أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حسين علي - أزمة علم الطبيعة «1 – 2»














المزيد.....

أزمة علم الطبيعة «1 – 2»


حسين علي
كاتب

(Hussein Ali Hassan)


الحوار المتمدن-العدد: 7482 - 2023 / 1 / 4 - 23:52
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


تكمن أزمة علم الطبيعة، بل وأزمة كل العلوم الحديثة وحتى الفلسفة، حسب هوسرل، في نسيان عالَـم الحياة اليومية كأفق لكل ممارساتنا. هذا النسيان يزداد تعمقًا مع اكتساح الصياغة الرمزية والصورية لكل حقول المعرفة العلمية. فمع طغيان الطابع الرمزى والصورى للمعرفة العلمية تختفي المعانى والدلالات الأصلية للأشياء وراء رموز فارغة يمكن أن نشتغل عليها وأن نجرى عليها عمليات متعددة دون التساؤل عن مضمونها. هكذا يتحول التفكير العلمى إلى نوع من الحساب يتم إجراؤه بكيفية صورية على رموز وقضايا فارغة من أى مضمون يذكر بعلاقتها بالعالَـم اليومى. إن التفكير العلمى يصبح شبيهًا بالنشاط التقني الحرفى الذي يقوم على التمرن والعادة، لا على التأمل والابتكار. يتبين إذن، مع هوسرل، أن العلاقة بين العلم والتقنية الحديثين هى أعمق مما يُعْـتَقد عادةً، فالتقنية ليست مجرد تطبيق للعلم، بل إن الروح التقنية تسود العلم ذاته كمعرفة نظرية. إن العلوم الحديثة هى في عمقها علوم تقنية.
مع طغيان الطابع التقني المنهجي في العلم الحديث يبلغ نسيان عالَـم التجربة اليومية حده الأقصى. وهكذا يسود الاعتقاد بأن العالَـم كما تتمثله القوانين والنظريات العلمية، والذي ليس في الأصل سوى نتاج لإجراءات منهجية تقنية، هو العالَـم الحقيقى، وبأنه موجود باستقلال عن كل وعي. أما عالَـم تجربتنا اليومية فيُنْـظَر إليه كمجرد تعبير ذاتر تقريبى عن العالَـم الحقيقى، ولذلك فهو لا يستحق أن يكون موضوعًا للدراسة العلمية. يرى هوسرل خطورة هذه النزعة الموضوعية التي تسود العلم الحديث في أنها تقود إلى انفصال العلم عن عالم التجربة اليومية.
إن تخلى العلم عن آفاق عالَـم الحياة البشرية يؤدى إلى انفلات البحث العلمى من مسئولية الإنسان، فالبحث العلمى يتحول إلى عملية لا نهائية تتجسد في إجراءات منهجية تقنية للسيطرة على العالَـم الرياضى اللانهائى ومختلف قطاعاته. هكذا يصبح دور العالِم مقتصرًا على متابعة قطاع أو مجال من العالَـم، دون أن يكون مضطرًا للتساؤل عن علاقة البحث الذى يمارسه بآفاق الحياة اليومية وعن غاياته. إن آفاق العلماء والباحثين تضيق شيئًا فشيئًا، بحيث يبدو في نهاية الأمر كما لو أنهم أصبحوا مجرد أجزاء أو قطع داخل آلة كبرى، تعطى نتائج مفيدة، ولكن دون أن يعرفوا كيف تشتغل هذه الآلة، وما هى علاقتها الأصلية بعالَـم الإنسان.
إن البحث العلمى يتجه إلى أن يتحول إلى «شغل» مقسم بكيفية دقيقة إلى مهام جزئية يقوم كل عالِم بإحداها ويكون مسئولًا عنها هى فقط. يسير هذا الشغل بكيفية أتوماتيكية مستقلة، وذلك دون أن يشعر العلماء بأية ضرورة حية للتساؤل عن سياق المعنى الشامل، أو عن الأفق الذى يندرج فيه كل مشروع بحث جزئي. معنى ذلك أن المسئولية الشاملة عن سير البحث تخرج من يد العلماء والعلم عمومًا.
وقد كان من شأن الحرب العالمية الثانية أن أثرت تأثيرًا جذريًا في وجهة نظر العلماء. وعلى الرغم من المهارات التقنية التى كان يتمتع بها العلماء، والتكنولوجيون في أمريكا، فإنهم كانوا من الجدة والحداثة بحيث إنهم لم يفكروا في عملهم بلغة القوة الحربية والاجتماعية، فظلت تطبيقاتهم الاجتماعية لمهاراتهم العلمية تدخل ضمن أعمال الهواة، ولكن «هيروشيما» قد عملت – إلى حد كبير – على تغيير هذا الوضع.
وكثيرًا ما يقال عن «هيروشيما» إنها كانت بمثابة المعادل للتفاحة في قصة «جنة عدن»: فقد وضع أكل هذه التفاحة حدًا لعهد البراءة، ومنح الإنسان معرفة بالخير والشر. وليس من شك في أن «هيروشيما» قد أعطت الكثير من العلماء إحساسًا جديدًا بالمسئولية.
وهنا تثار مشكلة «مسئولية العالِم» في العصر الحاضر. ذلك لأن العالِم كان، تقليديًا، يقوم بالبحث النظري أو التطبيقي وليس في ذهنه إلا هدف واحد، هو إنجاز ما بدأه.
ولكن الوعى المتزايد بالنتائج الأخلاقية والاجتماعية التى يمكن أن تترتب على كثير من الكشوف العلمية في هذا العصر، جعل من الضروري أن تضاف إلى أعباء العالِم مهمة أخرى، هى أن «يفكر» في تلك النتائج قبل وأثناء قيامه ببحثه، وربما أن يمتنع أصلًا عن مواصلة البحث إذا أيقن بأن نتائجه ستكون وخيمة.
ولقد تفاوتت الآراء حول مشكلة «مسئولية العالِم»، فهناك من يضيقون تلك المسئولية إلى الحد الأدنى، فيرون أنها تقف عند حدود معمله أو مختبره، وأن العالِم لا شأن له بما يحدث خارج هذه الحدود. وهناك من يوسعون هذه المسئولية إلى أقصى حد، فيؤكدون أنها تمتد في عصرنا الحاضر إلى المجتمع بأسره. ولكل من الفريقين، وكذلك لمن يقفون موقفًا وسطًا بينهما، حججه التي يدعم بها موقفه. ومن الواضح أننا ميالون إلى تأكيد مسئولية العالِم، وأننا نصفق بحماسة حين نجد عالِمًا كبيرًا يخرج من إطار عمله العلمى الخالص لكى ينبه الرأي العام إلى خطر يوشك أن يحدثه العلم، أو حماقة تنزلق إليها البشرية نتيجة للتقدم التكنولوجى. ولكن المسألة ليست دائمًا بهذه البساطة.



