ، فالسياسة فن إدارة وتدبير مسار هذا الكل الاجتماعي . ومن حيث ان السياسة هي رهان اجتماعي كلي حول حيازة الخيرات والرموز ، فإنها تصبح مدار هذا الصراع . والصراع حول السلطة هو في الوقت نفسه ، صراع حول حيازة الخيرات والرموز ، وهذا ما يعطي نوعا من الحظوة والاولوية للمجال السياسي باعتباره مفتاحا ، ليسبغ طابع الصراع والحرب . لذلك نفترض ان الاستعارة الحربية في السياسة هي استعارة عضوية وليست طارئة .
وقد سبق للمفكر الفرنسي Michel Foucault ان درس العلاقة بين السياسة والحرب جزئيا في كتاب " إرادة المعرفة " " La volonté de savoir / 1976 " مستخلصا ان علاقات القوى التي وجدت طويلا في الحرب ، قد اخذت تعبيراتها الأساسية تستثمر تدريجيا في نظام ، وفي لغة السلطة السياسية . لذلك تصل البلاغة السياسية ذروتها عندما تستعير النموذج الحربي ..



#سعيد_الوجاني (هاشتاغ)       Oujjani_Said#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الغلاء وارتفاع الأسعار في المغرب .
- العقلنة المشوهة
- العيّاشة المُتعيّشون من السياسة
- هل إسرائيل في طريقها الى الزوال ؟
- في الثقافة السياسية
- هل ستفعلها المملكة العربية السعودية ، وهل سيفعلها الرئيس الر ...
- فشل الدولة البوليسية بعد سبعة وستين سنة من النهب والافتراس
- الخطاب السياسي ( 4 )
- الخطاب السياسي ( 3 )
- الخطاب السياسي ( 2 )
- الخطاب السياسي ( 1 )
- السلف . هل حقا كان سلفا صالحا ، ام كان في حقيقته سلفا طالحا ...
- في البطريركية السياسية
- تغول بوليس الدولة البوليسية السلطانية
- استراتيجية الاختراق الإسلامي للجامعة ومنها للمجتمع
- الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون
- التحالف ضد الشعب
- حين يكذب الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون ، على رئيس جزائري غا ...
- هل حقا أهان النظام الموريتاني النظام المغربي ؟
- في الكتلة التاريخية او الجبهة التقدمية


المزيد.....




- أنباء عن نية بلجيكا تزويد أوكرانيا بـ4 مقاتلات -إف-16-
- فريق روسي يحقق -إنجازات ذهبية- في أولمبياد -منديلييف- للكيمي ...
- خبير عسكري يكشف مصير طائرات F-16 بعد وصولها إلى أوكرانيا
- الاتحاد الأوروبي يخصص 68 مليون يورو كمساعدات إنسانية للفلسطي ...
- شاهد: قدامى المحاربين البريطانيين يجتمعون في لندن لإحياء الذ ...
- وابل من الانتقادات بعد تبني قانون الترحيل إلى رواندا
- سوريا.. أمر إداري بإنهاء استدعاء الضباط الاحتياطيين والاحتفا ...
- طبيب: الشخير يمكن أن يسبب مشكلات جنسية للذكور
- مصر تنفذ مشروعا ضخما بدولة إفريقية لإنقاذ حياة عدد كبير من ا ...
- خبير أمني مصري يكشف عن خطة إسرائيلية لكسب تعاطف العالم


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعيد الوجاني - السياسة بين الحب والحرب