أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فوز حمزة - زهرة التوليب














المزيد.....

زهرة التوليب


فوز حمزة

الحوار المتمدن-العدد: 7180 - 2022 / 3 / 4 - 14:05
المحور: الادب والفن
    


كل شيء بدا ساكنًا ..
الأشجار العارية وأغصانها المجففة توحي بالحزن .. الأعشاش المتهدمة تخبرك إنّ الطيور المهاجرة قد ضلت سماء العودة منذ زمن ..
الصمت يوحي باقتراب النهاية .. رائحة البرد ملأت المكان منذ حلَّول الشتاء القاسي ضيفًا عليهم ..
توقفت الحياة عن تدفقها ..
سرق منهم ألوانهم ليمنحهم رداء الموت الأصفر .. و ذلك الجدول الصغير المتجمدة مياهه جعل للخوف لونًا أبيضًا .. يخيل للرائي أن الجحيم مكان بارد !!
شجرة الباشو العجوز تعد أيامها الأخيرة .. ترقب أغصانها وهي تجذع غصنًا بعد آخر ..
ورقة تلو أخرى ..
لولا جذورها المتشبثة بباطن الأرض لهوت تعانق ظلها منذ وقت طويل ..
- إلى متى سيمكث بيننا هذا الضيف الثقيل .. تجمدت المياه في عروقنا .. تيبست أوراقنا .. متى سيرحل ليأتي الربيع من بعده ..
سؤال مثل هذا لم يجرؤ على قوله سوى شجرة البرقوق الفتية ..
- أوه صغيرتي .. ليتنا نعلم جوابًا لسؤالك .. لكن .. من يجرؤ على الحديث معه ؟؟
ردْ شجرة الباشو العجوز الملىء بالسخرية والتهكم لم يقنع الشجرة الفتية بل جعلها تغلي من الغضب ..
- أنا .. سأطلب إليه الرحيل لترحل معه عتمة الأمسيات .. و يرحل معه هذا الصمت القاتل ..
لون الغيوم الرمادية التي تغطي السماء يشعرني بالاختناق .. سأخبره بكل ذلك .. لن أخشاه ..
- احذري عزيزتي .. فالشتاء قاس لايعرف الرحمة .. لطالما جرّدنا من كل شيء .. أنظري لشجيرات الورد تلك .. كيف غطاها صقيعه .. كيف أحرق أوراقها بنار جليده .. لم يرحم ضعفها ورقتها .. ليس فقط أعمى وأصم بل عديم الرحمة !!
هذه كلمات زهرة السوسن التي حفر البرد عميقًا داخل روحها ..
الشتاء الذي سمع حديث الأشجار والأزهار لم يأبه لحديثهنَّ فهو في أعماقه يعلم أنهنَّ يملكن بعض الحق أن لم يكن كله ..
أنهنَّ حمقاوات ..
اكتفى بترديد هذه الكلمات داخل نفسه قبل أن يتقدم وسط الغابة لينادي بصوته الذي جعل الريح تصفر والمطر يهطل والبوم لا يكف عن النعيق بينما راح الخفاش يثير الفزع في أرجاء الغابة ..
- أعرف أنّ مكوثي معكم قد طال .. ماذا أفعل والربيع لا تبان بشائره .. رحيلي مقرون بقدومه .. عليكم تفهم ذلك !!
- ما العمل الآن ؟
تساءلت شجرة الزيزفون ..
ردت شجيرة النرجس من تحت أكوام الثلج التي تغطيها ..
- عليك بالمغادرة .. لم أرى الشمس منذ أشهر .. أشعر بالضيق .. الموت يزحف إلى جذوري بعد أن تمكن من سيقاني !!
تساقط الثلج رعباً من فوق الأغصان اليابسة حين زمجر الشتاء بصوته المخيف :
- كفاكم ثرثرة .. حديثكم هذا يشعل البرد في أحشائي أكثر .. يجعلني أتجمد غضبًا ..
ردت شجرة الكالبتوس بعد أن ملأ سعالها الغابة ..
- ينهار جسدي خلية إثر أخرى .. أفضل الموت ممتلئة بالحياة على الموت بردًا ..
همست شجرة التفاح دون مبالاة ..
- إنك ترقد على أنفاسنا كما ترقد السماء فوق الغيوم ..
لم يبد عليه التأثر بحديثها وواصل كلامه ..
