أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فوز حمزة - الباقي .. قطعتان من الشطرنج















المزيد.....

الباقي .. قطعتان من الشطرنج


فوز حمزة

الحوار المتمدن-العدد: 7152 - 2022 / 2 / 4 - 12:14
المحور: الادب والفن
    


لم أصدق أذني حين أخبرني رئيس تحرير الجريدة التي أعمل فيها صحفيا تحت التدريب أن إدارة السجن الكبير وافقت على طلبي في إجراء مقابلة صباح الغد مع أشهر قاتل عرفته البلاد والذي سيتم إعدامه بعد شهر.
فرحتي بهذا الخبر لا توصف لا سيما أن ترقيتي مقرونة بهذا اللقاء الذي انتظرته منذ أشهر .. يبدو أن الحظ بدأ يبتسم لي وسأصبح مشهورا في المجال الأحب إلى قلبي .. عالم الجريمة . لطالما كنت شغوفًا معرفة بماذا يفكر المجرمون وكيف هي حياتهم .. كنت أريد معرفة نوع المشاعر التي تنتابهم بعد كل جريمة يقترفونها وها هي الفرصة تسنح أمامي للدخول إلى عالمهم الغامض المثير.
ناولني رئيس التحرير الورقة التي فيها الأسئلة وشدد على أن انتزع قدر استطاعتي اعترافات من القاتل تجعل من صحيفتنا الأولى في التوزيع.
سهرت تلك الليلة متشوقا إلى لقاء قاتل متسلسل أصبح بجرائمه أشهر من أي ممثل عالمي أو رئيس حكومة .. عرف بين الناس باسم قاتل لوح الشطرنج ..
قال لي مدير السجن واستغراب في عينيه لم يستطع إخفاءه وهو يسير معي في الممر المؤدي إلى الغرفة: أنك شخص محظوظ .. فأنت الوحيد الذي رشحك المجرم من بين عدد كبير من الصحفيين ليجري معه اللقاء.
أغلق الباب ورائي لأسمع وقع خطواته تغيب شيئًا فشيئًا.
دخلت الغرفة التي كانت شبه مظلمة يتدلى من سقفها مصباح صغير .. جلست على كرسي وأمامي طاولة صغيرة وضعت في المنتصف .. من الجهة الثانية كرسي فارغ بانتظار القاتل الذي حضر بعد عشر دقائق داخلا من باب صغيرة جانبية لم انتبه لوجودها إلا بعد أن فتحت .. وضعت جهاز التسجيل على الطاولة و دفترا لتدوين الملاحظات.
وأنا أنظر إليه وهو ما زال واقفا عند الباب محدقا فيّ .. لم أشعر بأي شيء غريب فيه بل على العكس .. كان عاديًا جدًا يشبه الناس الذين أقابلهم في الباص أو في الشارع أو ربما في مبنى الصحيفة .. كان عكس الصورة التي رسمتها له في خيالي من أنه وحش مخيف لكن ما أرعبني هي نظراته إلي كأنه يخترقني .. اقترب ممسكا بظهر الكرسي وهو يبتسم ابتسامة خفيفة ليسألني بعد أن جلس و وضع ساقا فوق ساق:
- ما أسمك؟
للوهلة الأولى شعرت كأنه يحقق معي.
أجبته بعد أن ضغطت على زر التسجيل:
- أنا عادل عبدالله عمران .. صحفي في جريدة ما بعد اليوم ..
- لم أسمع بها من قبل.
شعرت بأنه ربما يرفض إتمام المقابلة فأسرعت بالقول:
- صحيح أنها صحيفة مغمورة لكني آمل أنها ستكون الأشهر حين أنشر لقائي معك من على صفحاتها.
ابتسم بمكر قائلا:
- تبدو ذكيا !!
ثم تقدم بجسده للأمام ونظر في عيني بثبات قبل أن يسألني:
- ما الذي تبغيه من مقابلتي ؟
وجدت نفسي أجيبه بصدق:
- أن أحقق شهرة واسعة في عالم الصحافة.
عاد بجسده إلى الخلف وهو يسألني ثانية:
- وماذا غير الشهرة ؟
سكت لحظات وأنا أنظر في عينيه لأجيبه بعدها بصوت واثق جدًا مما أقول:
- عالم الجريمة يستهويني .. وأنت المفتاح الذي سيدخلني إلى هذا العالم ..
لمعت عيناه وكأنه كان ينتظر هذه الإجابة مني .. فقال:
- حدسي لم يخني حين اخترتك .. اسمعني جيدًا .. أريد منك أن تنقل للناس كل ما اخبرك به .. لا تنتقص منه حرفًا ولا تزد عليه .. أريدهم أن يخافوني حتى وأنا في السجن .. أريدهم اسمي أن يرعبهم.
قلت له وأنا أحاول أن أبدو ثابتا مثله:
يقال أنك قتلت ثمانية وأربعين شخصًا .. هل هذا صحيح ؟
- غير صحيح .. لقد اخبرتهم بأني قتلت اثنين وستين إنسانًا لكن الأغبياء لم يصدقوني ..
- لماذا ؟
- لأنهم لم يعثروا على باقي الجثث ..
ضحك بشكل هستيري بث الخوف في فحاولت أن أغير انتباهه من خلال سؤالي:
- أخبرني بماذا تشعر حين تنتهي من قتل ضحيتك ؟
مسح بيده على شعره وظهرت في عينيه نشوة غريبة وهو يقول:
- القتل بالنسبة لي حياة .. لحظة استمتاع وكأنني ذاهب لمقابلة امرأة جميلة .. حين أنظر في عيني ضحيتي وهما تفارقان الحياة يغمرني شعور من السعادة لا أتمكن من وصفه.
حين قال جملته الأخيرة أغمض عينيه وكأنه ذاهب لعالم آخر وحين فتحها قال:
- أول جريمة ارتكبتها تشبه الحب الأول .. لن تستطيع نسيانه مهما مررت بتجارب بعدها .
- من هو أول شخص تقتله؟
شعرت به امتلأ زهوا حين سمع سؤالي ونظرة أعجاب بانت لي في عينيه حينما قال:
- إنه صديقي في المدرسة .. لقد سخر مني حينما أخبرته أنني أبحث عمن أقتله .. لهذا كان علي تلقينه درسًا .. حين هويت على رأسه بالمطرقة شعرت بالحرية .. وكأنه وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة كان يهبني إياها.
قاطعته بسرعة:
- لم تخبرني عن طفولتك كيف هي ؟
بدا منزعجا من سؤالي .. فأجابني على مضض:
- لا يوجد في طفولتي شيء مهم .. كانت طفولة بائسة عشتها مع أمي التي دائمًا ما كانت تنعتني بالغبي وتضربني بقسوة .. لكن جدي كان يعرف أنني لست كذلك .. أخذني للعيش عنده وهو من علمني لعبة الشطرنج التي برعت فيها .. رقعة الشطرنج هي من أوحت لي بقتل أربع وستين شخصا .. كنت كلما أقتل حجرًا في الرقعة أضع في بالي قتل شخص ما وهذا ما فعلته . لكنني للأسف .. لم استطع إكمال العدد إذ تم القبض علي .. لكن آمل أن ابني من بعدي سينهي المهمة ويغلق رقعة الشطرنج.
سألته باهتمام شديد:
- هل لديك ابن ؟
نظر في عينيّ ثم حول بصره نحو سقف الغرفة بعد أن شبك يديه تحت رقبته:
- نعم .. لقد تزوجت من المرأة الوحيدة التي أحببتها .. كنت أريد لنسلي أن يستمر وأن يرثوا حب القتل مثلي ويكملوا ما بدأته .. لكن زوجتي للأسف هربت بابني الذي لم يتجاز عمره العام ولم أعرف عنه شيئًا إلا قبل أيام .
ازداد شغفي واهتمامي بما يقول .. فسألته بسرعة:
- كيف عرفت بوجوده؟
- لقد طلب إجراء لقاء صحفي معي وهاهو جالس أمامي الآن ؟
سكت وهو ينظر لي محاولا معرفة تأثير ما قاله لي قبل قليل .. أما أنا فكنت محتاجا لوقت طويل لاستوعب حديثه الذي هزني بعنف ..
أغلقت جهاز التسجيل ..
سألته بصوت متحشرج وكلمات متقطعة :
- ما الذي تقصده بقولك أنه يجلس أمامك ؟
- نعم .. أنا عبدالله عمران .. والدك .. و والدتك هي ليلى عبد اللطيف .. أليس كذلك ؟
أصابتني الدهشة حينما نطق اسم أمي .. ثم قال بما يشبه الهمس:
- حين عرفت أنك تريد مقابلتي .. وافقت على الفور وعرفت أنك من ستكمل الرقعة بدلا عني.
نادى على الحارس ليخرجه ليتركني وحدي غارقا في الصمت والحيرة.
بقيت في المنزل أياما لا أغادره من هول الصدمة إلى أن جاءني ذات مساء طردا بريديا يحتوي على رقعة شطرنج مكتوب على كل مربع اسم ذكر أو انثى .. باستثناء مربعين فارغين ورسالة منه مكتوب فيها:
عليك أن تكمل ما بدأته .. اغلق لوح الشطرنج .. أريدك أن تشعر كيف هي عملية القتل لذيذة وممتعة .. فكما أنا ورثت ذلك عن أجدادي عليك أن تضع ذلك في نسل ابنائك ..

