أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي دريوسي - قطار آخن 1














المزيد.....

قطار آخن 1


علي دريوسي

الحوار المتمدن-العدد: 7366 - 2022 / 9 / 9 - 14:01
المحور: الادب والفن
    


صعد إلى إحدى عربات القطار المسافر من محطة القطارات الرئيسية في مدينة آخن إلى مدينة دورتموند في مقاطعة "نورد راين فيستفالن" في ألمانيا. حركة الناس في المساء بطيئة، العربة فارغة إلا من بضعة مسافرين جلسوا متفرقين وقد أمسك أغلبهم في يده كتاباً. كان يومه متعباً أمضاه بالقراءة الجافة. للقراءة أنواعها ونماذجها وسرعاتها، منها تلك القاسية البطيئة المُضنية ومنها تلك المرنة السريعة الخفيفة، منها التحليلية الإبداعية ومنها الترفيهية الانتقائية.

بحثَ بعينيه الذكيتين عن تقاسيمَ وجوه فيها من المرونةِ والطيبة ما يكفي كي يتشجع مسافر على محادثة أصحابها، وهو الذي يعلمُ تماماً عدم رغبة الناس هنا بالحديث إليه أو إلى غيره من الغرباء أو أهل البلد الأصليين بعد يوم عملٍ مضنٍ، لمح امرأة جالسة في مقعدٍ مزدوجٍ، مشى باتجاهها، اقتربَ منها وجلس قبالتها.

نظر صوبها خلسةً، لم تعره انتباهاً، احتار بأمره، أصدر ضجيجاً مفتعلاً علّه يلفت انتباهها، لم تحرك ساكناً، نهض، وضع حقيبته على الرف المعدني فوق المقعد، لفّ رجلاً على رجلٍ وراح يتأمّلها، كانت ترتدي فستاناً أسود أنيقاً يغطي جسدها المكتنز من أعلاه إلى أسفله، يغطي كتفيها وذراعيها وركبتيها، ربطت شعرها الطويل الكثيف، ارتدت نظّارة بإطارٍ سميك أحمرَ اللّون وانغمست بقراءة كتاب.

على المقعد قربها ثمّة كيسٌ زهري اللّون أنيقٌ التصميم، وحقيبة يدوية مملوءة بأشياءٍ لا يعرف كنهها سواها، أنفها جميل، شفتاها عذبتان، من خلف نظارتها استطاع أن يلمح لون عينيها الأخضرَ الزيتوني، نهض من جديد، أنزل حقيبته اليدوية، وضعها جانبه، فتحها، أخرج كتاباً، تنحنح، لم تعره انتباهاً، فتح الكتاب وشرع بالقراءة.