- إنْ رغبتم برحيلي .. فليذهب أحدكم يترقب قدوم الربيع .. ومن يفعل ذلك سيكافأ ..
- بماذا ؟؟
تساءلت شجرة الأرز بلهفة ..
- سأدع الحياة تتدفق فيه أولًا .. أمنحه كل الألوان .. سأهبه رييعًا طويلًا وأجعله محبوبًا في العيون ..
تنحنحت شجرة الغاردينيا وخبأت رأسها كما فعلت باقي الأشجار .. ..
شجرة الكستناء تظاهرت بعدم سماعها للحديث بينما راحت تهمس لشجرة التين بحذر وتخبرها كم هو أحمق ..
كاد الفرح يتلبس روح الشتاء ويعلن انتصاره بجدارة على كل الفصول لولا اقتحام زهرة التوليب بشجاعة لتخبره أنها ستقوم بهذه الرحلة ..
قالت بصوت هز وجدان الفصل القاسي:
- سأذهب لأترقب قدوم سيد الفرح .. بهي الألوان .. سأمضي لأمتع نظري بأمير الفصول .. سأخبره أن غيابه الطويل قد أجج نيران الصقيع فينا .. أنفاس الحنين باتت باردة .. سأخبره بحرارة أشواقي التي ولدت من أعماق الزمهرير ..
حاول الشتاء كتمان شعور الغيرة الذي انتابه .. لكن أمطاره الغزيرة ورياحه العاتية وبرده القارس القاسي فضحوه بقوة ..
مرت أيام طويلةٌ ظنّ الجميع أنّ الموت من البرد هو المصير الذي واجهته تلك الزهرة المتهورة ..
اندفاع الشباب يجلب الهلاك لصاحبه ..
هذا هو نهاية الحديث الذي دار بين شجرة البلوط وجارتها المعمرة شجرة القيقب ..
في الضفة الأخرى من الحياة ..
شعرت زهرة التوليب أن إحساسًا غريبًا ينساب داخلها .. أنفاسها الحارة بدأت تذيب الصقيع الذي يحيطُ بها .. ارتجافها هذه المرة ليس بردًا بل ولهًا حين لمحت من بعيد الربيع قادم ..
لوحت له قبل أن يلمسها ويهمس :
نادراً ما يحدث ذلك ..
كنت أعرف أنني سألقاكِ ..
الأشجار المعتمة أخبرتني بذلك ..
سأجعلكِ جميلة وأنتِ ترتدين كل الألوان ..
سأمنحكِ ربيعًا طويلًا ..
تنفردين دون كلام ..
واسميكِ زهرة الحب ..
أما زهرة التوليب اكتفت بقولها وهي مندهشة :
لقد رأيتكَ في أحلامي ..
انعكست صورتهما في مياه النهر حين ذاب جليده بحرارة أشواقهما ..
ارتدت الأرض كل بهاءها .. امتلأت عنفوانًا .. عادت الحياة للحياة ثانية عندما تعانقا ..
منذ تلك اللحظة وزهرة التوليب أول من ينهض من تحت أكوام الثلج لتعلن قدوم الربيع ••



#فوز_حمزة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رماد الشمس
- رسالة من بين ثياب شتائية
- رحيل
- بقعة شاي
- بيرانديللو
- من مكان يدعى الروح
- امرأة في قطار
- حقيبتي السوداء
- ما رأيك ؟
- الباقي .. قطعتان من الشطرنج
- قصيرة ولكن
- طه الأسمر
- بقايا جسد
- حينما نمسك بالقلم
- ساخن جدًا جدًا
- أبيض وأسود
- حتما سيأتي .. فالحلم يغفو ويفز
- إشعار بعد الثانية فجرًا
- زهايمر
- تحت بشرة الحلم


المزيد.....




- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...
- أردوغان يشكك بالروايات الإسرائيلية والإيرانية والأمريكية لهج ...
- الموت يغيب الفنان المصري صلاح السعدني
- وفاة الفنان صلاح السعدني عن عمر يناهز الـ 81 عام ….تعرف على ...
- البروفيسور منير السعيداني: واجبنا بناء علوم اجتماعية جديدة ل ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فوز حمزة - زهرة التوليب