أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فوز حمزة - الظلال الحزينة














المزيد.....

الظلال الحزينة


فوز حمزة

الحوار المتمدن-العدد: 7214 - 2022 / 4 / 9 - 23:42
المحور: الادب والفن
    


قال لي بائع التذاكر:
- أتذكر أني رأيتك البارحة هنا .. أليس كذلك ؟
- نعم . لقد وصلت المحطة متاخرًا .. فاضطررت لتأجيل الرحلة لهذا اليوم ..
قاطعني مندهشًا:
- ألم تسمع نشرة الأخبار .. ألم تقرأ الصحف؟
نفيت بهزة من رأسي لكنه لم يمهلني طويلا إذ قال وكأنه يسرد فيلما شاهده في السينما:
- ليلة البارحة وبعد ساعة من موعد الانطلاق تعرض القطار لحادثة كبيرة أودت بحياة عدد كبير من الركاب بما فيهم السائق ومساعده والآخرون جرحى وما زالوا بين الموت والحياة .
وأنا ما أزال تحت تأثير الصدمة أضاف:
- لقد توقفت جميع الرحلات لإشعار آخر ..
وهو يهم في القيام من مقعده وغلق الشباك قال:
- أنت محظوظ .. أنصحك بذبح عجل كبير تقربًا إلى الله لأنه نجاك من الحادث !!
وأنا في الباص شدني منظر السماء والشوارع والبنايات وظلالها المائلة وكأني أراها لأول مرة .. شعرت بحنين جارف إلى أهلي والبيت الذي يضمنا والشوق الأكبر كان لغرفتي المشمسة و نافذتها المطلة على مزرعتنا الكبيرة .. أخذتني ولا أدري لماذا القشعريرة وأنا أتذكر حصاني الرمادي وكلبي الأسود وخرافنا الكثيرة .. تذكرت شاي العصر قرب النهر وأنا متكىء على جذع شجرة الكالبتوس العجوز .. أسندت رأسي على زجاج نافذة الباص وأغمضت عيني ببطء فبدأت المشاهد تضمحل رويدًا رويدًا وتذوب .
استقبلني أهلي غير مصدقين أعينهم .. لقد ظنوا حينما سمعوا بالحادثة أنني من ضمن الأموات أو الجرحى .. قالت لي أمي وهي تقدم لي الشاي والحلوى التي أحبها بينما عيناها مغرورقتان بالدموع :
- لولا أن زوجة الجزار كانت من الذين ماتوا في الحادث لعملت لك احتفالًا كبيرًا لسلامتك وختمت حديثها :
- دعواتي لك هي التي جعلتك تتأخر عن موعد القطار ..
كنت على وشك أن أسألها عن الذين ماتوا في الحادث .. ماذا عن دعوات أمهاتهم ؟ لكني سكت كي لا يزعجها سؤالي ولأنها أيضًا انشغلت مع والدي الذي أجزم بما لا يقبل الشك إنها إشارة من الله كي لا أسهو أو انقطع عن الصلاة ثانية ..

