أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فوز حمزة - رسالة من بين ثياب شتائية














المزيد.....

رسالة من بين ثياب شتائية


فوز حمزة

الحوار المتمدن-العدد: 7174 - 2022 / 2 / 26 - 10:22
المحور: الادب والفن
    


بلهفة فتحتْ النافذة ..
بدأت تنصت لصوت المطر فهي تعرف إنه يعشقه حد الجنون ..
تذكرت الليلة التي راقصها فيها بينما المطر الجسور انساب عبر الثياب ليتخلل جسديهما ويصل إلى أعماق روحيهما ..
ترك قبلة على شفتيها الورديتين بعد إزاحته خصلات شعرها التي غطت وجهها وبلغة لا يفهمها سوى القلب أخبرها كم يعشقها ..
كيف إن روحها الروح التي يعيش ويتنفس بها ..
أحاطت رقبته بذراعيها الطويلتين البيضاويتين لتخبره كم هو مجنون ..
التفتت نحو الساعة الجدارية التي شاركتها القلق عليه ..
لم يزل على موعد وصوله عشر ساعات ..
غيابه يمنح الزمن عذرًا للتباطىء فتجد نفسها بين مطرقة الشوق وسنديان الحنين ..
لا تجد ملاذًا سوى سطح الدار ليكون أمينًا على دموعها وهي تترجى الله في عودته لها سالمًا ..
فهي من دونه مثل كوكب وحيد في مجرة ..
وهي تقطع الممر باتجاه غرفة مكتبه ..
سمعت صوتًا يهمس باسمها ..
كل شيء في الغرفة ينتظره مثلها .. أوراقه التي أوصاها ألا تعبث بها ..
أقلامه المرتبة بشكل يثير الانتباه ..
تلك اللوحة الجدارية لامرأة ترتدي قبعة سوداء وعقدًا من اللؤلؤ ..
مكتبته الكبيرة ..
المجلات والصحف التي نشرت له قصصه والتي رصها بطريقة لطالما أثارت إعجابها ..
صورتها التي وضعها قريبة من منفضة السجائر ..
حين سألته ذات مرة عن السبب ..
أجابها :
أنتما الاثنان قد أدمنتكما حد نخاع العشق .. لكن أنتِ سيدة لحظاتي الوحيدة من العمر ..
تركت كرسيه يحتضنها كما كان يفعل حين يستفزه عطرها ..
أغمضت عينيها لتستنشق رائحةَ جسده الذي ما زال عالقًا في زوايا المكان ..
رنين الهاتف وصوته الذي جاءها من بلاد بعيدة .. يسألها:
هل أنتِ بخير .. أنهى تلك الغفوة القصيرة ..
لن أكون أبدًا بخير حين تبتعد عني ..
عقدت الدهشة لسانه ..
في تلك اللحظة شعر إنه أمام مشاعر لم يختبرها من قبل ..
امرأة أعادت ترتيب كل شيء في حياته ..
بل اخترقتها كما تخترق الشمس ظلمة الليل فأنارت ما كان معتمًا فيه ..
يكفيها إنه اختارها من بين العشرات ..
وإنه فضلها على دينه .. فكانت له دين .. وإنه قطع كل علاقاته وأوقف كل
مغامراته .. وقد دثر ذكرياته ..
فغدت كتابه وغدا عاصمتها ومدنها وقراها ودستورها ..
أما هي وقفت الدموع بينها وبين الكلمات التي لم تجدها ضرورية
في تلك اللحظة ..
خرجت تتفقد طيوره الكثيرة التي امتلئت بها الأقفاص ..
ابتسمت حين تذكرت إنها كتمت غيرتها من ذلك الطائر غريب الألوان الذي استحوذ على جُلَّ اهتمامه ..
لكنه يفهم ما بها .. أنهى تلك المعركة لصالحها بعناق وقبلة لتغدو بعدها الكلمات كأوراق الخريف المتساقطة ..
وهي تربت بحنان على ظهر كلبه ..
شعرت به يشاركها إحساس الفقد والغربة ..
أسندت جسدها النحيل لجذع الشجرة التي يأوي إليها حين يلم به شيء من الحزن .. فتكتفي بالنظر إليه من بعيد ..
فالوحدة كانت من طقوس الحزن لديه متيقنة من عودته إليها مذعورًا..
فيغفو تحت ظلال نهديها كما يغفو طفل في حضن أمه ..
انتصف الليل ومعه انتصف كل شيء بعودته ..
حين يحضر يغدو الزمن ما قبل و ما بعد ..
هذه المرة لم تكن حاضرة في استقباله ..
كل شيء صامت هذا المساء ..
الأبواب .. الممرات .. أثاث البيت وجدرانه تريد التهامه ..
ألقى بجسده على كرسيها المفضل محدقًا في السقف الرمادي الذي فتح له أبواب
اللا نهاية ..
دخان سيجارته الأزرق الذي ملأ الغرفة أخذه بعيدًا .. للأماسي الوردية التي جمعتهما سوية ..
وهو يرى وجهها القمري المتشرب بحمرة الشمس عند المغيب ..
المتلألئ تحت ضياء الشموع ..
أدرك أن الحب يأتي على جرعات لكن الغياب يباغتنا دفعة واحدة ..
نظر في المرآة فلم يرَ سوى قلبه ..
أبعدوا عنه كل شيء يذكره بها .. ظنوا إنهم بذلك يمدون يد النسيان إليه ..
لم يدركوا إنه في كل ليلة بأجنحة الأحلام الجبارة تحج روحه إليها وتطوف .. فيعود كعصفور يرتعش في ليلة ممطرة ..