نظرت إليه بعد برهة، سألته: عمّ تقرأ؟
ابتسم منتصراً وأجابها بفوقيةٍ: كتاب علمي اختصاصي، وأنت ماذا تقرئين؟
ـ قصصاً خفيفة عن الحب والنساء والعذاب والعزاء.
استراح كتابها في حضنها، رفعت نظارتها، وضعتها فوق شعرها الخرنوبي، بانت عيناها الواسعتان، أعجبته، دفش كتابه جانباً، دنا بجسده منها، لم يجد ما يسألها إلا: ما اسمك؟
ـ سابينه، وأنت هل لك اسم؟
ـ إبراهيم. وأردف بحشريةٍ: ومن تكونين؟
ـ صاحبة شركة مهمة للترجمة والعلاقات العامة.
مدّت أصابعها إلى حقيبتها وأخرجت بطاقة تعريفٍ بشخصها، قدّمتها له.
قرأ اسم الشركة واسمها، هزّ رأسه سعيداً وسألها متذاكياً: ولماذا تسافرين بالقطار في هذا الوقت المتأخر نسبياً؟
ـ كي أقرأ وأصادفك! وأنت؟ من أين أنت؟
- أنا من من المشرق العربي.
- شكراً لهذه المعلومة القيّمة. ما هو اسم بلدك؟ مدينتك؟
- أنا من سوريا، من مدينة مصياف، هل تسمعين بها؟
- سافرت إلى سوريا مع أخي وأصدقاء لنا في رحلة سياحية قبل سنوات.
- ما الذي زرته هناك؟
- زرت كل القلاع الأثرية التي تهمني: قلعة مصياف وقلعة أبو قبيس وقلعة المضيق وقلعة الرصافة وقلعة شيزر وقلعة العليقة وقلعة القدموس وقلعة الكهف وقلعة الخوابي.
- للأسف لم يتسنَّ لي خلال حياتي في سوريا أن أزور كل هذه المواقع دفعة واحدة، لكني ـ على الأقل ـ أعرف ما هو القاسم المشترك بينها.
ـ ماذا تعني بالقاسم المشترك؟
ـ لا شيء يستحق الذكر.
- ماذا تفعل في هذه الدنيا؟
- أعيش في آخن وأعمل في الجامعة.
- في الجامعة!؟ أين بالضبط؟
- في شارع بونت، معهد تصميم الآلات، البناء رقم 49.
- بالقرب من مؤسستي! إِذَنْ نحن جيران، بوسعك زيارتي في أقرب فرصة والتعرُّف على الشركة.
- شكراً للعرض، سأكون سعيداً باللقاء معك.
- لا داعي للشكر، قد نحتاج إلى خدماتك باللغة العربية.

كاد القطار يقترب من محطة "منشنغلادباخ".
نهضت من قعدتها، سحرته تفاصيل جسدها، قامتها، رائحتها، كان رأسه في تلك اللحظة موازياً لبطنها تماماً.
نظرت إليه مؤنبةً وقالت: تعرّفنا إلى بعض بما فيه الكفاية والآن أتمنى ألا تنظر إليّ حين أنزل من القطار وألا تلاحقني بعينيك، فهناك من ينتظرني. هل تفهم ما أعني؟
استغربَ إبراهيم رجاءها، احترم رغبتها صاغراً مدّعياً التّحضّر، خشيةَ خسارتها لا أكثر، ودّعته المرأة وطارت، بينما ظل هو صامتاً حالماً بوهج زيارتها في مقر الشركة.
**



#علي_دريوسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خواطر قارئ تحت ظلال رواية (المُكْتَوي)
- سِباق التعرُّج 11
- سِباق التعرُّج 10
- سِباق التعرُّج 9
- سِباق التعرُّج 8
- سِباق التعرُّج 7
- سِباق التعرُّج 6
- سِباق التعرُّج 5
- سِباق التعرُّج 4
- سِباق التعرُّج 3
- سِباق التعرُّج 2
- سِباق التعرُّج 1
- براغي
- جسر اللَّوْز الحلقة الأخيرة
- جسر اللَّوْز 54
- جسر اللَّوْز 53
- جسر اللَّوْز 52
- جسر اللَّوْز 51
- جسر اللَّوْز 50
- جسر اللَّوْز 49


المزيد.....




- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ
- روسيا.. إقامة معرض لمسرح عرائس مذهل من إندونيسيا
- “بتخلي العيال تنعنش وتفرفش” .. تردد قناة وناسة كيدز وكيفية ا ...
- خرائط وأطالس.. الرحالة أوليا جلبي والتأليف العثماني في الجغر ...
- الإعلان الثاني جديد.. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 الموسم ا ...
- الرئيس الايراني يصل إلي العاصمة الثقافية الباكستانية -لاهور- ...
- الإسكندرية تستعيد مجدها التليد
- على الهواء.. فنانة مصرية شهيرة توجه نداء استغاثة لرئاسة مجلس ...
- الشاعر ومترجمه.. من يعبر عن ذات الآخر؟
- “جميع ترددات قنوات النايل سات 2024” أفلام ومسلسلات وبرامج ور ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي دريوسي - قطار آخن 1