وددت أن أسأله .. هل الموت عقوبة عادلة لمن ينقطع عن الصلاة؟! لكن سماع أصوات ولغط كثير جعل والدي يقفز من مكانه و يتجه صوب باب الدار .. إنهم أقرباؤنا وبعض الجيران .. جاؤوا مهنئين على سلامتي .. كل أحاديثهم كانت تدور على أنني شخص مبارك وذو كرامات وما نجاتي من حادثة القطار إلا دليل واضح على ذلك ..
نظرت بتأن إلى كل ما يحيطني .. شعرت كأن رأسًا ثانية قد استبدلت برأسي .. بدأت الأفكار تهاجمني دون رحمة تحاول زعزعة إيماني بأشياء كانت من قبل راسخة وثابتة .. قلت لنفسي بصمت:ربما هذا ما يجب فعله .. عليّ إفراغ ما في رأسي من أفكار لاستقبل أخرى ..
وأنا ما أزال أعاني الإرباك دخل جاري الذي يعمل صحفيًا.. سحبني من كوعي قائلًا:
- كن مستعدًا يوم الغد لأجري معك مقابلة صحفية ؟
سألته:
- لماذا ؟
أجاب بصوت فيه الكثير من الدهشة والاستغراب:
- لماذا ؟! لإنك الناجي الوحيد .. ما حدث معك يشبه ما نشاهده في الأفلام ..
- لكني لم أركب القطار .. لقد تأخرت فقط ..
- لا تقلق .. ليست مشكلة .. سأرتب لك قصة مشوقة .. هذه لعبتي ..
قاطعته:
- كم عدد ضحايا القطار؟
صمت قليلًا ونظرات عينيه تدور في الفراغ تبحث عن إجابة .. قال بعد أن مط شفتيه وبانت تجاعيد جبينه:
- لا أعلم بالضبط .. لكنهم تجاوزوا الأربعمائة راكب .. هذا ما سمعته .. تخيل!! لو كنت مكانك لصليت لله كل يوم ألف ركعة ..
كنت أريد أخباره أن الله لا يحتاج إلى إنهاء حياة أربعمائة إنسان ليستجدي مني ألف ركعة .. هناك إشارات أقل دموية بإمكانه إرسالها ..
أردت أخبارهم أن ما حدث لا علاقة له بعناية السماء بل بأهمال أهل الأرض و استهتارهم بأرواح البشر لكن صوتي كان ضعيفًا أمام ضجيجهم تلك اللحظة.
طلبت من أختي عند حلول المساء نقل فراشي إلى سطح البيت .. كنت بحاجة لفضاء أوسع من أجل الأفكار التي تزاحمت في رأسي تحاول الفرار من سجنها .. بعد دقائق انشغلت عن كل شيء بالنظر إلى النجوم التي ملأت السماء والقمر المكتمل الذي سرعان ما حملني لعالم النوم ..
في الحلم وجدتني محاطًا بألواح خشبية تتكىء على بعضها البعض وثمة ظلال حزينة لكنها حقيقية لاحت لي من ثقوب صغيرة في تلك الألواح بينما صوت أمي وهي تولول جاءني متسللًا منها وهي تتساءل: يا ولدي لو ركبت القطار بدل الباص لكنت الآن حيّ بيننا !!



#فوز_حمزة (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بعد منتصف الحلم
- رسالة إلى العصافير
- ابنة الغجرية
- قارىء عداد الكهرباء
- مواسم العطر
- بين الظلال
- أنا ومعطفه الأسود
- موعد غرامي
- الوداع الأخير
- زهرة التوليب
- رماد الشمس
- رسالة من بين ثياب شتائية
- رحيل
- بقعة شاي
- بيرانديللو
- من مكان يدعى الروح
- امرأة في قطار
- حقيبتي السوداء
- ما رأيك ؟
- الباقي .. قطعتان من الشطرنج


المزيد.....




- التعبيرية في الأدب.. من صرخة الإنسان إلى عالم جديد مثالي
- يتصدر عمليات البحث الأولى! .. فيلم مشروع أكس وأعلى الإيردات ...
- المخرج علي ريسان يؤفلم سيرة الروائي الشهيد حسن مطلك وثائقياً ...
- فنانون سوريون ينعون ضحايا تفجير كنيسة مار إلياس
- المفكر الإيراني حميد دباشي.. التصورات الغربية عن الهوية الإي ...
- فيلم -باليرينا-.. درس جديد في تصميم الأكشن على طريقة -جون وي ...
- التشادي روزي جدي: الرواية العربية طريقة للاحتجاج ضد استعمار ...
- ما آخر المستجدات بحسب الرواية الإسرائيلية؟
- تردد قناة ماجد الجديد لأطفالك 2025 بأحلى أفلام الكرتون الجذا ...
- -أسرار خزنة- لهدى الأحمد ترصد صدمة الثقافة البدوية بالتكنولو ...


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فوز حمزة - الظلال الحزينة