أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي دريوسي - قطار آخن 7














المزيد.....

قطار آخن 7


علي دريوسي

الحوار المتمدن-العدد: 7380 - 2022 / 9 / 23 - 13:09
المحور: الادب والفن
    


فتحت الباب، انبعث ضوء ليموني خافت من الشقة، الممر طويل، جدرانه صالة عرض، وضع أغراضه على الأرض الخشبية، شعر بالدفء، نزعت عنه سترته المبللة.
ـ تصرف وكأنك في بيتك.
ـ هل ينبغي أن أخلع حذائي؟
ـ أنصحك بذلك، وكذا الجوارب، البيت نظيف وأرضيته دافئة، ستشعر براحة.
أطاعها فيما رغبت.
- أيزعجك أن أتفرج على اللوحات المعلّقة؟
- أبداً، بل يسعدني ذلك، سأتركك في معرضي وحيداً، يجب أن أسرع إلى الحمّام.
في الكوريدور الدافئ ثمة أرائك جلدية بيضاء للجلوس، أرخى جسده الباحث عن المغامرة والجنون في إحداهن وكأنه في عالم آخر، وهو حقيقة في عالم آخر، سمع صوتها يعتذر عن نسيانها لتشغيل الإضاءة الخاصة باللوحات، فجأة تغيرت كثافة الضوء حول اللوحات وتسربت انعكاساته إلى الجدران المقابلة.
كانت لوحة "أصل العالم" للرسام الفرنسي "غوستاف كوربيه" أول من سرق تمعنه ودهشته المسروقة سلفاً من اليوم الأول في قطار آخن، سبق له أن رآها في زيارته لمتحف أورسيه في باريس، رسمها غوستاف في عام 1866 بتكليف من الدبلوماسي التركي خليل باشا شريف، شدته اللوحة من النظرة الأولى إليها في المتحف، أثارته، حرّكت مشاعره، ذكّرته بشوقه لاحتضان الأصل، ذكّرته بمفاتن النبع. استحى من نفسه حين شعر بأصابع يده اليسرى تلامس عضواً من جسده.
إلى اليمين من لوحة الأصل، أسفلها بقليل، عُلقت لوحة "خلق الإنسان" للفنان "مايكل أنجلو"، يظهر على يسار الصورة السيد آدم مُمدَّداً باسترخاء، يمدّ سبَّابته اليسرى للوصول إلى الله، في الجزء الأيمن من الصورة حيث السماء يظهر الله الآب محاطاً بملائكته، بقوة ورشاقة يمدّ له السبَّابة اليمنى لإشعال شرارة الحياة في أول إنسان.
بربر إبراهيم مع نفسه: يا لشرارة الحياة، كم انتظرتها! سأفتح عيني وأنظر شديداً في اللوحات، في الناس ومعالم الأشياء طويلاً طويلاً إلى أن تبدأ بالكلام، سأبقى فضولياً لما يخبئه لي كل قادمٍ جديد.
جاءه صوتها الإذاعي الساخر ودوداً: ألم تنته من زيارة المعرض بعد، نحن بانتظارك.
ردّ: سآتي حالاً.
**
لم تنتظر قدومه، جاءت إليه، همست: ما الأمر؟
ـ ...
أمسكت يده اليسرى الضخمة وسحبته خلفها صوب المطبخ.
ـ إنها تنتظرك، هنيلوري تنتظرك!
ـ ...
ـ أحب يديكَ!
ـ ...
ـ أيستهويك الشتاء؟
ـ لا يستهويني إلا نصف سيجارتك ونصفك الأسفل أكثر!
وقفَ على عتبةِ مطبخها الواسع، مهموماً كمن يتهيأ لدخول مدينة، وقف يحمل في داخله سكينه الأزرق السحري، طالما لوّح به في فضاء غرفته العقيم، حائراً مهترئاً حتى الإنهاك، حزيناً، سكراناً مثل "معروف الإسكافي" في دكانه الشهير، في الليلة الخامسة والثمانين بعد التسعمائة من حكاياته، ظل يلوِّح به ويلوِّح ولم يسترح إلى أن وقع في مطبخها كما حلمَ!
يا امرأة من شوكولاتة وغارغويل، يا امرأة قادمة من مدينة آخن، قولي لضيفتك هنيلوري، بأنه قبل أشهرٍ من الآن، قبل قطار آخن، كان إبراهيم الطيِّب أقل حماقةً، كانت الغربة وحدها من تنهشه، أما اليوم فينهشه التوجُّس المعجون بالغربة، المنافسة تنهشه، الغباء ينهشه، الغيرة تنهشه والتذلُّل ينهشه حين ينعشه، من لا ينتمي للمشهد، أي ذلك الذي يراقب من بعيد، سيكتب في تقريره يوماً: يا لطيف كم سخرت الغربة اللئيمة من تلاعب النساء بالرجال!

حماقة الرجال تعشعش في الجوّ الموبوء، تنمو كبالون من هواءٍ مسموم، ها هو إبراهيم الطيِّب قد باع كل شيء في الوطن: كتبه، سريره، طاولته، لوحاته، جوائزه، هداياه، خطب رئيس دولته، البصل اليابس وشجرات الزيتون في أرضه. باع كل التفاصيل ثم غادر الأهل والأصدقاء والأحباء وهرب من الجحيم، هرب دون جَلَبَة، هرب الخروف من المزرعة، هرب الذئب من الغابة.
فعل كل شيء لأجلك وحدك، هرب من الجحيم والشياطين ليصل إليك دون أن يعرف من أنت، أعطى ثمن مبيعاته للرسل، ليسافر معهم، ليسقط بمعونتهم في مطبخك، كي يطبخ لك أصل العالم واللُّقْمَة بألوان القلب، اقتربي منه، ضعي يديك الإثنتين على وجهه، لامسي رأسه المتعب، رأسه اشتاقَ للطبخ، اطبخيه على نار هادئة، لن يمانعك قطعاً، كوني عادلة معه يا امرأة من نسيج عنكبوتي، كوني لدنة معه يا امرأة محطات القطارات القديمة.
**



#علي_دريوسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قطار آخن 6
- قطار آخن 5
- قطار آخن 4
- قطار آخن 3
- قطار آخن 2
- قطار آخن 1
- خواطر قارئ تحت ظلال رواية (المُكْتَوي)
- سِباق التعرُّج 11
- سِباق التعرُّج 10
- سِباق التعرُّج 9
- سِباق التعرُّج 8
- سِباق التعرُّج 7
- سِباق التعرُّج 6
- سِباق التعرُّج 5
- سِباق التعرُّج 4
- سِباق التعرُّج 3
- سِباق التعرُّج 2
- سِباق التعرُّج 1
- براغي
- جسر اللَّوْز الحلقة الأخيرة


المزيد.....




- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام
- السعودية تتصدر جوائز مهرجان هوليوود للفيلم العربي
- فنانون أيرلنديون يطالبون مواطنتهم بمقاطعة -يوروفيجن- والوقوف ...
- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...
- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ
- روسيا.. إقامة معرض لمسرح عرائس مذهل من إندونيسيا
- “بتخلي العيال تنعنش وتفرفش” .. تردد قناة وناسة كيدز وكيفية ا ...
- خرائط وأطالس.. الرحالة أوليا جلبي والتأليف العثماني في الجغر ...
- الإعلان الثاني جديد.. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 الموسم ا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي دريوسي - قطار آخن 7