وضع رأسه على الوسادة التي منذ رحيلها وهي تهدهد الوحدة ..
كأنّ ذكريات مائة عام تشاركه ليلة واحدة كل ليلة ..
نظر إلى ما يحيط به .. أصبحت الأرض جميعها منفى ..
نهاره أشد عتمة من لياله ..
رحلت بالحياة لتتركه مع عبقها الذي لم يزل عالقًا بثيابها ..
وبثيابه ..
لذلك فهو طالما يقسم بثيابه الشتائية ..
تركته بحواس مضطربة وذاكرة لا تعرف النوم ..
إما الحزن فيهوي بمطرقته بكل ما أوتي من قوة على صدره ليئن فيتألق دمعه
في العيون ..
ذهبت لتترك له خريفًا طويلًا وسريرًا باردًا خاليًا من الحلم ..
غادرت بجسدها دون الروح بينما تركته جسدًا بلا روح ..
نظر إلى الساعة التي توقفت منذ رحيلها ..
أمسك بالقلم وهو يبكي ليكتب :
أيتها الماضي الحاضر ..
غيابكِ كموج البحر .. وقلبي هو الساحل ..
لا يفترقان لكن لن يلتقيا ••



#فوز_حمزة (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رحيل
- بقعة شاي
- بيرانديللو
- من مكان يدعى الروح
- امرأة في قطار
- حقيبتي السوداء
- ما رأيك ؟
- الباقي .. قطعتان من الشطرنج
- قصيرة ولكن
- طه الأسمر
- بقايا جسد
- حينما نمسك بالقلم
- ساخن جدًا جدًا
- أبيض وأسود
- حتما سيأتي .. فالحلم يغفو ويفز
- إشعار بعد الثانية فجرًا
- زهايمر
- تحت بشرة الحلم
- خطر على بالي
- غمامة حب


المزيد.....




- -عصر الضبابية-.. قصة الفيزياء بين السطوع والسقوط
- الشاعر المغربي عبد القادر وساط: -كلمات مسهمة- في الطب والشعر ...
- بن غفير يسمح للمستوطنين بالرقص والغناء أثناء اقتحام المسجد ا ...
- قصص ما وراء الكاميرا.. أفلام صنعتها السينما عن نفسها
- الفنان خالد تكريتي يرسم العالم بعين طفل ساخر
- رابط شغال ومباشر.. الاستعلام عن نتيجة الدبلومات الفنية 2025 ...
- خبر صحفي: كريم عبدالله يقدم كتابه النقدي الجديد -أصوات القلب ...
- موسيقى للحيوانات المرهقة.. ملاجئ الولايات المتحدة الأمريكية ...
- -ونفس الشريف لها غايتان-… كيف تناول الشعراء مفهوم التضحية في ...
- 10 أيام فقط لإنجاز فيلم سينمائي كامل.. الإنتاج الافتراضي يكس ...


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فوز حمزة - رسالة من بين ثياب شتائية