أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي دريوسي - قطار آخن 3














المزيد.....

قطار آخن 3


علي دريوسي

الحوار المتمدن-العدد: 7371 - 2022 / 9 / 14 - 11:43
المحور: الادب والفن
    


رجع إلى الغرفة وأقفل الباب، جلس قبالتها، رفعت ساقيها وأرختهما فوق فخذيه، مدّت يديها إلى حقيبتها، أخرجت منها علبة تبغٍ معدنية فاخرة بأناقتها وغليون تدخين أنثوي التصميم ماركة "غارغويل" وسألت:
ـ أتأذن لي أن أدخّن في غرفتك؟
ودون أن تنتظر إجابته استأنفت:
ـ الحياة قاسية، علينا أن نسترخي، الإنسان الطبيعي لا يعمل في المساء، بل يتمتع، الإنسان يكافئ نفسه في المساء على عملٍ قام به في النهار.
كان كمن فقد النطق والقدرة على قول كلماتٍ بلغةٍ أجنبية، كان حائراً، لم يفهم سؤالها، فهو يدخّن في الغرف منذ بزوغ الشعر تحت إبطه، ارتبك قائلاً:
ـ بالطبع تستطيعين، فأنا دخّنت في مكتبك أيضاً.
فتحت غطاء العلبة الفاره، كانت مؤلفة من حجرتين، في الحجرة الأولى تبغ، وفي الثانية كمية قليلة من مسحوق أبيض اللون، حشرت قليلاً من التبغ في تجويف الغليون وفوقه رشّت بقايا الشيء الأبيض، حرقته، استنشقته، أخذته، فتحت ساقيها أكثر، نظرت إليه، سألت بعينيها الدائختين:
ـ أترغب أن تجربه؟ إنه قرارك وحريتك، لا أنصحك به الليلة، لديك على الطاولة علبة سجائري، تستطيع أن تمد يدك وتأخذ منها ما ترغب، ليست ثقيلة.
تحرك الشرقي العنيد فيه، كبّر رأسه وقال:
ـ بل سأفعل مثلك، أتسمحين أن أجرّب غليونك؟
ـ تفضل، لا تسحب بشدة، خذ نَفَسَاً خفيفاً، هذا يكفي في المرة الأولى.
غضب الشرقي في رأسه، سحب الدخان بكل طاقته إلى جوفه وكأنّه يتحدّاها.
ابتسمت، نهضت، همست:
ـ لست سهلاً أيّها الشرقيّ الخبيث.
دفعته إلى السرير، انتفض الشيطان من جوفها، دخلت فيه، ليسقطا معاً في جنة الجسد.
شارفت الساعة على الرابعة صباحاً، نظر إليها بعينين هائمتين مخدّرتين راجيتين رائحة تبغها مجدَّداً، دفّأته بجسدها وهمست بأذنه:
ـ يكفي ما تناولتَه، انتهى ما كان في جعبتي لهذا اليوم من مخصصات.
فجأةً بَرد جسدُه، تسارعت نبضات قلبه، ارتعد من هذا الإحساس المفاجئ، ضمّها أكثر:
ـ دفئيني، لا تتركيني لوحدي، أحتاج هواءً ساخناً.
نهض متوتراً، فتح النافذة على مصراعيها، استنشق هواءً بارداً.
ـ كم أرغب بالصراخ في وجه القباحة، في وجه الدم والقتل والتشويه والفقر والتجويع والرعب والخوف والتهجير والقلق والترقب.
ـ والآن ما العمل؟
ـ لا أعرف، اسألي فلاديمير لينين. ألسنا نهوي بشكلٍ مستمر؟
ـ فريدريش نيتشه. ومن بعدنا الطوفان.
ـ مدام دي بومبادور. أتعلمين أنّ هذه المقولات الثلاث تُعتبر من أهم معالم ومميزات الدرب الأساسية التي يتسم بها هذا العصر الجديد الذي نعيشه عالمياً؟
مشت عاريةً باتجاه النافذة المفتوحة على سكن الطلاب وعنفوانهم، وضعت يديها على إفريز النافذة، نظرت للبعيد المعتم وهمهمت كمن يخاطب نفسه:
ـ صدق مارميلادوف، لم يعد هناك طريق آخر يقصده العشّاق إلا الانتحار.
ـ ما الذي تفكرُ به امرأة شابة تقفُ أمام نافذة بيضاء مفتوحة على مصراعيها في بناية طلابية عالية؟
ـ ربّما ستطير مثل فراشات غارسيا ماركيز الصفراء، ربّما ستحلِّق عالياً جداً جداً كإمرأة تنشر غسيل غارسيا على سطح بيت العائلة في يومٍ غائم.
ـ لعلّها تتكلم مع طالبٍ وسيمٍ على الرصيف المقابل من النافذة، شابٌ تعتريه الحيرة، يقفُ أمام الخمّارة الطلابية الليلية، ولا أحد يراهُ سواها.
ـ بل لعلّها ترغب أنْ تسمعَ روّاد الخمّارة أسفل النافذة يهمسون: ثمة امرأة مشطورة شطرين بالنافذة.
ـ كأني قرأت شيئاً مشابهاً، في إشارة لزواج الوعي من اللاوعي.
ـ قد يكون الفرنسي أندريه بريتون!
ـ لعلّ الواقفة خلف النافذة مجرد اِمرأة شرقيّة منشغلة بترتيب الطناجرِ والمَقَالي في مطبخها الصغير في قرية منسية وهي تغمغم: ما مّر عام وليس في الشرق جوع.
ـ لقد تأخر الوقت.
ـ على الانتحار أم على الرحيل؟
ـ على الاثنين معاً.
أخرجت علبةً زجاجية من حقيبتها، وضعت بضع قطرات منها على منديلٍ نظيف ومسحت به ما بين فخذيها.
طلبت تاكسي، قبّلته وغادرت.
**



#علي_دريوسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قطار آخن 2
- قطار آخن 1
- خواطر قارئ تحت ظلال رواية (المُكْتَوي)
- سِباق التعرُّج 11
- سِباق التعرُّج 10
- سِباق التعرُّج 9
- سِباق التعرُّج 8
- سِباق التعرُّج 7
- سِباق التعرُّج 6
- سِباق التعرُّج 5
- سِباق التعرُّج 4
- سِباق التعرُّج 3
- سِباق التعرُّج 2
- سِباق التعرُّج 1
- براغي
- جسر اللَّوْز الحلقة الأخيرة
- جسر اللَّوْز 54
- جسر اللَّوْز 53
- جسر اللَّوْز 52
- جسر اللَّوْز 51


المزيد.....




- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي دريوسي - قطار آخن 3