لم أكن أظن أن زيارتي للسجن ستحولني من صحفي مغمور إلى قاتل محترف .. لكن كان علي أن أجد طريقتي الخاصة التي تميزني عن والدي .. كنت أقتل ضحيتي ببطء وأجلس انظر في عينيه .. وأنا اخنقه تملؤني النشوة .. في سري كنت أضحك حين أرافق رجال الشرطة إلى مكان الحادث لتغطية جريمتي بل كنت أساعدهم في كشف بعض الأمور .. يالغبائهم .
حين أغلقت لوح والدي بقتل رئيس التحرير و خباز حينا البدين .. فتحت لي لوحة شطرنج جديدة خاصة بي.



#فوز_حمزة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قصيرة ولكن
- طه الأسمر
- بقايا جسد
- حينما نمسك بالقلم
- ساخن جدًا جدًا
- أبيض وأسود
- حتما سيأتي .. فالحلم يغفو ويفز
- إشعار بعد الثانية فجرًا
- زهايمر
- تحت بشرة الحلم
- خطر على بالي
- غمامة حب
- الموعد
- حلم شجرة البلوط
- حلم مع وقف التنفيذ
- ولادة في السماء
- العشاء الأخير
- عانقني
- الغرفة محجوزة
- زهرة من الجدول


المزيد.....




- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فوز حمزة - الباقي .. قطعتان من الشطرنج