#حسين_علي (هاشتاغ)       Hussein_Ali_Hassan#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الدين والعلم والعقل العربي
- إسلام بلا مسلمين‏..‏ ومسلمون بلا إسلام
- الجشع البشري
- طه حسين ومستقبل الثقافة في مصر «4»
- طه حسين ومستقبل الثقافة في مصر «3»
- طه حسين ومستقبل الثقافة في مصر (2)
- طه حسين ومستقبل الثقافة في مصر (1)
- الخرافة.. والعلم
- ليس بالكتل الخرسانية وحدها تـُبنى الأوطان
- هل لدينا فلاسفة؟
- وجوه .. وأقنعة
- الصورة الذهنية والواقع الفعلي
- الدين المعاملة
- فلسفة التغافل
- زكى نجيب محمود وتجديد الفكر العربى
- قد تكون مظلومًا.. لكن هل حقًا تشعر بذلك؟
- الحق.. والحقيقة
- الحرية تاج على رؤوس الأحرار
- مجتمعات تذبح الإناث
- أوهام بشرية


المزيد.....




- من أجل صورة -سيلفي-.. فيديو يظهر تصرفا خطيرا لأشخاص قرب مجمو ...
- من بينها الإمارات ومصر والأردن.. بيانات من 4 دول عربية وتركي ...
- لافروف: روسيا والصين تعملان على إنشاء طائرات حديثة
- بيسكوف حول هجوم إسرائيل على إيران: ندعو الجميع إلى ضبط النفس ...
- بوتين يمنح يلينا غاغارينا وسام الاستحقاق من الدرجة الثالثة
- ماذا نعرف عن هجوم أصفهان المنسوب لإسرائيل؟
- إزالة الحواجز.. الاتحاد الأوروبي يقترح اتفاقية لتنقل الشباب ...
- الرد والرد المضاد ـ كيف تلعب إيران وإسرائيل بأعصاب العالم؟
- -بيلد-: إسرائيل نسقت هجومها على إيران مع الولايات المتحدة
- لحظة تحطم طائرة -تو-22- الحربية في إقليم ستافروبول الروسي


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حسين علي - أزمة علم الطبيعة «1 – 2»