أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فوز حمزة - ابنة الغجرية














المزيد.....

ابنة الغجرية


فوز حمزة

الحوار المتمدن-العدد: 7207 - 2022 / 3 / 31 - 12:36
المحور: الادب والفن
    


طال وقوفي أمام شهادتي المعلقة على حائط الصالة الوردي الذي شهد معي مرور السنين
وتلاحق الفصول ورتابة الأيام .. شهادة اتقنت بها المحاسبة لأواجه بها الحياة والتي بدأت حسابها معي
منذ خمسة وعشرين عامًا حين قرر أبي القادم من دولة مجاورة الارتباط من غجرية رآها تغني وترقص في حفل زواج .. عيناه حينما وقعت عليها نسي ما كان يفكر فيه وما أراد قوله.. ملكت من الجمال ما جعلها تدخل قلبه بأقدامها الحافية وعينيها اللتين تسردان أجمل الحكايا.
الغربة كانت تذكرتها لدخول عالمه .. والثمن كان أعوامًا طويلة قضتها في المنفى الذي اختارته باسم الحب الذي صور لها قلبه كخيمة من حب و لمسات حنان .. ذهبت بها الأحلام بعيدًا من الأحلام نفسها .. فوق ذلك المنطق لتحيك لها أجنحة من سحب الخيال سرعان ما تبددت وسقطت فوق سطح الحقيقة حيث لم ترتقِ يومًا لتراه .. كانت تقضي أيامها بين قبيلتها التي لا يتميز فيها شخص عن آخر .. لكنها هنا وسط أهله تفتقد لأشياء كثيرة تستحق من خلالها أن تكون إنسانة.
ارتباطه بها نسف الجسور ما بينه وبين عائلته .. و اضعًا بدلًا عنها صخور بحواف جارحة .. ولم يحدث أن ترفعها انجاب طفلة ولدتها منه .. عجزت في العثور لثمة ثقب تجد متنفسًا من خلاله .. حينما روت لي كيف كان ارتباط أبي بها قبل الزواج .. تيقنت أن حب بعض الرجال كالقطار .. ينطلق بسرعة ثم فجأة يتوقف بهدوء معلنًا انتهاء الرحلة .. وأبي كان من بعض الهؤلاء.
عدم إنجاب أمي لمزيد من الأطفال أوجد الذريعة لجدتي في تزويج ابنها من امرأة تليق بهم .. بهذا الزواج سيخرج من البئر الذي أسقط نفسه فيها وظل يلوب داخلها وحيدًا . تواطأ أبي مع أفكار والدته فانحنى ضميره سامحًا للعاصفة بالمرور وللريح حمل ما تشاء حتى وإن كان غرام امرأة ذابت به كما يُذيب الليل أشعة الشمس.
لم يمنحها هذا الزواج غير لقب يشبه جرح في الوجه وندبة في الروح لأن بلاده رفضت الاعتراف بها ومنحتها بدلًا عن ذلك لقبًا يميزها عن أبناء البلد .. وحين اختارت العودة لعالمها .. خيرّها أبي بين الرجوع وحيدة أو البقاء في بلاده بجانب ابنتها .. الاختيار الثاني حولها لزوجة منبوذة لا تقوى على منافسة أحد وإنسانة من الدرجة الثانية.
ذات مساء، بينما كنت أضع رأسي على فخذها المكتنزة وكفها الذي يداعب شعري .. تسربت من جسدها إلى جسدي وخزات ودغدغات جعلتني أغفو لبرهة .. أخذها الحنين لبيت أهلها الذي كانت تأتيه الموسيقى من كل مكان ونوافذه المشرعة اتخذتها الطيور ملاذًا لها .. جرفها الشوق فبدأت تغني بصوت يطرب الحجر فشدني عن كل شيء :
أدري بيك تحبني وبشوقي تذوب
وأدري عنك لو غبت تشبع قهر
وما نسيتك يمكن أنت اللي نسيت
خلص عمري إلك ياما انتظر
كافي إرجع تدري كل لحظة أموت
وليلي ما يقدر بعد يحمل سهر
تدري بفراكك جهنم من تروح
وأبقى ليالي انتظر فوك الجمر
.................................................
في تلك الليلة .. أطفأت الحياة آخر شمعة من عمرها لأغرق بعدها في العتمة وحدي.
غادرت أمي الحياة ولم تحصل على شيء من أبي سوى قطعة أرض تضم رفاتها بينما تركت له ما يذكره بها طوال الحياة.
كانت أمي تشبه ابتسامة المتعب حين يصل في المساء لبيته فلا يجد سوى العتمة وأحلام لامست أطراف جسده دون قلبه.
دخلت بيت جدي ممسكة في اليد الوحيدة لي في هذا العالم لأجد أنني كنت الابنة والأم في ذات الوقت .. كنت جميلة مثل أمي وأشبهها إلى الحد الذي يذكرهم بها .. لم أكن أعلم أن معاركًا ستشن ضدي وليس هناك خاسرون غيري .. انتهت الحرب بوفاة أبي .. لأخرج منها أمضغ ذكرى حياة لم تترك في فمي غير طعم الوجع وبعض المال اتعكز عليه ورثته عن أبي.
فتحت نافذة غرفتي في البيت الذي استأجرته لأطل على العالم الذي رفضني .. لأقول له: أنا هنا رغمًا عنك .. بدأت أحدث أشجار الحديقة الشاردة في السكون .. خيل إلي أن ما أشعر به قد انتقل بالعدوى لها.
رفعت رأسي صوب الغيوم أسألها: ما ذنبي ؟؟
جاءني الجواب الذي لطالما سمعته .. لأنكَ ابنة الغجرية .



#فوز_حمزة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قارىء عداد الكهرباء
- مواسم العطر
- بين الظلال
- أنا ومعطفه الأسود
- موعد غرامي
- الوداع الأخير
- زهرة التوليب
- رماد الشمس
- رسالة من بين ثياب شتائية
- رحيل
- بقعة شاي
- بيرانديللو
- من مكان يدعى الروح
- امرأة في قطار
- حقيبتي السوداء
- ما رأيك ؟
- الباقي .. قطعتان من الشطرنج
- قصيرة ولكن
- طه الأسمر
- بقايا جسد


المزيد.....




- توم يورك يغادر المسرح بعد مشادة مع متظاهر مؤيد للفلسطينيين ف ...
- كيف شكلت الأعمال الروائية رؤية خامنئي للديمقراطية الأميركية؟ ...
- شوف كل حصري.. تردد قناة روتانا سينما 2024 على القمر الصناعي ...
- رغم حزنه لوفاة شقيقه.. حسين فهمي يواصل التحضيرات للقاهرة الس ...
- أفلام ومسلسلات من اللي بتحبها في انتظارك.. تردد روتانا سينما ...
- فنانة مصرية شهيرة تكشف -مؤامرة بريئة- عن زواجها العرفي 10 سن ...
- بعد الجدل والنجاح.. مسلسل -الحشاشين- يعود للشاشة من خلال فيل ...
- “حـــ 168 مترجمة“ مسلسل المؤسس عثمان الموسم السادس الحلقة ال ...
- جائزة -ديسمبر- الأدبية للمغربي عبدالله الطايع
- التلفزيون البولندي يعرض مسلسلا روسيا!


المزيد.....

- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / أحمد محمود أحمد سعيد
- إيقاعات متفردة على هامش روايات الكاتب السيد حافظ / منى عارف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فوز حمزة - ابنة الغجرية